مشروع إتاحة الوصول الرقمي لأكثر من 2500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة

يعد هذا المشروع ثمرة التعاون ما بين المكتبة الوطنية الإسرائيلية وصندوق أركاديا من أجل إتاحة الوصول إلى 2500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة

ضمن رؤيا المكتبة الوطنية الإسرائيلية للتوسع والتطوير، أعلنت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس أنّها بفضل تبرّع سخيّ من أركاديا، وهو صندوق خيريّ من تأسيس لسبيت راوسنغ وبيتر بالدوين، ستتيح الوصول الرقميّ إلى أكثر من 2،500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة من مجموعتها العالميّة. والتي هي مجموعة تضمّ كنوزًا لا تقدر بثمن من جميع أنحاء العالم الإسلاميّ من الألفيّة الماضية، وتهدف المكتبة إلى توفيرها من خلال منصّة تتيح الوصول العالميّ المجانيّ لصور عالية الدقّة وأدوات سهلة الاستخدام.

يتضمن المشروع رقمنة صور عالية الدقّة ورفعها؛ تحسين أوصاف الموادّ باللغتين العربيّة والإنجليزيّة؛ تصميم وتطوير منصّة رقميّة ثلاثيّة اللغات (بالإنكليزيّة، العبريّة والعربيّة). كخطوة أوّليّة هامّة، سيراجع خبراء حفظ وصيانة المخطوطات في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة بدقّة جميع الموادّ التي سيتمّ مسحها ضوئيًّا، ويتّخذون إجراءات الحفظ والصيانة المشدّدة لأيّ موادّ يتبيّن أنّ وضعها إشكاليّ.

ستتيح المنصّة الرقميّة للمستخدمين من جميع أنحاء العالم اكتشاف المجموعة الكاملة والاستمتاع بها، تلك المجموعة التي تتميز بصور عالية الدقّة مصحوبة بإمكانيّات بحث وأدوات ودّيّة وسهلة الاستخدام. من المتوقّع أن يكتمل المشروع في غضون ثلاث سنوات.

تضمّ مجموعة الإسلام والشرق الأوسط التابعة للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة 2500 من المخطوطات والكتب النادرة باللغات العربيّة، الفارسيّة والتركيّة، والتي يعود تاريخها إلى الفترة بين القرن التاسع والقرن الـ 20.

تبرّع بغالبيّة المخطوطات إبراهيم شالوم يهودا (1877-1951)، وهو مثقّف عربيّ-يهوديّ من مواليد القدس، وأحد أهمّ جامعي المخطوطات الإسلاميّة في أوائل القرن الـ 20. تضمّ المجموعة مقتنيات من جميع مجالات المعرفة الإسلاميّة الرئيسيّة والموروث الأدبيّ. من أبرز معالم هذه المجموعة موادّ جذّابة من المكتبات المملوكيّة، والمغوليّة والعثمانيّة السلطانية؛ أعمال علميّة نُسخت في حياة مؤلّفيها أو بعد وفاتهم بفترة وجيزة؛ ونسخ موقّعة من فترة متأخّرة. كما أنّها بمثابة مجموعة بحثيّة رائدة تخدم الباحثين من خلال أعمال معاصرة ذات صلة بالثقافة الإسلاميّة والشرق أوسطيّة.

أما المواد التي ستضمّها  المواد الرقميّة الجديدة، فتشمل مواد ونسخ متنوعة ونادرة الوجود؛ منها مجموعة مخطوطات حول مقتطفات قرآنية قديمة من جميع أنحاء العالم، ومن هذه المخطوطات نسخة جزء من مصحف بالخط الكوفي يعود إلى القرن التاسع ميلادي من شمال أفريقيا. والذي يمكننا أن نرى جمالية استخدام الألوان (الأحمر والأزرق والأصفر) فيها إشارة إلى قراءات مختلفة، بالإضافة إلى التميز في استخدام أسلوب التنقيط بالألوان. في الصورة، يمكننا الرؤية بأن النص المعروض يعود إلى بداية سورة هود.

نص بداية سورة هود يعود إلى مصحف من القرن التاسع للميلاد.

 

لا تضم المجموعة المصاحف فقط وإنما هنالك العديد من الكتب النادرة الإسلامية مثل كتاب الكواكب الدرية في مدح خير البرية المسماة بالبردة،  إذ أن هذا الكتاب يعد بكونه أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي. وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها وتتميز هذه النسخة بكونها مرسومة لخزانة السلطان المملوكي الأشرف أبو نصر قانصوه الغوري (توفي 1516م)، وبعد ذلك كانت بحوزة خزانة السلطان العثماني سليمان القانوني (توفي 1566م) والتي تحمل طبعة خاتمه السلطاني.

الصفحة الأولى من كتاب الكواكب الدرية في مدح خير البرية، نسخة تحمل ختم السلطان سليمان القانوني.

بالإضافة إلى المصاحف والمخطوطات الأدبية الدينية، يحمل المشروع بعضًا من المخطوطات العلمية لأسماء بارزة بالعالم الإسلامي مثل الإمام الغزالي، ومن أبرز مخطوطاته نسخة من كتاب مشكاة الأنوار (الذي يسلط الضوء على سورة النور) والذي كان أحد إنجازات الغزالي الأخيرة. وقد تم نسخ النسخة التي تظهر هنا عام 1115 ميلادي، أي بعد أربع سنوات فقط من وفاة الغزالي عام 1111 ميلادي. .

نسخة من كتابة مشكاة الأنوار تعود إلى العام 1115 ميلادي

لا يمكننا الحديث عن المخطوطات بدون أن نعرض أمامكم مخطوطة نظامي الكنجوي (توفي 1209 ميلادي) – للشاعر المسلم الفارسي الذي كان صوفيًا كبيرًا. وهي عبارة عن مخطوطة مصورة بشكل جميل، فيها نرى أول لقاء بين قيس وليلى قبل أن يصبح مجنونًا ويفقد عقله، ومن خلال المخطوطة يمكن الملاحظة بأن حالة قيس قبل جنونه كان مرتديًا ملابسه، وبعد ذلك تم تصوير حالة الجنون من خلال  رسم قيس بأنه قد أصبح عاريًا.

كتاب ليلى ومجنون، من إيران سنة 1602م

 

أيضًاـ تضم مجموعتنا العلمية نسخة من كتاب تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر : والذي فيها شرح (تفسير أو تصحيح) لكتاب ابن الهيثم والمتوفى سنة 1039 ميلادي، يسمى كتاب المناظر). الذي قام بتأليف الشرح هو كمال الدين الفارسي – الذي كان أيضًا عالمًا عظيمًا في القرن الرابع عشر). كمال الدين البصري كان أول من فهم كيفية عمل القوس قزح.

تعود نسختنا إلى العام 1511 ميلادي، والمعروف لدينا بأن اسم صاحب النسخة – (تم نسخها على يد) عبد الرحمن بن مؤيد في مدينة أدرنه. تمثل الصورة هنا شكل العين.

كتاب تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر

 

قالوا عن المجموعة

د. راحيل أوكلس، أمينة مجموعة الإسلام والشرق الأوسط، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة: “نتشرّف بإتاحة الوصول الرقميّ إلى هذه الكنوز، ونأمل أن يُسهم هذا المشروع في فهم أكبر واستقصاء مشارك ذي صلة بالحضارة الإسلاميّة. واحدة من عدد من المبادرات التي تربط المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس بالمجتمع العالميّ”.

البروفيسور بيتر بالدوين، مؤسّس مشارك ورئيس صندوق أركاديا: “يسرّنا دعم المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في إتاحة الوصول المجانيّ لمجموعتها الفريدة من نوعها للجميع حول العالم”.

حول صندوق أركاديا

من تأسيس لسبيت راوسنغ وبيتر بالدوين. يدعم صندوق أركاديا المؤسّسات الخيريّة والمؤسّسات العلميّة لحفظ الموروث الثقافيّ وحماية البيئة وتعزيز الإتاحة. منذ عام 2002، قدّم صندوق أركاديا أكثر من 678 مليون دولار في شكل منح لمشاريع حول العالم. للمزيد من المعلومات، ادخلوا الرابط:   arcadiafund.org.uk

حول المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

تأسّست المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس عام 1892، وتشكّل ذاكرة جماعيّة ديناميكيّة للشعب اليهوديّ في جميع أنحاء العالم، والإسرائيليّين من جميع الخلفيّات والأديان. مع الاستمرار في العمل كمكتبة بحثيّة بارزة في إسرائيل، شرعت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة مؤخّرًا في مسيرة تجدّد طموحة لتشجيع جماهير منوّعة في إسرائيل وحول العالم على الاطّلاع على كنوزها بطرق جديدة وذات معنًى. يتم ذلك من خلال مجموعة من المبادرات التعليميّة، الثقافيّة والرقميّة المبتكرة، وكذلك من خلال حرم جديد بارز صمّمه هرتسوغ ودي ميرون، بمشاركة المكتب الهندسيّ التنفيذيّ مان-شنعار. المقرّ الجديد قيد الإنشاء حاليًّا بالقرب من الكنيست (البرلمان الإسرائيليّ) في القدس، ومن المقرّر الانتهاء منه عام 2021.

تمتلك المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة أربع مجموعات أساسيّة: إسرائيل، اليهوديّة، الإسلام والشرق الأوسط، والعلوم الإنسانيّة. من بين أبرز الأعمال أعمالًا هامّة مكتوبة بخطّ يد شخصيات بارزة، مثل: الرمبام- موسى بن ميمون، والسير إسحاق نيوتن، ومخطوطات إسلاميّة رائعة تعود إلى القرن التاسع وأرشيفات شخصيّة لشخصيّات ثقافيّة وفكريّة بارزة، مثل: مارتن بوبر، نتان شيرانسكي ونعومي شيمر.  تمتلك المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة أكبر مجموعات من النصوص اليهوديّة، الموسيقى اليهوديّة والإسرائيليّة، خرائط القدس والأرض المقدّسة، بالإضافة إلى مجموعات عالميّة من المخطوطات، الخرائط القديمة، الكتب النادرة، الصور الفوتوغرافيّة، الموادّ الأرشيفيّة العامّة والشخصيّة وغيرها.

رسم توضيحي لمبنى المكتبة الوطنية الجديد

من المقرّر افتتاح المقرّ الجديد للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة الموجود قيد الإنشاء حاليًّا بالقرب من الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في القدس، في عام 2022. سيعكس المبنى، الحدائق والباحات المحيطة به القيم المركزيّة للمعرفة الديمقراطيّة وفتح المجموعات العالميّة للمكتبة الوطنيّة ومصادرها لجمهور واسع ومنوّع بأكبر قدر ممكن. تضمّ مساحته البالغة 45000 متر مربّع (480.000 قدم مربّع)، حيّزات للمعارض، بالإضافة إلى تنفيذ البرامج الثقافيّة والتعليميّة في بيئة آمنة، متطوّرة وذات صبغة فنّيّة، مستدامة وحديثة. تقود حكومة إسرائيل وعائلة روتشيلد (الشركاء في المشروع) بناء المقرّ الجديد للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، برعاية صندوق ياد هنديڤ وعائلة ديڤيد س. وروث ل. غوتسمان من نيويورك.

ثورة البراق عام 1929 وأثرها في تشكيل الهوية الفلسطينية

لقد كان لثورة البراق عام 1929 الأثر الكبير في تشكيل الهوية الفلسطينية الحديثة خلال الفترة الانتدابية ومن أبر محطات الصراع العربي اليهودي في البلاد.

صحيفة الكرمل، 17 حزيران 1930

لا شك أن ثورة 1929 شكلت محطة فاصلة بين حقبتين، شكلت مرحلة اللاعودة في العلاقات العربية اليهودية؛ من عداء واضح وعنف متبادل وشقاق لن يلتئم بعدها، لقد تم دراسة الثورة وأسبابها وتفاصيلها، ولكن على أهمية هذا الإنتاج إلا أنه من المهم أيضاً دراسة أثر ثورة 1929 في الوعي والهوية الفلسطينية

توفر لنا الصحافة الفلسطينية فرصة مدهشة ومثيرة للوقوف على تشكل الهوية الثقافية والسياسية الفلسطينية بتفاصيلها الدقيقة من الأغنية الفلسطينية وحتى العلم الفلسطيني. كل ذلك سيتشكل في ثورة 1929، وهو ما يدل على أثرها في الوعي والذاكرة الفلسطينيتين.
بالنسبة للفلسطينيين فقد اندلعت الثورة بسبب اعتداء اليهود وخروج موكب يهودي بعلم باتجاه حائط البراق، وهو ما شكل بالنسبة لهم اهانة دينية وقومية، حيث ناقشت الجريدة ذلك وذكرته في اليوم الثاني لاندلاع الأحداث

 

جريدة فلسطين، 24 آب 1929

اشتعلت البلاد كلها خلال ايام في الخليل وطبريا والقدس وحيفا وصفد وغيرها، عشرات القتلى والجرحى، العديد من الأحياء نسفت، خطوط الهاتف قطعت، الشوارع أغلقت، خلال أسبوع كانت الثورة قد عمت المدن الرئيسية وتحولت إلى أشبه بساحة حرب.
لكي تخمد السلطات الانتداب الثورة أقدمت على اصدار أوامر بوقف كافة الصحف حينها بما فيها جريدة فلسطين والدفاع ومجلة الفجر وغيرها ولم تسمح لها بالعودة للعمل إلى بعد أسبوع

جريدة فلسطين، 2 أيلول 1929

حين عادت الصحف للعمل نشرت حينها كل الأخبار والبلاغات التي وصلت خلال أسبوع الأحداث دفعة واحدة، توفر لنا هذه المواد اليوم مساحة مهمة جداً لفهم الأحداث والتفاصيل بشكل يومي تماماً كما لخصتها ووصفتها الحكومة البريطانية

جريدة فلسطين، 3 أيلول 1929
جريدة فلسطين، 3 أيلول 1929

كان ذلك ملخصاً أسبوع مما سيطلح على تسميته بثورة البراق في الثقافة الفلسطيية، أو أحداث أو شغب 1929 في الثقافة العبرية، لكنه سيترك أثراً بالغاً في الوعي الفلسطيني، فعلى أثر الاحداث اعتقل ثلاثة فلسطينيين وهم: محمد جمجوم، فؤاد حجازي، وعطا الزير. حكم عليهم لاحقاً بالاعدام، حكم سيدخل التاريخ حيث سيتحول الشبان الثلاثة إلى جزء من ذاكرة الشعب الفلسطيني ونضاله، وسيتم استحضارهم في كل حدث ومناسبة، ولا يزال حتى اليوم بعد عشرات السنين من اعدامهم يُذكرون كل عام ولا يزال معظم الفلسطينيين يحفظون عن ظهر قلب قصيدة “من سجن عكا طلعت جنازة” التي كتبها الشاعر نوح ابراهيم والذي سيستشهد هو الآخر لاحقاً لتصير حكايتهم كأنها قصة ملحمية بنظر الكثيرين.

اليرموك، 18 حزيران 1930

هذا الأثر في الهوية لن سينعكس أيضاً في الأدبيات والشعر الفلسطيني هكذا ستصير أغنية لا تسل عن سلامته والتي ظهرت في مسلسل “التغريبة الفلسطينية” جزءًا متأصلاً في التراث والأغنية الفلسطينية

جريدة مرآة الشرق، 13 نيسان 1930


اقرأ/ي أيضاً: محطات في حياة السياسي الفلسطيني ابن مدينة الرملة الأستاذ يعقوب الغصين

لكن الأثر الأبرز ربما لأحداث ثورة البراق سيكون سياسياً، حيث يمكن استشفاف علاقة واضحة بين رفع العلم الصهيوني (كما وصفته جريدة فلسطين) وبين ظهور العلم الفلسطيني نفسه، حيث قدمت جريدة فلسطين بعد الثورة بشهر واحد اقتراحاً للجنة التنفيذية بضرورة اتخاذ علم مقترحة عليها علمين ومطالبة أيضاً بنشيد وطني وهو ما سيفتح باب النقاش بعدها والذي سيفضي لاحقاً لتصميم العلم الفلسطيني.

جريدة فلسطين، 20 تشرين الأول 1929

لم تكن ثورة البراق سوى أسبوع واحد ولكنها ساهمت في صقل جوانب متعددة من الهوية الفلسطينية، قد تكون الأمثلة أعلاه بعضها، ولا تزال الكثير من الأمثلة بحاجة لدراسة معمقة، ربما تشكل هذه الصحف الفلسطينية اليوم وقد صارت متاحة للباحثين بداية جيدة لدراسة الكثير من الجوانب واعادة قراءة الماضي قراءة نقدية تسلط الضوء على ما جرى وتمكننا ليس فقط من فهم الماضي بل من فهم الحاضر أيضاً.

ملصقات المسارح الفلسطينية: تأريخ لأعمال يوسف وهبي

لم يكن يوسف وهبي مجرد اسم ممثل مسرحي عربي مشهور بل كان أيضًا من أحد مساهمي الوحدة بين الشعوب العربية من خلال عرض أعماله الفنية في المنطقة العربية.

14 من تموز سنة 1900 هو يوم ذكرى عيد الحرية في فرنسا و يوم الحربية في مصر لكن  أيضًا هو ذكرى يوم ميلاد الفنان المسرحي يوسف وهبي في محافظة المنيا بالقرب من أحد روافد نهر النيل الذي يُسمى كنايًة ببحر يوسف ومن هنا جاءت تسمية الفنان بيوسف. [1]

لم يكن يوسف وهبي مجرد اسم ممثل مسرحي عربي مشهور بل كان أيضًا من أحد مساهمي الوحدة بين الشعوب العربية وذلك من خلال عرض أعماله فنية في المناطق والأماكن العربية ومن ضمنها فلسطين التي حظيت بجزء كبير من عرض أعماله خاصة خلال إدارته لفرقة رمسيس، كيف لا وقد كانت إحدى أكبر الفرق المسرحية في الشرق. ومن حسن الحظ أن بعض الملصقات التي وثقت عرض أعماله في مناطق فلسطين المختلفة لا تزال متوفرة التي من خلالها يمكن الاطلاع على عروض أعماله التي تنوعت وتعددت ما بين تمثيله الشخصي للمسرحيات ضمن فرق عديدة مثل فرقة فاطمة رشدي وفرقة رمسيس أو ما بين تجسيد أعماله من خلال فرق محلية على المسارح الفلسطينية المختلفة خاصة في حيفا ويافا مثل فرقة الكرمل بل وانتقلت أعماله إلى السينما الفلسطينية في فيلم جوهرة الذي كانت إحدى عروضه في مدينة عكا.

من أوائل الحفلات التي قام بها يوسف وهبي إلى فلسطين كما في العديد من الأقطار العربية كانت ضمن فرقة فاطمة رشدي التي كانت تضم حلة من الفنانات والفنانين أمثال فاطمة رشدي وعزيز عيد، وكما يُقال “أن الأفضل يبقى للنهاية”، فبعد الجولة في كلٍ من بيروت وبغداد ودمش وحلب اختتمت الفرقة أعمالها في فلسطين لا لشيء سوى لتوكيد نسيج العلاقة المتين الذي كان آن ذاك بين الأقطار العربية ومن ضمنهم فلسطين.  فالهدف الأساسي في تلك الجولة التي كانت برعاية الحكومة المصرية كان من أجل نشر الثقافة والفن المصري بين الأقطار العربية وذلك من مبدأ “شاهد واشعر عن قرب”

من العروض التي قام بها يوسف وهبي ضمن فرقة رمسيس كانت على مسرح بستان الإنشراح في حيفا، فكانت حفلات العروض لثلاث أيام تم خلالها عرض ثلاث روايات وقد كان يوسف وهبي يدير الفرقة بنفسه، أما طاقم الفرقة فكان تضم فنانات وفنانين آخرين مثل الفنانة زينب صدقي، الآنسة أمينة رزق والفنان حسن أفندي البارودي وغيرهم.

(يعود تاريخ هذا الملصق إلى 2 أيار من سنة 1929 والذي من خلاله تم توثيق استضافة مسرح بستان الإنشراح لفرقة رمسيس)

 

كما يبدو أن عروض فرقة رمسيس لم تكفي جمهور حيفا آن ذاك مما شجع الفرقة على العودة إلى المدينة في ذات الشهر مرة أخرى ليوم واحد من أجل عرض روايتين اثنتين في ذات المسرح أي مسرح بستان الإنشراح وقد تم عرضها في يوم 29 أيار سنة 1929.

(حفلة فرقة رمسيس على مسرح يستان الإنشراح، تاريخ الملصق 29 أيار 1929)

 

من الواجب ذكره أن العرض الثاني على مسرح الإنشراح كان أكثر خصوصية من ناحية طاقم الفرقة الرئيسي الذي اقتصر على الأستاذ يوسف وهبي وأربعة من أعضاء الفرقة فقط هم الممثلة أمينة رزق وزينب صدقي، دولت أبيض وجورج أبيض وقد جسدوا كل من رواية راسبوتين وانتقام المهراجا، أما بخصوص الجمهور فقد كانت المسرحية مفتوحة للجميع.

أخذ تمثيل وتجسيد مؤلفات يوسف وهبي ينتقل إلى فرق محلية فلسطينية ينتشر على خشبات المسارح الفلسطينية خاصة في حيفا ويافا، ومن أهم الروايات التي تم تجسيدها كانت رواية الصحراء التي قامت فرقة الكرمل التمثيلية بتأديتها في مسرح عين دور بحيفا ومن ضمن طاقم الممثلين كان صاحب الدور الرئيسي الفنان إسكندر أيوب.

 

(تمثيل فرقة الكرمل لرواية الصحراء من تأليف يوسف وهبي على خشبة مسرح عين دور- حيفا بتاريخ 2 أيار1945)

انتقلت أعمال يوسف وهبي إلى الشاشة الذهبية من خلال عرض فيلم الجوهرة عام 1943 الذي كانت من تأليفه وإخراجه عدا عن كونه جسّد دور البطولة بشخصية سمير إلى جانب الممثلة نور الهدى التي أخذت دور رئيسي بشخصية فلفلة. تم عرض الفيلم في صالات سينما الأهلي في عكا.

(ملصق يروج لعرض فيلم الجوهرة في سينما الأهلي بمدينة عكا،المطبعة العصرية- يافا.  30 نيسان 1945)

 

لا يمكن تجاهل الأهمية الوظيفية لطبيعة الملصق كونها وسيلة يتم من خلالها توثيق مجريات الحياة اليومية حيث أنه (تبعًا لأنواعها) يقودنا إلى التفاصيل حول الحدث أو المكان، لذلك تكمن أهمية الملصقات التي تم استخدامها من قبل المسارح الفلسطينية في توثيق أعمال يوسف وهبي خلال عرض أعماله في فلسطين خلال القرن الماضي، وبالإطلاع عليها تكمن محاولة تصور الظروف والسياقات التي كانتوكيفية تشكلها تبعًا لهوى الجماهير المحبة للفن الجميل.

[1] محمد رفعت، مذكرات عميد المسرح العربي يوسف وهبي كما رواها بنفسه، (مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر: بيروت، 1991)، صفحة 12.

المهندس الإيطالي الذي أحضر الروح العصرية (والغرور) الأوروبية إلى البلاد

أمضى الدكتور ايرميتي بييروتي في البلاد ثمانية أعوام منذ منتصف القرن التاسع عشر. المناظر الطبيعية نالت إعجابه لكن ليس أهل البلاد  الأصلانيين

منذ الحملات الصليبية الغابرة في القدم أقيمت في البلاد تقاليد فنية فخمة بإشراف أشخاص لم يقوموا بزيارة البلاد بتاتًا – رسامو الخرائط، الأدباء والشعراء – الذين أبدعوا في تقديم أعمال فنية على مستوى رفيع لتشبيهات متخيلة من الديار المقدسة وفي مركزها مدينة القدس. وقد اعتمدوا في أعمالهم غالبًا على ما جاء في الكتب المقدسة، المصادر اليهودية والمسيحية المختلفة، كتب الرحالة، الشائعات التي تناقلها الناس، وبعض المناظر التي أبدعها خيالهم المفرط. وقام آخرون برسم معالم المدينة بموجب ما شاهدته نواظرهم وفي كثير من الأحيان كما تراءت من مطلة جبل الزيتون. وقد نُفّذت الرسومات والمناظر التي اعتمدت على الواقع من خلال اعتماد طريقة الرسم الحرّ.

فقط خلال القرن التاسع عشر بدأت تنشر بعض خرائط المدينة بالاعتماد على القياسات. أحد الأشخاص الذين قاموا برسم الخرائط المعتمدة على طرق القياس الدقيقة كان دكتور ايرميتي بييروتي. الباحث والكاتب والمهندس المعماري الإيطالي أمضى مدة ثماني سنوات (1861-1854) في العمل المتواصل في وظيفة المهندس المعماري المدني والعسكري لمدينة القدس بدعوة من متصرف لواء القدس ثريا باشا. وبفضل المكانة الرفيعة التي حظي بها لدى متصرف اللواء حظي بييروتي بحرية تنقل فريدة من نوعها، فاستغل هذه الحرية في التنقل من أجل الدخول إلى الأماكن المقدسة مثل الحرم القدسي الشريف والحرم الإبراهيمي، وهما من الأماكن التي يُحْظَرُ أن يدخل إليها “الغير مسلمين”.

خارطة الخليل، نابلس والبحر المتوسط من أطلس مكوّن من ستّ خرائط نشرها بييروتي في عام 1888.

قام بييروتي بأعمال البحث والتنقيب في الأماكن المقدسة في أرجاء مدينة القدس وخارجها، وأعدّ مخططات تهدف إلى ترميم المدينة وأشرف على عدد لا بأس به من المبادرات العمرانية. وبينما كان يعيش في القدس نشر كتابه “القدس رهن البحث” المكوّن من جزأين حيث أجرى مقارنة بين مدينة القدس إبان أيام العهد القديم من الكتاب المقدّس وبين المدينة المعاصرة: وقد أثار نشر الطبعة الأولى وخاصة ترجمتها للغة الإنجليزية عاصفة من ردود الفعل في بريطانيا. وقدّمت ضد بييروتي دعوى قضائية من قبل جيمس جراهم الذي ادعى أن بييروتي سرق الصور الواردة في الكتاب من المصور الأسكتلندي، فردّ بييروتي على هذا الادعاء بالقول إنّه قد اشترى هذه الصور من المصور اليهودي الروسي مندل جون دينز. وعلى أي حال من الأحوال فقد سارع للرحيل عن القدس.

أهل البلاد في عيني ايرميتي بييروتي هم رقيق

حتى بعد رحيله عن الديار المقدسة واصل بييروتي الاهتمام بالمناظر والشخصيات التي قابلها. وواصل في نشر النتائج التي توصل إليها في سلسلة من الكتب، وأيضًا في أوروبا اعتبر نفسه خبيرًا كبيرًا وليس فقط في المناظر الطبيعية والعمارة في البلاد. أحد أشهر كتبه، والوحيد الذي تمت ترجمته للغة العبريّة كرّسه لبحث “العادات والتقاليد في الأراضي المقدسة”. الاسم الكامل لهذا المؤلف يدل على دافعية بييروتي في الكتابة: “العادات والتقاليد في الأراضي المقدسة لدى سكان البلاد الآن، التي تشكل نموذجًا لأنماط الحياة التي كان يعيشها العبرانيون القدامى”.

مخطط الحرم الإبراهيمي في الخليل. يضمّ هذا المخطط مقطعًا عرضيًا ومقطعًا طوليًا للحرم والذي يرفق من حوله بتفاصيل معلوماتية كثيرة حول المكان. وقد تم نشر هذا المخطط أيضًا كجزء من الأطلس الذي نشره بييروتي في عام 1888
مقطع عرضي للحرم الإبراهيمي من “مخطط الحرم الإبراهيمي في الخليل.

يضمّ هذا المخطط مقطعا عرضيا ومقطعا طوليا للحرم يرفق من حوله بتفاصيل معلوماتية كثيرة حول المكان. وقد تم نشر هذا المخطط أيضًا كجزء من الأطلس الذي نشره”

“كلّ من يضفي على الحيوانات صفة العقل والإدراك دون الاكتفاء بالغرائز، لو كان يتجول في البلاد طولًا وعرضًا لكان دون أدنى شكّ سيجد الكثير من الأدلة لتعزيز نظريته، وكان من الممكن أن يتوصل للاستنتاج (وهو استنتاج غير بعيد عن الحقيقة) بأن هذه المخلوقات أذكى من بشر كثيرين. وعلى الأقل فأنا ما كنت أستطيع أن أدحض أقواله، نظرًا لأنني تقريبًا توصلت لنفس وجهة النظر بعدما تعرفت عن كثب، طوال سنوات، على الفئتين كلتيهما”.

(من كتاب: العادات والتقاليد في أرض إسرائيل، ايرميتي بييروتي)

بينما كان انطباعه إيجابيا عميقا بفضل المباني الكثيرة في مدينة القدس فقد ترك سكان البلاد التي أمضى فيها سنوات طويلة لديه أثرًا سيّئًا. بما يليق بشخص أوروبي من القرن التاسع عشر، لم يتورّع بييروتي من التعميم والاستهزاء بمجموعات إثنية كاملة: فالعرب الذين اعتبرهم من سلالة العبريّين القدامى نظر إليهم على أنهم ثلة من الأشخاص السريعي الغضب، المحتالين والذين لا يمكن أن يبدوا استعدادهم لتقديم المساعدة للأجانب إلا إذا حصلوا في المقابل على “بقشيش”- رشوة. “أيّ سائح في دول الشرق، ولا سيما في سوريا، لا يعرف كلمة بقشيش؟” فقد تكرر ترديد هذه الكلمة على مسامعه إلى درجة أنه استمر في استخدامها حتى بعد عودته إلى بلاده، وبهذه الطريقة فإن هذه الكلمة كادت تغدو جزءًا لا يتجزّأ من حديث الناس في أوروبا أيضًا.”

برك سليمان، جنوبي بيت لحم

من أجل الوصول إلى جذور عادة “البقشيش” ادعى بييروتي أنه يتوجب علينا البحث في العهد القديم من الكتاب المقدس، وذلك من منطلق أنّ العبريّين القدامى كانوا معتادين على عادة “البقشيش”، بدءًا من إبراهيم وحتى إليشع تلقى أبطال العهد القديم (الآباء القدامى للعرب المعاصرين) سلسلة من الإكراميات، الهدايا ومنح المصالحة مِنْ كلّ مَنْ ساعدهم أو أغضبهم. محبة الرشوة لدى الرجال العرب كانت منسجمة تمامًا مع الطبيعة الدسّاسة لنسائهم: “تحت ثنايا المنديل من الممكن التفاضل، تدبير الدسائس وتدبير مختلف المؤامرات التي يمكن أن تخطر على البال”.

كان موقف بييروتي من اليهود أكثر تركيبًا: فقد اعترض على الآراء المسبقة والافتراءات القديمة التي التصقت بأبناء الشعب المختار”، لكنه لم ينسَ التعبير عن استعلائه الأوروبي عليهم: “بينما حرص العبريّون القدامى على الاستحمام والنقاء فإن أحفادهم تخلَّوْا عن الطريق التي انتهجها الأجداد القدامى. في أيام السبت يرتدي اليهود ملابس احتفالية قشيبة لكن، عندما تقترب منهم يتبيّن لك أن النظافة لديهم لم تكن سوى خارجية، وذلك لأنهم تباخلوا في تسديد رسوم الدخول إلى الحمّام”.

وقد ساهم دكتور ايرميتي بييروتي في إحضار الروح العصرية إلى البلاد العريقة غير أنه لم ينسَ أن يصطحب معه من البلاد الأصلية أيضًا الصفة المقرونة بها: الغرور الأوروبي.

خارطة جبل هموريا وجبل البيت (الحرم القدسي الشريف). كما يبدو فإن هذه الخارطة أهمّ الخرائط الستّ المتبقية. سُمِحَ لبييروتي الدخول إلى الحرم القدسي الشريف وهو مكان لم يُسْمَح قطعيًّا دخولُ اليهود والمسيحيين إليه.