تاريخ تحت جُنح الظلام وسياسة على ضوء الشموع

هل تعلمون كيف كانت عملية الإضاءة قبل عصر الإضاءة الصناعيّة، وما هي المراحل التي مررنا بها حتى وصلنا إلى الضوء الكهربائي، هذه المقالة توضح بعض التساؤلات التي من الممكن أن تثيرالاهتمام.

 

فيما يلي ترجمة بتصرف خاصة بموقع مدونة “أمناء المكتبة” لمقال الكاتب أفنير فيشنيتسر- ورشة التاريخ الاجتماعي . للاطلاع على المقالة باللغة العبرية الرجاء الضغط هنا. 

حظي النصف المظلم من تاريخ البشريّة باهتمام أقلّ بكثير ممّا حظي به ضوء النهار. ومع ذلك، يبيّن تاريخ الليل أنّ الظلام قد أثّر في السيرورات التاريخيّة بطرق مختلفة، وأحيانًا غير متوقّعة.

ندخل الغرفة ونضغط على الزرّ، فيسطع الضوء. لقد أصبحنا منذ فترة طويلة مكفوفين في الليل ونعتمد تمامًا على الضوء الاصطناعيّ الذي يأتي إلينا وكأنّه يأتي من تلقاء نفسه، من دون الحاجة إلى إشغال أنفسنا بطريقة إنتاجه أو الثمن البيئيّ الذي يجبيه منّا. تكون مصادر الإضاءة إمّا غائرة أو مبعثرة ويتمّ إخفاء الكوابل داخل الجدران. كذلك علاقات القوّة التي تنظّم إنتاج الطاقة، بدءًا من القرارات المتعلّقة بمواقع محطّات توليد الطاقة، مرورًا بأنواع الوقود وانتهاءً بنشر خطوط الكهرباء للإنارة، تبقى مخفيّة عن الأنظار. هذه تظهر في الوعي فقط في سياقات معيّنة، كما هو الحال في النضال الجماهيريّ ضدّ انبعاثات الملوّثات من محطّات توليد الطاقة، أو عندما يتصدّر “الظلام” في قطاع غزّة العناوين الرئيسيّة.

يسهم الضوء الناتج عن هذه الشبكات أيضًا في التقليل من حجم الأبعاد السياسيّة للإضاءة. ينبعث إلى الخارج. وفيرًا رخيصًا، فاقدًا للتمّيز، شفّافًا وموحّدًا. يُستخدَم الضوء الكهربائيّ لإنارة مناطق ممتدّة حتى نتمكّن من الخروج من المنزل المضاء والوصول إلى الجانب الآخر من المدينة من دون التعرّض لأيّ ظلام حقيقيّ. في معظم المراكز المدينيّة حول العالم، دفع الإفراط في الإضاءة إلى ظهور الظلام وإلى الانقراض تقريبًا (وليس الجميع يرحبّون بهذا).

قبل عصر الإضاءة الصناعيّة كان الوضع عكس ذلك: إذ ظلّ الظلام سائدًا من دون عوائق وكان الضوء الصناعيّ قليلًا وذا قيمة عالية. ومع ذلك، فإنّ الفرق لم يتلخّص في هذا فحسب. فعندما نفكّر في الليالي ما قبل عصر الحداثة، علينا ألّا نعكس إلى الوراء الضوء القياسيّ للكهرباء. لم يكن الضوء في مطلع العصر الحديث بمثابة “القليل من الشيء نفسه”. لم يكن مقدار الضوء مختلفًا فحسب، بل أيضًا خصائصه وعالم المعاني المرتبطة به. الاختلافات بين “أنواع الضوء” والفجوات في مناليّة الضوء بين المجموعات المختلفة هي التي جعلت الضوء مؤشّرًا واضحًا على القوّة الاقتصاديّة والسياسيّة.

مجسم لفانوس إضاءة. كان على كل شخص أن يحمل فانوسًا عند تحركه في الظلام بعد صلاة العشاء. صورة تعود إلى ألبرت سميث، 1850.

تجسّد السطور التي كتبها الشاعر سيّد وهبي هذا الأمر بشكل جيّد، حيث إنّها تتضمّن القيمة الماديّة والعاطفيّة وحتى السياسيّة لضوء الشموع. على المستوى العاطفيّ، يتلاعب الشاعر بالتعبير السائد بالتركيّة “الدعوة مع شمعة” (mumla okumak)  بمعنى أنّ في الدعوة نيّة خالصة، مع الرغبة في مقابلة الشخص (الأشخاص) المدعوّين.

يعود أصل التعبير إلى العادة العثمانيّة المتمثّلة في دعوة الضيوف لحضور الأحداث الليليّة (حفلات في دوائر النخبة أو حفلات الزفاف) عن طريق إرسال الشموع إليهم. قبل تركيب إنارة الشوارع في مدن الشرق الأوسط (الذي بدأ في منتصف القرن التاسع عشر)، كان أيّ شخص يتجوّل في الشوارع بعد صلاة العشاء مجبرًا بموجب القانون بحمل مصباح يدويّ. وعادة ما كان مؤلَّفًا من إطار صلب ما، وُضعت فيه شمعة، محميّة بواسطة ورقة أو زجاج. على المستوى المادّيّ، إذًا، أخذ المضيف على عاتقه نفقات الإضاءة المرتبطة بالوصول إلى منزله. لكنّ اللفتة الرمزيّة لم تكن أقلّ أهمّيّة. من خلال إرسال الشمعة، وسّع المضيف ضيافته لتصل عتبات أبواب الضيوف وأظهر رغبته في إحضارهم إلى منزله.

لفهم كيفيّة ارتباط هذه الشمعة المجازيّة بسياسة السلطان أحمد الثالث (1730-1703) الذي خُصِّصت له هذه القصيدة، يجب أوّلًا أن نقول بضع كلمات عن الجانب المادّيّ لإنتاج الضوء في الإمبراطوريّة العثمانيّة في القرن الثامن عشر. كانت الشموع المصنوعة من الدهون الحيوانيّة أكثر وسائل الإضاءة انتشارًا في إسطنبول والمناطق الشماليّة من الإمبراطوريّة. تمّ إنتاجها من الدهون الحيوانيّة، وبالتالي كانت الورش تقع بالقرب من المسالخ. قام قادة نقابة صنّاع الشموع بتوزيع الموادّ الخام بين أعضاء النقابة والإشراف على إنتاج الشموع وجودتها. غالبًا ما تسبّبت الأوبئة الحيوانية والفيضانات والتمرّدات في إلحاق أضرار بالقطعان أو القدرة على نقلها إلى العاصمة، ولهذه الأسباب حدث نقص في الشموع أحيانًا.

نظرًا لأنّ الشموع كانت تٌعتبَر منتجًا أساسيًّا يجب أن يكون متاحًا لجميع فئات السكان، فقد شغلت مشاكل توفيرها أعلى المستويات في الإمبراطوريّة. يحتفظ الأرشيف العثمانيّ في إسطنبول بتعليمات من بعض السلاطين من النصف الثاني من القرن الماضي للإسراع في توصيل الشموع والدهون الحيوانيّة من الولايات، لضمان التوزيع العادل للشموع لمختلف الأحياء وتطبيق الحظر المفروض على تصدير مواد الإضاءة، كلّ هذا “من أجل الرعايا”، حسب نصّ الأوامر. في حالات النقص الحادّ (على سبيل المثال في 1817-1818) تمّ تحديد حصص.

مآدبة الإفطار تمت إضاءتها بشمع العسل في أحد القصور نهاية القرن الثامن عشر. من أرشيف Coşkun Yilmaz Archive.

إلّا إنّ حقيقة أنّ جميع الرعايا تمتّعوا بتوفّر الشموع لا تعني أنّ الجميع تمتّعوا بالضوء بكمّيّة أو جودة متساوية. أنتجَت شموع الدهون الحيوانيّة ضوءًا ضعيفًا جدًّا، وبالتأكيد مقارنة بالكهرباء، ولكن حتّى مقارنة بشموع البارافين التي نعرفها اليوم: 48 شمعة عاديّة مصنوعة من الدهون الحيوانيّة، وفّرت ضوءًا أضعف من ضوء مصباح واحد بقدرة 60 واط. في مطلع القرن التاسع عشر، كان على عامل البناء البسيط تكريس يومَيّ عمل تقريبًا لشراء هذه الكمّيّة. انبعثت من الشموع المصنوعة من الدهون الحيوانيّة رائحة كريهة، كما أنّها كانت بحاجة وتحتاج إلى معالجة مستمرّة. يجب قطع الفتيل المحترق مرّة واحدة على الأقل كلّ 15 دقيقة، وإلا فإنّ الشمعة ستحترق بشكل غير متجانس، ممّا يتسبّب في انبعاث دخان منها، فقدانها لشدّة الضوء المنبعث منها والتسبّب في سيلان الكثير من الدهون إلى أسفل الشمعة وبذلك يذهب هباءً. لذلك فإنّ الشمعة التي لم تتمّ صيانتها بطريقة سليمة، ستنفق نصف ساعة بدلًا من أربع ساعات وتهدر ما يقارب 95 ٪ من الدهون. احتاجت إضاءة الغرفة التي تطلّبت عددًا كبيرًا من الشموع صيانة مستمرّة، الأمر الذي فاق قدرة الناس العاديّين.

تمكّنت العائلات المقتدِرة ماديًا في الإمبراطوريّة العثمانيّة من شراء كمّيّات كبيرة من الشموع، وشغّلت خدمًا خاصّين تتمثّل مهمّتهم الأساسيّة في صيانة الشموع. وعلاوة على ذلك، لم يكتفوا بالضوء الخافت للشموع المصنوعة من الدهون الحيوانيّة، بل إنّهم اشتروا من أجل إنارة غرف الضيافة في قصورهم شموعًا مصنوعة من شمع النحل التي أنتجت ضوءًا أقوى وأكثر وضوحًا، لم تُطلق رائحة كريهة وتحتاج إلى صيانة أقلّ بكثير. كان سعرها في أوائل القرن التاسع عشر ثلاثة أضعاف سعر شموع الدهون الحيوانيّة. وعليه، لم يكن لبسطاء الرعايا سوى أن يحلموا الشموع المصنوعة من شمع النحل وهم يجلسون في غرفهم المضاءة بضوء خافت.

عرض للألعاب النارية في مهرجان أقيم على شرف ختان أبناء السلطان أحمد الثالث 1720. النور والقوة والنور كقوة الصورة: من كتاب مهرجانات الوهبي ، الشهرة وهبي ، رسم عبد الجليل ليفني ، 1720

في ظلّ هذه الظروف، عندما كانت الإضاءة الداخليّة تمثّل أيضًا تحدّيًا ماديًّا، كانت إضاءة الشوارع أشبه بالمستحيل. اقتصرت الإضاءة الخارجيّة على مواقع محدّدة، خاصّة حول قصور الشخصيّات البارزة في الإمبراطوريّة (التي حولها) والمساجد. اقتصرت الإضاءة على أوقات معيّنة، وخاصة الأعياد الدينيّة والأعياد المرتبطة بسلالة السلطنة، مثل ميلاد أمير أو أميرة أو نصر عسكريّ هامّ. على خلفيّة الروتين المظلم، من السهل تخيّل الأثر الاحتفاليّ لآلاف الشموع والمصابيح، في رمضان على سبيل المثال. بالنسبة إلى الناس العاديّين، كان ذلك أحد المظاهر الخالصة لـ “أجواء العيد”، لكن في الوقت نفسه، كان دليلًا على التزام الحكومة بدعم هذه الأجواء وبالتالي، أداة لترسيخ شرعيّة الحكم.

في هذا السياق يمكننا فهم “حفلات المصابيح” التي نظّمها كبار الإمبراطوريّة خاصّة في عشرينيّات القرن الـ 18، وهي الفترة التي أُطلق عليها لقب “حقبة التوليب” بسبب مركزيّة هذه الأزهار في ثقافة تلك الفترة. مع قدوم الربيع، حيث تُزهر أزهار التوليب في إسطنبول، استضاف كبار الإمبراطوريّة السلطان في حدائقهم في ساعات المساء. آلاف الشموع، الشمعدانات والمرايا وُضعت بين أحواض التوليب، وأكملت الموسيقى والبخور هذه المتعة الحسّيّة الشاملة.

الوزير الأكبر ابراهيم داماد باشا. لوحة رسمها جان بابتيست فان مور، حوالي 1730-1727 ميلادي.

 

مع ذلك، من الواضح أنّ هذه الحفلات كانت أكثر من مجرّد طريقة نخبويّة للترفيه الليليّ. مثل عروض الأضواء التي نُظّمت في البلاط في عدد من الأماكن الأوروبيّة في ذلك الوقت، تمّ استخدام الإضاءة الباهظة لاستعراض قوّة الحكم على المستوى الأكثر حرفيًّا. لم يكن الضوء كيانًا عامًّا و “شفّافًا” بل كان محور الحدث. تمّ تنظيمه لجذب الانتباه إلى نفسه، وفي النهاية إلى القوّة التي سمحت بتركيزه وتنظيمه. ومع ذلك، كان في نهاية المطاف استعراضًا محدودًا من حيث الزمان والمكان، وبالتالي محدودًا في نجاعته كتجسيد لقوّة الحكم. لقد عمل شعراء البلاط هنا كذراع لـ “الدعاية” التي كان هدفها في هذا السياق تضخيم الضوء ونشره بين أولئك الذين لم يشاهدوه، ومَنح الاستعراض حياةً أطول. كتب الوالي عزّت علي باشا، الذي كان شاعرًا مشهورًا أيضًا، “التوليب يزيّن فناء الفوانيس بنسيج ملوّن/ ويزين هذا الحفل الملكيّ، الليلة/ عندما تضيء كلّ شمعة مثل ضوء النهار/ من ينظر أبدًا إلى وجه القمر المضيء؟”

انعكست الفجوات في التطرّق إلى الضوء الاصطناعيّ في نهاية المطاف على هوامش التمرّد الذي اندلع في عام 1730 ضدّ القصر، وأسفر إلى الإطاحة بالسلطان أحمد الثالث، وهو السلطان نفسه الذي كتب على شرفه سيّد وهبي وعزّت باشا. كانت للتمرّد أسباب كثيرة، لكن لا شكّ أنّ حياة البذخ في القصر كانت عاملًا رئيسيًّا في الغضب الذي احتقن في الشوارع. حاصر المتمرّدون الذين كان معظمهم من الطبقات الدنيا في المجتمع المدنيّ، القصر وطالبوا بإعدام الوزير الأكبر واثنين آخرَين من كبار المسؤولين الذين ارتبطت أسماؤهم بعدد من الإخفاقات وبحفلات الشموع التي ورد ذكرها هنا. عندما استلم المتمرّدون جثّة الوزير الأكبر، كدليل على أنّ السلطان استجاب لمطالبهم، غرسوا شموعًا في عينيه وهتفوا – وفقًا لشهادة أحد المؤرّخين – “إذا كنتَ تريد حفلة شموع، فافعلها هكذا!” من خلال هذه اللفتة الوحشيّة، أظهر المتمرّدون أنّهم يفهمون جيّدًا لغة “الضوء كقوّة” التي استخدمتها الحكومة، إلّا أنّ استخدامهم لها قلب منطقها على رأس الوزير الأكبر.

على الرغم من النجاح المبدئيّ، لم يغيّر التمرّد بشكل جوهريّ البنية الاجتماعيّة، ولا الفجوات في الوصول إلى الضوء الاصطناعيّ. هذه الفجوات، وكذلك المظاهر الباهظة للضوء التي جعلت هذه الفجوات سياسيّة بشكل واضح، كانت مشتركة للعثمانيّين وجيرانهم في الغرب. ومع ذلك، فإنّ الواقع الليليّ خارج بلاط الحكم في أوروبا بدأ يتغيّر في العقود الأخيرة من القرن السابع عشر. كان أحد الأسباب الرئيسيّة لذلك هو بداية تركيب شبكات الإضاءة المدينيّة التي كانت تغذّيها دهون الحيتان. زوّدت هذه الدهون، التي كانت المنتج الرئيسيّ لصيد الحيتان الواسع الانتشار في تلك الحقبة، أوروبا بموادّ إنارة عالية الجودة نسبيًّا وبكمّيّات ضخمة وبتكلفة منخفضة. وصلت الإضاءة العموميّة إلى الشرق الأوسط فقط في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما خفض الغاز والنفط تكاليف الإضاءة بشكل كبير. بالطبع لم يمحُ الوقود الرخيص الاختلافات الاجتماعيّة، لكنّ جعْل الضوء متوفّرًا بشكل أكبر، أدّى إلى تقليص فعّاليّته كرمز للقوّة.

 

بلديّة دمشق ضدّ شركة الكهرباء

شبكة الكهرباء وترام دمشق، على الرغم من أنّهما كانا بملكيّة شركة عثمانيّة مسجّلة، كانتا في الواقع تحت سيطرة مجموعة شركات بلجيكيّة. للمزيد في المقال.

فيما يلي ترجمة بتصرف خاصة بموقع مدونة “أمناء المكتبة” لمقال الكاتب عمري إيلات- ورشة التاريخ الاجتماعي. للاطلاع على المقالة باللغة العبرية الرجاء الضغط هنا.

تحكي مذكّرات عدد من الشخصيّات الدمشقيّة قصّة عن صالح بك العظم، من أبطال المدينة، الذي كان في صباه مغرمًا بفتاة يهوديّة. ذات ليلة أمضاها في السهر مع تلك الفتاة، رافقه صديقه سليم الميدانيّ، وفي طريقهما إلى منزليهما في الساعة الثانية أو الثالثة بعد انتصاف الليل صادفا دورية شرطة، تقدم رئيسها  ورفع مصباحه ليرى المارّين بلا مصباح. فلما تميّز صالح بك الثمل، توجّه اليه وقال: “يا سيّدي، أنت ابن الحكومة [كانت عائلة العظم من العائلات العريقة والقويّة في دمشق، وكان أفرادها يتبوّؤون الكثير من المناصب]، وأنتم تضعون القوانين. فلماذا تخالفها؟”

أجابه صالح بك: “بأي شيء أخالفها؟”

قائد الشرطة: “أنك تسير بلا مصباح، وهذا لا يجوز”

صالح بك: “مصباحي معي. إذهب في طريقك!”

 

وسأله الشرطي عن مصباحه، فأدار له صالح بك ظهره، ورفع ذيل سترته بتحدّ، كي يقول إنّه معفيّ من هذه القيود لكونه من وجهاء المدينة، وقال: “هذا مصباحي!”  ومشى صالح بك، وخلفه السيد سليم، فقال له المفوض: “وأنت يا رجل؟ أين مصباحك؟”  فأجاب سليم: “أنا سائر على ضوء البك”. فضحك رجال الدورية، وذهب كل واحد في سبيله!

 

كانت مدينة دمشق ،المُضاءة بشبكة من المصابيح الزيتيّة بمسؤوليّة البلديّة في مطلع القرن الـعشرين، مدينة مظلمة جدًّا. من حين إلى آخر كانت المصابيح الزيتيّة تخفت أو تُكسر، وفي كلّ الأحوال كان النور الذي يصدر عنها خافتًا. ولذلك، كان يتعيّن على سكّان المدينة أن يحملوا معهم فانوسًا فيه شمعة، يسمّى”فنار”. قصّة صالح بك توضّح أنّه في حين كانت المدن الساحليّة العثمانيّة مثل بيروت، إسطنبول، وإزمير قد اعتمدت إنارة الغاز بواسطة شركات تجاريّة، كانت دمشق تعتمد على شبكة إنارة محلّيّة شغّلها سكّان المدينة أو البلديّة التي كانت القوّة الرئيسيّة في تخطيط وإدارة الحياة اليوميّة في المدينة.

سكّان في دمشق يعبرون أمام مسارات الترام في الشارع المركزيّ في المدينة، في عشرينيّات القرن الـ-20، تصوير: الكولونية الأمريكية، مكتبة الكونجرس
سكّان في دمشق يعبرون أمام مسارات الترام في الشارع المركزيّ في المدينة، في عشرينيّات القرن الـ-20، تصوير: الكولونية الأمريكية، مكتبة الكونجرس

شكّل دخول الكهرباء إلى دمشق في العقد الأوّل من القرن العشرين تحوّلًا حادًّا في حياة المدينة ليس في مجال الإنارة والمواصلات فحسب، بل في موازين القوى البلديّة عامّة. على الرغم من أنّ شبكة الكهرباء والترام في دمشق كانت تخضع لملكيّة شركة عثمانيّة مسجّلة، في الواقع كانت تسيطر عليها مجموعة شركات بلجيكيّة. وهكذا دخلت قوّة منظِّمة جديدة إلى الحياة البلدية في مجالات الإنارة، قوّة التحريك، والمواصلات، على حساب قوّة البلديّة التي ادارتها النخبة المحلّيّة. تحوّلت الإنارة من نظام جماهيريّ خاضع لموازين القوى المحلّيّة غالبًا، إلى مورد يخضع لملكيّة خاصّة اجنبية. دخول شبكة الكهرباء والترام إلى المدينة أدّى الى مماحكات ملازمة للطريقة التي أقيمت بها الشركة. وهكذا أصبحت دمشق تشبه المدن الأخرى في أرجاء الإمبراطوريّة التي وضعت فيها البنية التحتيّة للكهرباء في مطلع القرن العشرين، مثل: بيروت، الإسكندريّة، إزمير، بورصة وسلانيك، وبعد ذلك بقليل، إسطنبول أيضًا.

في الإمبراطوريّة العثمانية في أواخر القرن الـتاسع عشر تمّ تشغيل الإنارة الكهربائيّة بواسطة مولّدات كهربائية في القصور، الفنادق، وفي ضِيَع الأثرياء، ولكن شبكات الكهرباء لم تكن تُنشأ بعد. أدّى الاعتماد التامّ لمستهلكي الكهرباء العثمانيّين على استيراد المعدّات والمعرفة التقنيّة إلى وقف تطوّر استخدام الكهرباء منذ منتصف سبعينيّات القرن الـتاسع عشر بسبب حالة الإفلاس التي عانى منها اقتصاد الإمبراطوريّة. استؤنفت الاستثمارات الأجنبيّة في الإمبراطوريّة فقط بعد استقرار مديريّة الديون العثمانيّة التي رهنت أجزاءً كبيرة من دخل الإمبراطوريّة لتسديد الديون. كانت عوامل الجذب الرئيسيّة للاستثمار هي السكك الحديديّة، الموانئ، والتعدين، التي شكّلت القطاعات التي خدمت عمليّات التصنيع العالميّة بقيادة الدول العظمى الأوروبّيّة، لكنّ جزءًا لا يستهان به من الاستثمارات تمّ توظيفه في شركات البنى التحتيّة الداخليّة وفي الصناعة.

بموازاة استئناف الاستثمارات الأجنبيّة ومنح الامتيازات للشركات الأجنبيّة، سعى نظام السلطان عبد الحميد الثاني إلى إنشاء طبقة مبادرين من بين شخصيّات النخبة المحلّيّة-العثمانيّة وموظّفي السلطة المركزيّة. كانت وزارة الأشغال العامّة هي الجهة المسؤولة عن إصدار المناقصات لإقامة الشركات المحدودة الضمان، وحُظر على الحائزين على الامتياز تحويله إلى الأجانب. هكذا كانت شركة الكهرباء والترام في دمشق التي حصل محمّد آل أرسلان البيروتيّ على امتياز إنشائها في عام 1903. كان يتعيّن عليه استقطاب رأسمال قدره ستّة ملايين فرنك (نحو- 300 ألف جنيّه عثمانيّ) من خلال بيع أسهم الشركة.

الترام في دمشق في شارع سنجقدار. بطاقة بريديّة مصوّرة من مطلع القرن الـ 20

ولكن المشكلة أنّ آل أرسلان لم ينجح في تجنيد رأس المال، فاشترت مجموعة شركات بلجيكيّة نواة السيطرة في الشركة مع الإبقاء على آل أرسلان مديرًا للشركة وصاحب الامتياز الرسميّ. تمّ هذا الإجراء من خلال الموافقة الضمنيّة للسلطة المركزيّة التي كانت تعي جيّدًا تبعات ذلك. في المقابل، ابتاعت الشركات ذاتها، مع شركات فرنسيّة وألمانيّة، نواة السيطرة على شركات الكهرباء والترام في بيروت، إزمير، وسلانيك. دُمجت جميع هذه الملكيّات تحت سيطرة شركة قابضة كان مقرّها في إسطنبول وشكلّت الغطاء القانونيّ لنشاط هذه الشركات (نمط شبيه جدًّا بالطريقة التي أدير بها قطاع النفط في الشرق الأوسط بين الحربين العالميّتين).

أُضيئ في مطلع عام 1907 ألف مصباح كهربائي في شوارع مدينة دمشق وبدأ خطّ الترام الأوّل بالعمل في المدينة. كان مصدر الطاقة الرئيسيّ توربينات المياه التي حرّكها التيّار المائيّ لنهر بردى الذي يجري عبر دمشق. وُضعت هذه التوربينات في شرقي المدينة. في الأوقات التي كان فيها تدفّق المياه ضعيفًا تمّ تدعيم التوربينات بمساعدة مولّدات الكهرباء التي كانت تعمل بواسطة المازوت. ظهرت الخلافات في فترة مبكّرة جدًّا وعلى نحو حادّ. فبينما تذمّر سكّان المدينة البسطاء من مصادرة أملاكهم لغرض توسيع الشوارع من حوادث السير والحرائق التي تسبّبت فيها الأعطال في توصيل الكهرباء، دخلت البلديّة في مواجهة مطوّلة مع شركة الكهرباء على خلفيّة تسوية المدفوعات والجدول الزمنيّ للإنارة. لم تكن البلديّة تشكّل لاعبًا ثانويًّا على الأكثر في إجراء المبادرة فحسب، بل إنّ احتكارها للرقابة على الإنارة قد تحطّم كلّيًّا. قوبلت الادّعاءات التي طرحتها البلديّة أمام السلطة المركزيّة بالرفض التامّ باستمرار، وفُرض عليها الالتزام بالاتّفاقيّات التي لم تشارك البلديّة حتى في صياغتها.

كتب أحد سكّان دمشق ويدعى منير الفرّاع مقال رأي في صحيفة بيروتيّة، ادّعى فيها أنّ شبكة مصابيح الزيت في البلديّة قد ميّزت فعلًا ضد بعض المناطق في المدينة من ناحية كمّيّة الإنارة، لكنّها على الاقلّ لم تعانِ من انقطاعات كهرباء عامّة تترك المدينة في ظلام دامس. الانقطاعات ودرجات الشدة المتفاوتة للتيّار الكهربائي كانت بالفعل أمرًا روتينيًّا، كما أنّ بعض اللاعبين أصحاب النفوذ، مثل ادارة القطار الحجازيّ، طالبوا وحصلوا على مولّدات قريبة من شركتهم في منطقة القدَم على مشارف دمشق عقب خسارة أيّام العمل التي تسبّب فيها انقطاع التيّار الكهربائيّ. وخلافًا لقطار الحجاز، فقد كانت البلديّة ذات قدرة مساومة أقلّ بكثير، وكما ذُكر أعلاه، فالمطالب التي أثارتها كانت تتناقض مع الاتّفاقيّات.

شارع رئيسي في سوق دمشق، 1942، تصوير: توم بيزلي/ جيف سي

في مطلع عام 1913، تخلفت البلدية بدفع مبلغ قدره 12 ألف جنيه عثمانيّ لشركة الكهرباء، فقامت الأخيرة، في خطوة أحادية الجانب، بقطع شبكة الإنارة. بادرت البلديّة، في المقابل، إلى تنظيم حملة مقاطعة لاستخدام الترام. عندما نجحت المقاطعة بشكل جزئيّ فقط، تحوّلت البلديّة إلى حثّ الجماهير على تخريب قاطرات الترام. بعد مفاوضات ودفع الديون مقابل إضافة مصابيح من قِبل شركة الكهرباء، عادت الأنوار للعمل في دمشق، لكنّ المناوشات بين البلديّة والشركة استمرّت خلال فترة الحرب العالميّة الأولى. في عام 1917، قطعت شركة الكهرباء التيّار الكهربائيّ حتّى نهاية الحرب. وفي ظلّ ضائقة الوقود الحادّة خلال الحرب، عادت دمشق لتكون مدينة يسودها الظلام أكثر ممّا كانت عليه قبل دخول الكهرباء إليها. وصف يوسف يوئيل ريڤلين، الذي عاش في المدينة خلال بعض من سنوات الحرب وبعدها، في جريدة “بريد اليوم” العبريّة عام 1921 الاستياء الذي تسبّبت فيه شركة الكهرباء في أوساط سكّان المدينة الذين ظلّوا يعانون من انقطاع التيّار الكهربائي، شدة التيار المتفاوتة، الحوادث، والحرائق.

يمكن أن نلاحظ إذًا، كيف أدّت السياسة العثمانيّة التي كانت تسعى إلى تعزيز مكانة النخب المحلّيّة-العثمانيّة، وتطوير البنى التحتيّة العامّة الصناعيّة لصالح الجمهور برمّته، إلى حالة من الاحتكاك المستمرّ وإلى إسناد مهمّة إدارة المجالات الهامّة في حياة المدينة، مثل الإنارة والمواصلات إلى شركات خاصّة أجنبيّة. تحوّلت الإنارة من نظام اجتماعيّ داخليّ إلى سلعة يوفّرها وسيط للمدينة بشكل مركزيّ. فقدتِ البلديّة من أهمّيتها كساحة مواجهة بين قوى داخليّة – بلدية، ومن جهة أخرى تحوّلت الخلافات المستمرّة بين البلديّة وشركة الكهرباء إلى سمة رئيسيّة للسياسة البلدية. يمكننا القول إنّ النخبة الدمشقيّة دفعت ثمنًا باهظًا لامتناعها عن أو عدم قدرتها على المجازفة المنوطة بالاستثمار في البنى التحتيّة للكهرباء. صحيح أنّها استثمرت في قنوات مربحة أكثر، مثل العقارات الخاصّة والتجاريّة، لكنّها خسرت احتكارها الهامّ لأحد اكثر المنتجات طلبًا في العصر الحديث: الضوء.

 

عمري إيلات هو طالب للدكتوراه في قسم التاريخ في جامعة تلّ أبيب. يُعنى بحثه بالأشغال العامّة ونشاط الخبراء في سوريا خلال فترة “تركيا الفتاة”، بإرشاد البروفيسور إيهود طولدانو.

 

الخطة التي عُرضت على نابليون تُكشف: دولة لليهود بتمويل يهودي

الكثير الكثير من الوقت قبل هرتسل، تعرفوا على مخطط اقامة دولة لليهود في فلسطين

خلال مسيرة نابليون في فلسطين، عُرض عليه خطة عمل مفصلة لاقامة دولة يهودية في فلسطين. أساسها: “الممولين” يقيمون الدولة وخلال ذلك “ينزلون الضربة القاضية للعدو البريطاني.

ثمة وثائق في مجموعات المكتبة الوطنية والتي تتعلق بنشاطات نابليون بونابرت. الكثير من هذه الوثائق تعود لفترة مكوث بونابرت وجيشه في مصر وفلسطين (1789-1801).

في معرض “نابليون.. كان هنا” والذي افتتح قبل أسبوع في المكتبة الوطنية (نيسان 2017) تم عرض ولأول مرة شهادات، رسومات، خرائط وميداليات التي توثق المسيرة لمصر وفلسطين. المجموعة والتي هي جزء من الإرث المميز للمستشرق الكبير إبراهيم شلومو يهودا، اشتراه بنفسه حين بيع في ميزاد علني في لندن عام 19363.

من بين 1013 الملفات التي اشتراها، كان ليهودا اهتمام خاص بمكتوب واحد مميز، كان ذلك مكتوب جندي إيرلندي متمرد ذا توجه بروتاستنتي محافظ، كان اسمه توماس كوربيت، والذي بالشراكه مع أخيه انضما للجيش الفرنسي، وفي عام 1798 قاتل جنباً إلى جنب مع الفرنسيين ضد إيرلندا. مضمون المكتوب: مقترح عمل يؤدي لاقامة دولة يهودية في فلسطين، تقريباً مائة عام قبل أن تطرح هذه الفكرة على يدر ثيودور هرتسل.

من رسالة توماس كوربيت
من رسالة توماس كوربيت

 

الرسالة من 17 شباط 1798، أيام معدودة قبل أن يحاصر نابليون غزة، الرسالة موجه إلى فول باراس والذين وقف على رأس مجلس ادارته في باريس وكان مخلصاً لنابليون. في بداية رسالته يشير كوربيت أنه كتب إلى باراس لكونه صديق بونبارت، والذي ميز ابداع وتميزه، وبالتالي يقدم له خطة ولدت لديه باستلهام الجنرال نفسه، ويبدو من قوله أنه معني أن يصل الأمر إلى بونبارت.

قناة السويس: استعادة الشرق هدية الغرب

يستعرض المقال بداية نشوء فكرة حفر قناة السويس التي في بدايتها بدأت كفكرة غربية والتي حُفرت بأيادي مصرية ومن ثم تم تدشينها بتاريخ 17 تشرين الثاني من العام 1869

ربما هنالك بعض الفظاظة في عنوان المقال، الذي لا يأتي إلا ليلقي ظلاله على أكثر المواضيع أهمية في المنطقة الواصلة بين آسيا وأفريقيا ألا وهي قناة السويس، فسبب اختيارنا له هو بسبب عكسه للمضمون المطروح للنقاش؛ كيف أن هذه القناة الأكثر أهمية على مستوى العالم، والتي حُفرت بأذرع وسواعد مصرية قد فتحت عيون الغرب، وبالتحديد بريطانيا وفرنسا من أجل وضع اليد عليها واستغلالها لتطوير حركة النقل البحرية لهم.

من أجل تبيان ذلك، اخترنا (في ذات أسبوع الذكرى 150 عام على افتتاح القناة)  وسيلة الخرائط كأداة تبين أهمية القناة السويس وحيوتها للدول الكبرى آن ذاك.

حفر القناة فكرة قديمة جديدة

“برزخ السويس”، هكذا كان الاسم الذي يُطلق  على قناة السويس. هذه القناة التي لم تكن قبل نشأتها إلا ممرًا بين أفريقيا وغرب آسيا. ومن الجدير ذكره أن حفر القناة الحالية لم تكن المحاولة الأولى، بل سبقتها محاولات تمتد إلى زمن الفراعنة والفتح الإسلامي لمصر. بقي الوضع كما هو حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، عندما بدأت الاجتهادات الشخصية من بعض الباحثين والمهندسين المهتمين في حفر قناة تصل بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وقد كان من بين كل هؤلاء المهندس الفرنسي لامبرت، لينان دي بلفوند وموجيل اللذان كانا يعملان لدى الحكومة المصرية. كما كان هنالك أندرسون والأخوان جون وجورج جليدون. أما الشخصان الذي يعود فضل تأسيس قناة السويس فهما أنجلو مايكل نيجرلي وفرديناند دي ليسبس الذي قام بتأسيس شركة قناة السويس الذي تم شرعنته من خلال فرمان الخديوي نفسه والذي تمت كتابته باللغة التركية عام 1855.

قناة مصرية أم دولية؟

بالحقيقة، هذا تساؤل ربما يكون للكثير من الناس هو مجرد سؤال بسيط والإجابة عليه تكون بكلمة مصرية أو دولية؛ وإذا نظرنا عليه من هذا الجانب ستكون الإجابات تعاني من الاستقطاب بكون الذين يحملون الشعور القومي العربي والمصري سيقولون بأنها مصرية، أما من غير العرب والمصريين وبشكل خاص الغربيين سيقولون بأنها دولية (لضمان مصالحهم بالقناة)؟ لذلك، نحن سنتخذ اتجاهًا مخالفًا وسنذهب إلى تحليل الظروف التي كانت آن ذاك ومن ثم نترك الحكم للقارئ .

تعالوا معًا لنعود إلى البداية، من الصحة القول أن أغلب الباحثين والمهندسين الذين اهتموا بحفر القناة (منذ النصف الأول للقرن التاسع عشر) كأمثال دي ليسبس ونيجرلي. لكن، لا بد من التذكير بان هؤلاء كانوا يعملون بمعرفة وموافقة الحكومة المصرية بل ويصل الأمر إلى كونهم كانوا موظفين لديها.

خريطة طبوغرافية لمنطقة السويس. Lith. chezaud et fosset paris، أرشيف الخرائط في المكتبة الوطنية الإسرائيلية. ، تعود إلى العام 1859.

تشكل هذه الخريطة الطبوغرافية أحد وجوه الدور الأجنبي في التخطيط لحفر القناة، إذ انتقل الأمر من صعوبة إقامة الفكرة إلى الأمور اللوجستية ومن ثم الحفر، وهذا بالتحديد التي قامت به (على ما يبدو) شركة (chezaud et fosset paris)، فقد تم الانتهاء من رسمها عام 1859 في باريس. ولم يمض الكثير حتى تم البدء بتطبيقها وحفر القناة. وتم ذلك فقط بعد تقسيم الشركة إلى أسهم ومن ثم بيعها، فكانت حصة الأسد لفرنسا التي اشترت حوالي 52% ومن ثم مصر 44،2% وباقي الدول الأخرى 3،8%. وهذا يعني؛ أن المالكين الكبيرين لقناة السويس هما فرنسا ومصر، وباقي الدول لم تشكل حصصها إلا القليل بنسبة غير مؤثرة. وكانت هذه النسبة مستقؤة ببدايتها فقط (هنالك طريق طويل قامت من خلاله بريطانيا بشراء حصة مصر بتاريخ 26 تشرين الثاني عام 1875 لكننا لن نتطرق لهذا).
تدشين وافتتاح القناة

في العام 1863 توفي الخديوي سعيد وخلفه الخديوي إسماعيل، الذي كان محاضرًا ومسؤولاً عن حفل تدشين القناة، إذ تم الانتهاء من حفر القناة بعد مصاعب جليلة، سواء من جانب الباب العالي في الأستانة أو بسبب سياسات الخديوي التي أدت إلى سحب أكثر من 20 ألف عامل (لقد تم فرض تعويضات كبيرة على الحكومة المصرية بسبب ذلك).

وأخيرًا، حان وقت الافتتاح وتدشين القناة، لقد حانت اللحظة التي انتظرها الكثيرون، وللحقيقة انتظرها الغربيون أكثر بكثير من أية جهة أخرى، وهذا ما تم بتاريخ 17 تشرين الثاني 1869. لقد كان طول القناة يبلغ 161 كيلومترًا اجتازت خلالها القناة سهولًا وجبالًا ومستنقعات، قدمت من البحر المتوسط حتى البحر الأحمر.

مشهد من قناة السويس يعود إلى العام 1869، المصدر: ويكيبيديا العربية

 

ربما لدينا وصلت القصة إلى نهايتها، لكن هذا لا يعني أبدًا أن قصة القناة شارفت على نهايتها، بل على النقيض من ذلك، إذا أن احتلال بريطانيا لمصر عام 1882 كان أحد أهدافه هي القناة ذاتها، ومن هناك تبدا قصة طويلة لا تنتهي إلا مع انتهاء حرب عام 1956 (العدوان الثلاثي على مصر) والذي نتج عن قيام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس.

صورة مميزة لقناة السويس بعنوان “خريطة سيناء الشمالية من القدس إلى قناة السويس، أرشيف عيران لئور للخرائط، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

المصادر التي تم أخذ الأفكار منها هي:

1- كتاب قناة السويس، لصاحبه المؤلف ارنستو كينيتز

2- كتاب قناة السويس في مئة عام، لصاحبه المؤلف الدكتور محمد عبد الرحمن برج

3- كتاب أضواء على قناة السويس، الملكية الفكرية لوزارة الإرشاد القومي المصرية