وُلد أنطون شماس عام 1950 في قرية فسوطة الواقعة في الجليل الأعلى. نشأ في بيئة عربية متعددة دينيًا وثقافيًا، وتلقّى تعليمه في الداخل، قبل أن ينتقل إلى الدراسة الجامعية حيث تخصّص في الأدب المقارن والترجمة. أظهر انطون منذ بداياته ميولًا أدبية واضحة واهتمامًا باللغة كأداة للتعبير والتفكير، وليس فقط كوسيلة تواصل.

برز اسمه في الثمانينيات كأحد الكتّاب العرب الذين كتبوا بالعبرية، وهو ما أثار اهتمامًا نقديًا واسعًا، خصوصًا مع صدور روايته الأولى عربسك. إلى جانب الكتابة الإبداعية، عمل أنطون كمترجم، ودرّس في عدد من الجامعات الأمريكية، من بينها جامعة ميشيغان. تنقّل بين ثلاث لغات: العربية، العبرية، والإنجليزية، واستثمر هذا التعدد في بناء تجربة أدبية فريدة.
لم يحصر شّماس كتاباته على جنس أدبي محدد. فكتب الرواية، المقال، واليوميات، واشتغل على النص بصفته شكلًا من أشكال التفكير. هادئ في حضوره، دقيق في اختياراته، وذو تأثير واضح على جيل جديد من الكتّاب الذين يتعاملون مع اللغة كحالة ثقافية أكثر من كونها مجرد أداة.
أسير يقظتي ونومي: الكتابة من الهامش الشخصي
تميّز كتاب أسير يقظتي ونومي لأنطون شماس عن بقية أعماله بطبيعته الخاصة التي يصعب تصنيفها. لم يُكتب النص ليكون رواية، ولا ليُقدَّم كديوان شعر، بل جاء في صورة تأملات نثرية، قصيرة ومكثفة، تتأرجح بين الذاتي واللغوي، بين التجربة الشخصية والتعبير المجرد. يمكن اعتبار هذا العمل محاولة صادقة للإمساك بلحظات دقيقة من حياته الداخلية، التي قد تمر على المرء غالبًا دون أن يلتفت إليها أحد.

اتّخذ شمّاس من الكتابة وسيلةً للتوثيق الهادئ لحالات الوعي والهامش، ولبوح لا يريد أن يتحوّل إلى خطاب. احتوت النصوص على مشاهد قصيرة، وأحيانًا جملة واحدة، تمثّل لحظة يقظة، أو انزلاقًا نحو النوم، أو تفصيلة يومية يتأملها الكاتب بعمق. ولم تُبنَ الفقرات على تسلسل زمني أو موضوعي، بل جاءت كما تأتي الخواطر: حرة، صادقة، وعابرة.
جاءت اللغة خفيفة الإيقاع، لكن مكتوبة بعناية. حرص شماس على ألا تغلب على لغته الزينة فارغة المعنى، فجاءت العبارات مباشرة من القلب إلى الورق، دون وسائط. استخدم تراكيب واضحة، وفعلًا حاضرًا، يحرّك المعنى دون تعقيد. ركّز على التفاصيل الصغيرة في الحياة اليومية: طقوس النوم، أثر الضوء في الغرفة، وقع فكرة غير مكتملة، أو مواجهة صامتة مع الذات.
أبرز ما يُميز هذا العمل هو انحيازه للهامش الإنساني: للحظات التي لا تروى عادة. لم يبحث الكاتب عن مشاهد كبرى، بل اختار الكتابة عن الشعور الصغير الذي لا يُقال، والذي قد يمر في ثوانٍ، لكنه يترك أثرًا عميقًا في النفس. وجاء عنوان العمل نفسه كناية عن هذا التداخل الدائم بين حالتي الوعي: النوم واليقظة، والانزلاق المستمر بينهما.
أسير يقظتي ونومي هو كتاب يَقرأ القارئ نفسه من خلاله، لا الكاتب فقط. ومن هنا جاء حضوره المتأني، وصوته الخافت، وعمقه الذي لا يحتاج إلى صراخ. كتاب لا يُقرَأ دفعة واحدة، بل يُصاحَب على مراحل، ويُعاد اكتشافه مع كل قراءة جديدة و قد يفسره كل قارئ بشكل مختلف.