رحلة في المخطوطات التاريخية حول عنترة بن شداد

قصة عنترة ستصل من خلال المؤرخين بتفاصيل مختلفة نظراً لقدمها في التاريخ، ولكن في نفس الوقت سيكون للحكواتيين قصتهم فهم سيضيفون التفاصيل أيضاً لكي تلائم آذان السامعين.

مخطوطة سيرة عنترة

                      سيرة عنترة بن شداد، مخطوطات المكتبة الوطنية الاسرائيلية

حاول عنترة بن شداد لسنين طويلة الزواج من ابنة عمه، عبلة، دون أن يفلح في ذلك، ولإبطال هذا الزواج، وضع عمه مالك (والد عبلة) العقبات أمامه دوماً، وفي كل مرة كان يوهمه أن الزواج يوشك أن يحصل ثم يُرغمه أحياناً أن يأتي لعبلة برؤوس اللبؤات وأحياناً بعرض مهر ضخم كي لا يتمكن من دفعه، وفي أخرى بألف ناقة من نوق الملك النعمان.

هذه العروض والتحديات، جعلت عنترة موضوعاً كتب عنه نخبة المؤرخين العرب على مر التاريخ؛ كالزركلي في كتابه “الأعلام” وأبو فرج الأصفهاني في “الأغاني”.

كان والد عنترة قاسياً عليه، لم يعتبره كابن له، وبالتالي خسر عنترة حضوره في القبيلة وسطوته، ولكن حروب قبيلة طيء ضد قبيلته؛ قبيلة عبس، حولت عنترة إلى بطل مغوار حين تحوّل إلى الحامي الذي يحمي القبيلة بعد أن جلب الانتصار تلو الانتصار.

بطولات عنترة لم تكن لأجل ذاته، إنما من أجل الحب والحياة، من أجل القبيلة وكرامة أبنائها وهو ما جعل منه رمزاً لحماية القيم والعادات والتقاليد، ومن هنا تحوّلت قصته إلى وسيلة ضرورية للتربية والتثقيف ومن هنا حصلت على كل هذه الشهرة التاريخية.

الصورة المرفقة هي جانب من قصة عنترة بن شداد في بدايات المغامرة، والتي سيصبح بعدها بطلاً، كما سيكتب معلقة ستشكل جزءاً وركناً أساسياً في الأدب العربي على مر التاريخ.

قصة عنترة ستصل من خلال المؤرخين بتفاصيل مختلفة نظراً لقدمها في التاريخ، ولكن في نفس الوقت سيكون للحكواتيين قصتهم فهم سيضيفون التفاصيل أيضاً لكي تلائم آذان السامعين والمتفرجين، ولأن مصادرها موغلة في القدم ودوماً ما اعتمدت على مصادر شفوية، مما خلق تضارباً في الروايات الشفوية، حيث أّن لكل منطقة سيرتها الخاصة بعنترة كالسيرة الشامية والسيرة الحجازية وغيرهما.

السيرة الحجازية لعنترة
السيرة الحجازية لعنترة

اقرأ/ي أيضًا: الشعر العربي: دوواين من الكتب والمخطوطات وآراء في الصحف الفلسطينية.

مع التطور التكنولوجي ودخول وسائل تعبيرية وفنية جديدة، تراجع دور الحكواتي لصالح فنون أخرى، وخلال القرن الأخير أنتجت أكثر من عشرة أعمال سينمائية حول قصة عنترة كان أقدمها فيلم “عنترة وعبلة” الذي أخرجه نيازي مصطفى وكتب حواراته الشاعر “بيرم التونسي” وأدّى دور البطولة سراج منير. وربما كان أحدث الأعمال هو مسلسل “عنترة بن شداد” من إخراج رامي حنا وبطولة فيصل العمري وكندة حنا.

فلسطينياً، أيضاً، حظي عنترة باهتمام ملحوظ حيث كُتبت حوله الكثير من المسرحيات والأعمال الفنية الفلسطينية والتي وثّقت القصة من خلال أعمال مختلفة.

صحيفة فلسطين، 13 أيار 1931       
صحيفة فلسطين، 13 أيار 1931
صحيفة مرآة الشرق، 14 آذار 1929
صحيفة مرآة الشرق، 14 آذار 1929

 

 

 

 

 

 

 

 

لا يزال حتى اليوم الكثير من إرث عنترة في ثقافتنا المحكية، كالأمثال الشعبية في اللغة العربية القادمة من تلك الفترة، مثل “مفكر حالو أبو عنتر” أو حين ينعت شخص بـ “معنتر”، لكنّ حالة “العنترة” ليست كلها قوة، ففيها أيضاً الكثير من الحب والحنين والذكريات، كبداية معلقته وبيت الشعر الشهير:
“هل غـادر الشعـراء من متردم، أم هل عـرفت الـدار بعـد تـوهم”

وهو البيت الذي لا يزال حتى اليوم ذاكرة للأجيال، لكنّ قصة البيت وحكايات أخرى ستظلّ داخل هذه المخطوطات الكثيرة في المكتبة.

 يمكنكم الاطلاع عل المخطوطة والغوص في تفاصيل الحكايات التي وصلتنا عبر التاريخ.

ديوان عنترة بن شداد
ديوان عنترة بن شداد

النفير أم هشوفار؟

تميزت صحيفة النفير بكونها الصحيفة العربية الأولى التي ضمت ملحقًا باللغة العبرية باسم هشوباز، وذلك منذ العام 1913، فهل كان ذلك نتاج تعاون وتعايش أم لمصالح اقتصادية فقط

كانت صحيفة النفير من الصحف الفلسطينية المبكرة،  والتي أصدرها بداية إبراهيم زكا (حيفا، 1870 تقريبًا) في عام 1902 في الإسكندرية باسم النفير العثماني. وفي أعقاب العودة للعمل بالدستور العثماني في سنة 1908، انتقلت الصحيفة إلى يدي شقيقه إيليا زكا (حيفا، تقريبا 1875- 1926)، خريج الكلية الإكليريكية الروسية في الناصرة، والذي عاد إلى إصدارها من جديد تحت اسم النفير في مدينة القدس ثم انتقل بها عام 1913 إلى حيفا. وكما حدث مع الصحف والمجلات الأخرى، لم تصدر الصحيفة خلال الحرب العالمية الأولى، ولكنها عادت للصدور من جديد منذ 23 أيلول 1919. وصدرت الصحيفة حينها لفترة قصيرة تحت اسم الصاعقة.

إن المميز في جريدة النفير، والذي كانت سباقة فيه، هو نشرها لملحق باللغة العبرية باسم هشوفار بدءاً من العام 1913 والذي استمر حتى حجب الصحف على يد العثمانيين مطلع الحرب العالمية الأولى، وسيعود مجدداً للظهور في عام 1923. على وقع هذا الملحق وعلى نشر اعلانات لشركات صهيونية اتهمت جريدة النفير بالتعاون مع مؤسّسات وجهات صهيونية بهدف الحصول على دعم مادي، إلى جانب علاقاته الوطيدة مع سلطات الانتداب.2

النفير، 27 كانون الثاني 1914

في افتتاحية عدد كانون الثاني 1914 يشرح المحرر الموضوعات التي سيتناولها ملحق “هشوفار” في طياته، وهي المقالة الرئيسية وستكون عادة اجتماعية، أدبية والقضايا اليومية الملحة. القضية الصهيونية. أخبار المستوطنات الصهيونية. القضايا العثمانية والتي فسرها المحرر على أنها القضايا التي تخص تركيا عامة، سوريا وفلسطين خاصة، قشطا: وهي الاعلانات الرسمية. ملف للأخبار المحلية، وتلغرافات.

في ذات العدد نشر الملحق مقالاً عن الصهيونية والذي كتبه متري حلاج وسينشر الملحق في أعداد لاحقة مقالات أخرى حول الصهيونية لكتاب آخرين كشبلي نوفل وغيره، اضافة لنشر العديد من الاعلانات لشركات أو لتنظيمات صهيونية، كنشرها اعلانات “هبوعيل هتسعير” واعلانات لجريدة “حروت”.

النفير، 14 كانون الثاني 1914

في أدراج المكتبة الوطنية الاسرائيلية هناك وثيقة مهمة، رسالة من إيليا زكّا إلى المفكر الصهيوني إحاد هعام، والتي تلقي الضوء على الرؤية السياسية للنفير، حيث يشرح فيها زكّا أسباب اصداره لجريدة باللغة العبرية، وهي وجود طرفين متناقضين في البلاد، لكل طرف رؤيته، طرف يسعى لبناء وطن قومي، وآخر يرى بذلك خطراً مهدداً له، هنا كانت النفير والتي كما يقول صاحب الرسالة قرر اصدارها لكي تكون منصة حرة مخصصة لتقريب وجهات النظر.

في الرسالة يرجو زكّا من إحاد هعام أن يتلقى الدعم من العبرانيين – كما يسميهم في الرسالة – سواء على المستوى الأخلاقي أو على المستوى الأدبي، راجياً من إحاد هعام أن يزود الجريدة ببعض انتاجاته الفكرية.

رسالة من إيليا زكّا إلى المفكر الصهيوني إحاد هعام، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية
رسالة من إيليا زكّا إلى المفكر الصهيوني إحاد هعام، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

ظلت الصحيفة تنشر اعلانات الشركات الصهيونية، وبدءًا من منتصف العشرينيات ظهرت هذه الإعلانات والدعايات أيضاً في الصفحة الأولى كم جريدة النفير باللغة العربية. يرى البعض أن زكّا كان متواطئاً مع الحركة الصهيونية والانتداب، بينما يرى آخرون أن الصحيفة قد اعتمدت سياسة نقدية ضد سلطات الانتداب والنشاط الصهيوني في البلاد من جهة وضد القيادات الفلسطينية القريبة من معسكر الحسيني من جهة أخرى. ويبدو فعلاً أن الاعتبارات التجارية قد هيمنت على سياسة الصحيفة التي تحوّلت وجهتها عند تحوّل الظروف والاعتبارات التجارية.

ما نعرف مؤكداً أن الملحق العبري لم يصمد طويلاً، كما أن الملحق العربيّ أيضاً لم يصمد حيث تهاوى الأول في سنوات العشرينيات في حين أغلقت النفير أبوابها تمامها عام 1945، ولكن بغض النظر عن السياق والحيثيات إلا أن فعل الجريدة واصدارها باللغتين العبرية والعربية تظل قضية مثيرة للاهتمام تستحق الدراسة والبحث وتظل علامة فارقة في تطور الصحافة العربية المبكرة.

لمعاينة صحيفة النفير في موقع جرايد اضغطوا هنا 

المصادر:

 1  قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين: تاريخها وروادها وتشريعاتها، عمان: مؤسّسة الوراق للنشر والتوزيع، 2015، ص 16.

2 يُنظر على سبيل المثال ما جاء عند يعقوب يهوشع بأن العديدين اتهموا الصحيفة بوصفها “مستأجرة” وعميلة أو مجنّدة (يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني (1908-1918)، القدس: مطبعة المعارف، ص 50-54).

3 يُنظر كبها، تحت عين الرقيب، ص 14-15، 26، 35-36، 223؛ يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني (1918-1908)، القدس: مطبعة المعارف، ص 50-54؛ محمد سليمان، تاريخ الصحافة الفلسطينية 1876-1976، الجزء الأول (1918-1876)، الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيّين، ص 71; قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين، ص 93- 95.

امتهان الزراعة؛ ثقافة مزروعة في المدارس العربية بالفترة الانتدابية

ممارسات في الميدان من أجل فهم أفضل للطلبة، فهم محور العملية التعليمية كاملة، هكذا كانت التربية الزراعية في المدارس العربية خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.

كان يتم تطبيق الدروس المقررة حول الزراعة من أجل محاولة النهوض في هذا القطاع. فكان القطاع الزراعي يشكل جزءًا مهمًا من الاقتصاد الفلسطيني آن ذاك (ولا يزال)، وهذا دفع العديد من الجهات إلى التركيز على الزراعة من أجل تطويرها والارتقاء بها إلى الأفضل. ومن ضمن الجهات التي حاولت النهوض بالزراعة كان قطاع التعليم المدرسي بكافة أشكاله، لكن التساؤل كيفية حدوث عملية الارتقاء في الممارسات الزراعية حتى أصبحت ثقافة مدرسية تتناولها معظم المدارس في فلسطين الانتدابية؟

(تعليم أطفال أساليب الزراعة في قرية العباسية. مجلة هنا القدس، 13 تشرين الأول 1940)​​

من المنطقي القول أن القطاع التعليمي يهدف دومًا إلى تمرير أفكار ورسائل يحاول إيصالها إلى الطلبة، ليس في مجال معين بل في مجالات مختلفة ومتعددة، فقطاع التعليم هو قطاع واسع يحمل جوانب متعددة، لكن الذي يربط كافة جوانبه هي الرسالة التي يهدف إلى تمريرها، بالتالي إحدى الأدوات التي تم تسويغها للنهوض في الزراعة هي رفع مستوى الوعي والمعرفة حول الزراعة إلى الطلبة، فتغطي هذه الجزئية الجانب النظري للطلاب. أما الأمر الآخر الذي تم تسويغه بشكل كبير في تلك الحقبة الزمنية فكان الانتقال إلى الممارسات التعليمية وعدم اقتصار التعليم على مستوى النظرية، بل تعداه إلى التطبيق الذي كان في أغلبه خارج الغرف الصفية المغلقة والتي بدأت بالظهور ضمن فئة معينة وبعد ذلك انتشرت لتصبح ثقافة تربوية في أغلب المدارس ولتتعدد أساليب تعليم الممارسات الزراعية لتشمل ممارسات زراعية مختلفة تبدأ من زراعة أمور عام مثل أشتال الفواكه وتصل إلى ممارسات زراعية متخصصة يتم تدريسها في المدارس والكليات المتخصصة.

(معلم يقوم بتعليم الطلاب بعض من الأساليب الزراعية خارج الغرفة الصفية. جريدة القافلة، 20 حزيران 1947)

بدأ الأمر  بافتتاح مدارس متخصصة بمواضيع الزراعة مثل مدرسة خضوري الزراعية التي افتتحتها سلطات الانتداب البريطاني عام 1931  بالقرب من مدينة طولكرم، والتي كان يرأسها الأستاذ أكرم الركابي. فكانت هذه المدرسة تحمل (ولا تزال) رسالة أساسية حول التعليم الزراعي المتخصص. وبعد ذلك لم يعد يقتصر الأمر على وجود المدارس المتخصصة لتعليم الممارسات الزراعية في الميدان، بل بدأت ثقافة التربية الزراعية بالانتشار بين المدارس العامة من خلال التوجه إلى إيجاد أراضٍ تكون قريبة من مبنى المدرسة لتشكل مختبرًا ميدانيًا لتعليم الطلبة، على سبيل المثال تناولت صحيفة فلسطين الصادرة ب24 أيلول عام 1932 خبرًا حول نية مدرسة البيرة إيجاد قطعة أرض “يتمرن فيها الطلاب على الممارسات الزراعية” وذلك من أجل تنمية المهارات الزراعية بين طلبة المدرسة. بعد ذلك شهدت تلك الفترة تطورًا آخر وهو انتساب الطالبات الإناث إلى المدارس الزراعية وعدم اقتصارها على الطلاب الذكور كما كان متبعًا، وقد بدأ ذلك عام 1946 عندما تم قبول 30 طالبة في كلية الزراعة بعد رفض طلباتهن مراتٍ عديدة قبل ذلك.

وهكذا انتشرت ثقافة التربية الزراعية بين المدارس العربية خلال الفترة الانتدابية التي امتدت زهاء الثلاثون عامًا. فبدأت بفئة معينة من المدارس والطلاب ومن ثم انتشرت إلى كثير من المدارس وامتدت لتشمل الطالبات الإناث.

 

تعالوا لنتعرف على متبرع إقامة مدرسة خضوري (أصبحت الآن جامعة)

(مجلة هنا القدس، الأحد الموافق 12 تموز 1942)

هل تعلمون أن المتبرع لإقامة مدرسة خضوري للزراعة الموجودة في مدينة طولكرم والتي تحولت فيما بعد إلى جامعة هو السير ألس خضوري من هونج كونج! 
تقديرًا لجهوده وتبرعاته تم إطلاق اسمه على مبنى المدرسة الجديد، هذه المدرسة التي بعثت التفاؤل في نفوس المهتمين بتطوير الزراعة الفلسطينية قد تم افتتاحها رسميًا عام 1931 على مساحة قدرها 400 دونمًا غرب طولكرم. وبالتزامن مع افتتاح المدرسة الزراعية العربية الأولى في فلسطين تم افتتاح مدرسة يهودية أخرى من ذات المتبرع في جبل طابور بالقرب من العفولة. 

صعود وأفول جريدة “الشرق – همزراح” الصهيونية في دمشق

تعرفوا على الجريدة التي أسسها يوسف ريفلين والد رئيس دولة اسرائيل والذي راهن على أن يكون جسراً بين العرب واليهود في الجمهورية السورية.

الصفحة الأولى من جريدة الشرق الصادرة باللغتين

يرون هرائيل، محاضر في جامعة بار إيلان

حين وصل لاجئو البلاد اليهود دمشق (خلال فترة الحرب العالمية الأولى)، قاموا بزرع بذور الفكرة الصهيونية في أوساط يهود المدينة. حين غادرها اللاجئون أنفسهم، وعلى رأسهم دافيد يلين، ُطلب منهم الحفاظ على إنجازات التربية العبرية الصهيونية في أوساط المجموعة اليهودية الأكثر قرباً من فلسطين، وهذا ما جعلهم يقومون بالتأثير على اللجنة التربوية المحلية من أجل التعامل مع الجالية اليهودية في دمشق تماماً كأنها محلية على جميع المستويات. في هذا الاطار أُرسل للمدينة “يهودا بورلي” لكي يدير مدرسة للصبيان، ويوسف يوئيل ريفلين (والد رئيس الدولة رئوفين ريفلين) من أجل ادارة مدرسة البنات. رافقهم مجموعة مربيات، معلمين ومعلمات من البلاد والذين استعانوا بشباب وفتيات يهود من مواليد دمشق.

من اليمين: دوف قمحي، دافيد أبيشر، يهودا بورلي، يوسف يوئيل ريفلين، أفيعازر يلين، موشي كرمون
من اليمين: دوف قمحي، دافيد أبيشر، يهودا بورلي، يوسف يوئيل ريفلين، أفيعازر يلين، موشي كرمون

في هذه الفترة، والتي كان للصحافة دور مهم في في تشكيل التاريخ السياسي والاجتماعي السوري وبلورته من خلال التعبير عن الرأي العام، وبموافقة من الملك الجديد فيصل (وبتشجيع منه أيضاً)، تبين لسفراء المؤسسات الصهيونية بدمشق، كما للشباب والشابات من أبناء الجالية، أن على المؤسسات الصهيونية العمل أيضاً على مستوى الدعاية. ولذلك، أشاروا لضرورة إصدار جريدة صاحبة رؤية معتدلة وهادئة، تساهم في التقريب بين العرب واليهود من أجل فهم الفكرة الصهيونية. خلاصة نشاطهم في هذا الجانب أدت لتأسيس جريدة الشرق الصادرة باللغتين، إذ طُبعت أول ثلاث أعداد منها في دمشق ثم توقفت عن الصدور بعدها. إتاحة النسخ المعدودة التي تبقت في العالم من الأعداد الثلاث في موقع الصحافة اليهودية التاريخية تتيح لنا تأملاً عميقاً في النشاط الصهيوني في دمشق في فترة الملك فيصل.

الملك فيصل الأول، ملك سوريا حتى ازاحته عام 1920 (مصدر الصورة: ويكبيديا)

في الصحيفة، كانت دائرة الاستهداف الأولى عملياً  هي دائرة الجمهور العربي في سوريا. جاء التوجه لهذه الشريحه لأجل خلق توازن في توجهات الجمهور بخصوص النشاط الصهيوني في فلسطين، ومن أجل عدم صب جام غضبه من الصهيونية على يهود دمشق. وفي اطار هذا المسعى صيغت تعبيرات تدل على أن هدف الجريدة  أن “يكون جسراً بين العرب واليهود”. دائرة الاستهداف الثانية كانت المجتمع اليهودي في سوريا ولبنان عامة وفي دمشق خاصة. في نظر مندوبي اللجنة المرسلة لدمشق تبين رويداً رويداً أهمية النخبة اليهودية الاقتصادية والثقافية في المدينة كأداة للوصول لقيادة الحركة القومية العربية وكبار حكومة فيصل. هدف دائرة الاستهداف الثالثة كانت رؤساء المؤسسات الصهيونية في البلاد والعالم من أجل شرح صعوبات العمل الصهيوني في دمشق.

 

صدر العدد الأول من الجريدة يوم الاثنين، في الخامس من تموز 1920 قبل المساء. وفق الخطة الأصلية كانت الصحيفة بلغتين. احتوت “الشرق”  على صفحتين باللغة العربية و”هـمزراح” احتوى على صفحتين باللغة العبرية. في المرحلة الأولى كان المسعى أن تصدر ثلاث مرات في الأسبوع.

الصفحة الأولى من جريدة الشرق الصادرة باللغتين

كان نظام الجريدة يحاكي نظام الصحف العبرية الصادرة في فلسطين مثل “دوئر هيوم” (بريد اليوم)، بجوار التهاني والاعلانات (فندق القدس – الفندق العبري الأول في دمشق) نشر مقال نقدي عن الجالية ونظامها. يوسف يوئيل ريفلين نشر من على صفحات الجريدة هذه، النسخة الأولى من مقاله عن “النشرة العبرية الأولى في دمشق”. نشر جريدة الشرق أثار عاصفة في البرلمان السوري. معارضة ظهور الجريدة قادها رجال من الدوائر القومية ومن الفلسطينيين. الصحافة العربية بمعظمها لم تصمت على إصدار صحيفة الشرق وكانت بمعظمها موحدة في معارضتها لوجودها. كان غضب الصحف بالأساس على قرار السماح باصدار جريدة تحمل أهدافاً صهيونية، في حين تلقت صحف مناصرة للقضية الفلسطينية منعاً من الرقابة.

في التاسع من تموز 1920 صدر العدد الثاني من الجريدة في ظل الضغوطات والتهديد. الجزء العبري من الجريدة تم اختزاله لصفحة واحدة وفيه إعلانات اعتيادية حول ما يجري في مشافي ومدارس الجالية اليهودية. ومن أجل اثبات ولاء الجريدة للمصالح السورية – ربما  – ألحق بها صفحة كاملة تدعو يهود سوريا من أجل التبرع للقرض الوطني السوري “القرض الوطني السوري هو حياة الأمة السورية، فاشترك به أيضاً أيها الوطني الاسرائيلي، لأنه لا حياة إلا بالإستقلال، ولا استقلال إلا بالمال”.

العدد الثاني من جريدة الشرق

العدد الثالث والأخير صدر بتاريخ 12 تموز 1920 وكان كله باللغة العربية. وتزامن صدور العدد الثالث مع إنشغال دمشق بخطر الغزو الفرنسي وفي الإنذار الذي وجهته فرنسا لفيصل، وهذا ما أدى إلى تحول ظهور “الشرق” لحدث سياسي أدى إلى تلقي هيئة التحرير أمراً مباشراً من وزير الحرب “يوسف العظمة” بأن توقف إصدار الجريدة لزمن غير محدد.

دخول الفرنسيين لدمشق في تموز 1920 وإزاحة الملك فيصل، قد أثارت الأمل في الأوساط الصهيونية بدمشق،خاصة مع الشعور  بأن السلطات الغربية المتنورة الجديدة قد تسمح بتجديد إصدار جريدة الشرق. ولكن هذا الأمل قد أُحبط، إذ في أواخر أيلول 1920 منعت السلطات الفرنسية تجديد إصدار الجريدة. التوضيح الذي أعطي حينها على يد الموظف الفرنسي المسؤول عن شؤون النشر كان بأن المستويات العليا اتخذت قرار عام يمنع ظهور أي جريدة جديدة مهما كانت. ولكن على ما يبدو أن هذا القرار طُبق بشكل جزئي، فوفق شهادات تعود لتلك الفترة، ظهرت العديد من الصحف العربية الجديد. سبب آخر أعطي لتفسير الحجب بأن اليهود يتلقون صحفاً كبريد اليوم وهآرتس من القدس ولذلك فلا حاجة لجريدة جديدة. كانت النتيجة بأن اليهود في دمشق ظلوا بلا نشرة خاصة، في حين كانت العديد من الصحف للمسيحيين والمسلمين. هذ الأمر ولّد شعوراً اشتد مع السنين بأن السلطات الفرنسية هي سلطات معادية لليهود.