كانت صحيفة النفير من الصحف الفلسطينية المبكرة، والتي أصدرها بداية إبراهيم زكا (حيفا، 1870 تقريبًا) في عام 1902 في الإسكندرية باسم النفير العثماني. وفي أعقاب العودة للعمل بالدستور العثماني في سنة 1908، انتقلت الصحيفة إلى يدي شقيقه إيليا زكا (حيفا، تقريبا 1875- 1926)، خريج الكلية الإكليريكية الروسية في الناصرة، والذي عاد إلى إصدارها من جديد تحت اسم النفير في مدينة القدس ثم انتقل بها عام 1913 إلى حيفا.1 وكما حدث مع الصحف والمجلات الأخرى، لم تصدر الصحيفة خلال الحرب العالمية الأولى، ولكنها عادت للصدور من جديد منذ 23 أيلول 1919. وصدرت الصحيفة حينها لفترة قصيرة تحت اسم الصاعقة.
إن المميز في جريدة النفير، والذي كانت سباقة فيه، هو نشرها لملحق باللغة العبرية باسم هشوفار بدءاً من العام 1913 والذي استمر حتى حجب الصحف على يد العثمانيين مطلع الحرب العالمية الأولى، وسيعود مجدداً للظهور في عام 1923. على وقع هذا الملحق وعلى نشر اعلانات لشركات صهيونية اتهمت جريدة النفير بالتعاون مع مؤسّسات وجهات صهيونية بهدف الحصول على دعم مادي، إلى جانب علاقاته الوطيدة مع سلطات الانتداب.2
في افتتاحية عدد كانون الثاني 1914 يشرح المحرر الموضوعات التي سيتناولها ملحق “هشوفار” في طياته، وهي المقالة الرئيسية وستكون عادة اجتماعية، أدبية والقضايا اليومية الملحة. القضية الصهيونية. أخبار المستوطنات الصهيونية. القضايا العثمانية والتي فسرها المحرر على أنها القضايا التي تخص تركيا عامة، سوريا وفلسطين خاصة، قشطا: وهي الاعلانات الرسمية. ملف للأخبار المحلية، وتلغرافات.
في ذات العدد نشر الملحق مقالاً عن الصهيونية والذي كتبه متري حلاج وسينشر الملحق في أعداد لاحقة مقالات أخرى حول الصهيونية لكتاب آخرين كشبلي نوفل وغيره، اضافة لنشر العديد من الاعلانات لشركات أو لتنظيمات صهيونية، كنشرها اعلانات “هبوعيل هتسعير” واعلانات لجريدة “حروت”.
في أدراج المكتبة الوطنية الاسرائيلية هناك وثيقة مهمة، رسالة من إيليا زكّا إلى المفكر الصهيوني إحاد هعام، والتي تلقي الضوء على الرؤية السياسية للنفير، حيث يشرح فيها زكّا أسباب اصداره لجريدة باللغة العبرية، وهي وجود طرفين متناقضين في البلاد، لكل طرف رؤيته، طرف يسعى لبناء وطن قومي، وآخر يرى بذلك خطراً مهدداً له، هنا كانت النفير والتي كما يقول صاحب الرسالة قرر اصدارها لكي تكون منصة حرة مخصصة لتقريب وجهات النظر.
في الرسالة يرجو زكّا من إحاد هعام أن يتلقى الدعم من العبرانيين – كما يسميهم في الرسالة – سواء على المستوى الأخلاقي أو على المستوى الأدبي، راجياً من إحاد هعام أن يزود الجريدة ببعض انتاجاته الفكرية.
ظلت الصحيفة تنشر اعلانات الشركات الصهيونية، وبدءًا من منتصف العشرينيات ظهرت هذه الإعلانات والدعايات أيضاً في الصفحة الأولى كم جريدة النفير باللغة العربية. يرى البعض أن زكّا كان متواطئاً مع الحركة الصهيونية والانتداب، بينما يرى آخرون أن الصحيفة قد اعتمدت سياسة نقدية ضد سلطات الانتداب والنشاط الصهيوني في البلاد من جهة وضد القيادات الفلسطينية القريبة من معسكر الحسيني من جهة أخرى. ويبدو فعلاً أن الاعتبارات التجارية قد هيمنت على سياسة الصحيفة التي تحوّلت وجهتها عند تحوّل الظروف والاعتبارات التجارية.
ما نعرف مؤكداً أن الملحق العبري لم يصمد طويلاً، كما أن الملحق العربيّ أيضاً لم يصمد حيث تهاوى الأول في سنوات العشرينيات في حين أغلقت النفير أبوابها تمامها عام 1945، ولكن بغض النظر عن السياق والحيثيات إلا أن فعل الجريدة واصدارها باللغتين العبرية والعربية تظل قضية مثيرة للاهتمام تستحق الدراسة والبحث وتظل علامة فارقة في تطور الصحافة العربية المبكرة.
لمعاينة صحيفة النفير في موقع جرايد اضغطوا هنا
المصادر:
1 قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين: تاريخها وروادها وتشريعاتها، عمان: مؤسّسة الوراق للنشر والتوزيع، 2015، ص 16.
2 يُنظر على سبيل المثال ما جاء عند يعقوب يهوشع بأن العديدين اتهموا الصحيفة بوصفها “مستأجرة” وعميلة أو مجنّدة (يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني (1908-1918)، القدس: مطبعة المعارف، ص 50-54).
3 يُنظر كبها، تحت عين الرقيب، ص 14-15، 26، 35-36، 223؛ يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني (1918-1908)، القدس: مطبعة المعارف، ص 50-54؛ محمد سليمان، تاريخ الصحافة الفلسطينية 1876-1976، الجزء الأول (1918-1876)، الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيّين، ص 71; قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين، ص 93- 95.