النفير أم هشوفار؟

تميزت صحيفة النفير بكونها الصحيفة العربية الأولى التي ضمت ملحقًا باللغة العبرية باسم هشوباز، وذلك منذ العام 1913، فهل كان ذلك نتاج تعاون وتعايش أم لمصالح اقتصادية فقط

كانت صحيفة النفير من الصحف الفلسطينية المبكرة،  والتي أصدرها بداية إبراهيم زكا (حيفا، 1870 تقريبًا) في عام 1902 في الإسكندرية باسم النفير العثماني. وفي أعقاب العودة للعمل بالدستور العثماني في سنة 1908، انتقلت الصحيفة إلى يدي شقيقه إيليا زكا (حيفا، تقريبا 1875- 1926)، خريج الكلية الإكليريكية الروسية في الناصرة، والذي عاد إلى إصدارها من جديد تحت اسم النفير في مدينة القدس ثم انتقل بها عام 1913 إلى حيفا. وكما حدث مع الصحف والمجلات الأخرى، لم تصدر الصحيفة خلال الحرب العالمية الأولى، ولكنها عادت للصدور من جديد منذ 23 أيلول 1919. وصدرت الصحيفة حينها لفترة قصيرة تحت اسم الصاعقة.

إن المميز في جريدة النفير، والذي كانت سباقة فيه، هو نشرها لملحق باللغة العبرية باسم هشوفار بدءاً من العام 1913 والذي استمر حتى حجب الصحف على يد العثمانيين مطلع الحرب العالمية الأولى، وسيعود مجدداً للظهور في عام 1923. على وقع هذا الملحق وعلى نشر اعلانات لشركات صهيونية اتهمت جريدة النفير بالتعاون مع مؤسّسات وجهات صهيونية بهدف الحصول على دعم مادي، إلى جانب علاقاته الوطيدة مع سلطات الانتداب.2

النفير، 27 كانون الثاني 1914

في افتتاحية عدد كانون الثاني 1914 يشرح المحرر الموضوعات التي سيتناولها ملحق “هشوفار” في طياته، وهي المقالة الرئيسية وستكون عادة اجتماعية، أدبية والقضايا اليومية الملحة. القضية الصهيونية. أخبار المستوطنات الصهيونية. القضايا العثمانية والتي فسرها المحرر على أنها القضايا التي تخص تركيا عامة، سوريا وفلسطين خاصة، قشطا: وهي الاعلانات الرسمية. ملف للأخبار المحلية، وتلغرافات.

في ذات العدد نشر الملحق مقالاً عن الصهيونية والذي كتبه متري حلاج وسينشر الملحق في أعداد لاحقة مقالات أخرى حول الصهيونية لكتاب آخرين كشبلي نوفل وغيره، اضافة لنشر العديد من الاعلانات لشركات أو لتنظيمات صهيونية، كنشرها اعلانات “هبوعيل هتسعير” واعلانات لجريدة “حروت”.

النفير، 14 كانون الثاني 1914

في أدراج المكتبة الوطنية الاسرائيلية هناك وثيقة مهمة، رسالة من إيليا زكّا إلى المفكر الصهيوني إحاد هعام، والتي تلقي الضوء على الرؤية السياسية للنفير، حيث يشرح فيها زكّا أسباب اصداره لجريدة باللغة العبرية، وهي وجود طرفين متناقضين في البلاد، لكل طرف رؤيته، طرف يسعى لبناء وطن قومي، وآخر يرى بذلك خطراً مهدداً له، هنا كانت النفير والتي كما يقول صاحب الرسالة قرر اصدارها لكي تكون منصة حرة مخصصة لتقريب وجهات النظر.

في الرسالة يرجو زكّا من إحاد هعام أن يتلقى الدعم من العبرانيين – كما يسميهم في الرسالة – سواء على المستوى الأخلاقي أو على المستوى الأدبي، راجياً من إحاد هعام أن يزود الجريدة ببعض انتاجاته الفكرية.

رسالة من إيليا زكّا إلى المفكر الصهيوني إحاد هعام، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية
رسالة من إيليا زكّا إلى المفكر الصهيوني إحاد هعام، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

ظلت الصحيفة تنشر اعلانات الشركات الصهيونية، وبدءًا من منتصف العشرينيات ظهرت هذه الإعلانات والدعايات أيضاً في الصفحة الأولى كم جريدة النفير باللغة العربية. يرى البعض أن زكّا كان متواطئاً مع الحركة الصهيونية والانتداب، بينما يرى آخرون أن الصحيفة قد اعتمدت سياسة نقدية ضد سلطات الانتداب والنشاط الصهيوني في البلاد من جهة وضد القيادات الفلسطينية القريبة من معسكر الحسيني من جهة أخرى. ويبدو فعلاً أن الاعتبارات التجارية قد هيمنت على سياسة الصحيفة التي تحوّلت وجهتها عند تحوّل الظروف والاعتبارات التجارية.

ما نعرف مؤكداً أن الملحق العبري لم يصمد طويلاً، كما أن الملحق العربيّ أيضاً لم يصمد حيث تهاوى الأول في سنوات العشرينيات في حين أغلقت النفير أبوابها تمامها عام 1945، ولكن بغض النظر عن السياق والحيثيات إلا أن فعل الجريدة واصدارها باللغتين العبرية والعربية تظل قضية مثيرة للاهتمام تستحق الدراسة والبحث وتظل علامة فارقة في تطور الصحافة العربية المبكرة.

لمعاينة صحيفة النفير في موقع جرايد اضغطوا هنا 

المصادر:

 1  قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين: تاريخها وروادها وتشريعاتها، عمان: مؤسّسة الوراق للنشر والتوزيع، 2015، ص 16.

2 يُنظر على سبيل المثال ما جاء عند يعقوب يهوشع بأن العديدين اتهموا الصحيفة بوصفها “مستأجرة” وعميلة أو مجنّدة (يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني (1908-1918)، القدس: مطبعة المعارف، ص 50-54).

3 يُنظر كبها، تحت عين الرقيب، ص 14-15، 26، 35-36، 223؛ يعقوب يهوشع، تاريخ الصحافة العربية في فلسطين في العهد العثماني (1918-1908)، القدس: مطبعة المعارف، ص 50-54؛ محمد سليمان، تاريخ الصحافة الفلسطينية 1876-1976، الجزء الأول (1918-1876)، الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيّين، ص 71; قسطندي شوملي، الصحافة العربية في فلسطين، ص 93- 95.

صعود وأفول جريدة “الشرق – همزراح” الصهيونية في دمشق

تعرفوا على الجريدة التي أسسها يوسف ريفلين والد رئيس دولة اسرائيل والذي راهن على أن يكون جسراً بين العرب واليهود في الجمهورية السورية.

الصفحة الأولى من جريدة الشرق الصادرة باللغتين

يرون هرائيل، محاضر في جامعة بار إيلان

حين وصل لاجئو البلاد اليهود دمشق (خلال فترة الحرب العالمية الأولى)، قاموا بزرع بذور الفكرة الصهيونية في أوساط يهود المدينة. حين غادرها اللاجئون أنفسهم، وعلى رأسهم دافيد يلين، ُطلب منهم الحفاظ على إنجازات التربية العبرية الصهيونية في أوساط المجموعة اليهودية الأكثر قرباً من فلسطين، وهذا ما جعلهم يقومون بالتأثير على اللجنة التربوية المحلية من أجل التعامل مع الجالية اليهودية في دمشق تماماً كأنها محلية على جميع المستويات. في هذا الاطار أُرسل للمدينة “يهودا بورلي” لكي يدير مدرسة للصبيان، ويوسف يوئيل ريفلين (والد رئيس الدولة رئوفين ريفلين) من أجل ادارة مدرسة البنات. رافقهم مجموعة مربيات، معلمين ومعلمات من البلاد والذين استعانوا بشباب وفتيات يهود من مواليد دمشق.

من اليمين: دوف قمحي، دافيد أبيشر، يهودا بورلي، يوسف يوئيل ريفلين، أفيعازر يلين، موشي كرمون
من اليمين: دوف قمحي، دافيد أبيشر، يهودا بورلي، يوسف يوئيل ريفلين، أفيعازر يلين، موشي كرمون

في هذه الفترة، والتي كان للصحافة دور مهم في في تشكيل التاريخ السياسي والاجتماعي السوري وبلورته من خلال التعبير عن الرأي العام، وبموافقة من الملك الجديد فيصل (وبتشجيع منه أيضاً)، تبين لسفراء المؤسسات الصهيونية بدمشق، كما للشباب والشابات من أبناء الجالية، أن على المؤسسات الصهيونية العمل أيضاً على مستوى الدعاية. ولذلك، أشاروا لضرورة إصدار جريدة صاحبة رؤية معتدلة وهادئة، تساهم في التقريب بين العرب واليهود من أجل فهم الفكرة الصهيونية. خلاصة نشاطهم في هذا الجانب أدت لتأسيس جريدة الشرق الصادرة باللغتين، إذ طُبعت أول ثلاث أعداد منها في دمشق ثم توقفت عن الصدور بعدها. إتاحة النسخ المعدودة التي تبقت في العالم من الأعداد الثلاث في موقع الصحافة اليهودية التاريخية تتيح لنا تأملاً عميقاً في النشاط الصهيوني في دمشق في فترة الملك فيصل.

الملك فيصل الأول، ملك سوريا حتى ازاحته عام 1920 (مصدر الصورة: ويكبيديا)

في الصحيفة، كانت دائرة الاستهداف الأولى عملياً  هي دائرة الجمهور العربي في سوريا. جاء التوجه لهذه الشريحه لأجل خلق توازن في توجهات الجمهور بخصوص النشاط الصهيوني في فلسطين، ومن أجل عدم صب جام غضبه من الصهيونية على يهود دمشق. وفي اطار هذا المسعى صيغت تعبيرات تدل على أن هدف الجريدة  أن “يكون جسراً بين العرب واليهود”. دائرة الاستهداف الثانية كانت المجتمع اليهودي في سوريا ولبنان عامة وفي دمشق خاصة. في نظر مندوبي اللجنة المرسلة لدمشق تبين رويداً رويداً أهمية النخبة اليهودية الاقتصادية والثقافية في المدينة كأداة للوصول لقيادة الحركة القومية العربية وكبار حكومة فيصل. هدف دائرة الاستهداف الثالثة كانت رؤساء المؤسسات الصهيونية في البلاد والعالم من أجل شرح صعوبات العمل الصهيوني في دمشق.

 

صدر العدد الأول من الجريدة يوم الاثنين، في الخامس من تموز 1920 قبل المساء. وفق الخطة الأصلية كانت الصحيفة بلغتين. احتوت “الشرق”  على صفحتين باللغة العربية و”هـمزراح” احتوى على صفحتين باللغة العبرية. في المرحلة الأولى كان المسعى أن تصدر ثلاث مرات في الأسبوع.

الصفحة الأولى من جريدة الشرق الصادرة باللغتين

كان نظام الجريدة يحاكي نظام الصحف العبرية الصادرة في فلسطين مثل “دوئر هيوم” (بريد اليوم)، بجوار التهاني والاعلانات (فندق القدس – الفندق العبري الأول في دمشق) نشر مقال نقدي عن الجالية ونظامها. يوسف يوئيل ريفلين نشر من على صفحات الجريدة هذه، النسخة الأولى من مقاله عن “النشرة العبرية الأولى في دمشق”. نشر جريدة الشرق أثار عاصفة في البرلمان السوري. معارضة ظهور الجريدة قادها رجال من الدوائر القومية ومن الفلسطينيين. الصحافة العربية بمعظمها لم تصمت على إصدار صحيفة الشرق وكانت بمعظمها موحدة في معارضتها لوجودها. كان غضب الصحف بالأساس على قرار السماح باصدار جريدة تحمل أهدافاً صهيونية، في حين تلقت صحف مناصرة للقضية الفلسطينية منعاً من الرقابة.

في التاسع من تموز 1920 صدر العدد الثاني من الجريدة في ظل الضغوطات والتهديد. الجزء العبري من الجريدة تم اختزاله لصفحة واحدة وفيه إعلانات اعتيادية حول ما يجري في مشافي ومدارس الجالية اليهودية. ومن أجل اثبات ولاء الجريدة للمصالح السورية – ربما  – ألحق بها صفحة كاملة تدعو يهود سوريا من أجل التبرع للقرض الوطني السوري “القرض الوطني السوري هو حياة الأمة السورية، فاشترك به أيضاً أيها الوطني الاسرائيلي، لأنه لا حياة إلا بالإستقلال، ولا استقلال إلا بالمال”.

العدد الثاني من جريدة الشرق

العدد الثالث والأخير صدر بتاريخ 12 تموز 1920 وكان كله باللغة العربية. وتزامن صدور العدد الثالث مع إنشغال دمشق بخطر الغزو الفرنسي وفي الإنذار الذي وجهته فرنسا لفيصل، وهذا ما أدى إلى تحول ظهور “الشرق” لحدث سياسي أدى إلى تلقي هيئة التحرير أمراً مباشراً من وزير الحرب “يوسف العظمة” بأن توقف إصدار الجريدة لزمن غير محدد.

دخول الفرنسيين لدمشق في تموز 1920 وإزاحة الملك فيصل، قد أثارت الأمل في الأوساط الصهيونية بدمشق،خاصة مع الشعور  بأن السلطات الغربية المتنورة الجديدة قد تسمح بتجديد إصدار جريدة الشرق. ولكن هذا الأمل قد أُحبط، إذ في أواخر أيلول 1920 منعت السلطات الفرنسية تجديد إصدار الجريدة. التوضيح الذي أعطي حينها على يد الموظف الفرنسي المسؤول عن شؤون النشر كان بأن المستويات العليا اتخذت قرار عام يمنع ظهور أي جريدة جديدة مهما كانت. ولكن على ما يبدو أن هذا القرار طُبق بشكل جزئي، فوفق شهادات تعود لتلك الفترة، ظهرت العديد من الصحف العربية الجديد. سبب آخر أعطي لتفسير الحجب بأن اليهود يتلقون صحفاً كبريد اليوم وهآرتس من القدس ولذلك فلا حاجة لجريدة جديدة. كانت النتيجة بأن اليهود في دمشق ظلوا بلا نشرة خاصة، في حين كانت العديد من الصحف للمسيحيين والمسلمين. هذ الأمر ولّد شعوراً اشتد مع السنين بأن السلطات الفرنسية هي سلطات معادية لليهود.

كان يا ما كان: حين قرر كامل الكيلاني أن يكتب أدب الأطفال

تعالوا وتعرفوا على كامل الكيلاني ومشروعه النوعيّ للأطفال

​منذ القدم والحكاية الشعبية للأطفال كانت مركز الثقافية العربية، إذ تناقلها الناس بين بعضهم البعض، لكن كامل الكيلاني المصري الجنسية والمولود عام 1897 قرر أن يأخذ قصص الأطفال نحو اتجاه آخر، اتجاه أكثر أدبي وأكثر علمي ليبدأ مشروعه النوعيّ وهو كتابة قصص الأطفال.

في مقدمة طريقه في أحدى كتبه، يقول الكيلاني موجهاً كلامه للطفل العربي، اخترت أن “أسهل عليك الأمر فتقرأ بنفسك أحسن القصص التي تحبها، لتقصها أنت على أبويك وجدتك وعلى أصحابك الأعزاء”

كامل الكيلاني، قصص جديدة للأطفال: بابا عبد الله والدرويش، مطبعة المعارف ومكتبتها في مصر.

كانت رواية السندباد البحري أول قصة كتبها للأطفال عام 1927، الرواية مستمدة من رواية “ألف ليلة وليلة” التراثية، ولكن الكيلاني يوضح أسباب استحضارها، إذ يقول أن الرواية الأصلية لم تحظ بالانتشار لركاكة الأسلوب وغياب الصور وضعف الخيال وبالتالي فمشروع الكيلاني هو الكتابة للأطفال بأسلوب سهل يحبب القراءة على الأطفال، ثم تزيين القصص بالصور لكي تجذب الأطفال كل ذلك لأجل تحبيب القراءة والمطالعة.

كامل الكيلاني، السندباد البحري، مطبعة المعارف ومكتبتها في مصر.

نجح مشروع الكيلاني نجاحاً جميلاً وانتشرت قصصه في الكثير من الدول العربية، ولكي ينوع الكيلاني مصادره فقد استوحى أحيانًا قصصه من التراث العربي الإسلامي كقصة السندباد التي ذكرناها أعلاه أو من التراث المشرقي كالهند والتي كتب من وحي قصصها مجموعة حكايات مثل قصاص الأثر، القصر الهندي، في غابة الشياطين وغيرهم.


كامل الكيلاني، قصاص الأثر، مطبعة المعارف ومكتبتها في مصر.

كما استوحى الكيلاني قصصاً خيالية لم يُعرف لها منشأ كقصة “في بلاد العجائب.


​لأكثر من ثلاثين عام استمر مشروع الكيلاني والذي فيه كتب خلالها ما يقارب ال250 قصة، لتتحول قصصه إلى معالم أساسية من معالم الطفولة العربية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ولما توفى الكيلاني عام 1959 كان قد خلف وراءه إرثًا ثميناً، وربما فقط بعد وفاته تنبه النقاد لأهمية ما خلفه الكيلاني الذي شق طريقاً جديداً في الأدب ليحصل وبجدارة على لقب “رائد أدب الأطفال”.

الجانب السياسيّ للغة العربية في الصحافة الفلسطينية

اللغة العربية كمشروع سياسي من منظور الصحافة الفلسطينية

شكّل خوف الفلسطينيين من مشروع “التتريك” في نهاية الحقبة العثمانيّة أساس ذلك، حيث حاول العثمانيون وعبر التتريك فرض اللغة التركيّة على البلاد العربيّة، والتي بدأت ملامحها تظهر من خلال إدخال اللغة التركيّة للمؤسسّات والجهات الرسميّة في الدولة، اضافة لإدخال اللغة التركية في الكثير من المدارس العربيّة في مصر وبلاد الشام وغيرها من المناطق العربيّة، وقد ازداد الأمر بشكل ملحوظ بعد العام 1908، ممّا حدا بالعرب عامّة والفلسطينيّين خاصّة إلى العمل على تعزيز اللغة العربية. فالنخب الثقافيّة العربيّة عملت على تأسيس أطر ونوادي قوميّة وعربيّة، كما وعمل المثقّفون العرب على إحياء العلوم والآداب والترجمات، فيما ذهب آخرون نحو تعزيز حضور اللغة العربيّة في المدارس والكتاتيب.

من هنا نرى أنّ الصحافة الفلسطينيّة تزخر بمقالات ونصوص لتعزيز اللغة العربيّة والتنبيه بمخاطر أفولها، وسيعمل على ذلك نخبة من الكتّاب الفلسطينيّين، أمثال: محمد اسعاف النشاشيبي وحبيب الخوري وخليل السكاكيني وأديب فرحات وتوفيق الزيبق والشيخ علي الريماوي، وهم بدورهم سيتحوّلون إلى نخبة المجتمع الفلسطينيّ في حينه.

إنّ مقالة اسعاف النشاشيبي الواردة في مجلّة “النفائس العصريّة” تحمل كمًّا شعوريًّا هائلًا إتّجاه التخوّف من واقع اللغة العربيّة والخطر المحدق بها كما رآه النشاشيبي

النفائس العصريّة، 1 شباط 1911

(لقراءة المزيد من “النفائس العصرية” في أرشيف جرايد، اضغطوا هنا!)

إنّ شعور الخوف على اللغة العربيّة لن ينقضي بانقضاء الدولة العثمانيّة، بل سيستمرّ مع الانتداب البريطاني، ولكن الخوف على اللغة سيختلف هذه المرّة وسيكون مركّبًا، فاللغة العربية ستفقد مركزيّتها مرّة أخرى مع اعلان الانتداب الذي سيعلن منذ بدايته أنّ اللغات الرسميّة في البلاد هي العربيّة والانجليزيّة والعبريّة، ممّا سيولد شعور الخوف مجدّدًا على اللغة العربيّة، وهو ما سيظهر في العديد من الكتابات التي يمكن من خلالها تلمس الشعور بالخطر، ولكن هذه المرّة في مواجهة اللغتين العبريّة والانجليزيّة.

مرآة الشرق، 14 آذار 1931

(اضغطوا هنا لقراءة المزيد من “مرآة الشرق” في أرشيف جرايد)

يبدو أنّ هذا الشعور والذي يظهر في منشورات العديد من الكتّاب الفلسطينيّين في تلك الفترة سيولد ردّة فعل لدى الفاعلين في الحيّز الاجتماعيّ حيث سيُطالب الكثيرون بافتتاح المدارس، وسيناشد بعض الكتاب ذوي القرار بافتتاح جامعة، فيما سيدعو آخرون لتشييد مجمع للغة العربيّة

مرآة الشرق، 11 تشرين الأول 1930

(لقراءة المقالة الكاملة، اضغطوا هنا)

​انتشار المدارس وازدياد أعداد المتعلّمين فيها سيساهم في ازدياد الذي يجيدون القراءة والكتابة، هذا ما يوضّحه جبرائيل كاتول – مفتّش وزارة المعارف، في مقاله “نظام التعليم في فلسطين، المدارس وازالة الأمية”

المنتدى، 1 تموز 1943

(​لتصفّح الأعداد الكاملة من “المنتدى” اضغطوا هنا​)

ان هذا الازدياد المتسارع في المتعلّمين سيساهم في تنشيط الصحافة الفلسطينيّة، كون أنّ الآلاف سنويًّا ينضمّون لشريحة مستهلكي الصحافة، هكذا ستتزايد أعدادها، وستقفز مبيعات الصحف من 12.500 عدد تقريبًا عام 1914 إل 20.000 – 25.000 عدد بين 1945-1948[1].

التطوّر المُلفت في الصحف والتعليم الذي سيُساهم في تعزيز اللغة العربية، سواء عبر ازدياد المتعلّمين الذي يتقنونها، أو عبر توفير وسيلة التواصل الأكثر انتشارًا وهي الصحف العربيّة، التي ستوفّر عاملًا يعزّز حضور اللغة بين الناس سواء من خلال مضامينها الأدبيّة التي ذكرناها لاحقًا أو من خلال طرح ونقاش موضوعات مهمّة متعلّقة باللغة العربيّة، والتي كانت تسعى لتوعية القرّاء وتعزيز اللغة العربيّة، مثل زاوية “اللغة” التي أطلقتها صحيفة مرآة الشرق، والتي حاولت من خلالها أن تشير في كلّ مرة لكلمة واحدة في اللغة العربية، توضّح أصولها وتشرح معناها.

الدفاع 18 حزيران 1935

(​يمكنكم قراءة المزيد من جريدة “الدفاع” بالضغط هنا)

مرآة الشرق، 19 أيلول 1934

(يُمكنكم الاطلاع على تفاصيل إضافية عن “مرآة الشرق” من هنا​)

ذهبت صحف أخرى إلى النشر عن آخر إصدارات الكتب باللغة العربيّة أو حولها، فيما ذهبت أخرى لاستكتاب مفكّرين فلسطينيّين للحديث عن قضايا اللغة العربيّة واشكاليّاتها.

المنتدى، 15 شباط 1946

(​من هنا يمكنكم قراءة تفاصيل إضافيّة عن مجلّة “المنتدى”​)

من جهة أخرى ناضلت الصحف الفلسطينيّة لتعزيز حضور اللغة العربيّة في الحيّز العام كالدوائر الحكوميّة أو الرسميّة

الدفاع، 16 تشرين الثاني، 1935

(اضغطوا هنا لقراءة المزيد عن جريدة “الدفاع”)

فلسطين، 7 حزيران 1945

(بالضغط على هذا الرابط يُمكنكم قراءة مزيد من التفاصيل عن جريدة “فلسطين”)

كانت قضايا الترجمة قد شغلت الكتّاب الفلسطينيّين أيضًا، والذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام سيل من الانتاج الغربيّ الذي لا مقابل له بالعربيّة (فخليل بيدس مثلًا كان من أوائل المترجمين الفلسطينيّين) وبالتالي كان على هؤلاء الكتّاب والمترجمين أن يبحثوا عن مقابل للكثير من الكلمات التي واجهوها خلال ترجمتهم أو خلال تفاعلهم اليوميّ مع الانجليز واليهود وانكشافهم على اللغتين العبريّة والانجليزيّة.

النفير، 3 أيار 1930

(​​اضغطوا هنا لتصفح العدد كاملا من مجلّة “النفير”​)

​هل نجحت الصحف في ذلك أم لا؟ هل أدّت مهمّتها كما يجب؟ وكيف يمكن قياس مستوى النجاح، أسئلة صعبة تحتاج بحوثًا معمّقة، لكن ممّا لا شكّ فيه، أنّ الصحف ساهمت في تعزيز اللغة العربيّة مساهمة واضحة سواء من خلال المقالات التي أدرجتها والقضايا التي عالجتها، أو من خلال اللغة العربيّة نفسها التي استخدمتها لمخاطبة القرّاء لتحافظ بذلك على اللغة في مرحلة مهمّة من تشكيل الهويّة الفلسطينيّة المعاصرة.