كان يتم تطبيق الدروس المقررة حول الزراعة من أجل محاولة النهوض في هذا القطاع. فكان القطاع الزراعي يشكل جزءًا مهمًا من الاقتصاد الفلسطيني آن ذاك (ولا يزال)، وهذا دفع العديد من الجهات إلى التركيز على الزراعة من أجل تطويرها والارتقاء بها إلى الأفضل. ومن ضمن الجهات التي حاولت النهوض بالزراعة كان قطاع التعليم المدرسي بكافة أشكاله، لكن التساؤل كيفية حدوث عملية الارتقاء في الممارسات الزراعية حتى أصبحت ثقافة مدرسية تتناولها معظم المدارس في فلسطين الانتدابية؟
من المنطقي القول أن القطاع التعليمي يهدف دومًا إلى تمرير أفكار ورسائل يحاول إيصالها إلى الطلبة، ليس في مجال معين بل في مجالات مختلفة ومتعددة، فقطاع التعليم هو قطاع واسع يحمل جوانب متعددة، لكن الذي يربط كافة جوانبه هي الرسالة التي يهدف إلى تمريرها، بالتالي إحدى الأدوات التي تم تسويغها للنهوض في الزراعة هي رفع مستوى الوعي والمعرفة حول الزراعة إلى الطلبة، فتغطي هذه الجزئية الجانب النظري للطلاب. أما الأمر الآخر الذي تم تسويغه بشكل كبير في تلك الحقبة الزمنية فكان الانتقال إلى الممارسات التعليمية وعدم اقتصار التعليم على مستوى النظرية، بل تعداه إلى التطبيق الذي كان في أغلبه خارج الغرف الصفية المغلقة والتي بدأت بالظهور ضمن فئة معينة وبعد ذلك انتشرت لتصبح ثقافة تربوية في أغلب المدارس ولتتعدد أساليب تعليم الممارسات الزراعية لتشمل ممارسات زراعية مختلفة تبدأ من زراعة أمور عام مثل أشتال الفواكه وتصل إلى ممارسات زراعية متخصصة يتم تدريسها في المدارس والكليات المتخصصة.
بدأ الأمر بافتتاح مدارس متخصصة بمواضيع الزراعة مثل مدرسة خضوري الزراعية التي افتتحتها سلطات الانتداب البريطاني عام 1931 بالقرب من مدينة طولكرم، والتي كان يرأسها الأستاذ أكرم الركابي. فكانت هذه المدرسة تحمل (ولا تزال) رسالة أساسية حول التعليم الزراعي المتخصص. وبعد ذلك لم يعد يقتصر الأمر على وجود المدارس المتخصصة لتعليم الممارسات الزراعية في الميدان، بل بدأت ثقافة التربية الزراعية بالانتشار بين المدارس العامة من خلال التوجه إلى إيجاد أراضٍ تكون قريبة من مبنى المدرسة لتشكل مختبرًا ميدانيًا لتعليم الطلبة، على سبيل المثال تناولت صحيفة فلسطين الصادرة ب24 أيلول عام 1932 خبرًا حول نية مدرسة البيرة إيجاد قطعة أرض “يتمرن فيها الطلاب على الممارسات الزراعية” وذلك من أجل تنمية المهارات الزراعية بين طلبة المدرسة. بعد ذلك شهدت تلك الفترة تطورًا آخر وهو انتساب الطالبات الإناث إلى المدارس الزراعية وعدم اقتصارها على الطلاب الذكور كما كان متبعًا، وقد بدأ ذلك عام 1946 عندما تم قبول 30 طالبة في كلية الزراعة بعد رفض طلباتهن مراتٍ عديدة قبل ذلك.
وهكذا انتشرت ثقافة التربية الزراعية بين المدارس العربية خلال الفترة الانتدابية التي امتدت زهاء الثلاثون عامًا. فبدأت بفئة معينة من المدارس والطلاب ومن ثم انتشرت إلى كثير من المدارس وامتدت لتشمل الطالبات الإناث.
تعالوا لنتعرف على متبرع إقامة مدرسة خضوري (أصبحت الآن جامعة)
هل تعلمون أن المتبرع لإقامة مدرسة خضوري للزراعة الموجودة في مدينة طولكرم والتي تحولت فيما بعد إلى جامعة هو السير ألس خضوري من هونج كونج!
تقديرًا لجهوده وتبرعاته تم إطلاق اسمه على مبنى المدرسة الجديد، هذه المدرسة التي بعثت التفاؤل في نفوس المهتمين بتطوير الزراعة الفلسطينية قد تم افتتاحها رسميًا عام 1931 على مساحة قدرها 400 دونمًا غرب طولكرم. وبالتزامن مع افتتاح المدرسة الزراعية العربية الأولى في فلسطين تم افتتاح مدرسة يهودية أخرى من ذات المتبرع في جبل طابور بالقرب من العفولة.