ولدت ماري عجمي في دمشق في زمنٍ كانت فيه المرأة تُحاصر بين جدران الصمت والقيود، لتصبح واحدة من أوائل النساء العربيات اللواتي دخلن ميدان الصحافة والفكر بقوة. درست ماري في المدرسة الإيرلندية ثم الروسية، قبل أن تلتحق بالجامعة الأميركية في بيروت لدراسة التمريض، لكنها لم تُكمل في ذلك المجال. وسرعان ما انطلقت نحو التعليم في لبنان وسوريا وفلسطين والعراق، لتخوض مسيرة حافلة بين الأدب والنضال الاجتماعي والسياسي.
عرفت ماري قسوة الحياة مبكراً، اذ أحبت المناضل بترو باولي الذي أعدمه العثمانيون في دمشق عام 1915، ولم تتزوج بعده، بل كرّست حياتها لقضية وطنها والمرأة. كانت تزوره في السجن علنًا متحدّيةً الجنود، حاملةً إليه الرسائل والأمل. ومثلما كانت عنيدة في حبها، كانت شرسة في مواقفها: لم تنحنِ للاستبداد، ولم تستسلم للاستعمار الفرنسي الذي نكّل بدمشق.
كتب عنها الأدباء بإعجاب كبير، اذ قال أمين نخلة إنها وحدها من جمعت بين حدّة قلم الرجال ولطافة قلم النساء، بينما رأى فيها خليل مردم بك موهبة نادرة جمعت بين الشعر والنثر، الترجمة والإنشاء، الخطابة والكتابة.
في عام 1910، أطلقت ماري عجمي مجلتها “العروس” من دمشق، لتكون أول مجلة نسائية سورية. لم تكن المجلة سطحية ترفيهية، بل وصفت بالمنبر الأدبي، العلمي، والنسائي. طُبعت أولاً في حمص، ثم توقفت خلال الحرب العالمية الأولى، قبل أن تُعاد وتستمر حتى عام 1926.
وصفت “العروس” بأنها “عروسة لا عريس لها سوى الشعب”. اتخذت من الكلمة وسيلةً لمواجهة الاستبداد والاستعمار والتقاليد المتكلسة. تناولت المجلة الأدب والتاريخ، الصحة وتمريض الأطفال، إضافة إلى الفكاهة والمقالات التربوية. وفي تقديمها قالت: “إليكِ العروس… تُسِرُّ إليكِ بمكنونات قلبها”، في وصف شاعري جعل من المجلة كائنًا حيًا ينطق بلسان امرأة حرة.
بلغ عدد صفحات المجلة أكثر من 6900 صفحة عبر 11 مجلدًا، واستقطبت كبار أدباء وشعراء عصرها، من جبران خليل جبران، إيليا أبو ماضي، إلى أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والعقاد والمازني. حتى ميخائيل نعيمة كتب فيها، إلى جانب أدبيات عربيات فاعلات.


