كان خليل طوطح شخصية بارزة في مجال التعليم، وترك بصمة لا تُنسى على الأجيال من الطلاب والمعلمين. وُلد في 20 أيار 1887 في رام الله، ونشأ في بيئة فكرية محفزة حيث كان والده أول معلم له. بدأ تعليمه المبكر في المنزل، لكنه سرعان ما التحق بمدرسة الفرندز في بلدة البيرة القريبة، مما كان بداية التزامه الدائم بالتعليم.

دفعه شغفه بالعلم إلى مواصلة تعليمه في لبنان ثم الولايات المتحدة، حيث أكمل دراسته الثانوية في ولاية ماين، ثم التحق بكلية كلارك في ماساتشوستس، وحصل في النهاية على درجة الماجستير في التربية من جامعة كولومبيا عام 1912. تركت هذه السنوات في الولايات المتحدة أثراً عميقاً في فلسفته التربوية، مما عزز إيمانه بالقوة التحويلية للتعليم.
عاد طوطح إلى البلاد عام 1912 لتولي إدارة مدرسة الفرندز في رام الله. تحت ادارته، تحولت المدرسة إلى مركز للإبداع الفكري والفني، حيث أدخل الموسيقى والفنون والدراما في المناهج الدراسية، وهي خطوة غير تقليدية في ذلك الوقت. كما كان طوطح من أشد المدافعين عن تعليم الفتيات، مُدركاً دور التعليم في تمكين المجتمع. خلال فترة إدارته، أصبحت المدرسة رمزاً للتعليم التقدمي في المنطقة، مقدمة للطلاب تجربة تعليمية شاملة ومبتكرة.
خارج إطار المدرسة، كان طوطح منخرطاً بعمق في الدعوة إلى الإصلاح التربوي، حيث رأى أن التعليم يجب أن يكون مستقلاً ومتجذراً في الثقافة المحلية، بهدف تمكين الشعب. وقد دافع عن إنشاء مناهج دراسية تعكس القيم والهوية المحلية، معتبراً التعليم أداة ليس فقط للنمو الشخصي، بل للتحرر الوطني والاجتماعي.
كما أسهم طوطح في مجال الكتابة، حيث تعاون مع بولص شحادة، رئيس تحرير صحيفة “مرآة الشرق”، في تأليف كتاب عن تاريخ القدس. وقد استكشف هذا الكتاب الغني الثقافة والتاريخ للمدينة، مسلطاً الضوء على أهميتها عبر العصور. تجسد هذه الشراكة التزام طوطح بالحفاظ على التاريخ المحلي، وتعزز أهمية العمل الجماعي في فهم إرث القدس.

إرث التعليم في كتابات طوطح
إلى جانب دوره كمربٍّ، كان خليل طوطح كاتباً غزير الإنتاج، تطرق في أعماله إلى المعاني العميقة للتعليم وتاريخه. يُعد كتابه “التربية عند العرب” من أبرز مؤلفاته، حيث استعرض فيه تطور التعليم في العالم العربي عبر العصور، وكيف تأثر بالتغيرات المجتمعية والثقافية.

يتناول طوطح في كتابه كيف بدأ التعليم عند العرب كعملية مرتبطة بالتعاليم الدينية، حيث لعب القرآن دوراً محورياً في نشر القراءة والكتابة وتأسيس المدارس. ومع توسع الحضارة العربية، توسعت أيضاً أنظمة التعليم لتشمل العديد من المجالات مثل الأدب والعلوم والرياضيات. بالنسبة لطوطح، كان التعليم عند العرب ليس مجرد نقل للمعرفة، بل عملية تهدف إلى بناء عقل الفرد، وتشكيل الإطار الأخلاقي له.
من أبرز النقاط التي يعرضها طوطح في كتابه هي المكانة العالية التي كان يحظى بها المعلمون في المجتمع العربي. فقد كانوا يحصلون على ألقاب ومناصب مرموقة بناءً على كفاءتهم ومعرفتهم. كما يُشيد طوطح بدور النساء في الحياة التعليمية والثقافية، حيث يشير إلى أن العديد من النساء العربيات كن يتمتعن بالذكاء وحب العلم، مثل الخنساء وعائشة -رضي الله عنها-، اللواتي تركن أثراً في الأدب والشعر والتعليم.