الخميني في عيون العرب: صفحات من ثورة 1979

لم تكن الصحف العربية موحدة في قراءتها، إذ وجد الإسلاميون في الثورة نموذجًا ملهمًا، أما القوميون فرأوا فيها فرصة لتحجيم النفوذ الغربي، وانقسم اليسار بين مؤيد للحراك الشعبي ومنتقد لمآلاته. لكن ما جمع هذه الأصوات جميعًا هو الانبهار بالحجم، والسرعة، والتأثير. لم تكن ثورة إيران فقط شأناً داخليًا، بل ارتدت بسرعة وجهًا عربيًا، انعكس في كل عنوان وفي كل سطر بالصحف.

832 629

مع مطلع عام 1979، كانت إيران على حافة التحول الأكبر في تاريخها الحديث. عقودٌ من الحكم الملكي تحت الشاه محمد رضا بهلوي بدت وكأنها تنهار، في ظل تصاعد احتجاجات شعبية عارمة شملت معظم المدن الإيرانية.كانت أسباب هذا الغليان معقدة ومركبة، جمعت بين استياء اجتماعي من الفجوة الاقتصادية، رفض سياسي للسلطوية، ونقمة دينية على علمنة الحياة العامة وإضعاف المؤسسات الدينية

في الأول من شباط من ذلك العام، عاد آية الله روح الله الخميني من منفاه في باريس إلى طهران، بعد غياب دام أكثر من 14 عامًا. استُقبل الخميني ببحرٍ من الجماهير قُدّر بمليون ونصف المليون شخص، ما شكّل لحظة رمزية قلبت المشهد بالكامل. خلال أيام، انهارت الحكومة، وغادر الشاه البلاد، وأُعلنت الجمهورية الإسلامية بقيادة الخميني في الحادي عشر من شهر شباط، لتنتهي بذلك الملكية الإيرانية ويبدأ عهد جديد حمل في طياته الكثير من الآمال والهواجس.

في عيون العرب: الصحافة تكتب الثورة

تابعت الصحف العربية، المؤرشفة الآن في جرايد، الحدث الإيراني يومًا بيوم، ساعةً بساعة، وقد أظهرت تغطيتها في تلك الفترة مزيجًا نادرًا من الحماس والترقّب. منذ اللحظة الأولى لعودة الخميني، كُتبت افتتاحيات ترى في تلك العودة بداية النهاية لعهد الملكية، وتحتفي بخطاب الوحدة الذي أطلقه، معتبرة أن “تلاحم المعارضة” هو الطريق للانتصار في وجه أي نظام قمعي، وهي نغمة لم تكن بعيدة عن السياق العربي.

ومع الإعلان عن قيام الجمهورية، عمّت مشاهد الابتهاج الصفحات الأولى، مع تغطيات موسعة للمسيرات والاحتفالات في الشوارع، وتصوير للثورة كحلم تحقق أخيرًا للشعوب المحبة للحرية والسلام. لكن في الخلفية، ظهرت تساؤلات مكتومة، خاصة مع أنباء إعدامات طالت بعض رموز المعارضة اليسارية، لتبدأ بعض الصحف بطرح الحذر والتساؤل عمّا إذا كانت هذه الثورة ستظل وفية لمبادئها، أم أنها بصدد إعادة إنتاج شكل آخر من الاستبداد.

شكلت زيارة ياسر عرفات لطهران وإعلانه من هناك دعم الثورة و تحويله سفارة إسرائيل إلى مقر لمنظمة التحريرحدثاً مفصلياً في التغطية  الاعلامية آنذاك،هذه الخطوة، التي بُورك بها على نطاق واسع، وُصفت بأنها لحظة انكسار رمزي لما كان يُعرف بالمحور الغربي في المنطقة. كانت تلك المرة الأولى التي يتقاطع فيها حدث محلي في إيران مع البُعد العربي بشكل مباشر.

لم تكن الصحف العربية موحدة في قراءتها، إذ وجد الإسلاميون في الثورة نموذجًا ملهمًا، أما القوميون فرأوا فيها فرصة لتحجيم النفوذ الغربي، وانقسم اليسار بين مؤيد للحراك الشعبي ومنتقد لمآلاته. لكن ما جمع هذه الأصوات جميعًا هو الانبهار بالحجم، والسرعة، والتأثير. لم تكن ثورة إيران فقط شأناً داخليًا، بل ارتدت بسرعة وجهًا عربيًا، انعكس في كل عنوان وفي كل سطر بالصحف.