مذكّرة “إيحود” فلسطين للجنة التحقيق الأنجلو-أمريكيّة
بعد نهاية الحرب العالميّة الثّانية وجدت بريطانيا نفسها في مأزقٍ حيال فلسطين ووعدها بإنشاء الوطن القومي لليهود فيها “دون المسّ بالفئات غير اليهوديّة” كما جاء في نصّ الوعد. أحداث متتالية امتدّت على مدار سنوات العشرينيّات والثّلاثينيّات دفعت بريطانيا لتوضيح سياساتها أو إعادة صياغتها فيما يراعي غضب العرب تارة وما يراعي غضب اليهود تارة، إلّا أن الواقع وتسارع الظروف والأحداث باتّجاه كارثة متوقّعة لم يكن بالشيء الّذي يمكن لجمه بسهولة.
اعتادت بريطانيا حتّى ذلك الوقت بتقديم كتابها الأبيض وتقارير الانتداب إلى عصبة الأمم، ونظرًا إلى حلّها عقب الحرب العالميّة الثّانية وازدياد النّفوذ الأمريكي في السّياسة العالميّة، تمّ الاتّفاق على انشاء لجنة التّحقيق الأنجلو-أمريكيّة الّتي تكوّنت من إثني عشر عضوًا جابوا فلسطين لثلاثة شهور من مطلع العام 1946 من أجل المعاينة وتقديم توصيات مدروسة لحكومتيّ بريطانيا والولايات المتّحدة الأمريكيّة حول ما يجب فعله في فلسطين. إلّا أن توصياتها لم تنفّذ قطّ، عقب قرار بريطانيا بالتّنصّل من المسألة برمّتها وتسليمها للأمم المتّحدة.
الوصف: الكثافة السّكانيّة في فلسطين حسب الطّوائف، 1946، مجموعة خرائط عيران ليئور، المكتبة الوطنيّة.
للاطلاع على جميع خرائط مسح فلسطين اضغطوا هنا
إلى جانب التجوّل واتّخاذ بعض التّقارير من حكومة الانتداب الفاعلة في فلسطين، قامت اللجنة بعقد جلسات استماع عامّة لاتّخاذ مقترحات ومقابلة متحدّثين باسم الفئات المختلفة للاطلاع على المشكلات المطروحة من جهة ولاستطلاع رؤية السّكان من جهة أخرى. من إحدى المذكّرات الّتي قدّمت أمام اللّجنة بشكلٍ مدروس وكان أثرها واضحٌ في توصيات اللّجنة لاحقًا كانت مذكّرة لجمعيّة “إيحود” فلسطين. إليكم بعض ممّا جاء فيها:
“بعضنا سكن هنا بما يكفي ليدرك أن اليهود والعرب قد تعاونوا في الماضي ويمكن أن يتعاونوا في شتّى مجالات الحياة بما فيها السّياسيّ، إلّا أن ذلك التّعاون السّياسي لن يأتي من تلقاء نفسه. هناك شرط واحد لتحقيق هذا التّعاون وهو أن يصبح موضوعًا مركزيّا للسياسة العليا وأن يتم تكثيف هذه السّياسة سلطويّا يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام.
نحن ندرك جيّدًا عدم مثاليّة اقتراحاتنا العمليّة، لكننا نعلم شيئًا واحدًا بالتأكيد: المخرج الوحيد من المأزق الّذي نحن فيه هو التّعاون اليهوديّ-العربيّ”.
رأى هؤلاء الأفراد القادمون من خلفيّة دينيّة إصلاحيّة في الغالب أنه لإنقاذ التّواجد اليهوديّ للبلاد لا بد من التّخلي عن حلم “الدّولة اليهوديّة” كما نظّر لها هرتسل في كتابه “الدولة اليهوديّة” والّذي تأسس جدول عمل ورؤية الحركة الصّهيونيّة حوله منذ لحظة تأسّسها. وبدلًا عن ذلك، فإن فكرة دولة ثنائيّة القوميّة في فلسطين بدت لهم الحلّ الأفضل رغم وعيهم بعدم مثاليّتها لأي من الطّرفين، كما أوضح الائتلاف في المذكّرة الّتي قام بعرضها أمام لجنة التّحقيق الأنجلو-أمريكيّة عام 1946. والّذي احتوى على مقترحٍ مفصّل لكيفيّة إدارة الدولة ثنائيّة القوميّة بما يضمن التّشارك العادل للسلطة والاستقاليّة المضمونة لكلٍ من الشّعبين في إدارة شؤونه بنفسه. ورغم تركيز الإيحود على فكرة التّعاون الثّنائيّ، لم يكن هناك صوتًا فلسطينيّا يذكر في صفوفه الأماميّة. في الواقع، أخذت اللّجنة الكثير من مقترحات “إيحود فلسطين” بالفعل، والّتي لم تطبّق على كلّ حال.