قامت الصحف الفلسطينية بتغطية أخبار اليمن بشكل كبير، إما لتوجهات عامة من أجل التعريف باليمن لكونه قطر عربي وله دوره العروبي أو من أجل التركيز على المكان الذي احتله اليمن في بناء وتطوير الحضارة العربية ومن ثم الدور القومي الذي كان اليمن جزءًا أساسيًا فيه. هنالك العديد من الأخبار الموجود حول اليمن وأدواره ضمن الوطن العربي وارتأينا في هذا المقال التركيز على جزء من صورة المشهد اليمني ودوره الحضاري في عيون الصحافة الفلسطينية خلال الفترة الانتدابية.
دولة اليمن (العربية الكبرى)
تسلط صحيفة الاتحاد العربي تركيز قرّاءها على منطقة اليمن، فقامت هيئة التحرير بنشر مقال مفصل حول ذلك في عددها الصادر بتاريخ 1 أيار 1926، وتذكر فيها حول اليمن التالي:
“تعد بلاد اليمن من أخصب البلاد العربية تربةً وأجودها مناخاً وأحسنها نباتاً، ويقال أن سكانها يزيد عن عشرة ملايين. ومنذ تولى صاحب الجلالة الإمام يحيى حميد الدين زعامة القسم الأعظم منها وهو يسعى ويجد بكل قوة لإنالة جميع البلاد اليمانية استقلالها التام تحت رعايته فبعد أن حازب الدولة العثمانية سنيناً طويلة انتهت بفوزه ونواله جل مطاليبه وقف على أثر إعلان الحرب العامة على الحياد وأصبحت القوات العثمانية من جنود وضباط ومدفعية وأسلحة ومعدات حربية مما كان في اليمن إبان الحرب العامة رهن إشارة الإمام يحيى حميد الدين الذي استفاد منها فوائد كبرى إذ تمكن أن يحفظ بلاده من اعتداء أي عدو ونظم أهل اليمن جيشاً عربياً كامل العدة والعتاد ومرّن أبناء قومه على الجندية النظامية بسنه قانون الخدمة العسكرية الاجبارية وجهّز جنوداً أحسن تجهيز وبقي كل مدة الحرب العامة ينظم أموره ويزيد قواه حتى أصبح في إمكانه أن يجهز جيشاً عرمرماً يؤلف من مائتي ألف مقاتل كاملي العدة والسلاح عدا عن قوى العشائر والبدو غير النظامية وعلى إثر انتهاء الحرب العامة، برز اليمن بجيش يمكنه القضاء على الامارات والسلطنات التي كان يلعب النفوذ الأجنبي دوره فيها فجهز حملات عسكرية لم تتمكن تلك الإمارات والسلطنات السخيفة من الوقوف أمامها بضعة أيام بحسن إدارة جلالة يحيى حميد الدين ومقدرته وقواه العسكرية تمكن من الاستيلاء على جميع البلاد اليمانية التي كانت تلاقفها الدسائس الأجنبية إلا عدن الصغيرة الواقعة على شاطئ البحر والتي الإنكليز من عهد بعيد وبعد أن استتب للإمام يحيى حميد الدين بسط حكمه ونفوذه على سائر البلاد اليمنية بما فيها سواحلها (عدا عدن) بدأ بتنظيم إدارة اليمن وتعميم المعارف والتعليم وأباح الحرية التامة للسكان في قضية المذاهب ولم يقتصر على ما عنده من مدافع ورشاشات وضباط وجنود منظمة بل هي باحضار الطيارات والسيارات المصفحة وسائر المعدات الحربية الحديثة ووسع معامل الخرطوش والسلاح الموجودة عنده من زمن طويل، ولا يزال جلالة الإمام يسعى لتقوية بلاده والسير بها نحو الحضارة لتتمكن من حفظ استقلالها التام والبعد عن النفوذ الأجنبي لأن الإمام ورجاله من أكثر ملوك العرب وأمرائهم حذراً من الأجانب فقد حاول الإنكليز مراراً أن يقيّدوه بمعاهدات سياسية كثيرة فكان بعد أن يدرسها الدرس العميق يرفضها رفضاً باتاً. وأخيراً عقد معاهدة تجارية مع دولة إيطاليا لاعتقاده بنفعها من الوجهة الاقتصادية وعدم مساسها باستقلال بلاده ومملكته.
ويعد الإمام يحيى من أكبر أغنياء ملوك العرب الحاليين إذ تقدر كمية النقود التي عنده والتي ادخّرها لأيام الشدائد بعشرين مليون جنيه ذهباً والإمام يحيى من كبار الرجال العظام في العصر الحاضر وهو يطمح بعد أن استتب له الحال في بلاد اليمن أن يقوم بخدمات كبرى لسائر البلاد العربية ويسعى الآن عطوفة المؤرخ الكبير أحمد زكي باشا مع الوفد الذي ذهب تحت رئاسته لعقد محالفة بين الإمام يحيى حميد الدين وجلالة عبد العزيز بن السعود ملك الحجاز وسلطان نجد ويكاد الوفد المشار إليه أن ينجح في مهمته فإذا نجح تصبح جزيرة العرب كتلة واحدة يديرها الملكان العربيان العظيمان يحيى حميد الدين وعبد العزيز بن السعود فتحفظ جزيرة العرب حريتها واستقلالها من طمع الطامعين وجشع المستعمرين وإنا لنعتقد ان جلالة الإمام لم يقدم على إمضاء المعاهدة التجارية مع دولة إيطاليا إلا بعد أن قتلها بحثاً وتدقيقاً بعد أن أمت عدم مساسها باستقلاله وحريته لا كما يظن البعض إن في هذه المعاهدة التجارية بسط نفوذ إيطاليا على اليمن، كلا وألف مرة كلا؛ فأهل اليمن وفي مقدمتهم صاحب الجلالة الإمام يحيى أحرص الناس على استقلال وطنهم وحريتهم من سائر أهل الأرض وغاية ما ترجوه من جلالة الإمام أن يبادر حالاً لإرسال سفرائه ووكلائه إلى سائر عواصم أوروبا بعد أن يقوم بتشكيل وزاراته الخارجية والداخلية وغيرهما على نسق الدول الحديثة ليتم له بذلك اعتراف الدول باستقلال مملكته وأن يسير بأمته وبلاده إلى المدنية الصحيحة والرقي الحقيقي فيعيد للعرب مجدهم وعزهم الغابر وما ذلك على همته بعزيز”.
النهضة العربية واليمن
اختارت صحيفة العرب أن تركز على موضوع النهضة العربية في اليمن من أجل التذكير بالدور اليمني في نهضة العرب وقد تم نشر المقال في عددها الصادر بتاريخ 24 أيلول 1932:
“لعل قليلاً من رجال العرب يعرفون الشيء الكافي عن سير القضية العربية بالنسبة إلى اليمن، بل ربما ظن الكثيرون أن النهضة العربية تكاد تكون منحصرة في الجزء الشمالي من بلاد العرب، على حين أنها في الجزء الجنوبي أقدم عهداً في رفع الصوت، وأسبق في حمل لواء الجهاد وامتشاق الحسام في سبيل الاستقلال.
فبينما كانت الأقطار العربية الأخرى في أواخر القرن الماضي حتى أوائل الحاضر تغط في نومها تحت حكم العثمانيين الترك، راضية بما قسم لها من عيش هنيء وحياة هادئة، فإذا هي تنهض على صوت الأبواق والطبول وجمع الجنود وتسييرها إلى أين إلى اليمن، ولماذا؟ لأن اليمن أعلنت العصيان على حكومة الترك، والإمام يحارب الترك، أنه يطلب جلائهم عن البلاد. هذا الذي كان يتردد على الألسنة بين آونة وأخرى وكل بضع سنوات. ولقد كان موضع الدهشة والاستغراب في تلك الأحايين أن يرفع قطر من الأقطار العربية صوته عالياً وأن يناضل ويقارع في طلب الاستقلال والتحرر من حكم العثمانيين. أليس هذا هو الواقع؟ أظن أكثر القراء شاهد هذا بأم عينيه ولا يزال يذكر ما أريق من دماء وأزهق من أرواح. أليس هذا هو بدء النهضة العربية الحديثة؟ أليست من اليمن ورجال اليمن هم من أول من حمل لواءها وخاض غمارها. إنه لا يسع الكاتب المنصف والقارئ المدقق إلا أن يعترف لليمن ورجال اليمن بفضل السبق والتقدم في هذا المضمار. وعلى رأسهم، جلالة الإمام يحيى. ليست قضية استقلال اليمن بالأمر السهل أو الحركة البسيطة فلقد ظلت اليمن عشرات السنين في عهد الإمام المنصور، وعهد نجله وخلفه الإمام يحيى بن محمد حميد الدين إمام اليمن الحالي أيّده الله، في عراك دائم وحرب طاحنة مع الترك كلّفت كثيراً من مال ودماء، بينما السكون كان شاملاً الأقطار العربية الأخرى. حتى وصلت اليمن في أواخر الحرب العالمية إلى استقلالها وتحررها من حكم الترك.
ومما هو جدير بالإعجاب أنه عندما اشتعلت نيران الحرب العالمية انقطعت الموالات بين مراكز الحكومة التركية وجيوشها الرابطة في اليمن بسبب دخولها الحرب، لقيت هذه الجيوش من جلالة الإمام كل عناية ورعاية، وأمدها بكل ما كانت تحتاج إليه من معاونة زمن الحرب، فضُرب بذلك المثل الأعلى للغيرة الإسلامية والشهامة العربية. وقد كان بإمكان جلالته والفرصة سائحة أن ينجز الحساب مع خصمه القديم وبرغم الجهود الجبارة التي يبذلها خصوم الترك لحمل كل من كان تحت سلطانهم على مناوءتهم، فإن الدسائس الأجنبية لم تجد جواً صالحاً لها في بلاد اليمن بفضل بعد نظر جلالته وحنكته، وهكذا انال بلاده استقلالها من أشرف الطرف وأصبحت صنعاء اليمن في نهاية الحرب العالمية عاصمة العربية السعيدة السعيدة المستقلة، ومليكها جلالة الإمام يحيى حميد الدين أيده الله إمام اليمن الحالي، وسيكون حديثنا إلى القراء في الرسالة الآتية عن اليمن منذ انتهاء الحرب العامة حتى يومنا هذا بإيجاز إن شاء الله ثم ننتقل إلى تناول شؤون أخرى عديدة.”
هنالك العديد من المقالات، الأخبار والمراسالات التي تختص بالشأن اليمني خلال النصف الأول من القرن العشرين، لتصفح المزيد من أخبار اليمن يمكن الولوج إلى موقع جرايد والإبحار فيه حول كيف قامت الصحف الفلسطينية بتغطية أخبار اليمن. ومن يريد أن يقرأ بعض المعلومات الطريفة عن اليمين السعيد يمكنه الضغط هنا.