صناعة الصّابون في فلسطين الانتدابية

خلال هذا المقال نقوم بسرد تاريخي حول أصول صناعة الصابون في العالم، وكيف تصدّرت نابلس الصّناعة في بدايات القرن العشرين.

مصنع صابون في حيفا

مصنع لصناعة الصابون في حيفا، 1906- 1922، أرشيف بن تسفي، المكتبة الوطنية.

اشتهرت مدينة نابلس منذ مئات السنوات بصناعة الصابون، وقد تصدّرت خلال بدايات القرن العشرين بتصدير الصّابون إلى بلاد كثيرة وواسعة خارج فلسطين. على الرغم من أن سوريا قد تصدّرت الصّناعة في الشرق الأدنى خلال سنوات الخلافة الأموية، إلّا أنّ الصّناعة اختفت بعدها لسنوات طويلة، لتعود للظهور في نابلس بحدود بدايات القرن السادس عشر.

لم تكن نابلس وحدها المتصدرة في الصناعة خلال تلك الأعوام، فعلى الرغم من التنافس العالي مع مدينة صقلية الإيطالية وظهور بعض المصانع في فرنسا، فإن ما كان يميّز صناعة الصابون في نابلس هو استخدام زيت الزيتون الصافي، بدون إضافات أخرى غير صحية، على عكس الصناعة في فرنسا وإيطاليا، حيث كانوا يستخدمون زيوت القلي وبعض الزيوت الأخرى غير الموثوقة صحيًّا.

مدينة نابلس التاريخية: صور، خرائط ومقتطفات من الصحف

وفي إحدى المقالات من صحيفة الأخبار، يقول الكاتب بإن الإقبال على شراء الصابونة النابلسية كان كبيرًا في فلسطين وسوريا ومصر والشرق العربي، وبالذات من شركة الزيتون للحاج فوزي باشا النابلسي، والمصنوعة في معمل مصبنة الشاب السيد علي سالم النابلسي العربية، والّتي كانت من أبرز الشركات في سنوات الثلاثينيّات.

صناعة الصابون في نابلس

إن صناعة الصابون في نابلس قديمة، وقد اشتهرت المدينة بمصانعها منذ القِدَم وبجودة الصّابون الّذي تقدّمه إلى العالم وتبيعه في العديد من الأقطار العربية والغربية. وقد بدأت صناعة الصابون في نابلس وبعض الأقطار العربية باستخدام زيت الزيتون والقلي فقط، لكن طرأت بعض التحسينات على الصناعة في نهاية سنوات الثلاثينيّات، حيث بدأ المصنِّعون يضيفون الصودا الكاوية مستبدلين بذلك زيت القلي، حيث تعطي الصابونة لمعانًا وشكلًا مختلفًا، كما تمت إضافة العديد من الروائح العطرية لتغيير رائحة زيت الزيتون الطاغية على التصنيع. كما تغيّر شكل ووزن الصابونة لتتناسب مع انتاج كلّ شركة، حيث يمنع لأي شركة أخرى استخدام الإنتاج الخاص ببقية الشركات.

مصبنة عربية في يافا، 1920 - 1923، بن تسفي.
مصبنة عربية في يافا، 1920 – 1923، بن تسفي.

 

مصنع "شجرة الزيت" في بيتاح تكفا، 1970، أرشيف بيتاح تكفا التاريخي.
مصنع “شجرة الزيت” في بيتاح تكفا، 1970، أرشيف بيتاح تكفا التاريخي.

 

وقد بلغَ عدد معامل ومصابن الصابون في نابلس خلال بداية الأربعينيّات من القرن الماضي، 22 مصنعًا منها الكبيرة وهي ما تسمّى بالمصابن والصغيرة وهي ما تسمّى بالمعامل. وأما عن الفرق بينهما فهو أن المصبنة تحوّل 250 جرة من الزيت بمعدل 6 أرطال للجرة إلى صابون، ويحتاج إلى غليه على النار ثمانية أيام، بينما طبخة الصابون في المعمل تبقى على النار مدة 24 ساعة فقط توضع فيها 60 جرة من الزيت فقط. وعدد العمال في كلّ من القسمين هو: في المصبنة ستة عمال ومسؤول الفريق وهو الّذي يشرف على إدارة العمل من الوجهة الفنية، مراقب حسابات، حارس وخادم. أما العمّال والرئيس فلا يتقاضون راتبًا يوميًا أو شهريًا، بل يتقاضون أجرًا عن كل طبخة وطبخة. أما ساعات العمل فهي 8-10 ساعات في الأيام العادية و8 ساعات في رمضان. وتكون العطلة في العادة يوم الجمعة وفي أيام الأعياد الكبرى؛ الفطر والأضحى وعيد المولد النبوي. ولا تمنح الإجازات إلا في حالاتٍ اضطرارية، ولا تعطى تعويضات للعمال الّذين يصابون خلال العمل. ويتراوح انتاج الصابون في نابلس بين 200-300 طن في السنة حسب جودة زيت الزيتون في تلك السنة.

إنتاج الصابون في نابلس، صحيفة الاقتصاديات العربية: 1 نيسان 1935.
إنتاج الصابون في نابلس، صحيفة الاقتصاديات العربية: 1 نيسان 1935.

لم يُعرَف عن نابلس صناعة أخرى خلال تلك السنوات سوى مصنع واحد للنسيج يخص الشقيقين فتحي وفيصل النابلسي، حيث كان المعمل مجهّزًا بآلات كهربائية ويعمل به 170 عاملًا.

لم تكن نابلس الوحيدة الّتي تصنع الصابون في فلسطين، فقد جاءت خلفها مدينة يافا في تصدّر الصناعة بوجود عشرة مصانع في المدينة، ثم تليهما حيفا بوجود مصنعان. ولعل أبرزهم كان مصنع “شيمن” وهو المصنع الوحيد بين جميع مصانع فلسطين المؤسس والمُجهّز على النظام الحديث. والمصنع الثاني في حيفا مملوك لرجل ألمانيّ، حيث كانت صادرته بأغلبها توّزع في الولايات المتحدة، وقد بدأ عمله منذ نهاية القرن التاسع عشر.

كما كان هناك بعض المعامل في كلّ من اللّد والرملة وتل أبيب، وجميع هذه المصانع كبيرها وصغيرها –باستثناء مصانع حيفا- مبنيّة على الطراز القديم ولم يدخل عليها منذ إنشائها أي تحسين يُذكر.

تأثُّر الصّناعة خلال الحرب العالمية الأولى

مع اعتماد صناعة الصّابون على موسم قطف الزيتون والزيت المستخرج منه، فقد تأثرت صناعة الصّابون خلال الحرب العالمية الأولى، حيث تم استغلال أشجار الزيتون وحطبها لتسيير القاطرات الّتي كانت تحتل البلاد آنذاك. وقد نتج عن ذلك قلة كمية الزيوت الّتي تستخرجها البلاد سنويًا، فاضطر أصحاب المعامل إلى استيراد الزيت من تركيا وسوريا واليونان، وقد أثّر ذلك على صناعة الصابون في فلسطين، حيث تضاءلت الصناعة في تلك الفترة، لكنها سرعان ما تعافت وانتعشت بعد الحرب، حيث عادت زراعة شجر الزيتون تنشط من جديد لتعويض ما تم إتلافه خلال الحرب.

أنشئ المعمل عام 1923 ولكنه لم يبدأ العمل إلا في عام 1925، وقد أنشأته شركة شيمن لتصنيع الزيوت، والّتي اندمجت في شركة ايسترن وأوفيرسيز الإنجليزية. وظلت الشركة منذ إنشائه تكبّر في حجمه وتزيد في مساحته وتضيف إليه المباني حتى أصبح لا يقل حجمًا وجودةً عن مصانع أوروبا، وقد كان الوحيد من هذه النوعية في فلسطين وسوريا. وهو يشتغل في صناعة الصابون والزيوت في آن واحد. أما أنواع الصابون الّتي كان يصنعها فهي كالتالي:

  • صابون من نوع صابون مرسيليا، أصفر وأبيض ويستعمل في صناعته من الزيوت زيت الزيتون وزيت جوز الهند وزيت السمسم
  • صابون من نوع كاستيل؛ ولا يدخل فيه صناعته من الزيوت غير زيت الزيتون النقي، وأكثر ما يستعمل هذا الصابون هو للأطفال وكان يصدّر كثيرًا للخارج.
  • صابون كصابون نابلس الوطني ومصنوع من زيت الزيتون فقط.
  • صابون معطّر للتواليت؛ ويستعمل في صناعته مزيج من زيت الزيتون وزيت جوز الهند.

كيف تمّ نقل أربعة ملايين كتاب

كيف نقلت المكتبة الوطنية مجموعاتها-ليس على مرحلة واحدة، بل على مرحلتين- من موقع لآخر؟ تبيّن لنا هذه الصور عملية نقل مئات آلاف الكتب، ولاحقًا ملايين الكتب إلى المقرات المختلفة للمكتبة الوطنية على مر السنين.

Ara715

على يسار الصورة، نقل كتب المكتبة الوطنية من مبنى تراسنطة إلى الحرم الجامعي في جفعات رام في عام 1960؛ على يمين الصورة، خزائن الكتب المشغّلة بالروبوتات في مبنى المكتبة الوطنية الجديد

هذا المقال مترجم عن اللغة العبرية للكاتبة عوفريت أساف أرييه

في 10 كانون الثاني 2023، استكملت عملية نقل الكتب من الموقع الحالي للمكتبة الوطنية الإسرائيلية في جفعات رام إلى موقعها الجديد. نُقِلَ بالمجمل 3.6 ملايين كتاب، وهو إنجاز مهمّ في الطريق نحو نقل المكتبة الوطنية إلى موقعها الجديد بجوار الكنيست.

مرّت المكتبة منذ تأسيسها بتغييرات كثيرة، من حيث موقعها ومجموعاتها. ولكنّ نقل هذه الكمية الهائلة من الكتب من مبنى لآخر تمّ على مرحلتين: في عام 1960 وفي عام 2022.

 نقل الكتب: 1960 مقابل 2022 

في عام 1948، خلال الحرب، سُدّت الطريق إلى الجامعة العبرية في جبل المشارف، وكذلك الأمر بالنسبة للمكتبة الوطنية، وكانت تدعى في حينه “المكتبة الوطنية الجامعية اليهودية”. نتيجة لذلك، تناثرت الكتب لتصل في نهاية المطاف إلى أماكن مختلفة في الجزء الغربي من المدينة، من بينها مبنى ترسانطة، مكتبة كنيس يشورون وأماكن عديدة أخرى. في عام 1960، نُقلَ مقر المكتبة مجددًا، من المباني المختلفة التي أوَتْ مجموعات المكتبة بشكل مؤقّت، إلى مقرها الحالي في الحرم الجامعي جفعات رام في الجامعة العبرية. وثّق المصور دافيد هاريس عملية النقل هذه في مجموعة رائعة من الصور تستعرض الجهود الحثيثة التي بذلها طاقم المكتبة لنقل مئات آلاف الكتب من المواقع المختلفة إلى المبنى الجديد. في الوقت الحالي، يوثّق المصوّرون مجددًا عملية نقل كتب المكتبة إلى مقرها الدائم الجديد.

تحميل الكتب لنقلها إلى مبنى المكتبة الحالي في الحرم الجامعي جفعات رام، 1960

 

بدء عملية نقل الكتب، تشرين الأول 2022. صورة: أودي إلفاسيكما ترون، فإنّ العمل شاق جدًا، وهو مكوّن من عدة مراحل: أولًا التصنيف، ومن ثم رَزْم الكتب وأخيرًا نقلها. في عام 1960، حمّلت الكتب داخل خزائن كتب، ومن ثم تم حزمها وربطها بحبل أو وضعها داخل صناديق. ثم قام أعضاء الطاقم بتحميل الخزائن والرزم والصناديق على شاحنات. أما في الوقت الحالي، تتضمن العملية أساسًا رافعات شوكية وشبه مقطورات- لأنّ المجموعة كبرت بطبيعة الحال.
عمّال ينقلون الكتب من مبنى ترسانطة إلى موقع الحرم الجامعي جفعات رام، 1960. تصوير: دافيد هاريس 

 

تصنيف الكتب في المبنى الجديد. تصوير: ألباتروس

 

مستودع المكتبة الوطنية الجامعية اليهودية في تراسنطة، 1960. تصوير: دافيد هاريسعملية التصنيف الحالية مختلفة أيضًا عما كانت عليه في الماضي: ففي حينه، تم تصنيف الكتب يدويًا فقط. أما الآن، فهي تدمج بين التصنيف الرقمي واليدوي والذي يتمحور حول المسح الضوئي لشفرات التعرف (باركود) الموضوعة على الكتب.
تصنيف الكتب في جفعات رام، 1960. تصوير: دافيد هاريس

 

تصنيف الكتب في مبنى المكتبة الوطنية الجديدـ، 2022. تصوير: ألباتروس

 

أما في الوقت الحالي، فقد نقلت جميع كتب المكتبة إلى الخزائن الرئيسية الآلية، خزنت داخل صناديق خاصة فوق منظومة رفوف متعددة الطوابق. عند طلب كتاب ما، فإنّ البحث عنه لا يتم من قبل عضو طاقم بشري، بل من قبل روبوت على شكل رافعة. يعرف الروبوت من أي صندوق يجب إخراج الكتاب، ومن أي رف. ثم ينقل الصندوق إلى الموقع حيث يستطيع طاقم المكتب إخراج الكتاب المطلوب. من المدهش أيضًا عدم وجود أية قوى عاملة داخل المستودع الآلي الضخم، والذي يحتوي على نسبة أكسجين منخفضة وحيث تخزّن الغالبية العظمى من مجموعات المكتبة. يعرف الروبوت بالضبط من أين يجب استخراج كتاب معين من ملايين الكتب المرتبة في الصناديق المنظمة بعناية ودقة.

خزائن الكتب في جفعات رام. تصوير: حنان كوهين

 

المستودع الآلي في المبنى الجديد للمكتبة الوطنية، 2022. تصوير: يانيف ليفي كوريمتبيّن الصور أنّ نقل هذه الكمية من الكتب- والتي تتضمن مئات آلاف، بل ملايين الكتب- يبدو مدهشًا بصريًا، ولكنه مركّب جدًا من الناحية التقنية. اتبعت المكتبة تقنيات رقمية وتناظرية لحفظ مجموعاتها، مع الحرص على وضع كل كتاب في موقعه المناسب على الرفوف، ومع مرور السنين، توسّع حيز المستودع أكثر فأكثر.في السنة المقبلة، ستستكمل المكتبة الوطنية نقل جميع الكتب إلى الحرم الجامعي الجديد، وعند فتح أبوابها، ستكون ملايين الكتب هذه متاحة لكم، بالإضافة إلى سائر مجموعات المكتبة.

ملك وجنرالان ومصوّر

في مجموعة صور المكتبة الوطنية وجدت صورة مميّزة تعود لعام 1947 في القدس جمعت الملك عبدالله الأول وغلوب باشا القائد البريطاني للجيش العربي الاردني حينها مع جينيرال باركر، المبعد لتوه عن منصب القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين وشرق الاردن. وعلى ظهرها سجّلت ملاحظة على ما يبدو أنها "سرية".

غلوب باشا، الملك عبدالله، جينيرال باركر، 1947، مجموعة صور المكتبة الوطنية

غلوب باشا، الملك عبدالله، جينيرال باركر، 1947، مجموعة صور المكتبة الوطنية

ولد الملك عبدالله في مكّة ابنًا للشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى ضد الحكم العثماني. ترعرع في كنف أبيه وتولّى بنفسه قيادة بعض الهجمات خلال التمرد العربي الذي خرج من الحجاز أملًا ببناء دولة عربيّة شرق أوسطية كبرى تحكمها السلالة الهاشمية.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ووقوع كل من الانتداب البريطاني والفرنسي على الاقاليم العربيّة، جرى الاتفاق على تولية أبناء الشريف حسين على شرقي الاردن والعراق، وتولى بذلك الامير عبدالله إمارة شرقي الأردن إلى أن نال الأردن استقلاله في أيار 1946 وتنصيبه ملكًا عليها.

ضمن معارض بوابات المكتبة الوطنية الرقمية: الملك فيصل الأول بن حسين الشريف

طابع بريدي يحمل صورة الملك عبدالله الأول
طابع بريدي يحمل صورة الملك عبدالله الأول

 

عند مشاركة الجيش الأردني في معارك حرب 1948، تمكّن من إحكام قبضته على القدس القديمة والمناطق التي أصبحت تُعرف لاحقًا بالضّفة الغربيّة وضمّها إلى مناطق حكم الملك. إلّا أنّ هذه النتيجة لم تكن من قبيل الصّدفة الغير مرجوّة، فإذا كانت فلسطين ستنقسم لدولة يهوديّة ودولة عربيّة، فمن الأولى بحكم الدولة العربيّة من أبناء الشريف حسين، الذين بقوا أوفياء لبريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثّانية ولم يحصلوا على ما وعدوا به بالكامل؟

علينا تخيّل هذا المنطق؛ حين نسترجع تلك الفترة المشحونة، فالملك عبدالله كان حليفًا موثوقًا لدى الحكومة البريطانيّة، ومع ذلك فهو لم يُمنح أي تأكيد أو وعد على أن تُضمّ الدولة العربيّة الوليدة في فلسطين إلى أراضي حكمه، مع أنه دعم قرار التقسيم وحيدًا في ظلّ رفض عربي قاطع.

في مجموعة صور المكتبة الوطنية، وُجدت صورة مميّزة تعود لعام 1947 في القدس جمعت الملك عبدالله الأول وغلوب باشا القائد البريطاني للجيش العربي الأردني حينها مع الجنرال باركر، المبعد لتوه عن منصب القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن. يظهر في الصّورة الملك عبدالله في الوسط ممسكًا بيد الجنرال باركر ومبتسمًا وكأن الصورة تحتفل بشيء ما.

 

من اليمين، غلوب باشا قائد الجيش العربي الأردني، الملك عبدالله، جينيرال باركر قائد القوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن، 1947، مجموعة صور المكتبة الوطنية
من اليمين، غلوب باشا قائد الجيش العربي الأردني، الملك عبدالله، جينيرال باركر قائد القوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن، 1947، مجموعة صور المكتبة الوطنية

 

كان الجنرال باركر رجلًا عسكريًا فذًا خدم في الحرب العالميّة الأولى وتولّى قيادة معركة فرنسا في الحرب العالميّة الثّانية، ولكنه تولى منصب قيادة القوات البريطانية في فلسطين وشرق الأردن لعام واحدٍ فقط (1946-1947).

إذ قدمت شكاوى عديده ضده من قبل الوكالة اليهوديّة بخصوص سياسته بالتعامل مع المعتقلين اليهود وطالبت بنقله، ووفقًا لخبر جاء في صحيفة فلسطين فإنّ نقله كان نتيجة لمساومة غير معلنة بين حكومة الانتداب والحركة الصّهيونيّة إلا أن هذا لم يتأكد. ومن المثير للاهتمام أن على ظهر الصّورة سُجّلت ملاحظة بخط اليد بالإنجليزيّة تقول: “جنرال باركر يقول إلى جنرال غلوب: أتساءل ماذا سيقول اليهود حين يرون هذه الصّورة”، مع التّاريخ 10.2.1947.

المثير للاهتمام أن هذه الصّورة، إذا كان التاريخ المسجل عليها هو تاريخ التقاطها، كانت قبل أيام معدودة من مغادرة الجينيرال باركر فلسطين بلا عودة. ووفقًا لمقالة نشرتها جريدة فلسطين بعد قرابة عشرة أيام من رحيله، فإنه في كلمته الأخيرة للجنود البريطانيين، أعرب عن قلقه من اضطرابات مستقبلية ستحدث في البلاد قائلًا “لا يبدو لي أن السلام سيخيّم على هذه البلاد التعسة في المستقبل القريب، وسيجد الجيش مهامه تزداد وتتضاعف”.

"جينيرال باركر يقول إلى جينيرال غولب: أتساءل ماذا سيقول اليهود حين يرون هذه الصّورة"
“جينيرال باركر يقول إلى جينيرال غولب: أتساءل ماذا سيقول اليهود حين يرون هذه الصّورة”

بعد هذه الحادثة بتسعة أشهر صدر قرار تقسيم فلسطين الذي أبدى الملك عبدالله موافقة عليه أملًا بأن تكون أراضي الدولة العربية جزء من الدولة الأردنية حديثة العهد، حتّى أن بعض المصادر تفيد بإجراء لقاءات سرية بين الملك عبدالله وزعامات صهيونيّة للتباحث في هذا الأمر، ومع إبداء الارتياح الضمني للتجاور ما بين الدولة اليهوديّة والمملكة الهاشمية إلا أن للحرب كانت الكلمة الأخيرة، وهذا ما فهمه جميع الأطراف بالتأكيد.

فما الذي دار بين الملك عبدالله والجنرالين غلوب وباركر، وما سرّ هذه الابتسامة والملاحظة المكتوبة على ظهر الصّورة؟ ومن الذي سمع هذا الكلام وسجّل هذه الملاحظة على ظهر الصورة؟

يظهر تحت الملاحظة الختم الخاص بالمصوّر اليهودي تسفي أورون الذي التقط الصورة، عمل تسفي أورون كمصورًا للصحافة وكان المصوّر الرسمي للمندوب السامي البريطاني وللقوات البريطانيّة. وبالتأكيد فإن طبيعة عمل أورون كمصوّر رسمي للقوات البريطانيّة منحته مادة مميزة لعمله مع الصّحافة، وهذه الصّورة بالملاحظة المكتوبة على ظهرها كانت على ما يبدو خبر أراد ان ينقله المصوّر بهذه الطريقة إلى الصّحافة.

سيف الدين الزعبي؛ عضو عربي في الكنيست أثار الجدل

سيف الدين الزعبي في كتابه "شاهد عيان"، كيف بقي بالناصرة بعد الحرب، وكيف وصل للكنيست الأول، وكيف هاجمته صحيفة الاتحاد.

سيف الدين الزعبي في مظاهرة يوم العمال في الناصرة، 1965، مجموعة بيتمونا.

لطالما كان اسم سيف الدين الزعبي (1913 – 1986) اسم مثير للجدل في الأوساط العربية بالبلاد، إذ كان من أوائل النوّاب العرب في الكنيست الإسرائيلي الأول عام 1949 ودعم قرار تقسيم فلسطين. ولكن، الأكثر من ذلك بإنه تعاون مع الهاجاناه قبل تأسيس إسرائيل عام 1948.

لقد كان سيف الدين الزعبي من مواليد قرية نين (إحدى قرى المرج) تعلّم في الكتّاب، وختم القرآن في عمر العاشرة من عمره. (شاهد عيان، 1987). انتقل لمدينة الناصرة لكي يدرس في مدارسها، إلا أنّه ووفقًا لمذكّراته لم يلتزم بالدوام في صفوف الدراسة على الرغم من أنّه كان فصيح اللسان، وملّمًا بالشعر والأدب والسياسة. لقد تقلّد سيف الدين العديد من المناصب حتى تقلّد منصب رئيس بلدية الناصرة.

سيف الدين الزعبي وآرائه الجدلية

عند النظر إلى موقفه من قرار تقسيم فلسطين، كان سيف الدين الزعبي من أوائل الناس الذين نظروا إلى قرار تقسيم فلسطين نظرة مختلفة عن الباقي؛ إذ يورد لنا في مذكراته “شاهد عيان”: “وتقرّر هيئة الأمم المتحدة تقسيم فلسطين سنة 1947 وتثور ثائرة العرب، ويقرر العرب ومعهم دول عربية سبع أن ينتزعوا البلاد بقوة السلاح. أما أنا فقد رأيت آنذاك ما لم يره أولئك الذين انخدعوا وضُّللوا من قبل الزعماء العرب، ورأيت بما حباني الله من بعد نظربأنّ ما يقوله أولئك الزعماء هو غير ما يفعلون. وأنّ التقسيم الذي قُّرر لا بد وأن يكون وأنّه من مصلحة العرب وأن يقبلوا بالأمر الواقع قبل أن تقع الكارثة فيندمون.” ويستطرد الزعبي في مذكراته حول المشاكل والأزمات التي دارت بينه وبين الزعماء العرب وعلى رأسهم المفتي أمين الحسيني، الذي تبيّن لاحقًا أنه قد أرسل ببعض “الزعران” لكي يغتالوا سيف الدين الزعبي (شاهد عيان، 1987).

أما موقفه من الهاجاناه، فقد كان سيف الدين الزعبي نشطًا في صفوف “الهجاناه” وتحديدًا في وحدة الاستخبارات، وقد نال على ذلك “وسام محاربي إسرائيل.” وهذا النشاط مكّنه من مساعدة بعض اللاجئين الفلسطينيين على العودة إلى البلاد بل واستعادة أراضيهم الزراعية، لا سيما بعض وجاهات قرى مرج بن عامر مثل إكسال ودبورية؛ إذ ساهمت علاقته الخاصة مع موشيه شاريت ويغال ألون بمساعدة بعض الناس بالعودة إلى بيوتهم، وتأمين بعض الأشغال لهم بعدما استشرى الجوع  والمرض في مدينة الناصرة.

ولقد اعتبر الزعبي أن دورة الكنيست الإسرائيلي الأولى كان فيها من الديموقراطية الجديدة التي لم يشهدها العرب من قبل، إذ سُمِح لهم باختيار نائب والتصويت له وكان التصويت لأول مرة حقًّا للجميع ذكورًا وإناثًا، أغنياءً وفقراء. عقدت الدورة الأولى للكنيست في كانون الثاني من العام 1949، أي بعد أقل من عام على قيام الدولة، إذ كانت الحاجة تُلّح إلى تشكيل حكومة، وقد تشكّلت الحكومة بقيادة دافيد بن غوريون، فيما كان في هذه الدورة ثلاثة أعضاء عرب وهم: أمين سليم جرجورة وسيف الدين زعبي عن القائمة الديمواقراطية للناصرة، وتوفيق طوبي تحت كتلة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وقد حصدت حينها القائمة الديمواقراطية للناصرة مقعدين، بينما حصل الحزب الشيوعي الإسرائيلي على أربعة مقاعد.

اقرأ/ي أيضًا:  النوّاب العرب في الكنيست: توفيق الطوبي، سيف الدين الزعبي، وأمين جرجورة

 

اقتتال “الأخوة”: سيف الدين الزعبي والأعضاء العرب في الحزب الشيوعي الإسرائيلي

 

لا نشعر بوجود الحكم العسكري

سلسلة اعتداءات على أعضاء الحزب الشيوعي: صحيفة الاتحاد 26 أيار 1951

اتّهَمَت صحيفة الاتحاد التابعة للأعضاء العرب في الحزب الشيوعي الإسرائيلي سيف الدين زعبي بأنّه سياسي مثير للجدل في العديد من المواقف خلال عمله السياسي سواءًا في الكنيست أو بلدية الناصرة. على سبيل المثال، في العام 1951، اتُّهِم بتنظيم سلسلة من الاعتداءات على عدد من أعضاء الحزب الشيوعي الرافضين للحكم العسكري آنذاك مستخدمًا سلطته في الحكومة وعلاقاته. أمّا في العام 1960، خلال ترأسه لبلدية الناصرة، تحدّث باسم سكان الناصرة بأنّ “البلدية والأهالي لا يشعرون بوجود الحكم العسكري”. وفي انتخابات رئاسة بلدية الناصرة للعام 1971، عقّبت صحيفة الاتحاد أنّ الانتخابات تمّت في جلسة غير قانونية. وقد اتهم بتشكيل ائتلافات خاصة به داخل منظومة بلدية الناصرة، مما أدّى إلى الكشف عن فساد في إدارة سيف الدين الزعبي داخل البلدية. وقد توالت الأحداث والاشتباكات السياسية داخل البلدية مما أدّى بنشر خبر صحفي في صحيفة الاتحاد وُثِّق فيه تهديد سيف الدين الزعبي لعضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي توفيق طوبي بالطرد من مدينة الناصرة. و لم تتوانى صحيفة الاتحاد باللحاق بالنائب سيف الدين الزعبي والكتابة عنه والكشف عن الفساد والخطابات السياسية، التي وصفتها الصحيفة، بأنها لا تمثّل العرب في البلاد.

 

 

 

 

انتخاب سيف الدين الزعبي في جلسة غير قانونية: صحيفة الاتحاد 30 نيسان 1971

 

ائتلاف سيف الدين في بلدية الناصرة
ائتلاف سيف الدين في بلدية الناصرة: الاتحاد 20 حزيران 1972

 

فساد إدارة سيف الدين الزعبي: الاتحاد 5 كانون الثاني 1973

 

سيف الدين يهدد توفيق الطوبي: الاتحاد 12 تشرين الثاني 1976

سكن سيف الدين الزعبي في البلدة القديمة لمدينة الناصرة في ستينيّات القرن الماضي في بيتٍ قديم بُني من العام 1888، وكان يتبع لجميعة عميدار للإسكان، وقد اشترته ابنته من ذات الجمعية في العام 2011 وحوّلته لمركز سياحيّ وبيت ضيافة وصله العديد من القادة والسياسيين أمثال شمعون بيريز، جولدا مائير، جيمي كارتر وغيرهم.