اشتهرت مدينة نابلس منذ مئات السنوات بصناعة الصابون، وقد تصدّرت خلال بدايات القرن العشرين بتصدير الصّابون إلى بلاد كثيرة وواسعة خارج فلسطين. على الرغم من أن سوريا قد تصدّرت الصّناعة في الشرق الأدنى خلال سنوات الخلافة الأموية، إلّا أنّ الصّناعة اختفت بعدها لسنوات طويلة، لتعود للظهور في نابلس بحدود بدايات القرن السادس عشر.
لم تكن نابلس وحدها المتصدرة في الصناعة خلال تلك الأعوام، فعلى الرغم من التنافس العالي مع مدينة صقلية الإيطالية وظهور بعض المصانع في فرنسا، فإن ما كان يميّز صناعة الصابون في نابلس هو استخدام زيت الزيتون الصافي، بدون إضافات أخرى غير صحية، على عكس الصناعة في فرنسا وإيطاليا، حيث كانوا يستخدمون زيوت القلي وبعض الزيوت الأخرى غير الموثوقة صحيًّا.
مدينة نابلس التاريخية: صور، خرائط ومقتطفات من الصحف
وفي إحدى المقالات من صحيفة الأخبار، يقول الكاتب بإن الإقبال على شراء الصابونة النابلسية كان كبيرًا في فلسطين وسوريا ومصر والشرق العربي، وبالذات من شركة الزيتون للحاج فوزي باشا النابلسي، والمصنوعة في معمل مصبنة الشاب السيد علي سالم النابلسي العربية، والّتي كانت من أبرز الشركات في سنوات الثلاثينيّات.
صناعة الصابون في نابلس
إن صناعة الصابون في نابلس قديمة، وقد اشتهرت المدينة بمصانعها منذ القِدَم وبجودة الصّابون الّذي تقدّمه إلى العالم وتبيعه في العديد من الأقطار العربية والغربية. وقد بدأت صناعة الصابون في نابلس وبعض الأقطار العربية باستخدام زيت الزيتون والقلي فقط، لكن طرأت بعض التحسينات على الصناعة في نهاية سنوات الثلاثينيّات، حيث بدأ المصنِّعون يضيفون الصودا الكاوية مستبدلين بذلك زيت القلي، حيث تعطي الصابونة لمعانًا وشكلًا مختلفًا، كما تمت إضافة العديد من الروائح العطرية لتغيير رائحة زيت الزيتون الطاغية على التصنيع. كما تغيّر شكل ووزن الصابونة لتتناسب مع انتاج كلّ شركة، حيث يمنع لأي شركة أخرى استخدام الإنتاج الخاص ببقية الشركات.
وقد بلغَ عدد معامل ومصابن الصابون في نابلس خلال بداية الأربعينيّات من القرن الماضي، 22 مصنعًا منها الكبيرة وهي ما تسمّى بالمصابن والصغيرة وهي ما تسمّى بالمعامل. وأما عن الفرق بينهما فهو أن المصبنة تحوّل 250 جرة من الزيت بمعدل 6 أرطال للجرة إلى صابون، ويحتاج إلى غليه على النار ثمانية أيام، بينما طبخة الصابون في المعمل تبقى على النار مدة 24 ساعة فقط توضع فيها 60 جرة من الزيت فقط. وعدد العمال في كلّ من القسمين هو: في المصبنة ستة عمال ومسؤول الفريق وهو الّذي يشرف على إدارة العمل من الوجهة الفنية، مراقب حسابات، حارس وخادم. أما العمّال والرئيس فلا يتقاضون راتبًا يوميًا أو شهريًا، بل يتقاضون أجرًا عن كل طبخة وطبخة. أما ساعات العمل فهي 8-10 ساعات في الأيام العادية و8 ساعات في رمضان. وتكون العطلة في العادة يوم الجمعة وفي أيام الأعياد الكبرى؛ الفطر والأضحى وعيد المولد النبوي. ولا تمنح الإجازات إلا في حالاتٍ اضطرارية، ولا تعطى تعويضات للعمال الّذين يصابون خلال العمل. ويتراوح انتاج الصابون في نابلس بين 200-300 طن في السنة حسب جودة زيت الزيتون في تلك السنة.
لم يُعرَف عن نابلس صناعة أخرى خلال تلك السنوات سوى مصنع واحد للنسيج يخص الشقيقين فتحي وفيصل النابلسي، حيث كان المعمل مجهّزًا بآلات كهربائية ويعمل به 170 عاملًا.
لم تكن نابلس الوحيدة الّتي تصنع الصابون في فلسطين، فقد جاءت خلفها مدينة يافا في تصدّر الصناعة بوجود عشرة مصانع في المدينة، ثم تليهما حيفا بوجود مصنعان. ولعل أبرزهم كان مصنع “شيمن” وهو المصنع الوحيد بين جميع مصانع فلسطين المؤسس والمُجهّز على النظام الحديث. والمصنع الثاني في حيفا مملوك لرجل ألمانيّ، حيث كانت صادرته بأغلبها توّزع في الولايات المتحدة، وقد بدأ عمله منذ نهاية القرن التاسع عشر.
كما كان هناك بعض المعامل في كلّ من اللّد والرملة وتل أبيب، وجميع هذه المصانع كبيرها وصغيرها –باستثناء مصانع حيفا- مبنيّة على الطراز القديم ولم يدخل عليها منذ إنشائها أي تحسين يُذكر.
تأثُّر الصّناعة خلال الحرب العالمية الأولى
مع اعتماد صناعة الصّابون على موسم قطف الزيتون والزيت المستخرج منه، فقد تأثرت صناعة الصّابون خلال الحرب العالمية الأولى، حيث تم استغلال أشجار الزيتون وحطبها لتسيير القاطرات الّتي كانت تحتل البلاد آنذاك. وقد نتج عن ذلك قلة كمية الزيوت الّتي تستخرجها البلاد سنويًا، فاضطر أصحاب المعامل إلى استيراد الزيت من تركيا وسوريا واليونان، وقد أثّر ذلك على صناعة الصابون في فلسطين، حيث تضاءلت الصناعة في تلك الفترة، لكنها سرعان ما تعافت وانتعشت بعد الحرب، حيث عادت زراعة شجر الزيتون تنشط من جديد لتعويض ما تم إتلافه خلال الحرب.
أنشئ المعمل عام 1923 ولكنه لم يبدأ العمل إلا في عام 1925، وقد أنشأته شركة شيمن لتصنيع الزيوت، والّتي اندمجت في شركة ايسترن وأوفيرسيز الإنجليزية. وظلت الشركة منذ إنشائه تكبّر في حجمه وتزيد في مساحته وتضيف إليه المباني حتى أصبح لا يقل حجمًا وجودةً عن مصانع أوروبا، وقد كان الوحيد من هذه النوعية في فلسطين وسوريا. وهو يشتغل في صناعة الصابون والزيوت في آن واحد. أما أنواع الصابون الّتي كان يصنعها فهي كالتالي:
- صابون من نوع صابون مرسيليا، أصفر وأبيض ويستعمل في صناعته من الزيوت زيت الزيتون وزيت جوز الهند وزيت السمسم
- صابون من نوع كاستيل؛ ولا يدخل فيه صناعته من الزيوت غير زيت الزيتون النقي، وأكثر ما يستعمل هذا الصابون هو للأطفال وكان يصدّر كثيرًا للخارج.
- صابون كصابون نابلس الوطني ومصنوع من زيت الزيتون فقط.
- صابون معطّر للتواليت؛ ويستعمل في صناعته مزيج من زيت الزيتون وزيت جوز الهند.