​​رمضان في الصحافة الفلسطينية

توفر لنا الصحف الفلسطينية العديد من الإجابات حول رمضان والطقوس المرافقة له

تعد فترة الانتداب وما بعدها فترة انتقالية، تسارعت فيها التطورات التكنولوجية ووسائل التواصل، مما أدى لكثير من التغيرات في الحياة الاجتماعية، كما تغيرت الممارسات اليومية، سنسافر في هذه المقالة نحو الماضي لنرى كيف كان المسلمون يشاهدون القمر وكيف كانوا يقضون شهر رمضان، وكيف كان المؤذن يعلن موعد الافطار.

توفر لنا الصحف الفلسطينية مثلاً في هذه الحالة امكانية الاجابة على بعض هذه الأسئلة، عن رمضان كما عاشه الناس في فترة الانتداب وعن الطقوس المرافقة له.

مجلة المنتدى، 26 تموز 1946

ترقب الشهر والتحضير له:

أحد الطقوس المهمة والذي كان يسبق شهر رمضان، هو تسليم “مدفع رمضان”، فقد اعتاد المسلمون منذ الفترة العثمانية وربما قبل ذلك، على اعلان بدء شهر رمضان من خلال اطلاق المدافع، كما كان يستخدم أيضاً ايذاناً بانتهاء الصيام وامكانية تناول الطعام والافطار، ومع السنين تحول المدفع إلى جزء في الثقافة الاجتماعية، ولما كان السلطان العثماني وقائمي المقام هم من يسلمونه، مع انتهاء الحقبة العهد العثمانية، وبدء الانتداب البريطاني أكمل الانجليز هذا النهج فصار القائد البريطاني العام هو من يسلمه كل عام للقيادات الاسلامية في المدن بطقس احتفالي مهيب، توفر لنا الصحافة الفلسطينية مدخلاً لفهم تفاصيل الاحتفالات ومضامين الخطابات كما يظهر أدناه:

جريدة فلسطين 6 تشرين أول 1945

لم يعد اليوم للمدفع ذلك الحضور، فقد أثرت التكنولوجيا واختراع الكهربا ومكبرات الصوت كثيراً على موقعه، فباتت معظم المدن والقرى تعتمد على صوت المؤذن في المسجد أو على أجهز التلفاز والراديو والحاسوب لكي تدير شؤونها في ذلك، وظل بعض المدن القليلة في البلاد تستخدم المدفع.

مجلة المنتدى، 26 تموز 1946

كان تشغيل المدفع مرتبط برؤية الهلال، إذ لا يمكن استخدامه طالما لم يتبين الشهر، وكانت رؤية الهلال في الماضي أصعب، لغياب وسائل تكنولوجية تُمكن من رؤيته بدقة، ولذلك كان رجال الدين يخرجون بمكبرات صغيرة ويرقبون السماء حتى يرون الهلال.

مجلة المنتدى، 26 تموز 1946

ولما تتبين رؤيته كان حينها يُطلق المدفع ويكبر الشيوخ والمنشدون معلنين بدء شهر رمضان، فيمضي البعض إلا المساجد ويمضي آخرون للزيارات، أو للاحتفالات، وتنشر الصحف في نشراتها ذلك.

جريدة فلسطين، 25 آذار 1925

شهر الصيام:

يبدأ الصوم حيث تخفت معه الحركة صباحاً، ثم تعج المساجد في الصلاوات وخاصة في صلاة التراويح، ويمضي الكثيرون وقتهم في الصلاة وقرآءة القرآن، لكن رمضان ليس شهراً للعبادة فقط أو لفعل الخير والتقرب من الله، وإنما شهر لتعزيز العلاقات الاجتماعية والزيارات.

مجلة المنتدى، 26 تموز 1946

وفي الصيام يحتاج الناس لمعرفة مواعيد الصلاوات ومواعيد الافطار، فاعتادت الصحف والمؤسسات المختلفة على توزيع “امساكية رمضان” وهي ورقة مطبوعة كُتب عليها مواعيد الامساك عن الطعام

ولا يخلو الأمر أيضاً من المرح، فالبعض في رمضان قد يكون عصبي المزاج بسبب الجوع وأحياناً بسبب الحر فكانت فرصة للتذكير.

فلسطين، 24 حزيران 1950

ومع انتهاء الشهر الفضيل وقدوم العيد كانت تقام صلاة العيد، ثم الاحتفالات، والكشافة والمرح فرحاً بانتهاء رمضان وقدوم العيد، كما كانت فرصة للشركات والمؤسسة كي تنشر تهانيها:

مجلة المنتدى، 15 آب 1947

مجلة القافلة، 15 آب 1947

كيف حج الناس قبل سبعين عام?

تشكل هذه المقالة فرصة للتعرف أكثر على النهج الذي سلكه الناس للوصول إلى بلاد الحجاز والمشاق التي اعترضهم قبل 70 عامًا

يعتبر الحج مناسبة اجتماعية ودينية مميزة، حيث يزور الناس أصدقائهم وأقاربهم المقبلين على الحج مودعين إياهم ومتمنين لهم السلامة، لتمتلئ ساحات البيوت والصالونات بالزوار، ويتبادل الناس الهدايا وينشد المنشدون ويلقي رجال الدين مواعظهم وفي يوم السفر يودعهم الأقارب لينتظروا عودتهم بعدها للمباركة والتهنئة.

ورغم ما ذلك إلا أن للحج في الماضي رونق خاص، كان الناس في الماضي ينطلقون من البلاد إلى الحج عبر عدة طرق ووسائل نقل، إما بالطائرة أو بالقطار أو بالطريق البري.

​​​ ​
​فلسطين، 6​ تشري​ن أول 1946                                        ​الدفاع 20 تموز 1947

كان سفر الحجاج مناسبة اجتماعية هامة يشترك فيها معظم أبناء القرية أو المدينة، حيث يخرج الناس في احتفالات مهيبة لوداع المسافرين، كما تذكر ذلك جريدة مرآة الشرق في الخبر أدناه عن الاحتفالات العظيمة التي تجري كلما سافرت قافلة حجاج.


​الك​فاح، 13 شباط 1936                    ​هنا القدس، 8 كانون الثاني 1941

كانت ترافق القافلة نظراً للواقع الصحي حينها، بعثة طيبة تعتني بالحجاج وتشرف على صحتهم.


الصراط، 27 آب 1947

تنطلق بعدها القوافل حتى وصولهم الكعبة المشرفة حيث تبدء مناسك الحج، قد تكون احدى الشهادات المهمة التي وصلتنا عن الحج قبل سبعين عام، هي شهادة الحاج علي الدجاني والذي كان يعمل في قسم المطبوعات العامة لحكومة فلسطين، انتدب الدجاني عام 1944 كمبعوث اعلامي لتغطية أنباء الحج، ونشر بالتفصيل مناسك الحج موثقاً كل الأحداث مرفقة بصور، نشرت تلك الملاحظات في مجلة المنتدى في الأول من شباط عام 1944.


المنتدى، 1 شباط 1944

من التفاصيل الجميلة في شهادة الحاج الدجاني، هو وصفه الدقيق لما يراه ويلاحظه، وما يختلج صدره من مشاعر وأحاسيس، اضافة للصور المرفقة في مجلة المنتدى والتي توثق جانباً من التواجد الفلسطيني، وجانباً من الصور الانسانية التي تعبر عن التلاحم الاجتماعي.


يومها لم يكن وسائل تكنولوجية متقدمة (المنتدى، 1 شباط 1944)

الصور العديدة التي نشرتها المنتدى تشير إلى تعمد الناشرين اظهار مركبات اجتماعية فلسطينية مختلفة، كإشارتها للتواجد النسائي من خلال صورة الحاجتان (إلى اليمين) أو صورة الرجال التي يظهر فيها الحاج علي الدجاني بنفسه مرتدياً ملابس الاحرام (في اليسار)، كما يظهر الاهتمام أيضاً بحضور الفلاحين كمركب اجتماعي ضروري، تسعى المجلة ليس فقط لمنحهم مساحة بل تكريمهم أيضاً من خلال كتابتها “وجهاء فلسطينيين” وليس “حجاج فلسطينيون” مثلاً.

​ ​

                                المنتدى​، 1 ش​باط 1944

كانت مشقة السفر هائلة، وكانت المخاطر محدقة دوماً، أحياناً كانت القوافل تضل طريقها، وأحياناً كاد العطش أو الأوبئة والأمراض أن يفتكوا بهم.


المنتدى، 1 شباط 1944

الصريح، 9 كانون الأول 1950


فلسطين، 15 كانون الأول 1946

لهذا السبب كانت عودة الحجاج تشكل فرحة عارمة، فهي عودة بعد غياب طويل ومضنٍ، عاد المسافرون بصحة وسلامة، وقد أدوا واجباتهم الدينية وصاروا حجاجاً وفق الشريعة الاسلامية، مكملين ما فرضه الرب عليهم، فيخرج الكبار والصغار ومعظم أهالي البلد للقائهم وتقام الاحتفالات والأفراح، أو كما تصف جريدة الدفاع ذلك: “وقد وصلت الوفود من مختلف أنحاء فلسطين لاستقبالهم…”


الدفاع​، 9 تشرين الثاني 1947

كانت هذه رحلة في أجواء الحج كما كان قبل سبعين عام، تقدمت وسائل النقل والاتصالات وتغيرت، تطورت التكنولوجيا، وبات العالم مختلفاً، فاختلف الصدى الاجتماعي للحج، ورغم كل ذلك يظل له نكهة ومعنىً خاصين في المجتمعات العربية.​