ماذا تعرفون عن أعياد الرّبيع القديمة؟ وهل الفصح واحدٌ منها؟ تعرّفوا على القصّة التّراثيّة لكلّ من العيدين، وهل من قرابة أو أصل مشترك بينهما؟
كان المصريّون القدماء يقدّمون قرابينهم من السّمك المملّح إلى “أوزوروس” إله البعث في بداية ربيع كلّ عام ليشكرونه على بعث الرّبيع والخضرة من جديد بعد الشّتاء، وفي ذكرى اليوم الّذي انتصر فيه ابنه الصّالح الإله “حورس” على الإله “ست” إله الشّر فاستوى اللّيل والنّهار وجاء الرّبيع بخيره على البشر. توازى هذا التّقليد القديم مع احتفال غالبيّة الحضارات القديمة بأعياد لطالما ارتبطت معانيها بفصول السّنة وتغيّر الطّبيعة وأثرها على المورد الأوّل للإنسان في ذلك الوقت، الزّراعة والخصوبة.
من المرجّح أنّ العيد “شمّو”، الّذي أصبح فيما بعد “شمّ النّسيم” مناسبة احتفل بها المصريّون القدامى منذ عام 2700 قبل الميلاد، ومن المثير للاهتمام أن هذه المناسبة ما زالت قائمة وملبّاة في مصر اليوم بعد آلاف السّنين وتبدّل الحضارات والأديان. فما زال المصريّون إلى اليوم يتّخذون اليوم التّالي لعيد الفصح المسيحيّ، بحسب التّقويم المسيحي الشّرقي لدى الأقباط، موعدًا ثابتًا للاحتفال بشمّ النّسيم كلّ عام. فتخرج العائلات على اختلاف طوائفها ومذاهبها وتأخذ المأكولات الخاصّة بهذا العيد للاحتفال بقدوم الرّبيع واستنشاق نسيمه، بتقليدٍ مستمرّ منذ ما يزيد عن أربعة آلاف عام. وهو ما يكون أحيانًا موضع انتقادٍ لمن يرى أن الاحتفال بـ “شمّ النّسيم” ممارسة وثنيّة قديمة لا ينبغي اتّباعها الآن.
في الخامس والعشرين من الشّهر الجاري سيحتفل المصريّون في عيد شمّ النّسيم لعام 2022، وسيحضّرون سمك “الرينجة” والبصل الأخضر والخس والطّبق الأشهر لهذا العيد وهو “الفسيخ” أي السّمك المملّح.
ومن المثير للاهتمام، أنّ اسم هذا الطّبق الشّهير الّذي ارتبط بهذا العيد لآلاف السّنين يشبه إلى حدّ بعيد كلمة “الفصح” كما تُلفظ وتُكتب بالعبريّة “بيساخ” وأوّلها حرب الـ “بي” الّذي يلفظ في بعض الأحيان “ف”. وهو العيد الّذي سينتهي موعده لهذا العام أيّام قليلة قبل حلول شم النّسيم المصريّ. فهل يرتبط اسم العيد بنسختيه اليهوديّة والمسيحيّة بعيد “شمّو” الفرعوني؟ وهل الـ “فسيخ” أو الـ “فيساخ” كلمة فرعونيّة قديمة تدحرجت لتحمل معاني عديدة ارتبطت بمناسبة واحدة؟
تحكي لنا النّصوص التّراثيّة اليهوديّة عن عيد الفصح لليهود بأنّه احتفال الشّعب اليهودي بخروجه من مصر بعد استعباده وظلمه من قبل فرعونها. وأنّه بعد اشتداد ظلم المصرييّن لهم، أراد الرّب أن يعاقب المصريّين بأن يميت أبكارهم الصّبيان جميعًا، وكي لا يصيب أبكار اليهود أمرهم بترك علامات على أسطح بيوتهم كي “يفسخ” عنها ولا يأخذ حياة الصّبيان الّذين بداخلها. و”يفسخ” هنا كلمة عبريّة وردت في التّوراة في سفر الخروج بمعنى “يستثني” أو “يتجاوز”. وبحسب المعتقد اليهوديّ فإنّ تسمية العيد بعيد “الفصح” جاءت من هذه الحادثة ومن هذا اللّفظ بالتّوراة. فبعدها تمكّن اليهود من الخروج بالسّلامة من مصر.
إلّا أن البعض يشير إلى ارتباط خروج اليهود من مصر بعيد شمّ النّسيم، إذ يتزامن الموعدان، ولربّما احتفل اليهود مع المصريّين قبل خروجهم من مصر بعيد “شمّو” إلّا أنّهم بعد الخروج قاموا بتغيير بعض طقوسه لتذكّرهم بالنّجاة من مصر وبقيت الكلمة “فسخ” مرتبطة بالمناسبة بطريقة ما.
إلّا أنّ تشابه الكلمات لا يدلّ بالضّرورة على ارتباط العيدين ببعضهم البعض. فهناك من يفسّر تسمية طبق “الفسيخ” القديم بهذا الاسم بمعنى “الفاسد” أي بسبب ترك السّمك بالملح لمدّة طويلة يصيبه الفساد ويمنحه المذاق اللّذيذ.
أخبرونا أنتم! ماذا تعتقدون؟ هل من علاقة بين “الفصح” والـ “فسيخ” أم أنّ تشابه الكلمات مجرّد صدفة؟