سكة حديد الحجاز: القطار الذي ربط قلب الإمبراطورية بأطرافها

بذلت الأمبروطورية العثمانية جهودًا جبارة لأجل إقامة خط سكة الحديد الحجازية، فربطت قلب الدولة مع أطرافها ووصلت إلى المدن المقدسة في الحجاز

بناء سكة حديد الحجاز ، تصوير كارل لورينز أولير ، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

بناء سكة حديد الحجاز ، تصوير كارل لورينز أولير، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

ما بين الرمال والسماء، يقف صف من العمال بجوار السكك الحديدية التي تم وضعها كخطين متوازيين يخترقان السهول والجبال والصحاري؛ على جسور معلقة وأنفاق شكلت حتى يومنا هذا تحفة معمارية شاهدة على الجهد الذي تم بذله في سبيل تحقيق هذا المشروع الضخم، مشروع امتد لسنوات طوال حتى اكتمل وربط شعوبًا ومناطق ببعضها البعض. لكن، من هنا يُطرح التساؤل:

  لماذا بذلت الأمبروطورية العثمانية كل هذا الجهد، هل كان ذلك من أجل اللحمة الوطنية بين الشعوب العثمانية المختلفة أم كنوع من بسط السيادة على أطراف الأمبروطورية الشاسعة؟

تُظهر إحدى الصور بالأبيض والأسود القاطرات وهي تعبر جسرًا منخفضًا مقوسًا في وسط الصحراء. هذه الصور الغامضة هي جزء من ألبوم فريد من نوعه موجود في أرشيفات المكتبة الوطنية الإسرائيلية. يحتوي الألبوم على ثمانية وستين صورة فوتوغرافية التقطت في عام 1904 من قبل كارل لورينز أولير لسكة حديد الحجاز الشهيرة. والتي تمتد بين دمشق ومنطقة الحجاز في شبه الجزيرة العربية، خاصة لمكة المكرمة والمدينة المنورة، ومع خط فرعي يصل مدينة حيفا.

لقد تم بناء السكة الحديدية من قبل الإمبراطورية العثمانية بين عامي 1900 و 1908 لربط هذه المناطق النائية من عالمها. وتشكل صور”أولير” دليلًا مهمًا على مجريات البناء في المشروع.

 

بناء سكة حديد الحجاز ، تصوير كارل لورينز أولير، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

ولكن ما الذي كان يقوم به أولير، الجنرال العسكري البروسي المخضرم، في فحص خط سكة حديد الحجاز للسلطان العثماني؟ وكيف وصل الألبوم إلى المكتبة الوطنية الإسرائيلية؟

يعتبر الحج رحلة روحية وسامية يلتزم بها كل مسلم، قادر من ناحية الجسد والإمكانية المادية، لأداءها مرة واحدة على الأقل خلال حياته. عندما قام النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) بفريضة الحج للمرة الأولى والوحيدة، قبيل وفاته، سافر بالقافلة وسار عبر الصحراء من العاصمة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، على بعد أكثر من 400 كيلومتر. ولكن مع توسع الإمبراطورية الإسلامية بسرعة خلال القرن الهجري الأول، أصبحت مثل هذه الرحلات أطول وأكثر خطورة. آنذاك، كان المرض والإرهاق شائعين وكان قطّاع الطرق يهاجمون بانتظام الحجاج لكونهم يشقون طريقهم عبر الصحراء وصولًا للأراضي الحجازية.

اقرأ/ي أيضًا: كعبة القلب: الحج في التصوّف الإسلامي 

 

صورة للتحصينات “المعاصم” ، بالقرب من خط سكة حديد الحجاز، كارل لورينز أولير، 1904، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

من أجل تقليل هذه المخاطر ، انضم معظم الحجاج خلال الفترات الإسلامية الوسيطة والمتأخرة إلى قوافل الجمال المنظمة والتي سافرت على طرق تم تحديدها مسبقًا. كانت القوافل تنطلق من مدينة الكوفة جنوب العراق، من القاهرة ومن دمشق (كانت تعتبر من أهم القوافل). أدى إدخال الباخرة في منتصف القرن التاسع عشر إلى تخفيف قسوة رحلة الحج، خاصة بالنسبة للحجاج القادمين من الهند، التي كانت ترزح تحت الحكم الاستعماري البريطاني. لكن هذا التطور في وسائل النقل ساهم بشكل مباشر في ظهور جائحة عالمية وهي الكوليرا، إذ  تم نقل الكوليرا، الموجودة في الهند، إلى مكة المكرمة من قبل الحجاج عام 1863، ومن هناك انتشر إلى جميع أنحاء العالم. وهذا أدى إلى نشوء في حالة من القلق، مما حدا بالقوى الاستعمارية الأوروبية إلى فرض أنظمة الحجر الصحي الصارمة على أولئك الذين يصلون من مكة ومحيطها.

 

صورة للمقطورات التي تسير على خط سكة حديد الحجاز، كارل لورينز أولير، 1904، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

الدولة العثمانية وتصديها للأطماع الأجنبية

كان تجاوز إجراءات الحجر الصحي ومواجهة الاستعمار الأوروبي قد شكل  دافعًا رئيسيًا وراء بناء سكة حديد الحجازـ إذ أنه في العقود التي سبقت إعلان السلطان عبد الحميد الثاني عن بناء سكة حديد الحجاز، في الأول من أيار 1900، فقد العثمانيون أراضيهم الواسعة تقريبًا في جنوب أوروبا. فكانت المصالح الفرنسية والبريطانية والروسية تتنافس لتفتيت  الإمبراطورية أكثر فأكثر، ولم تكن الدولة العثمانية تستطيع المجابهة سياسيًا أو حتى اقتصاديًا، فهي كانت مدينة بشكل كبير للممولين الأوروبيين، واضطرت إلى الاعتماد على الدائنين الأوروبيين لتمويل البنية التحتية وجهود التحديث والتطوير، بما في ذلك بناء خطوط سكك حديدية أخرى لربط الإمبراطورية الشاسعة.

السكة الحجازية؛ صورة لانعكاس استقلالية السلطان عبد الحميد الثاني أم وسيلة لتثبيت حكمه؟

لقد كانت سكة حديد الحجاز مختلفة عن الخطوط الأخرى، حيث أن الخط لم يكن له فائدة اقتصادية تذكر – بل كان يعمل بشكل منتظم فقط خلال موسم الحج – إلا أن له العديد من الأهداف السياسية والدينية. فقد تم تمويل المشروع بالكامل من قبل المسلمين، وتم جمع التبرعات من أجل “الخط المقدس” في جميع أنحاء العالم. هذه الحقيقة التي تم نشرها على نطاق واسع، بالإضافة إلى مشروع الإنشاء نفسه، قد صقلت قوة عبد الحميد الثاني وصورته الإسلامية كحاكم مسلم مستقل وحيد يواجه المصالح الأوروبية. ولا ننسى قدرة السكة الحجازية على تخفيف قسوة ظروف الحج نفسه، كذلك  سيضمن الخط أيضًا أن الجيش العثماني يمكنه نشر القوات والإمدادات بسرعة لحماية الشحن في البحر الأحمر والدفاع ضد التوسع الاستعماري والتحركات نحو التمرد من قبل الزعماء المحليين، خاصة في مكة.

 

صورة لبدوي عربي وعامل سكك حديدية في وادي العلا، بالقرب من خط سكة حديد الحجاز، كارل لورينز أولير، 1904، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

لقد كان للمهندسين والمستشارين الألمان دورًا حاسمًا في تخطيط وبناء السكك الحديدية. وكان يعكس هذا الدور العلاقة المتينة بين العثمانيين والألمان والتي استمرت لعقود من التعاون العسكري والاقتصادي؛ ولعدة أسباب، رأى عبد الحميد ألمانيا كشريك أوروبي مفضل للإمبراطورية.

في هذا السياق، أصبح كارل أولير مرتبطًا بالمشروع. ولد أولير عام 1854، وكان قد خدم جنرالًا للمشاة ببروسيا  ومن ثم أصبح  (مثل العديد من الضباط الآخرين) مستشارًا عسكريًا للعثمانيين بين عامي 1901 و 1908. تم تعيينه في رتبة لواء من قبل عبد الحميد، وأصبح معروفًا بلقب “أولير باشا”. عام 1904 تم إرساله لتفقد التقدم الذي تم تحقيقه في مشروع السكك الحديدية، ودراسة الجغرافيا المحلية والإثنوغرافيا.

ركز أولير على خطين من السكك الحديدية: الخط بين دمشق ومعان في جنوب الأردن، بما في ذلك خط الفرع إلى حيفا، ومن معان إلى العلا في شبه الجزيرة العربية (تقع محافظة العلا على بعد 300 كيلومتر شمال المدينة المنورة). تعد التقارير التي كتبها أولير من بين أهم المصادر الأولية حول سكة حديد الحجاز، والتي تمتاز بدقتها وشمولها لأدق التفاصيل كتضاريس الطريق، النباتات والحيوانات، بما في ذلك النمل الأبيض الذين ينخر في العوارض الخشبية لسكة الحديد؛ كذلك شمول التفاصيل حول التحديات في توفير ما يكفي من الماء والوقود؛ وردود الفعل (ربما النمطية) للسكان المحليين على بناء السكك الحديدية (ترجمة بيتر كريستيانسن):

“ستظل الحيوية التي عبروا عن فرحتهم بها لا تُنسى. كما كرر الرجال باستمرار التحية في جوقة بالإجماع، “فلينتصر السلطان ثلاث مرات!”

تقارير أولير، التي نُشرت في أعوام 1906 و 1908 في المجلة المؤثرة “Petermanns Geographische Mitteilungen”  تم توضيحها بصور التقطها هو بنفسه على طول الطريق. يبدو أن الألبوم في مجموعة المكتبة الوطنية يحتوي على المطبوعات الإضافية من تلك الرحلة التي اعتبرها، لسبب من الأسباب، غير مناسبة للنشر. بينما تتداخل مواضيع مجموعتي الصور إلى حد كبير ، يتضمن الألبوم المزيد من الصور الشخصية – للبدو والسكان المحليين والعمال والمسؤولين وغيرهم – مما يوفر لمحات رائعة للأفراد والحياة اليومية.

صورة لسكة حديد الحجاز مروراً بوادي أبو طه، كارل لورينز أولير، 1904، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

كيف وصلت الصور إلى المكتبة الوطنية الإسرائيلية ؟

في حين أننا لا نعلم ماذا فعل أولير بالصور بعد عودته إلى ألمانيا عام 1908، لكن من المعلوم بأنه خدم في الحرب العالمية الأولى ثم تقاعد في مدينة أولم، بينما- بطريقة ما- شقت مجموعة الصور طريقها نحو طريقهم إلى إلياكيم غوتهولد ويل (1882-1960)، الذي كان ألمانيًا يهوديًا باحثًا في الإسلام، خاصة في الثقافة التركية والعربية، ومدير سابق للمكتبة الوطنية في إسرائيل. درس ويل في برلين وفرانكفورت قبل الهجرة إلى فلسطين عام 1934، وعلى الرغم من عدم ذكر أوريل في أرشيف ويل الشخصي، الموجود الآن في المكتبة، لكنه من الممكن أن يكون هذا الألبوم الفريد من نوعه قد تم تقديمه من أولير لويل كهدية شخصية والذي بعد ذلك تبرع بها لمجموعة المكتبة عام 1936.

يمكنكم استعراض بقية الصور من ألبوم الصور التاريخي هنا.

يعد هذا المقال جزءًا من مشروع مكتوب للمخطوطات الإسلامية الرقمية في المكتبة الوطنية الإسرائيلية، بدعم من صندوق أركاديا، سيوفر مكتوب وصولًا مجانيًا وعالميًا لأكثر من 2500 مخطوطة وكتب عربية وفارسية وتركية نادرة محفوظة في المكتبة، كذلك القصص الكامنة وراء إنشائها.

مشروع إتاحة الوصول الرقمي لأكثر من 2500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة

يعد هذا المشروع ثمرة التعاون ما بين المكتبة الوطنية الإسرائيلية وصندوق أركاديا من أجل إتاحة الوصول إلى 2500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة

ضمن رؤيا المكتبة الوطنية الإسرائيلية للتوسع والتطوير، أعلنت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس أنّها بفضل تبرّع سخيّ من أركاديا، وهو صندوق خيريّ من تأسيس لسبيت راوسنغ وبيتر بالدوين، ستتيح الوصول الرقميّ إلى أكثر من 2،500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة من مجموعتها العالميّة. والتي هي مجموعة تضمّ كنوزًا لا تقدر بثمن من جميع أنحاء العالم الإسلاميّ من الألفيّة الماضية، وتهدف المكتبة إلى توفيرها من خلال منصّة تتيح الوصول العالميّ المجانيّ لصور عالية الدقّة وأدوات سهلة الاستخدام.

يتضمن المشروع رقمنة صور عالية الدقّة ورفعها؛ تحسين أوصاف الموادّ باللغتين العربيّة والإنجليزيّة؛ تصميم وتطوير منصّة رقميّة ثلاثيّة اللغات (بالإنكليزيّة، العبريّة والعربيّة). كخطوة أوّليّة هامّة، سيراجع خبراء حفظ وصيانة المخطوطات في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة بدقّة جميع الموادّ التي سيتمّ مسحها ضوئيًّا، ويتّخذون إجراءات الحفظ والصيانة المشدّدة لأيّ موادّ يتبيّن أنّ وضعها إشكاليّ.

ستتيح المنصّة الرقميّة للمستخدمين من جميع أنحاء العالم اكتشاف المجموعة الكاملة والاستمتاع بها، تلك المجموعة التي تتميز بصور عالية الدقّة مصحوبة بإمكانيّات بحث وأدوات ودّيّة وسهلة الاستخدام. من المتوقّع أن يكتمل المشروع في غضون ثلاث سنوات.

تضمّ مجموعة الإسلام والشرق الأوسط التابعة للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة 2500 من المخطوطات والكتب النادرة باللغات العربيّة، الفارسيّة والتركيّة، والتي يعود تاريخها إلى الفترة بين القرن التاسع والقرن الـ 20.

تبرّع بغالبيّة المخطوطات إبراهيم شالوم يهودا (1877-1951)، وهو مثقّف عربيّ-يهوديّ من مواليد القدس، وأحد أهمّ جامعي المخطوطات الإسلاميّة في أوائل القرن الـ 20. تضمّ المجموعة مقتنيات من جميع مجالات المعرفة الإسلاميّة الرئيسيّة والموروث الأدبيّ. من أبرز معالم هذه المجموعة موادّ جذّابة من المكتبات المملوكيّة، والمغوليّة والعثمانيّة السلطانية؛ أعمال علميّة نُسخت في حياة مؤلّفيها أو بعد وفاتهم بفترة وجيزة؛ ونسخ موقّعة من فترة متأخّرة. كما أنّها بمثابة مجموعة بحثيّة رائدة تخدم الباحثين من خلال أعمال معاصرة ذات صلة بالثقافة الإسلاميّة والشرق أوسطيّة.

أما المواد التي ستضمّها  المواد الرقميّة الجديدة، فتشمل مواد ونسخ متنوعة ونادرة الوجود؛ منها مجموعة مخطوطات حول مقتطفات قرآنية قديمة من جميع أنحاء العالم، ومن هذه المخطوطات نسخة جزء من مصحف بالخط الكوفي يعود إلى القرن التاسع ميلادي من شمال أفريقيا. والذي يمكننا أن نرى جمالية استخدام الألوان (الأحمر والأزرق والأصفر) فيها إشارة إلى قراءات مختلفة، بالإضافة إلى التميز في استخدام أسلوب التنقيط بالألوان. في الصورة، يمكننا الرؤية بأن النص المعروض يعود إلى بداية سورة هود.

نص بداية سورة هود يعود إلى مصحف من القرن التاسع للميلاد.

 

لا تضم المجموعة المصاحف فقط وإنما هنالك العديد من الكتب النادرة الإسلامية مثل كتاب الكواكب الدرية في مدح خير البرية المسماة بالبردة،  إذ أن هذا الكتاب يعد بكونه أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي. وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها وتتميز هذه النسخة بكونها مرسومة لخزانة السلطان المملوكي الأشرف أبو نصر قانصوه الغوري (توفي 1516م)، وبعد ذلك كانت بحوزة خزانة السلطان العثماني سليمان القانوني (توفي 1566م) والتي تحمل طبعة خاتمه السلطاني.

الصفحة الأولى من كتاب الكواكب الدرية في مدح خير البرية، نسخة تحمل ختم السلطان سليمان القانوني.

بالإضافة إلى المصاحف والمخطوطات الأدبية الدينية، يحمل المشروع بعضًا من المخطوطات العلمية لأسماء بارزة بالعالم الإسلامي مثل الإمام الغزالي، ومن أبرز مخطوطاته نسخة من كتاب مشكاة الأنوار (الذي يسلط الضوء على سورة النور) والذي كان أحد إنجازات الغزالي الأخيرة. وقد تم نسخ النسخة التي تظهر هنا عام 1115 ميلادي، أي بعد أربع سنوات فقط من وفاة الغزالي عام 1111 ميلادي. .

نسخة من كتابة مشكاة الأنوار تعود إلى العام 1115 ميلادي

لا يمكننا الحديث عن المخطوطات بدون أن نعرض أمامكم مخطوطة نظامي الكنجوي (توفي 1209 ميلادي) – للشاعر المسلم الفارسي الذي كان صوفيًا كبيرًا. وهي عبارة عن مخطوطة مصورة بشكل جميل، فيها نرى أول لقاء بين قيس وليلى قبل أن يصبح مجنونًا ويفقد عقله، ومن خلال المخطوطة يمكن الملاحظة بأن حالة قيس قبل جنونه كان مرتديًا ملابسه، وبعد ذلك تم تصوير حالة الجنون من خلال  رسم قيس بأنه قد أصبح عاريًا.

كتاب ليلى ومجنون، من إيران سنة 1602م

 

أيضًاـ تضم مجموعتنا العلمية نسخة من كتاب تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر : والذي فيها شرح (تفسير أو تصحيح) لكتاب ابن الهيثم والمتوفى سنة 1039 ميلادي، يسمى كتاب المناظر). الذي قام بتأليف الشرح هو كمال الدين الفارسي – الذي كان أيضًا عالمًا عظيمًا في القرن الرابع عشر). كمال الدين البصري كان أول من فهم كيفية عمل القوس قزح.

تعود نسختنا إلى العام 1511 ميلادي، والمعروف لدينا بأن اسم صاحب النسخة – (تم نسخها على يد) عبد الرحمن بن مؤيد في مدينة أدرنه. تمثل الصورة هنا شكل العين.

كتاب تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر

 

قالوا عن المجموعة

د. راحيل أوكلس، أمينة مجموعة الإسلام والشرق الأوسط، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة: “نتشرّف بإتاحة الوصول الرقميّ إلى هذه الكنوز، ونأمل أن يُسهم هذا المشروع في فهم أكبر واستقصاء مشارك ذي صلة بالحضارة الإسلاميّة. واحدة من عدد من المبادرات التي تربط المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس بالمجتمع العالميّ”.

البروفيسور بيتر بالدوين، مؤسّس مشارك ورئيس صندوق أركاديا: “يسرّنا دعم المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في إتاحة الوصول المجانيّ لمجموعتها الفريدة من نوعها للجميع حول العالم”.

حول صندوق أركاديا

من تأسيس لسبيت راوسنغ وبيتر بالدوين. يدعم صندوق أركاديا المؤسّسات الخيريّة والمؤسّسات العلميّة لحفظ الموروث الثقافيّ وحماية البيئة وتعزيز الإتاحة. منذ عام 2002، قدّم صندوق أركاديا أكثر من 678 مليون دولار في شكل منح لمشاريع حول العالم. للمزيد من المعلومات، ادخلوا الرابط:   arcadiafund.org.uk

حول المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

تأسّست المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس عام 1892، وتشكّل ذاكرة جماعيّة ديناميكيّة للشعب اليهوديّ في جميع أنحاء العالم، والإسرائيليّين من جميع الخلفيّات والأديان. مع الاستمرار في العمل كمكتبة بحثيّة بارزة في إسرائيل، شرعت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة مؤخّرًا في مسيرة تجدّد طموحة لتشجيع جماهير منوّعة في إسرائيل وحول العالم على الاطّلاع على كنوزها بطرق جديدة وذات معنًى. يتم ذلك من خلال مجموعة من المبادرات التعليميّة، الثقافيّة والرقميّة المبتكرة، وكذلك من خلال حرم جديد بارز صمّمه هرتسوغ ودي ميرون، بمشاركة المكتب الهندسيّ التنفيذيّ مان-شنعار. المقرّ الجديد قيد الإنشاء حاليًّا بالقرب من الكنيست (البرلمان الإسرائيليّ) في القدس، ومن المقرّر الانتهاء منه عام 2021.

تمتلك المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة أربع مجموعات أساسيّة: إسرائيل، اليهوديّة، الإسلام والشرق الأوسط، والعلوم الإنسانيّة. من بين أبرز الأعمال أعمالًا هامّة مكتوبة بخطّ يد شخصيات بارزة، مثل: الرمبام- موسى بن ميمون، والسير إسحاق نيوتن، ومخطوطات إسلاميّة رائعة تعود إلى القرن التاسع وأرشيفات شخصيّة لشخصيّات ثقافيّة وفكريّة بارزة، مثل: مارتن بوبر، نتان شيرانسكي ونعومي شيمر.  تمتلك المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة أكبر مجموعات من النصوص اليهوديّة، الموسيقى اليهوديّة والإسرائيليّة، خرائط القدس والأرض المقدّسة، بالإضافة إلى مجموعات عالميّة من المخطوطات، الخرائط القديمة، الكتب النادرة، الصور الفوتوغرافيّة، الموادّ الأرشيفيّة العامّة والشخصيّة وغيرها.

رسم توضيحي لمبنى المكتبة الوطنية الجديد

من المقرّر افتتاح المقرّ الجديد للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة الموجود قيد الإنشاء حاليًّا بالقرب من الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في القدس، في عام 2022. سيعكس المبنى، الحدائق والباحات المحيطة به القيم المركزيّة للمعرفة الديمقراطيّة وفتح المجموعات العالميّة للمكتبة الوطنيّة ومصادرها لجمهور واسع ومنوّع بأكبر قدر ممكن. تضمّ مساحته البالغة 45000 متر مربّع (480.000 قدم مربّع)، حيّزات للمعارض، بالإضافة إلى تنفيذ البرامج الثقافيّة والتعليميّة في بيئة آمنة، متطوّرة وذات صبغة فنّيّة، مستدامة وحديثة. تقود حكومة إسرائيل وعائلة روتشيلد (الشركاء في المشروع) بناء المقرّ الجديد للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، برعاية صندوق ياد هنديڤ وعائلة ديڤيد س. وروث ل. غوتسمان من نيويورك.

حين روجت جريدة الكرمل لبيع السيارات

أسرار نجاح إعلانات السيارات المنشورة في جريدة الكرمل.

بين عامي 1927-1930  كان هنالك أكثر من تسع ماركة سيارات عالمية قد نشرت جريدة الكرمل إعلانات من أجل الترويج لسياراتها والتي في غالبها إعلانات كانت تتبع لماركات سيارات أمريكية مثل ماركة شيفروليه، آوكلاند، ريو، دودج، ستوديباكر وبويك، وهذا يعكس مدى استحواذ السيارات الأمريكية على السوق الفلسطيني آن ذاك، لكن مع ذلك لم تكن السيارات الأمريكية تحتكر السوق لكون وجود المنافسة من المصانع الأوروبية مثل الفرنسية والتي تتمثل في ماركة سيارة سيتروين والبريطانية ممثلةً بماركة سيارة موريس التي كانت أيضًا تُباع في السوق.

عند النظر إلى إعلانات السيارات التي نشرتها جريدة الكرمل يتبادر  إلى ذهن قارئ الصحيفة تساؤلاتٍ عدة حول سر جذب جريدة الكرمل لوكالات بيع السيارات من مدنٍ مختلفة  كحيفا ويافا والقدس، فالحديث ليس عن ماركة سيارات واحدة أو اثنتين!! يا ترى ما هو السر الذي حذا بكل هذه الوكالات في أن تنشر إعلاناتها في جريدة الكرمل؟

في ترويجها لبيع السيارات اهتمت جريدة الكرمل بعدد من العوامل والتي يمكن ملاحظتها في أكثر من إعلان لأكثر من ماركة واحدة، فكانت تشدد على كتابة التفاصيل حول السيارات سواء حول  الجانب الجمالي أو الأدائي بدون التغاضي عن الشفافية في عرض سعر السيارة واستهلاكها للوقود. يوجد عامل آخر وهو عامل الرسم الذي لم يغب عن أي إعلان ترويجي حول السيارات الذي في بعض الأحيان نرى أكثر من رسمة  في ذات الإعلان، فالرسمة هي عنصر رئيسي تعكس مصداقية خصائص السيارة وصفاتها الجمالية.

أما العامل الأخير فهو محاولة استهداف كافة فئات المجتمع ومراعاة الاختلافات فيما بينهم من خلال انتقاء الكلمات المناسبة من أجل التعبير عن مميزات خاصة بالسيارة والفئة التي تقع فيها، مثلًا إذا كانت سيارة تتميز بالكفاءة كان يتم استخدام كلمات تعكس ذلك مثل سيارة ستوديباكر “س.ل ديريكتور: قوة وليونة”،

أما اذا  كانت السيارة قليلة الثمن فكانت الكلمات مختلفة من خلال التركيز على عرض سعر السيارة للفت النظر حولها إضافة إلى نشر عدد مشتريها من أجل التشجيع على شرائها مثل سيارة شيفروليه “بسعر 189 جنيهُا فلسطينيًا يمكنك امتلاك سيارة شيفروليه من النوع الجديد الذي ثبتت فائدته ل610000 من أصحاب السيارات”.

في حال كانت الرغبة باقتناء سيارة للعمل قوية ومتينة تتحمل المشاق فذلك الطلب أيضًا موجود في إعلانات الصحيفة مثل السيارة الفرنسية سيتروين “سيتروين: بناء هيكلها (الشاسي) متين جدًا بما يمكنها حمل الأثقال وتحمل مشقات السفر وأداء أحسن خدمة”.

في مراعاتها لعوامل متنوعة من حاجات المجتمع من السيارات واستخدامها لوسيلة الرسم في ايصال الفكرة إلى القارئ عدا عن توضيح تفاصيل وخصائص المركبات، كان لجريدة الكرمل تأثير كبير قد جعل ذلك منها أحد الوجهات الأساسية لدى كبرى وكالات السيارات من أجل نشر كل ما هو جديد في هذا المجال.

لتصفح جريدة الكرمل والإمعان في إعلاناتها، يمكنكم الدخول لتصفحها رقميًا من خلال النقر هنا.

 

ثورة البراق عام 1929 وأثرها في تشكيل الهوية الفلسطينية

لقد كان لثورة البراق عام 1929 الأثر الكبير في تشكيل الهوية الفلسطينية الحديثة خلال الفترة الانتدابية ومن أبر محطات الصراع العربي اليهودي في البلاد.

صحيفة الكرمل، 17 حزيران 1930

لا شك أن ثورة 1929 شكلت محطة فاصلة بين حقبتين، شكلت مرحلة اللاعودة في العلاقات العربية اليهودية؛ من عداء واضح وعنف متبادل وشقاق لن يلتئم بعدها، لقد تم دراسة الثورة وأسبابها وتفاصيلها، ولكن على أهمية هذا الإنتاج إلا أنه من المهم أيضاً دراسة أثر ثورة 1929 في الوعي والهوية الفلسطينية

توفر لنا الصحافة الفلسطينية فرصة مدهشة ومثيرة للوقوف على تشكل الهوية الثقافية والسياسية الفلسطينية بتفاصيلها الدقيقة من الأغنية الفلسطينية وحتى العلم الفلسطيني. كل ذلك سيتشكل في ثورة 1929، وهو ما يدل على أثرها في الوعي والذاكرة الفلسطينيتين.
بالنسبة للفلسطينيين فقد اندلعت الثورة بسبب اعتداء اليهود وخروج موكب يهودي بعلم باتجاه حائط البراق، وهو ما شكل بالنسبة لهم اهانة دينية وقومية، حيث ناقشت الجريدة ذلك وذكرته في اليوم الثاني لاندلاع الأحداث

 

جريدة فلسطين، 24 آب 1929

اشتعلت البلاد كلها خلال ايام في الخليل وطبريا والقدس وحيفا وصفد وغيرها، عشرات القتلى والجرحى، العديد من الأحياء نسفت، خطوط الهاتف قطعت، الشوارع أغلقت، خلال أسبوع كانت الثورة قد عمت المدن الرئيسية وتحولت إلى أشبه بساحة حرب.
لكي تخمد السلطات الانتداب الثورة أقدمت على اصدار أوامر بوقف كافة الصحف حينها بما فيها جريدة فلسطين والدفاع ومجلة الفجر وغيرها ولم تسمح لها بالعودة للعمل إلى بعد أسبوع

جريدة فلسطين، 2 أيلول 1929

حين عادت الصحف للعمل نشرت حينها كل الأخبار والبلاغات التي وصلت خلال أسبوع الأحداث دفعة واحدة، توفر لنا هذه المواد اليوم مساحة مهمة جداً لفهم الأحداث والتفاصيل بشكل يومي تماماً كما لخصتها ووصفتها الحكومة البريطانية

جريدة فلسطين، 3 أيلول 1929
جريدة فلسطين، 3 أيلول 1929

كان ذلك ملخصاً أسبوع مما سيطلح على تسميته بثورة البراق في الثقافة الفلسطيية، أو أحداث أو شغب 1929 في الثقافة العبرية، لكنه سيترك أثراً بالغاً في الوعي الفلسطيني، فعلى أثر الاحداث اعتقل ثلاثة فلسطينيين وهم: محمد جمجوم، فؤاد حجازي، وعطا الزير. حكم عليهم لاحقاً بالاعدام، حكم سيدخل التاريخ حيث سيتحول الشبان الثلاثة إلى جزء من ذاكرة الشعب الفلسطيني ونضاله، وسيتم استحضارهم في كل حدث ومناسبة، ولا يزال حتى اليوم بعد عشرات السنين من اعدامهم يُذكرون كل عام ولا يزال معظم الفلسطينيين يحفظون عن ظهر قلب قصيدة “من سجن عكا طلعت جنازة” التي كتبها الشاعر نوح ابراهيم والذي سيستشهد هو الآخر لاحقاً لتصير حكايتهم كأنها قصة ملحمية بنظر الكثيرين.

اليرموك، 18 حزيران 1930

هذا الأثر في الهوية لن سينعكس أيضاً في الأدبيات والشعر الفلسطيني هكذا ستصير أغنية لا تسل عن سلامته والتي ظهرت في مسلسل “التغريبة الفلسطينية” جزءًا متأصلاً في التراث والأغنية الفلسطينية

جريدة مرآة الشرق، 13 نيسان 1930


اقرأ/ي أيضاً: محطات في حياة السياسي الفلسطيني ابن مدينة الرملة الأستاذ يعقوب الغصين

لكن الأثر الأبرز ربما لأحداث ثورة البراق سيكون سياسياً، حيث يمكن استشفاف علاقة واضحة بين رفع العلم الصهيوني (كما وصفته جريدة فلسطين) وبين ظهور العلم الفلسطيني نفسه، حيث قدمت جريدة فلسطين بعد الثورة بشهر واحد اقتراحاً للجنة التنفيذية بضرورة اتخاذ علم مقترحة عليها علمين ومطالبة أيضاً بنشيد وطني وهو ما سيفتح باب النقاش بعدها والذي سيفضي لاحقاً لتصميم العلم الفلسطيني.

جريدة فلسطين، 20 تشرين الأول 1929

لم تكن ثورة البراق سوى أسبوع واحد ولكنها ساهمت في صقل جوانب متعددة من الهوية الفلسطينية، قد تكون الأمثلة أعلاه بعضها، ولا تزال الكثير من الأمثلة بحاجة لدراسة معمقة، ربما تشكل هذه الصحف الفلسطينية اليوم وقد صارت متاحة للباحثين بداية جيدة لدراسة الكثير من الجوانب واعادة قراءة الماضي قراءة نقدية تسلط الضوء على ما جرى وتمكننا ليس فقط من فهم الماضي بل من فهم الحاضر أيضاً.