“إنّ قلبي مثل الفرجار، ساقٌ ثابتة في أرض الشّريعة، وساقٌ تدور على اثنين وسبعين ملّة”
في مقولة جلال الدّين الرّومي هذه تفسير للمبدأ المولويّ الذي ينصّ على التقبّل والتّسامح كقيمة أساس للطّريقة المولويّة. فلكيّ يكون طالب الطّريقة جاهز للترقي في الحبّ الإلهي عليه أن يبدأ بما حوله من ظواهر وموجودات وأحوال، وأن يتقبّلها جميعًا انطلاقًا من دورانه الدّاخلي وهو المركز والرّكينة الأساسيّة لهذا التّقبّل. وهكذا تكون بذرة التّوحيد الحقيقي جاهزة لأن تثمر وتنبت بحسب الرّومي. تنعكس هذه المقولة كذلك في رقصة الدّراويش الشّهيرة والتي يقال أنّ الرومي تعلّمها من شمس الدين التّبريزي، والّتي تمثّل كذلك دوران الأرض حول نفسها وحول الشّمس، وأيضًا طواف المسلمين حول الكعبة. فمن جلال الدّين الرّومي؟ وما رقصة الدّراويش وما الطّريقة المولويّة؟
اقرأ/ي أيضًا: جلال الدّين الرّومي
ولد جلال الدين الرّومي في بلخ (أفغانستان اليوم) عام 1207 ونشأ في مدينة قونية (تركيا اليوم) وأصبح من أشهر شيوخها بعد أن ورث مكانة أبيه كمعلّم وإمام. حدث تحوّل كبير في حياة الرومي بعد لقائه بالمتصوّف شمس الدين التّبريزي الّذي أصبح رفيق روحه وعلّمه الكثير عن التّصوف وعن حالة الحبّ الإلهي. عشق الرومي هذا الطّريق وانغمس فيه، وبعد اختفاء رفيق روحه من حياته دخل في عزلة عن النّاس لمدّة طويلة، وعاد بعدها إلى التّدريس والتّربية والوعظ بإصرار من ابنه وتلاميذه الّذين افتقدوه. لكنّ وعظه هذه المرّة كان قد اختلف تمامًا عمّا ذي قبل.
اقرأ/ي أيضًا: مخطوطات رقمية من تاريخ الصوفية في العالم الإسلامي
في ديوانه “ديوان شمس الدّين التّبريزي” وصف حبّه وفقده العميق لرفيقه شمس الدّين، وأسسّ الرومي في ديوانه الكبير “مثنوي معنوي” رؤية كونيّة، ووضع تجربته الرّوحية في كلمات وأبيات ألهمت متّبعيه وتأسست بها عادات وتقاليد وتراث صوفي حمله من أطلقوا على أنفسهم اسم “المولويين” نسبةً إلى اللقب الذي اكتسبه الرومي “مولانا”، أو كما باتوا يُعرفون في بلاد الشّام “المَلَويين”.
المولويّة هي طريقة من طُرق الصّوفيّة أسسّها تابعو جلال الدّين الرّومي لاسيّما ابنه سلطان ولد بعد وفاته مباشرة. إذ بادروا دون توصية منه إلى تثبيت بعض الأسس والممارسات لتتناقل عبر الأجيال وتحفظ إرث ما تعلّموه من جلال الدّين الرّومي وأطلقوا على طريقتهم هذه اسم “المولويّة”، أي طريقة مولانا وهو اللّقب الّذي منحوه لمعلّمهم جلال الدّين الرّومي.
تعتمد الطّريقة المولويّة على بعض الشّعائر الرّوحانيّة الّتي يمارسونها بالإضافة إلى شعائر الصّلاة والصّيام الإسلاميّة. من هذه الممارسات الذّكر والإنشاد، والّذي اتّخذ طريقه إلى خارج التّكايا والزّوايا ليصبح تراث فنّي إسلامي غير محصور على المتصوّفة في بلاد الشّام ومصر. بالإضافة إلى الرّقصة الشّهيرة “رقصة الدّوران”، يرتدي الدّراويش في رقصات الذّكر والإنشاد رداء خاصّ يحمل دلالات عديدة، ويشير الى التّواضع في الدّنيا.
من التّفسيرات الّتي أطلقت على طقوس الذّكر ورقصة الدّراويش هي أنّها تحاكي حركة الوجود، دوران الأرض حول نفسها وحول الشّمس، دوران المسلمين حول الكعبة، ودوران كل شيء في الوجود كحركة تلقائيّة محتّمة ترتكز عليها الحياة بأكملها. يرتدي هؤلاء “السكة” أو غطاء الرأس الطويل المصنوع من مادّة خشنة إشارة إلى صعوبة الحياة، بالإضافة إلى الرّداء الأبيض الّذي يرمز للكفن، وعباءة سوداء ترمز للموت والتّزهّد.
تُمارس طقوس الذّكر والرّقص المحدّدة بدقّة في قاعات خاصّة بها في الزّوايا والتّكايا المولوليّة حول العالم، وقد انتشرت الطّريقة بشكلٍ واسع في العهد العثمانيّ. ووصلت إلى بلاد الشّام ومصر والمغرب ومدنها الكبيرة حيث انتشرت التّكايا المولويّة لتعلّم القرآن الكريم وتقيم الذّكر وتمنح حياة التّقشّف لتابعيها ولطالبي الطّريقة، وفي مدينة القدس يوجد المسجد المولوي أو التّكيّة المولويّة دخل أسوار البلدة القديمة. وفي العقود الأخيرة، وجدت الطّريقة سبيلها إلى أوروبا كذلك وشهدت اهتمام غربي ملحوظ بالتّصوف الإسلامي وخاصّة بإرث جلال الدّيني الرّومي الّذي اتّسم بالإنسانيّة والكونيّة.