ثبت بالفحص المخبري: مخطوطة كتاب الشفا لابن سينا قديمة ونادرة!

أثارت مخطوطة كتاب الشفا لابن سينا في المكتبة الوطنية جدلًا بين الباحثين حول تأريخها، ولم يكن هناك إلا طريقة واحدة للحصول على إجابة.

رسم ابن سينا من مخطوطة تعود للعصور الوسطى بعنوان subtitles of truth من عام 1271 (المصدر ويكيبيديا)، وهاجر ميلمان، مختصّة حفظ وترميم في مختبر الحفظ والترميم في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، وهي تقطع برفق خط رفيع من المخطوطة.

رسم ابن سينا من مخطوطة تعود للعصور الوسطى بعنوان subtitles of truth من عام 1271 (المصدر ويكيبيديا)، وهاجر ميلمان، مختصّة حفظ وترميم في مختبر الحفظ والترميم في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، وهي تقطع برفق خط رفيع من المخطوطة.

تُرجِم عن: راحيل غولبيرغ

تقف سيّدة برداء أبيض مخبري أمام طاولة عمل مضاءة وتمدّ يدها لتطلب “اإزميل”. تمسك بالأداة الحادة وتميل من فوق الطاولة المضاءة جيّدًا لتقطع خطا رفيعًا وطويلًا. هذه ليست عملية جراحية لإنسان. ولكن لمخطوطة تاريخ نسخها غير معروف بعد.

الهدف من هذه “الجراحة” هو الكشف عن عمر المخطوطة التي بين أيدينا. ولذلك، نُقل الجزء الصّغير الذي تمّ قصّه من المخطوطة إلى مختبر خارجي ليخضع لفحص مخبري دقيق. إن أهميّة هذا الفحص المخبري ونتائجه مهمّة جدًا؛ إذ أنّ هذه المخطوطة ليست مخطوطة عاديّة، إنّها منسوبة لفيلسوف وطبيب القرن الحادي عشر الشّهير ابن سينا (980-1037 م).

 

رسم ابن سينا من مخطوطة تعود للعصور الوسطى بعنوان subtitles of truth من عام 1271 (المصدر ويكيبيديا)
رسم ابن سينا من مخطوطة تعود للعصور الوسطى بعنوان subtitles of truth من عام 1271 (المصدر ويكيبيديا)


مؤلّف الكتاب

يعتبر ابن سينا أحد أهم المفكرين في العالم الإسلامي، وهو من المفكرين الإسلاميين الأقلاء الذين حظوا بشهرة عالميّة في حياتهم، فقد عُرفوا في العالم الإسلامي وكذلك في أوروبا، وقد عرف ابن سينا بالاسم اللاتيني “أفيسينا”.

لمع نجم ابن سينا في جيل يافع واعتبر طبيبًا وفيلسوفًا مرموقًا، وقد حصل على هذه الشّهرة لأول مرّة عندما استدعي لتطبيب سلطان بلاد فارس الذي كان طريحًا للفراش لفترة طويلة وعجز أطباء البلاط عن مداواته. حين تفوّق ابن سينا على هؤلاء الأطباء الملكيين ونجح بتطبيب السلطان، فُتحت أمامه أبواب المكتبة السلطانيّة الفاخرة على مصراعيها، وأدت هذه النّقلة إلى طفرة من الإبداع والإنتاج العلمي عند ابن سينا، كان من ثمراتها كتابه الشّهير في فلسفة العلم “كتاب الشّفا”.

 

الصفحة الأولى من مخطوطة "كتاب الشّفاء"، مجموعة المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.
الصفحة الأولى من مخطوطة “كتاب الشّفا”، مجموعة المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.


في حياته القصيرة تمكّن ابن سينا من ترك مئات المؤلّفات. وفي مجموعات المكتبة الوطنيّة هناك مئات من المخطوطات لمؤلفات ابن سينا المختلفة، وكذلك شروح لاحقة لهذه المؤلفات، ولكن يتميّز في عملين من بين الجميع: واحد في الطب والثاني في العلوم.

تنبع فرادة ابن سينا في هذين العملين لأنه يرسم من خلالهما خارطة لكل مجال المعرفة، من خلال التقسيم إلى فئات واضحة. كما تكمن أهمية مساهمة ابن سينا العلمية بأنه يعرض كل من هذه الفئات بنظرة نقديّة ويعرض استنتاجاته عن كل مجال ومجال. هذا الأسلوب في فحص الفئات المختلفة بشكل نقدي وبالذات في مجال الطّب، تحوّل إلى الأساس الّذي اتكأ عليه بدرجة كبيرة الطب الحديث وهو “الطب المبني على التجربة”. هدف “كتاب الشفا” هو تغطية جميع مجالات العلوم الموجودة في حين كتابته، إن تفرد وأهمية الكتاب تكمن كما ذكرنا في هيكله، الذي أصبح المعيار الذي بحسبه كُتبت كتب الفلسفة منذ ذلك الوقت.

يتكوّن كتاب الشفا من أربعة أجزاء، وكل جزء يتناول موضوعًا مختلفًا: الجزء الأول موجود في مجموعة المكتبة الوطنيّة ويتناول المنطق. أمّا بقية الأجزاء فتتناول موضوعات مثل العلوم الطبيعيّة، علم النّفس، العلوم الحسابيّة (الهندسة والرياضيات والموسيقى والفلك) والمتافيزيقية.


المخطوطة النّادرة في المكتبة الوطنيّة

وصل الجزء الأول من كتاب الشفا الى المكتبة الوطنيّة كجزء من المجموعة الضخمة للباحث وجامع الكتب الأثرية الشهير أبراهام شالوم يهودا (1877-1951). مفهرس المجموعة أفرايم ووست سجّل المخطوطة الفريدة هذه في فهرس المكتبة. ومن المعلومات التي على المفهرس إدراجها حول كل مخطوطة هي سنة نسخها الواردة فيها أو التي يقدّرها المفهرس. لم تذكر سنة نسخ المخطوطة في أي مكان على صفحاتها، إلا المفهرس قدّر أنّ المخطوطة نُسخت عام 1050 وأرفق علامة سؤال بجانب السنة كما يظهر في الصورة التي أمامكم من الفهرس الرقمس للمكتبة. يعتبر وجود مخطوطة بهذا القِدَم والنّدرة في مجموعة يهودا ليس بالأمر الغريب، فقد عُرف جامع المخطوطات بسعيه لشراء المخطوطات النادرة والثمينة. ومع ذلك، فإننا لا نعرف ما الذي دفع ووست لهذا التخمين، أهو نوع الورق أو الحبر، ام مجرّد “حدس”؟

 

من فهرس المكتبة الوطنية الإسرائيليّة عن مخطوطة كتاب الشفاء. نرى في الفهرس جميع المعلومات الأساسية عن كل مادّة موجودة بين أيدي المكتبة الوطنية وهنا يظهر التأريخ "سنة: 1050؟"
من فهرس المكتبة الوطنية الإسرائيليّة عن مخطوطة كتاب الشفا. نرى في الفهرس جميع المعلومات الأساسية عن كل مادّة موجودة بين أيدي المكتبة الوطنية وهنا يظهر التأريخ “سنة: 1050؟”

 

ما أهمية تأريخ المخطوطة؟ وكيف نقوم بهذا؟

إن المخطوطة التي نسخت في أيام مؤلّف الكتاب تعتبر أكثر أهمية من مخطوطة نُسخت لاحقًا، لأن هذا يدل أوّلًا على مكانة المؤلف في عصره من جهة، ولأن النص الذي بداخل هذه المخطوطة سيكون أكثر دقة من جهة أخرى حيث أنه الأقرب للأصل وقد يكون منسوخًا عنه. يذكر هنا إن عدد مخطوطات كتاب الشّفا التي تعود لحياة ابن سينا نفسه  قليلة جدًا حول العالم. واكتشاف مخطوطة جديدة من هذا النوع يسلّط المزيد من الضّوء على الصياغة الأصليّة والأولى للكتاب.

هناك عدّة طرق لتأريخ أي مخطوطة؛ الطريقة المعروفة والأسهل هي بقراءة حرد المتن: أي الملاحظة التي تأتي عادة في آخر الكتاب ويوثّق بها النّاسخ تاريخ الفراغ من كتابته وأحيانًا اسمه وتفاصيل أخرى عن المخطوطة، كالمكان الذي نُسخت فيه وسبب نسخها والمزيد. نجد حرد المتن في آخر الكثير من المخطوطات، ولكن ليس في هذه المخطوطة.

 

هناك طرق أخرى لمعرفة تاريخ إنتاج المخطوطة بطرق غير مباشرة، منها ما قد تحتويه الصّفحة الأولى أو خوارج متن النّص من ملاحظات، أختام، أو ملاحظات تخص إجازات القراءة وغيرها. جميع هذه الدلائل تمكننا أحيانًا من تقدير الوقت الذي كتبت فيه المخطوطة.

بالإضافة إلى ذلك، الجسد المادي لكل مخطوطة يساعدنا بالتعرف على تاريخها أيضًا: نوع الورق، نوع الحبر، أسلوب التزويق والرّسم، نوع الخطّ، طريقة ترقيم الصّفحات والمزيد. مع ذلك، فإن مختصة المخطوطات (يشار إلى مجال دراسة المواد التي تنتج منها الكتب بالكوديكولوجيا) المسؤولة عن مجموعة المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، تحذّر من الوقوع في خطأ تأريخ المخطوطة بناء على تجليدها فإن التجليد قد يتبدّل.

من مميزات الورق التي تساعد بالتعرف على تاريخ المخطوطة: جودة الورق ونوعه، قوام السطح وشفافيته، اللمعان واللون وكذلك قوة الورق ومرونته. في المخطوطة التي نتحدث عنها يمكننا أن نرى بعض هذه العوامل بوضوح؛ إذ تظهر الألياف التي صنع منها الورق، كما هناك مناطق أغمق من غيرها.

منذ أن وصلت المخطوطة إلى المكتبة الوطنية ظهرت آراء مختلفة حول تاريخ كتابتها، فهناك من رأى أن هذه المخطوطة نُسخت في حياة ابن سينا نفسه وهناك من رأى أنها تنتمي لعصر آخر بعد وفاته. واشتدّت التساؤلات حين توجّهت متخصصّة في علم المخطوط الإسلامي من إيطاليا مشكّكة بالتأريخ الذّي وضعه ووست، وادعت أن المخطوطة نُسخت بعد 200 عام من هذا التاريخ. عندها قرر طاقم المكتبة أن يقوم باللازم لإعطاء جواب نهائي لهذا التساؤل.

 

حرد المتن كمثال، كثيرًا ما يظهر بشكل مثلّث معكوس إلى الأسفل. من مخطوطة في المكتبة الوطنيّة.
حرد المتن كمثال، كثيرًا ما يظهر بشكل مثلّث معكوس إلى الأسفل. من مخطوطة في المكتبة الوطنيّة.


فحص التأريخ بالكربون المشعّ 14

قامت مارسيلا سكلي رئيسة قسم الحفظ والترميم في المكتبة الوطنية بدعوة بروفيسور إليزابيتا بورتو لطلب إجراء فحص التأريخ بالكربون 14، وهو الفحص المخبري الأكثر حسمًا في هذه الحالة لتأريخ عمر الورق. وصلت بروفيسور بورتو ذات الصيت العالمي في المجال الى المكتبة لأخذ عينة من المخطوطة، ولهذا تمت هذه “الجراحة”.

بما أن هذا النوع من الفحوصات يعتبر “ضارًا” بالمادة لانه يقتطع جزءًا منها، فقد دار نقاشًا مطوّلًا بين خبيرة الترميم سكلي وبروفيسور بورتو حول كيفيّة اتخاذ العينة والمكان المناسب لقصّها منه. كانت الفكرة الأولى هي اقتطاع جزء يحتوي على الحبر، ولكن للامتناع من المس بالمخطوطة نفسها واقتطاع جزء من الكتابة، أخذت العينة من أطراف الصفحات على هيئة خط طويل وليس على شكل مستطيل كما هي العادة.

 

بوفيسور بورتو تقوم بتغليف العينة في ورق فضي قبل نقلها إلى معهد وايزمان لتطبيق الفحص المخبري بالكربون المشع.
بوفيسور بورتو تقوم بتغليف العينة في ورق فضي قبل نقلها إلى معهد وايزمان لتطبيق الفحص المخبري بالكربون المشع.

 

يسمّى هذا الفحص المخبري بالتأريخ بالكربون المشعّ، ويعتمد الفحص على حقيقة ان لكل مادّة عضوية وتيرة ثابتة للتحلل الاشعاعي. وبالتالي، كلما قدمت المادة، كلما اضمحلّت كمية الكربون المشع التي ستتواجد فيها. تطوّر البحث حول هذا الموضوع بشكل ملحوظ على مرّ السنين، وبهذه الطريقة الآن يمكن تحديد عمر الجماد الذي يعود عمره لـ 50 الف عام على الأكثر. تم إجراء الفحص في المختبر البحثي على اسم دنجور في معهد وايزمان في رحوفوت تحت إشراف بروفيسور بورتو.

 

مارسيلا سكلي، رئيسة قسم الحفظ والترميم على يسار الصورة وبروفيسور بورتو يمينًا. على الطاولة المخطوطة القديمة في المكتبة الوطنية بعنوان "كتاب الشّفاء" لابن سينا. يتم عرض أي مخطوطة نادرة حسب الطلب في غرف مخصصة للمعاينة حيث يتم وضع المخطوطة على وسادة للحفاظ عليها.
مارسيلا سكلي، رئيسة قسم الحفظ والترميم على يسار الصورة وبروفيسور بورتو يمينًا. على الطاولة المخطوطة القديمة في المكتبة الوطنية بعنوان “كتاب الشّفا” لابن سينا. يتم عرض أي مخطوطة نادرة حسب الطلب في غرف مخصصة للمعاينة حيث يتم وضع المخطوطة على وسادة للحفاظ عليها.

 

حين وصلت نتائج الفحص وأخيرًا من بروفيسور بورتو اتّضح أن حدس المفهرس ووست كان موفّقًا ودقيقًا: فالمخطوطة لا تعود للقرن الرابع بل تم صنعها بين السنوات 1040 و1060 على الأكثر، وذلك بعد وفاة ابن سينا بمدّة غير طويلة. كما اتّضح أن المادة الأصلية التي صنع منها الورق هي السليولوز. وهذا مثال آخر على تقاطع العلوم الدقيقة مع التاريخ، فقد تمكّنت مختصة من الدّرجة الأولى من مساعدتنا بفهم قصّة وتاريخ أحد الكنوز الإنسانيّة التي بين أيدينا.

 

ساعدت مارسيلا سكلي، رئيسة قسم الحفظ والترميم في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة، بتحرير هذا المقال.

 

تراتيل وصلوات السبت وألحانها المتنوّعة

ماذا تعرفون عن المتعة الفنية في تراتيل السبت وعن العادات العريقة التي تُمارس داخل البيوت اليهوديّة المحافظة ودور العبادة؟ تعرفوا في هذه المقالة على بعض العادات المرتبطة بالسبت اليهودي.

مخطوطة ترتيب صلاة السبت، 1905، مجموعات مخطوطات المكتبة الوطنية

مخطوطة ترتيب صلاة السبت، 1905، مجموعات مخطوطات المكتبة الوطنية

يوم السبت هو اليوم المقدّس للديانة اليهوديّة عبر التّاريخ، وتعتبر إقامة شعائره من فرائض الديانة، وذلك لأنها مدرجة ضمن الوصايا العشر. وأصلها مستمدّ من القصّة التوراتيّة حول خلق العالم، اذ تقول القصة ان الخالق خلق الكون كله في ستة ايام واستراح فيه في اليوم السّابع. “وبارك الله اليوم السابع وقدّسه لأنه فيه استراح من جميع الّذي عمر” (التكوين،2،3). أصبحت هذه الكلمات مادّة للتراتيل المنغّمة والمتنوّعة، والّتي تتوزّع على عدد من التراتيل المرتبطة بتقاليد السبت، منها صلاة استقبال ليلة السبت، وصلاة الصّباح ومباركة الطّعام.

حافظ اليهود في مختلف أماكن تواجدهم عبر العصور على هذه الشعائر، وطوّروا تقاليد إضافيّة مرتبطة بها، ممّا يجعل النّظر في أرشيفها أمر غاية في الفضول، وذلك لتنوّعها الواسع والمتعدد الثقافات.

في التسجيلات الصّوتية وحدها، يمكن إيجاد عشرات التّراتيل المؤّداة بحسب أصول فنون موسيقيّة متعددة الأصول والثّقافات.

تجدون هنا تسجيل للمؤدّي الشّهير يتسحاك افوهاف، وبه يتلو صلاة تقديس ليلة السّبت.

كلمات الصلاة من الاصحاح الثاني في سفر التكوين:

اليوم السادس. أُكملت السماوات والأرض وكل جندها.

 وفرع الله في اليوم السابع من خلقه الذي عمل. فاستراح في اليوم السابع من كل عمله الذي عمل.

وبارك الرب اليوم السابع وقدسه. لانه فيه استراح من جميع عمله الذي عمله الله خالقًا.

بدون موسيقى، يستطيع المؤدي بصوته فقط أن يحكي العبارات التوراتية كما لو كانت قصّة، يبدأ بنغمة منخفضة ومحايدة، كما لو أنه يهيئ المستمع لبداية قصّة ما، ثمّ يرتفع، ويستطيع المستمع العربي هنا تمييز المقامات الشّرقيّة في الاداء وينتقل المؤدّي بين الانغام المرتفعة والمنخفضة ببراعة، ممّا يضيف بعد درامي إلى الصّلاة.

يتميّز الأداء السفاردي المذكور بالبطء والرّوحانيّة والارتباط بمعاني الكلمات، فهو يرتفع ويؤدي عُرَب مميزة عند الحديث عن القداسة أو السّماء، ويعتمد على الاحساس والارتجال اللحظي، أي أنه غير مرتبط بنغمة محفوظة ومتكرّرة، ولكن يتحرك بين مقامي النهاوند والكرد ويؤدي نغمات مبتكرة.

بالمقابل، يعتمد الأداء الفرنسي لميشيل هايمن لصلاة السبت الصباحيّة على مجموعة من النغمات المتنوّعة والمتكرّرة مرّة بعد أخرى، ويتميّز أداؤه بالسّرعة وكأنه يحفظه، كما يبدو الّلحن معدّ للأداء الجماعي. استمعوا إليه هنا.

وبمناسبة الحديث عن الأداء الجماعي، إليكم فيديو من إحياء عائلة هنجارية لتراتيل السبت معًا في عام 2010، وبها أيضًا يظهر الأداء السريع (مقارنة بالأداء السفاردي)، والمحفوظ مسبقًا. يمكنكم مشاهدة الفيديو هنا.

ومع ذلك، يجب الحذر من عدم التعميم، فليس كل التراتيل المشرقيّة مرتجلة، انظروا على سبيل المثال إلى صلاة تقديس ليلة السبت بنسخة يهود بابل من أداء الحاخام دافيد حلبي، وبها يظهر الجزئين، الفردي والمرتجل والجماعي المحفوظ مسبقًا. للاستماع.

يبدأ يوم السّبت عند اقتراب ساعة الغروب من يوم الجمعة، ويستمرّ إلى ان تظهر النجوم في ليلة اليوم التالي (السبت). ولذلك تتغيّر مواعيد السبت خلال السّنة بحسب مواقيت غروب الشّمس. وخلال السبت، يتم تكريمه وإحياؤه من خلال وصايا وفرائض وعادات ثقافيّة متنوّعة، منها: إنارة الشّموع وأكل ثلاثة وجبات مخصّصة ليوم السّبت، ولجميعها صلوات تتلى على الخبز وعلى النبيذ، بالإضافة إلى ترتيل أغاني السّبت والصلوات الخاصّة بيوم السّبت.

للاطلاع على جميع التسجيلات الصّوتيّة المتعلّقة بفرائض يوم السّبت، يمكنكم تصفّح هذا الرابط على رحاب “فهرس موقع المكتبة”

جولة في بيت “يهودي ثريّ” في دمشق القرن التاسع عشر

على موقع المكتبة الوطنية الاسرائيليّ بطاقة بريديّة تعود لمطلع القرن العشرين عليها صورة لبيت لنيادو في دمشق، وعلى ظهرها مسجل المكان "بيت عتيق – دمشق حارة الإسرائيليين" (بمعنى حارة اليهود).

بيت لنيادو، 1900-1930، مجموعة على اسم يوسف ومارغريث هوفمان، الجامعة العبرية في القدس، مركز دراسات الفلوكلور، المكتبة الوطنية

بيت لنيادو، 1900-1930، مجموعة على اسم يوسف ومارغريث هوفمان، الجامعة العبرية في القدس، مركز دراسات الفلوكلور، المكتبة الوطنية الاسرائيليّة.

لعل العبارة “حارة اليهود” تتردد كثيرًا في المدن والعواصم العربية الكبرى للشرق الأوسط، منها بلا شك القاهرة والقدس ودمشق. في هذه المدن العريقة بيوت يهودية جميلة وتراثية، حافظت على هويتها اليهودية من جهة وعلى ارتباطها بالثقافة المادية العربية والإسلاميّة. فبدت تلك البيوت مثل أي بيت آخر قد تجده في المدينة، الا انك حين تمعن النظر في الزخرفات الجميلة، تجد كلمة عبرية هنا، ونجمة سداسية هناك. فتعرف ان هذا البيت بني لعائلة يهودية عاشت فيه بأمان وازدهار.


طالعوا على موقع المكتبة: مدن تاريخية مصوّرة

من هذه البيوت بيت كبير وجميل في دمشق يُعرف ببيت لنيادو أو نيادو الأسطنبولي. نحن محظوظون لرؤية هذا البيت، فلحسن الحظ قام عدد من المصورين الأوروبيين الذين جابوا المنطقة خلال أواخر القرن التاسع عشر بتصوير البيت وتوثيقه. مما يتيح لنا الفرصة اليوم لرؤية جمال هذا البيت وفرادته، مع أنه ليس الوحيد من نوعه في حارة اليهود الدمشقية.

على موقع المكتبة الوطنية، يوجد بطاقة بريديّة تعود لمطلع القرن العشرين عليها صورة لبيت لنيادو في دمشق، وعلى ظهرها مسجل المكان “بيت عتيق – دمشق حارة الإسرائيليين” (بمعنى حارة اليهود).جاءت العائلة المالكة لهذا البيت بالاصل “ليفي” من القسطنطينية، وبنت هذا البيت في أواخر القرن الثامن عشر على الطراز الدمشقي الفاخر، وبقي اسم البيت منسوب إلى يومنا هذا للاسم الاسطنبولي كإشارة لعائلة ليفي، رغم أن ملاكه تغيّروا في أواخر القرن التاسع عشر.

 

بيت لنيادو، 1900-1930، مجموعة على اسم يوسف ومارغريث هوفمان، الجامعة العبرية في القدس، مركز دراسات الفلوكلور، المكتبة الوطنية.
بيت لنيادو، 1900-1930، مجموعة على اسم يوسف ومارغريث هوفمان، الجامعة العبرية في القدس، مركز دراسات الفلوكلور، المكتبة الوطنية.

 

يتكوّن البيت من طابقين وتظهر به جميع مميزّات البيت الدمشقي التقليدي والساحر، الصحن المركزي الداخلي المبلّط والذي تتوسطه نافورة للمياه وأشجار مظلّلة، الجدران، واستخدام فنّ الأبلق (تقاطع الرخام الأبيض مع الأسود) بتزيين الجدران السفليّة، كما وللواجهة الداخلية إيوان كبير ومزيّنة واجهته بأشكال النباتات الملوّنة والفسيفساء، واذا اقتربتم من الصورة جيدًا، تجدون النجمة السداسية على يمين ويسار الإيوان.


طالعوا أيضاً:
مصادر رقمية متنوّعة ومتاحة حول مدينة دمشق ضمن مجموعات المكتبة

في وسط الصحن تواجدت نافورة مياه كما هو متبّع في البيوت المبنية بهذا النمط والتي ميّزت مدينة دمشق الغنية معماريًا. إلا أن النافورة لا تظهر في هذه الصّورة لأنها مغطاة بشجرة تحجب عنها العدسة التي التقطتها. (اسم المصوّر غير وارد على البطاقة البريديّة)، إلّا أن هذه المعلومة، أي وجود النافورة، ليست أكيدة لأن هذه هي طبيعة البيوت الدمشقية مثل هذه وحسب، ولكن لأن بيت الأستانبولي كما قلنا سابقًا موثّقًا بشكل جيد بعدسة عدد من المصّورين. من هؤلاء المصوّر بونفيس الذي التقط صورًا عديدة وأكثر قربًا للبيت تجدون بعضها في هذه المقالة على مدونة التراث الدمشقي بالإضافة الى شرح اكثر توسّعًا عن الفنون والأساليب المتبعة ببناء هذا البيت وتزيينه ليظهر بهذا الشكل الساحر.

في مجموعة بن تسفي المتاحة على موقع المكتبة الوطنية كذلك نجد صورة أخرى، ليس عليها ما يدل على انها التقطت في بيت الأستانبولي بالضرورة، إلا أن من التقطها هو بونفيلس نفسه خلال زيارته لدمشق، وقد عنونت كالتالي “غرفة من داخل بيت يهودي ثريّ في دمشق”.

 

 

في الصورة نجد غرفة مبهرة، ومن شدّة العناية بتفاصيلها وبجمالها، يخيّل لنا أنها بُنيت وصُممت لا للاستخدام إنما فقط للمتعة البصريّة وكأنها متحف، إلا أننا سريعاً ما نلاحظ أن المساحات الخشبيّة المزخرفة بحرفيّة عالية على الجدران إنما هي خزائن! وإن هناك مقاعد فاخرة على أطراف الغرفة تشير إلى استخدامها للقاءات جماعيّة.

إن النجم الكبير للصورة هي النافورة الرخامية الفاخرة في وسط الغرفة، والتي تذكّرنا فورًا بـ “بهو الأسود” الشهير في قصر الحمراء في غرناطة، فالنافورة تجلس على رؤوس ستّة أسود منحوتة من الرخام أو الصخر بعناية مبهرة، دلالة ربّما على ثراء ونفوذ صاحب البيت أمام ضيوفه وزوّاره المهمّين من أقرانه الأثرياء.

لسنا متأكدين بالطبع إن كانت الصورة من داخل بيت الأستانبولي بالفعل، فجودة الصورة للأسف متدنية عما هو الحال ببقية الصور المعروفة التي التقطتها عدسة بونفيس في ذلك البيت خلال زيارته، إلا أنه من الوارد أن تكون يد بونفليس قد ارتجفت خلال التقاطها، فما رأيكم؟ هل تعرفون عن صور أخرى لهذا البيت؟

من كان/كانت/كنّ شيكسبير؟ الكشف عن الهوية السرية لعلامة الإبداع المسرحي

لسنوات طويلة كانت هويّة ويليام شكسبير محل غموض كبير. ماذا لو كان كاتب المسرحيات اللامع في الحقيقة امرأة او أكثر من امرأة؟ دعونا ننظر إلى الأدلة المطروحة في هذا المقال.

تُرجِم عن: ميا امران

إذا سؤلتم عن اشهر كاتب للمسرحيات في التاريخ فانكم في الغالب ستقولون شكسبير. حتى وإن لم تحبوه أو تستمتعوا بقرائته، وحتى لو أكرهتم على قراءة جزء من أعماله في درس الإنجليزيّة حين كنتم طلاب يافعين في المدرسة، فإنكم على الأقل تعرفون هذا الاسم. وغالبا تستطيعون أن تسمّوا بعضًا من أعماله الشهيرة.

إلا أن عالم شيكسبير الخاص ليس بالبساطة التي يبدو عليها، فهو بالتأكيد ليس رجلًا إنجليزيًا عاديًا في إنجلترا القرن السادس عشر. فالعديد من الكتّاب المعاصرين طرحوا نظريّة تقول بأن شيكسبير لم يكن رجلًا واحدًا، بل عدّة أشخاص كتبوا تحت اسم فني مشترك “شيكسبير”.

ظهرت الكثير من الأدلة حول هذه النظرية في العقود الخمسة الاخيرة، ومن السهل ان نلاحظ لماذا تكتسب هذه النظرية كل هل هذا الاهتمام عاما بعد عام. فبداية، إن الطريقة التي يصف بها شيكسبير الحياة الملكية والحياة العبودية معًا بتفاصيل مذهلة تشير إلى أن كاتبها كان بإمكانه دخول كلا العالمين ومعايشتهما، وهو أمر غير مألوف على الإطلاق في إنجلترا في مطلع القرن السادس عشر. ربما نرى اليوم أنه من السهل أن يتمكن المرء من الكتابة عن بحّار مرة وعن خادم مرة ثانية، أو عن أمير وعن فقير في الوقت نفسه، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بالفترة التاريخية التي عاش بها شيكسبير كانت حقبة لا يخرج بها معظم الناس من قراهم وبلداتهم الصغيرة ناهيك عن أوطانهم، سنفهم الغرابة التي عكستها قدرة شيكسبير لهذا الفهم الحميمي للعديد من أنماط الحياة حينها. فالحديث هنا عن شخص لم يمتلك مركبة، أوهاتف أو شبكة إنترنت كما نعيش نحن، بل اعتمد على البريد البطيء جدًا من أجل التحدث مع شخص من خارج قريته.

إذًا يمكننا أن نسأل، كيف تمكن شيكسبير في مسرحياته من وصف كل هذه الحياوات التي بلا شكّ لم يراها بنفسه؟ إنّه يصوّر العديد من البلاد بتفاصيل كثيرة، على الرغم من أنه بالتأكيد لم يمتلك الوقت الكافي أو الموارد الكافية ليجوب كل هذه الأماكن. بالإضافة الى ذلك، شيكسبير يصف مذاق البرتقال في مسرحية “جعجعة بلا طحن”، وهي فاكهة لم تدخل وطنه إنجلترا إلا بعد عقود من وفاته. من الصعب أن نصدق أن شخصًا واحدًا تمكن من خوض هذا الكم من التجارب ليستلهم منها ويكتب عنها قبل أكثر من 500 عام، بدون إنترنت أو حتى مكتبة من النمط الحديث.

كيف لنا أن نصدق أن رجلًا من الطبقة الوسطى مولود في بلدة ستاتفورد في ذلك الوقت كتب مسرحيات بالعمق والتنوع الذي نراه في إرث شيكسبير؟ نرى في هذه الأعمال معرفة قريبة وحميمة من حاشية الملكة إليزابيث، وقدرة على الكتابة بلغات متعددة، ومعرفة في مجالات القانون والفلك والموسقى والجيش والقارّات الأخرى وبلدات عديدة على امتداد أوروبا. إنّ هذا الأمر محيّر جدًا، خاصة لأنه إلى اليوم لم يظهر أي دليل على خروج شيكسبير من وطنه إنجلترا قط! عدا عن أن اللغة والمصطلحات والقدرة التعبيرية التي بثها في مسرحياته لا يمكن أن تلائم شخصًا أنهى تعليمه الرسمي في سنّ الثالثة عشر!

 

أفيمرا- هاملت، 1948-2006، أرشيف روني تورين، مشروع إتاحة بالتعاون بين وزارة القدس والتراث وجامعة حيفا والمكتبة الوطنية الإسرائيليّة
أفيمرا- هاملت، 1948-2006، أرشيف روني تورين، مشروع إتاحة بالتعاون بين وزارة القدس والتراث وجامعة حيفا والمكتبة الوطنية الإسرائيليّة

 

أفميرا – هاملت، 1948-2006، أرشيف روني تورين، مشروع إتاحة بالتعاون بين وزارة القدس والتراث وجامعة حيفا والمكتبة الوطنية الإسرائيليّة
أفميرا – هاملت، 1948-2006، أرشيف روني تورين، مشروع إتاحة بالتعاون بين وزارة القدس والتراث وجامعة حيفا والمكتبة الوطنية الإسرائيليّة

 

إذا لم تنجح الأدلة السابقة بإثارة فضولكم فربما تفعل هذه المعلومة: بعد وفاة شيكسبير لم توجد أي كتابة خطية أو مسودة أصلية لأي من أعماله في بيته، ولا أي دليل على أنه كتب يومًا ما بالقلم على ورقة، ولا أي كتاب او آلة موسيقية مع أنه من المفترض أنه أتقن العزف على أكثر من عشرين آلة، كما لم يترك في وصيته أي شيء لابنته، بالرغم من الشخصية النسوية التي يظهرها في العديد من أعماله (نقطة سنعود للحديث عنها لاحقًا).

أن ما يرجّح كون شكسبير عدة أشخاص وليس إنسان واحد هو أن توقيع شيكسبير يظهر في المخطوطات المتنوعة بسبعة تهجئات مختلفة. وهي مخطوطات جميعها وجدت في أماكن غير متوقعة بعد سنوات من وفاته، ولم تكن هناك من طريقة لتتبع رحلة خروجها من بلدته التي عاش فيها. رأى العديد من العلماء المختصين بعد الاطلاع على الكثير من هذه المخطوطات التي تحمل توقيع شيكسبير أنّه من الممكن جدًا أن لا تكون هذه التوقيعات مكتوبة بيد شخص واحد.

 

توقيع شيكسبير على غلاف أول نسخة من كتاب هاينريش كورنيليوس، 1640، المكتبة الوطنية الإسرائيلية
توقيع شيكسبير على غلاف أول نسخة من كتاب هاينريش كورنيليوس، 1640، المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

تمكنت النساء في القرن السادش عشر من التعبير عن حقيقتها في فرص نادرة وشبه معدومة، ناهيك عن الكتابة للملأ! ولذلك فإذا افترضنا وجود مجموعة من الكاتبات يسعين إلى تمكين بعضهن، فإن اسم فني جماعي سيكون رمزًا أدبيًا رائعًا لهنّ، ليرمز لمن هم على معرفة بالسّر، بأن هذا العمل أيضًا كتبته امرأة. شيكسبير!

إن كنتم ما زلتم في حالة شك من هذه الأمر، دعونا نتحدّث عن الجانب الأنثوي والنسوي المميز في أعمال شيكسبير. ربما اليوم هنالك رجال قادرين على الكتابة بشكل لائق من منظور امرأة، فهم بالتأكيد محاطون بنساء يشاركنهم بتفاصيل حياتهن الحميمية كنساء، وهي تفاصيل ليس لرجل أن يعرفها بمفرده.

 

هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن
هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن

 

هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن
هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن

 

هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن
هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن

 

هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن
هاملت، تصوير ايسيا فينبرغ، من مسرح بيت ليسن

السيدة مكبث وأختها في مسرحية مكبث تصفان أنوثتهما بدقة، وهي مسرحية من المفترض أن من كتبها رجل. وبياتريس في مسرحية جعجعة بلا طحن شخصية تصطدم بأسلوب فريد مع محدودية أن يكون الإنسان امرأة. وروزاليند في كما تشاء تتصنّع سلوكًا غير طبيعي لتبدو أكثر “ذكوريةً” وبالتالي تتقدم أكثر في حياتها، وهو تصرّف من النادر أن يتفهمه او يلاحظه إنسان ليس بنفسه امرأة مضطهدة. ايزابيلا في مسرحية الصاع بالصاع تفهم، كما تفهم النساء بأسف دائمًا، إن كلمتها لا تُسمع أو تؤخذ على محمل الجد كما هل كلمة الرجل، ولذلك تخاف من أن لا يسمع أحد شكواها. وإيميليا في مسرحية عطيل تجادل بشغف للمطالبة بالمساواة للنساء. هذه الأمثلة كلها تدل على معرفة كبيرة للصراعات الداخلية للنساء في ذلك الوقت، ومن الصعب أن نصدق أن رجلًا تمكن من الإحساس والتعبير عن كل هذه النماذج الحقيقية في فترة مبكرة كهذه.

تسأل تينا بيكر في كتابها “نساء ذوات إرادة” : “لماذا تمكّن شيكسبير من رؤية موقع النساء كما لو كان امرأة بنفسه، وبطريقة لم يتمكّن من اظهارها أي من أقرانه من كتّاب المسرحيات في زمانه؟”. هناك سبب واضح ووحيد ليدفع شخص او مجموعة من الاشخاص للكتابة باسم مستعار في زمان الملكة اليزابيث في انكلترا، ان يكون هذا الشخص او هؤلاء الاشخاص إناث. تقول الفيلسوفة وكاتبة المسرحية وليدة القرن السابع عشر في انكلترا ليدي مارجريت كافينديش “قد يظن الشخص ان شيكسبير قد تحوّل من رجل إلى امرأة”!.

قد يبدو ضرب من الطيش ان نفترض ان شيكسبير ما كان الا اسم سرّي استخدمته مجموعة سريّة من النساء المتخفيّات الجامحات ليقلن كلمتهنّ في القرن السادس عشر. لكن هذه النظرية في الحقيقة تكتسب المزيد والمزيد من القبول كل عام. في الواقع لقد تمّت مناقشتها بالتفصيل في مؤتمر شيكسبير الدولي في العام الماضي من قبل أشهر العلماء المختصين في اعمال شيكسبير حول العالم.

يلفت النظر بذكاء الكاتب جون روسكين إلى نقطة مهمّة”لم يكن لشكسبير ابطال رجال قط في اعماله بل بطلات نساء فقط”. والكثير من بطلات شكسبير كنّ نسويات للغاية: على الاقل عشرة من بطلات شيكسبير تحدّين آبائهن، ثمانية منهنّ تنكّرن بهيئة رجال، ستّة قدن جيوش – هذا كله كان بعيد كل البعد عما هو مألوف في المسرحيات التي كتبها رجال قبل منتصف القرن العشرين!

واذا احتجنا للمزيد من الأدلة، فإن قصة صغيرة مثيرة للاهتمام موجودة في أعمال غابرييل هارفي وهو ناقد أدبي هام في الأدب الإليزابيثي. في العام 1593 يذكر بغموض امرأة نبيلة ممتازة كتبت ثلاثة سونيتات (أغاني قصيرة) ومسرحية كوميديّة. يقول: “لا أجرؤ على وصفها”. في العام 1593، كان لشيكسبير بالفعل ثلاثة سونيتات ومسرحية كوميديّة.

كاندوس بورتريه (1564-1616)، أشهر بورتريه اعتمد عليه الفنانون لرسم شيكسبير لاحقًا، من ويكيميديا.
كاندوس بورتريه (1564-1616)، أشهر بورتريه اعتمد عليه الفنانون لرسم شيكسبير لاحقًا، من ويكيميديا.

 

على الأقل واحدة من النساء اللتي يفترض انها كانت جزء من هذه الجماعة النسائية، ايميليا باسانو، كانت يهودية. وهو سبب اضافي نظرًا لمعاداة السامية في القرن السادس عشر لاخفاء هويتها الحقيقية. رالف والدو امرسون الفيلسوف والشاعر الامريكي، والت ويتمان (شاعر امريكي)، مارك توين الروائي الامريكي، هنري جيمس المؤلف البريطاني ومؤسس المدرسة الواقعية في الادب الخيالي، سيغموند فرويد اب التحليل النفسي، هيلين كيلر الاديبة والناشطة الامريكية وتشارلي تشابلن الممثل الكوميدي الانجليزي الشهير، كل هؤلاء يقترحون أسماء لنساء عديدات يعتقدون بأنهن كتبن تحت اسم شيكسبير الجماعي. جزء كبير من نظريتهم يعتمد على ان شيكسبير، بالرغم من التوثيق المعروف عن حياته كممثل ومالك مسرح، لم يترك اي وثيقة عن دفع مبلغ من المال للاعمال المسرحية، ولا دفتر مذكرات واحد يدل على انه امسك القلم. مثال على ذلك، فإن زوجته التي كتبت الكثير من المذكرات، لم تذكر مرة واحدة ان زوجها كان كاتب للمسرحيات.

فهل كان شيكسبير مجموعة من النساء من حول العالم؟ تكتبن تحت اسم مستعار واحد وبالتالي تستعرضن عبقريّتهنّ الأدبية قبل سماح المجتمع لهنّ بذلك بقرون؟ قد لا نعرف الإجابة على هذا السؤال ابدًا. ولكن يمكننا ان نختار تصديق ما نشاء.

تعد المكتبة الوطنية واحدة من المؤسسات القليلة حول العالم التي تمتلك نسخة أصلية عن “المطوية الأولى” وهو الاسم الذي اطلقه الباحثين على مجموعة من أعمال شيكسبير المسرحية التي نُشرت عام 1623. هذه المادة الفريدة، بالإضافة إلى مخطوطات متعلقة بشيكسبير تمّ إيداعها في المكتبة الوطنية دون الافصاح عن هوية المتبرّع في خريف عام 2022.