خير الدين أبو الجبين شاهدًا

سيكون خير الدين هذا أحد أبرز وجوه الرياضة الفلسطينيّة؛ إذ بذل جهدًا لزيادة الوعي بالرياضة في القرى والمدن الفلسطينيّة.

خيرالدين أبو الجبين شاهدًا “زاوية الدفاع الرياضة”

خلال أشهر طويلة كانت جريدة “الدفاع” تنشر زاويتها الرياضيّة تحت عنوان “زاوية الدفاع الرياضية”، ولكنّها ستظهر بدءً من العام 1944 بتوقيع خير الدين.

سيكون خير الدين هذا أحد أبرز وجوه الرياضة الفلسطينيّة، حيث سنلاحظ في قراءتنا لجريدة “الدفاع” وخلال أربعة سنوات كم الجهد الذي يبذله في محاولة لزيادة وعي الفلسطينيين بالرياضة وتغطيته المتفانية في كل ما يدور في القرى والمدن الفلسطينيّة من نشاطات رياضيّة.

​منذ الصغر يعشق الكرة – خير الدين طفلًا

ولد خير الدين أبو الجبين في يافا عام 1924 وخلال سنين قصيرة سيصير أحد الوجوه الشبابيّة المهمّة في المدينة، ترعرع شابًا مثقّفًا وناشطًا مندفعًا نحو الحياة، حيث سيتقلّد عرافات الكثير من المهرجانات السياسيّة وسيشارك في المئات من الأنشطة المحليّة والقطريّة في يافا ومحيطها.

تقلّد أبو الجبين عام 1944 منصب سكرتير اللجنة الرياضيّة في النادي الرياضيّ الاسلاميّ ثم عُيّن سكرتيرًا للجنة الرياضة في الاتّحاد الرياضيّ الفلسطينيّ بعد إعادة تأسيسه في نفس العام (1944)، انضمّ بعدها ليكون محرّرًا لزاوية “الدفاع الرياضيّة” حيث ستُصبح القفزة النوعيّة التي أحدثها في الرياضة، اذ سيكون عمله في الجريدة دفعة مذهلة في الرياضة ستنعكس على الخطاب الرياضيّ الفلسطينيّ، وسينعكس أيضًا على مستوى العمل الممارس، بدءً بملخّصات شاملة حول كل ما يجري من نشاطات رياضة في القرى والمدن الفلسطينيّة مرورًا بتغطية اللقاءات والبطولات الرياضيّة، وأخبار النشاطات الرياضيّة المختلفة، مثل الملاكمة وكرة السلّة وألعاب القوى ورفع الأثقال والمصارعة وكرة الطاولة وغيرها وصولاً إلى تحفيز وحث الفلسطينييّن على الانتباه لقضايا ملحّة أو طرح قضايا معيّنة تستحقّ المناقشة.

 

التطوير الذي قاده أبو الجبين في الجانب الرياضيّ من خلال رؤيته النقديّة ومحاولته الدائمة لفتح القضايا المنسيّة أو التنبيه بقضايا أخرى ساهم وبشكل واضح في خلق تفاعل رياضيّ مُدهش على الساحة الفلسطينيّة وفي خلق جمهور رياضيّ متميّز، والذي يمكن الرجوع إلى ذلك في كتابات الباحث عصام الخالدي.

بطاقة صحفيّة لخير لدين أبو الجبين لتسهيل عمله
الدفاع 24 كانون ثاني 1945

في تشجيعه الأندية لم يتوانَ أبو الجبين عن طرح نقده ورأيه ودعوته الملحّة للأندية لتطوير ذاتها وخاصة من خلال كسب خبرات وتجارب مميّزة عبر ربط التزاور وتشجيع الرحلات للاطّلاع والتعرف على أندية أخرى خاصّة مع الدول العربيّة كالعراق وسوريا ومصر وغيرها:

الدفاع 22 تموز 1945

كما نراه يشير لدور المدرسة في التنشئة الرياضية وأمية ما يمكن فعله من أجل بناء مجتمع صحيّ وسليم

الدفاع، 7 تموز 1947

كما سينبه دومًا ويسلّط الضوء على الرياضات المختلفة والتي قد لا تهتم بها الصحف الأخرى

الدفاع، 8 تموز 1947

وفي كثير من الأحيان سيأخذ الزاوية الرياضيّة نحو مستوى اداريّ وليس فقط نحو التغطية، كما يظهر في صحيفة الدفاع أدناه كنوع من التذكير للأندية بضرورة التسجيل لمهرجان الرياضة السنوي العام لأندية الاتحاد.

الدفاع، 8 تموز 1945

لا يمكن فصل الرياضة في الواقع الفلسطيني قبل عام 1948 عن الأحداث السياسية فقد كانت الرياضة دومًا مثقلة بالمواقف والتيّارات السياسيّة، ولذلك نراه لا يتوانَ عن توجيه الرياضة نحو أهدافها السياسيّة والانسانيّة في آن

​كتب خير الدين أبو الجبين عن هذه الفترة في مذكّراته التي خرجت للنور عام 2002 وفيها سجلت العديد من المواقف واللحظات التي عاشها في يافا قبل رحيله للكويت ليستقر فيها هناك، يقول في مذكراته أنه بعد أن كان محررًا للزاوية الرياضة لم يكتف بذلك وأراد أن يملك مساحة أكبر، فانتقل ليعمل في دائرة مراقبة الصحف هناك سيترقى في المناصب حتى عام 1948 حيث سيغيب عن يافا.

انتقل أبو الجبين إلى الكويت وهناك سيساهم في تأسيس الاتحاد الرياضيّ وسيكون سكرتير الاتحاد بدء من العام 1952 كما سيصير لاحقاً من أوائل من يمثلون منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت عام 1964.

لا يزال خير الدين أبو الجبين حياً يرزق، شارف على التسعين ورغم السنين الطويلة، إلا أن الصحف الفلسطينية لا تزال شاهدة على نشاطاته وأعماله التي تستحق التوثيق وتستحق من الباحثين قراءة مستجدّة خاصّة أنّ رؤية أبو الجبين للرياضة قد تُشكّل بحدّ ذاتها مدخلًا لفهم الوعي الرياضيّ المُتشكل في البلاد قبل عام 1948.

في ذكرى وفاة دارون؛ كيف قرأ العرب والمسلمون نظريّة التّطور؟

نقدّم لكم في هذه المقالة بمناسبة ذكرى رحيل تشارلز داروين مقتطفات من بعض الكتب العربيّة الّتي اهتمّت بنظريّة التّطوّر في الفكر العربيّ.

الصورة من منصة BBC

لا شكّ أن نظريّة التطوّر الغنيّة عن التعريف أثارت جدلًا حسّاسًا ما زال حاضرًا إلى اليوم. يضع المعتقدات الدينيّة على اختلافها في كفّة واحدة في مواجهة مع العلم في كفّة أخرى. أو على الأقل، هذا ما رآه كثيرون خلال العقود الّتي تلت خروج النّظريّة إلى النّور. والنّظر إلى قراءة الثقافات والحضارات المختلفة لها، والمتغيّرة على الدوام، يشكّل نافذة هامّة لقراءة التّعدديّة الكامنة في الثقافة الواحدة، وكيفيّة تعاملها الفكري مع محدثات العصر. وكما تقول مروة الشاكري، لقد طافت أفكار داروين الأرض أكثر مما طافها هو بنفسه. نقدّم لكم في هذه المقالة بمناسبة ذكرى رحيل تشارلز داروين مقتطفات من بعض الكتب العربيّة الّتي اهتمّت بنظريّة التّطوّر في الفكر العربيّ.

تعدّدت التوجهات الفكريّة تجاه نظريّة التطوّر والأدبيّات العلميّة المحيطة بها. والّتي وجدت طريقها إلى اللّغة العربيّة عبر ترجمات متعدّدة، كانت مجلّة “المقتطف” العلميّة الصّادرة في بيروت ومن ثم بالقاهرة منذ سبعينيّات القرن التّاسع عشر أبرزها. إذ اهتمّ كتّابها بالعلوم الحديثة ورغبوا بتقديمها لجمهور القرّاء العرب. وأظهروا اطّلاعًا مبكّرا على التّفسيرات والأدبيّات العالميّة اللاحقة لنظريّة التّطوّر والمفسّرة لها.

غلاف عدد حزيران 1876 من مجلة المقتطف، أرشيف الشّارخ الرّقمي.
غلاف عدد حزيران 1876 من مجلة المقتطف، أرشيف الشّارخ الرّقمي.

في كتابها “قراءة داروين في الفكر العربي”، تقوم د.مروة الشّاكري، الباحثة المصريّة وأستاذة التّاريخ المساعدة في جامعة كولمبيا، بتتبّع القراءات العربيّة المتنوّعة حول نظريّة التّطوّر في دراسة ضخمة ما بين منتصف القرن التّاسع عشر ومنتصف القرن العشرين. ضمن إظهار سياقاتها السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة المؤثّرة والمتباينة.

لا يقدّم الكتاب على كلّ حال تحليلًا للأفكار والجدليّات المذكورة بقدر ما يؤرّخ لها ويضعها في سياقها التّاريخيّ. وهي خطوة هامّة لمن يريد مساءلة دوافع وظروف الأفكار قبل الخوض بها. وهي رحلة تستطيعون من خلالها تتبّع وفهم مراحل هامّة ساهمت في تشكيل الثّقافة العربيّة المعاصرة، لا سيما فيما يخصّ قضايا جدليّة التّراث والحداثة، والعلم والنّصوص المقدّسة، الإصلاح والتّقدّم، الإسلام والاستشراق وغيرها من الجدليّات الّتي طبعت اهتمام الكثير من المفكّرين العرب في تلك المرحلة المفصليّة من عمر الدّولة العثمانيّة وما زالت حاضرة في المساعي الفكريّة العربيّة إلى اليوم. تقوم الشّاكري بذلك دون اقتطاع السّياق العربي والعثمانيّ من ذلك العالميّ كما يفعل بعض المؤرّخون بالنّظر إلى تاريخ الفكر العربيّ. ولا تفسّر نشوء تلك التّوجهات من منظور تلك الثّنائيّات بعينها، كأن تعتبرها تأثّرًا من الغرب أو العكس بشكلٍ تلقائي، إنّما بردّها إلى السياقات المتداخلة بطبيعة الحال.

أمّا الرّاحل د. محفوظ علي عزّام، أستاذ الفلسفة الإسلاميّة في كليّة الدّراسات الإسلامية والعربيّة في جامعة المنيا، فيشكّل كتابه “نظريّة التّطور عند مفكّري الإسلام – دراسة مقارنة” محاولة للإجابة والفصل في رأيٍ شاع لدى العديد من المفكّرين الإسلاميين في العصر الحديث، ويقول: بأن مفكّري الإسلام القدامى قالوا بنظريّة التّطور بالفعل، أو أن القرآن الكريم يوحي في عددٍ من آياته لتلك النّظريّة. مستدلّين بكتاب “الحيوان” للجاحظ على سبيل المثال وببعض التّفسيرات القرآنيّة. من هؤلاء المفكّرين كان إسماعيل مظهر في مقدّمته لترجمة “أصل الأنواع” والشّيخ طنطاوي جوهري في كتابه “الجواهر في تفسير القرآن” وغيرهم. وهو ما دفع عزّام لإصدار هذا الكتاب لحل “اللّبس” كما رآه.


يتألف الكتاب من أربعة أبواب يفصل بها بين مفهوم التّطوّر الداروينيّ والخلق الإسلاميّ وكيف نظر له المفكّرون والفلاسفة المسلمون. يستخلص عزّام في نهاية دراسته أن رفض نظريّة التّطور أو قبولها بدوافع نصوصيّة كانت أو فكريّة إسلاميّة أمرٌ غير ممكن، وأن القول بهذا ينطوي على مغالطات عديدة، إمّا في اعتماد تفسيرات محدودة لتلك الآيات أو لعدم فهم هؤلاء المفكّرين المسلمين، أو لخطأ في فهم نظريّة التّطوّر نفسها.

ولمن يبحث منكم عن كتابٍ بالعربيّة يشرح له النّظريّة وما تلاها من تفسيرات علميّة مؤيّدة أو معارضة، فستجدون كتاب “داروين والتّطور بمنظار العلماء المؤيّدين والمعارضين” لمدرّس العلوم الحمصيّ الأستاذ دعّاس ناصيف، الّذي لم يجد تعارضًا بين الإعجاب الشديد بالنّظرية والاتّفاق العقليّ معها وبين الإيمان الرّوحانيّ بالإله الخالق.

إذ يقول دعّاس: “لم يقصد داروين أبدًا إحداث شرخ بين العلم والدّين كان يحاول فقط وصف الطّبيعة كما رآها. وكثيرون هم الآن الذين يؤمنون بأن تكون متديّنًا وتقبل الحقائق العلميّة في الوقت نفسه يعتقدون أن الله خلق الحياة الأولى على الأرض وأن جميع القوانين المدهشة، بما في ذلك التّطور، نتج عن ذلك. إن تقبل بفكرة التّطوّر لا يعني أن تتخلّى عن مشاعرك الدّينيّة الخيّرة ومبادئك الرّوحيّة السّامية”. أو بكلمات “أندرو نكسون وايت” الدبلوماسيّ الأمريكيّ الّذي اتفق معه كما تحدّثنا شاكري “فارس نمر”، أحد ملّاك دار النّشر الّتي صدرت منها مجلّة المقتطف في القاهرة، فإن “لهذا الكون إلهًا يتمتّع بالحكمة التّي تجعل سائر مساعي البحث عن الحقيقة أمرًا آمنًا، ويتمتّع بالخير الّذي يجعل كافّة مساعي قول الحقيقة أمرًا مفيدًا”.

صوت المرأة العربية في يوم المرأة العالمي

بمناسبة يوم المرأة، تلفت هذه المقالة الأنظار للجهود الجماعيّة النسائية؛ حيثُ حملن الهمّ الوطنيّ والإنسانيّ في المجتمع الفلسطيني.

المؤتمر النّسائي للسيّدات العربيّات في فلسطين، الصفحة الرئيسيّة لجريدة الدّفاع، 17 تمّوز 1947، أرشيف جرايد.

 

في يوم المرأة العالميّ، حيث يحتفي العالم بمسيرة نضال النّساء حول العالم ومساعيهن إلى تحقيق ذواتهنّ ومساواتهنّ اقتصاديّا واجتماعيًا وثقافيًا، يكثر التذكير كذلك بأن تلك المساعي لم تكتمل بعد. وبأن المسيرة ما زالت طويلة وما زالت تستدعي التضحيات والجهود النسائية الحثيثة من أجل فهم سياقاتهنّ الآخذة بالتغيّر والوضوح مع مرور العقود، ومن أجل إعادة تشكيل وبلورة أساليب النضّال وصنع التغييّر في مختلف المجتمعات الانسانيّة والثّقافيّة.

ومع ذلك، لا بدّ من أخذ بعض الوقت للتأمل بما تغيّر من حولنا فيما يخصّ مكانة النّساء وفاعليّتهنّ في المجتمع، وأن نتذكّر سويّة بعض الرائدات من النساء العربيّات اللواتي قمن بأدوارٍ لا تنسى في إنارة العقول وإثراء الثّقافة العربيّة عامّة والفلسطينيّة خاصّة. وهو ما قمنا به في يوم المرأة العالميّ من العام الماضي. (للاطلاع عليها الرجاء الضغط هنا).

ارتأينا اليوم أن نتذكّر سويّة جهودًا جماعيّة نسائية، اذ تظهر لنا الصّحف الفلسطينيّة احتفاءً امتدّ لعقود بدور النساء العربيّات والفلسطينيّات بالشّراكة والقيادة في مختلف مجالات الحياة. إذ حملن الهمّ الوطنيّ والإنسانيّ الجامع كبوصلة لعملهنّ النسويّ المبكّر. وتشهد كذلك على وجود امتدادٍ عريق للعمل النّسويّ الجماهيريّ في فلسطين.

ثروت وملك ونعيمة واميلي؛ في الميدان كان عيدهن  

في يوم الثامن من آذار، نرى العديد من الأمسيات والمعايدات التي تمطر المرأة بعيدها الخاطف، وهذا لا يعني البتة بأن كل النساء كذلك، فخيرة من النساء العربيات في الأقطار العربية كان خيارهن خيار الميدان لتحصيل حقوقهن وكذلك حقوق غيرهن وكما أيضًا حقوق بلدهن، فهن دومًا كانوا عرين العروبة الذي واجه الاستعمار وكذلك المجتمع أحيانًا.

فجمعيّة السيّدات العربيّات الفلسطينيّة التّي تأسست في القدس عام 1929 لخدمة الأيتام والمحتاجين من أبناء الشّعب الفلسطينيّ بالبداية، لم تكتف يومًا بالعمل الخيريّ الذي استمرّت بتقديمه لعقود، بل كانت شريكة في المناصرة من اجل فلسطين منذ سنوات عملها الأولى، فلم تتردّد بالمشاركة في الإضراب التاريخيّ الذي خاضه الفلسطينيّون عام 1936، وقامت بتمثيل قضيّة فلسطين في المؤتمرات النسائية العربيّة لاحقًا في لبنان عام 1937 وفي القاهرة عام 1944 وعيًا بضرورة إشراك التكتلات النسوية العربيّة خارج فلسطين بقضيّتهن الوطنيّة أيضًا.

عضوات جمعيّة السيّدات العربيّات الفلسطينيّة برفقة هدى شعراوي، 1944 فندق                    الملك داود في القدس. من كتاب “جمعيّة السّيدات العربيّات”، 1985.

 

في عام 1945، كما أفادت جريدة الدّفاع، خرجت سيّدات دمشق في مظاهرة نسائية بالكامل، يرفعن الأعلام العربيّة واللافتات، يندّدن ويرفضن عقد معاهدة مع “فرنسا” التي كانت لا تزال قواتها في سوريا في ذلك الحين.

أمّا في القدس، فحضرت أكثر من ألف وخمسمائة سيّدة فلسطينية إلى مؤتمر السّيدات العربيّات الجامع في السادس عشر من تمّوز عام 1947. تفيد مقررّات المؤتمر بأن الغاية من عقده حملت وعيًا واضحًا بامكانية تجنيد النّساء لخدمة مساعي الشعب الفلسطينيّ حينها، من موقعها كعامود للاقتصاد الفلسطينيّ – اقتصاد العائلة. أدرك منظّمو المؤتمر كما يظهر في مقررّاته وفي خطاب حرم رئيس الهيئة العربيّة العليا، أن نجاح مقاطعة البضائع الأجنبيّة أو اليهوديّة والاكتفاء الذّاتي للفلسطينيين مرهونٌ بشراكة النّساء الفلسطينيّات وتدابيرهنّ. فقد جاء في قرارات المؤتمر إقامة لجنة اقتصاديّة مثلًا، تبحث في أسعار السّلع والمنتوجات الفلسطينيّة كيلا يعلو سعرها على المنتوجات الأخرى وتبقى خيار السيدات الأوّل في التبضّع. كما جاء أيضًا إقامة معارضٍ صناعيّة سنويّا للمنسوجات العربيّة عالية الجودة وحثّ النّساء على المقاطعة من جهة، وعلى ضمّ نساء أخريات ليلتزمن بالمزيد من التعليمات التي شدّد المؤتمر عليها، ومنها أيضًا حظر بيع الأراضي.

وفي شباط 1948، قدّمت صحيفتيّ الدّفاع وفلسطين التهنئة، وأثنت على عمل “الجمعيات النسوية بيافا”، إذ قامت الأخيرة بقيادة حملة للصليب الأحمر في يوم المرأة العربيّة بهدف جمع التبرّعات والأدوات اللازمة لتجهيز المستشفى الإنكليزيّ. فطفن بأرجاء المدينة ليطرقن الأبواب والدكاكين والمصالح لتحريك الناس وتهيئة المرافق اللازمة لخدمتهم من خير بلادهم. واشتمل ذلك على الأموال والحليّ وأنواعٍ أخرى من التبرّعات كالمعدّات المطبخيّة والصحون وحتى الكبريت والسّلال.

جريدة فلسطين، 24 شباط 1948، أرشيف جرايد.
جريدة فلسطين، 24 شباط 1948، أرشيف جرايد.

لم تكتف الجمعيّات النسوية بالتوجه إلى أفراد المجتمع من القاطنين والتجار وأصحاب المصالح بل توجّهت أيضًا لجمعيّات أهليّة أخرى كجمعيّة الإحسان مثلًا، للتعاون سويّة على استكمال نواقص المشفى من أسرّة ومعدّات طبّية. نرى هنا مسؤوليّة مجتمعيّة حملتها النساء لإعانة مجتمع بأكمله بل وتحريكه من أجل خدمة نفسه، بتدابير و”شطارة”، ليست غريبة على المرأة العربيّة. وهو ما أدركته الصحيفتان، ووصفته بالتفصيل لتذكر أسماء النّساء وكلّ ما قدّمت كلّ منهنّ للحملة في ذلك اليوم؛ثروت وملك ونعيمة واميلي وغيرهن..

بالتأكيد لا يخلو الأمر من الحساسيّات الخاصّة بكل مرحلة من تشكّل حركة نسويّة ما. فكما هو الحال حول العالم، تعاملت النساء الفلسطينيّات مع محاولات من قبل جهات مختلفة لقمع أعمالهنّ أو للتأثير على حياتهنّ وحركتهن والحد من إمكانيّاتهنّ، وهو ما تشهد تلك الصحف كذلك بعناد تلك التآلفات النسائية في العودة الى مواجهة تلك الجهات ومواصلة العمل.

ففي نابلس عام 1974، اعتصمت النساء وأعلنّ الاضراب احتجاجًا على “الاعتقالات والتعذيب والمس بالإنسان” ومساندة للإضراب الذي كان قد انطلق بالفعل في رام الله واستجابة للاتحاد العام لنقابات العمّال. إذ ذكرت صحيفة الاتّحاد في الرّابع عشر من أيّار “وتحوّلت قاعة بلديّة نابلس أمس الاول (الاحد) مسرحًا لنضال النساء ضد الاحتلال، حيث تجمّع عشرات النساء من امّهات وزوجات وأخوات وبنات المعتقلين، فأعلن اضراب جلوس استمرّ حتى ساعات الظّهر” وهو ما حدث في ساحة بلديّة رام الله قبل ذلك بأسبوع أيضًا.

اعتصام نسوي ضد الاعتقالات والتعذيب، جريدة الاتحاد، 4 أيار 1974، أرشيف جرايد

 

أمّا جمعيّة السيّدات العربيّات الفلسطينيّة الّتي فقدت مقرّها عام 1948، فعادت إلى نشاطها عام 1951 برئاسة زهيّة النّشاشيبي بافتتاح مدرسة لمحو الأميّة ومشاغل للخياطة وغيرها من المشاريع الّتي استمرّت الجمعية بالقيام بها حتى استقرّت من جديد في وادي الجوز عام 1980.

من رسائل زوّار مقرّ جمعيّة السيدات العربيّات في حي المصرارة. من كتاب “جمعيّة                                             السّيدات العربيّات”، 1985

شواهد بسيطة ومحطّات صعبة، قد يراها البعض كحوادث عينيّة لا تقول الكثير بالضرورة. لكنّها شكّلت في حينها بذور للعمل النسوي المستقل والمشتبك مع كافة قضايا المجتمع الذي هو فيه. عملٌ ما زال قيد المحاولة والعناد والمواصلة في يومنا. تقدنه نساء أخريات، قد نعرف بعضهنّ، ومعظمهنّ جنديّات مخفيّات يقمن بما قمن به ثروت وملك ونعيمة وأكثر..

عين على العرب؛ اليمن السعيد

تتناول سلسلة رسائل العرب مقالات من الصحافة العربية والتي هدفت إلى التعريف بالمدن والأقطار العربية، تهدف هذه الجزئية إلى التعريف بتاريخ وحضارة اليمن.

قامت الصحف الفلسطينية بتغطية أخبار اليمن بشكل كبير، إما لتوجهات عامة من أجل التعريف باليمن لكونه قطر عربي وله دوره العروبي أو من أجل التركيز على المكان الذي احتله اليمن في بناء وتطوير الحضارة العربية ومن ثم الدور القومي الذي كان اليمن جزءًا أساسيًا فيه. هنالك العديد من الأخبار الموجود حول اليمن وأدواره ضمن الوطن العربي وارتأينا في هذا المقال التركيز على جزء من صورة المشهد اليمني ودوره الحضاري في عيون الصحافة الفلسطينية خلال الفترة الانتدابية.

دولة اليمن (العربية الكبرى)

صحيفة الاتحاد العربي، 1 أيار 1926، أرشيف جرايد

تسلط صحيفة الاتحاد العربي تركيز قرّاءها على منطقة اليمن، فقامت هيئة التحرير بنشر مقال مفصل حول ذلك في عددها الصادر بتاريخ 1 أيار 1926، وتذكر فيها حول اليمن التالي:

“تعد بلاد اليمن من أخصب البلاد العربية تربةً وأجودها مناخاً وأحسنها نباتاً، ويقال أن سكانها يزيد عن عشرة ملايين. ومنذ تولى صاحب الجلالة الإمام  يحيى حميد الدين زعامة القسم الأعظم منها وهو يسعى ويجد بكل قوة لإنالة جميع البلاد اليمانية استقلالها التام تحت رعايته فبعد أن حازب الدولة العثمانية سنيناً طويلة انتهت بفوزه ونواله جل مطاليبه وقف على أثر إعلان الحرب العامة على الحياد وأصبحت القوات العثمانية من جنود وضباط ومدفعية وأسلحة ومعدات حربية مما كان في اليمن إبان الحرب العامة رهن إشارة الإمام يحيى حميد الدين الذي استفاد منها فوائد كبرى إذ تمكن أن يحفظ بلاده من اعتداء أي عدو ونظم أهل اليمن جيشاً عربياً كامل العدة والعتاد ومرّن أبناء قومه على الجندية النظامية بسنه قانون الخدمة العسكرية الاجبارية وجهّز جنوداً أحسن تجهيز وبقي كل مدة الحرب العامة ينظم أموره ويزيد قواه حتى أصبح في إمكانه أن يجهز جيشاً عرمرماً يؤلف من مائتي ألف مقاتل كاملي العدة والسلاح عدا عن قوى العشائر والبدو غير النظامية وعلى إثر انتهاء الحرب العامة، برز اليمن بجيش يمكنه القضاء على الامارات والسلطنات التي كان يلعب النفوذ الأجنبي دوره فيها فجهز حملات عسكرية لم تتمكن تلك الإمارات والسلطنات السخيفة من الوقوف أمامها بضعة أيام بحسن إدارة جلالة يحيى حميد الدين ومقدرته وقواه العسكرية تمكن من الاستيلاء على جميع البلاد اليمانية التي كانت تلاقفها الدسائس الأجنبية إلا عدن الصغيرة الواقعة على شاطئ البحر والتي الإنكليز من عهد بعيد وبعد أن استتب للإمام يحيى حميد الدين بسط حكمه ونفوذه على سائر البلاد اليمنية بما فيها سواحلها (عدا عدن) بدأ بتنظيم إدارة اليمن وتعميم المعارف والتعليم وأباح الحرية التامة للسكان في قضية المذاهب ولم يقتصر على ما عنده من مدافع ورشاشات وضباط وجنود منظمة بل هي باحضار الطيارات والسيارات المصفحة وسائر المعدات الحربية الحديثة ووسع معامل الخرطوش والسلاح الموجودة عنده من زمن طويل، ولا يزال جلالة الإمام يسعى لتقوية بلاده والسير بها نحو الحضارة لتتمكن من حفظ استقلالها التام والبعد عن النفوذ الأجنبي لأن الإمام ورجاله من أكثر ملوك العرب وأمرائهم حذراً من الأجانب فقد حاول الإنكليز مراراً أن يقيّدوه بمعاهدات سياسية كثيرة فكان بعد أن يدرسها الدرس العميق يرفضها رفضاً باتاً. وأخيراً عقد معاهدة تجارية مع دولة إيطاليا لاعتقاده بنفعها من الوجهة الاقتصادية وعدم مساسها باستقلال بلاده ومملكته.
ويعد الإمام يحيى من أكبر أغنياء ملوك العرب الحاليين إذ تقدر كمية النقود التي عنده والتي ادخّرها لأيام الشدائد بعشرين مليون جنيه ذهباً والإمام يحيى من كبار الرجال العظام في العصر الحاضر وهو يطمح بعد أن استتب له الحال في بلاد اليمن أن يقوم بخدمات كبرى لسائر البلاد العربية ويسعى الآن عطوفة المؤرخ الكبير أحمد زكي باشا مع الوفد الذي ذهب تحت رئاسته لعقد محالفة بين الإمام يحيى حميد الدين وجلالة عبد العزيز بن السعود ملك الحجاز وسلطان نجد ويكاد الوفد المشار إليه أن ينجح في مهمته فإذا نجح تصبح جزيرة العرب كتلة واحدة يديرها الملكان العربيان العظيمان يحيى حميد الدين وعبد العزيز بن السعود فتحفظ جزيرة العرب حريتها واستقلالها من طمع الطامعين وجشع المستعمرين وإنا لنعتقد ان جلالة الإمام لم يقدم على إمضاء المعاهدة التجارية مع دولة إيطاليا إلا بعد أن قتلها بحثاً وتدقيقاً بعد أن أمت عدم مساسها باستقلاله وحريته لا كما يظن البعض إن في هذه المعاهدة التجارية بسط نفوذ إيطاليا على اليمن، كلا وألف مرة كلا؛ فأهل اليمن وفي مقدمتهم صاحب الجلالة الإمام يحيى أحرص الناس على استقلال وطنهم وحريتهم من سائر أهل الأرض وغاية ما ترجوه من جلالة الإمام أن يبادر حالاً لإرسال سفرائه ووكلائه إلى سائر عواصم أوروبا بعد أن يقوم بتشكيل وزاراته الخارجية والداخلية وغيرهما على نسق الدول الحديثة ليتم له بذلك اعتراف الدول باستقلال مملكته وأن يسير بأمته وبلاده إلى المدنية الصحيحة والرقي الحقيقي فيعيد للعرب مجدهم وعزهم الغابر وما ذلك على همته بعزيز”.

النهضة العربية واليمن

صحيفة الجزيرة، 26 شباط 1925، أرشيف جرايد

اختارت صحيفة العرب أن تركز على موضوع النهضة العربية في اليمن من أجل التذكير بالدور اليمني في نهضة العرب وقد تم نشر المقال في عددها الصادر بتاريخ 24 أيلول 1932:

“لعل قليلاً من رجال العرب يعرفون الشيء الكافي عن سير القضية العربية بالنسبة إلى اليمن، بل ربما ظن الكثيرون أن النهضة العربية تكاد تكون منحصرة في الجزء الشمالي من بلاد العرب، على حين أنها في الجزء الجنوبي أقدم عهداً في رفع الصوت، وأسبق في حمل لواء الجهاد وامتشاق الحسام في سبيل الاستقلال.
فبينما كانت الأقطار العربية الأخرى في أواخر القرن الماضي حتى أوائل الحاضر تغط في نومها تحت حكم العثمانيين الترك، راضية بما قسم لها من عيش هنيء وحياة هادئة، فإذا هي تنهض على صوت الأبواق والطبول وجمع الجنود وتسييرها إلى أين إلى اليمن، ولماذا؟ لأن اليمن أعلنت العصيان على حكومة الترك، والإمام يحارب الترك، أنه يطلب جلائهم عن البلاد. هذا الذي كان يتردد على الألسنة بين آونة وأخرى وكل بضع سنوات. ولقد كان موضع الدهشة والاستغراب في تلك الأحايين أن يرفع قطر من الأقطار العربية صوته عالياً وأن يناضل ويقارع في طلب الاستقلال والتحرر من حكم العثمانيين. أليس هذا هو الواقع؟ أظن أكثر القراء شاهد هذا بأم عينيه ولا يزال يذكر ما أريق من دماء وأزهق من أرواح. أليس هذا هو بدء النهضة العربية الحديثة؟ أليست من اليمن ورجال اليمن هم من أول من حمل لواءها وخاض غمارها. إنه لا يسع الكاتب المنصف والقارئ المدقق إلا أن يعترف لليمن ورجال اليمن بفضل السبق والتقدم في هذا المضمار. وعلى رأسهم، جلالة الإمام يحيى. ليست قضية استقلال اليمن بالأمر السهل أو الحركة البسيطة فلقد ظلت اليمن عشرات السنين في عهد الإمام المنصور، وعهد نجله وخلفه الإمام يحيى بن محمد حميد الدين إمام اليمن الحالي أيّده الله، في عراك دائم وحرب طاحنة مع الترك كلّفت كثيراً من مال ودماء، بينما السكون كان شاملاً الأقطار العربية الأخرى. حتى وصلت اليمن في أواخر الحرب العالمية إلى استقلالها وتحررها من حكم الترك.
ومما هو جدير بالإعجاب أنه عندما اشتعلت نيران الحرب العالمية انقطعت الموالات بين مراكز الحكومة التركية وجيوشها الرابطة في اليمن بسبب دخولها الحرب، لقيت هذه الجيوش من جلالة الإمام كل عناية ورعاية، وأمدها بكل ما كانت تحتاج إليه من معاونة زمن الحرب، فضُرب بذلك المثل الأعلى للغيرة الإسلامية والشهامة العربية. وقد كان بإمكان جلالته والفرصة سائحة أن ينجز الحساب مع خصمه القديم وبرغم الجهود الجبارة التي يبذلها خصوم الترك لحمل كل من كان تحت سلطانهم على مناوءتهم، فإن الدسائس الأجنبية لم تجد جواً صالحاً لها في بلاد اليمن بفضل بعد نظر جلالته وحنكته، وهكذا انال بلاده استقلالها من أشرف الطرف وأصبحت صنعاء اليمن في نهاية الحرب العالمية عاصمة العربية السعيدة السعيدة المستقلة، ومليكها جلالة الإمام يحيى حميد الدين أيده الله إمام اليمن الحالي، وسيكون حديثنا إلى القراء في الرسالة الآتية عن اليمن منذ انتهاء الحرب العامة حتى يومنا هذا بإيجاز إن شاء الله ثم ننتقل إلى تناول شؤون أخرى عديدة.”

هنالك العديد من المقالات، الأخبار والمراسالات التي تختص بالشأن اليمني خلال النصف الأول من القرن العشرين، لتصفح المزيد من أخبار اليمن يمكن الولوج إلى موقع جرايد والإبحار فيه حول كيف قامت الصحف الفلسطينية بتغطية أخبار اليمن. ومن يريد أن يقرأ بعض المعلومات الطريفة عن اليمين السعيد يمكنه الضغط هنا.