خيرالدين أبو الجبين شاهدًا “زاوية الدفاع الرياضة”
خلال أشهر طويلة كانت جريدة “الدفاع” تنشر زاويتها الرياضيّة تحت عنوان “زاوية الدفاع الرياضية”، ولكنّها ستظهر بدءً من العام 1944 بتوقيع خير الدين.
سيكون خير الدين هذا أحد أبرز وجوه الرياضة الفلسطينيّة، حيث سنلاحظ في قراءتنا لجريدة “الدفاع” وخلال أربعة سنوات كم الجهد الذي يبذله في محاولة لزيادة وعي الفلسطينيين بالرياضة وتغطيته المتفانية في كل ما يدور في القرى والمدن الفلسطينيّة من نشاطات رياضيّة.
ولد خير الدين أبو الجبين في يافا عام 1924 وخلال سنين قصيرة سيصير أحد الوجوه الشبابيّة المهمّة في المدينة، ترعرع شابًا مثقّفًا وناشطًا مندفعًا نحو الحياة، حيث سيتقلّد عرافات الكثير من المهرجانات السياسيّة وسيشارك في المئات من الأنشطة المحليّة والقطريّة في يافا ومحيطها.
تقلّد أبو الجبين عام 1944 منصب سكرتير اللجنة الرياضيّة في النادي الرياضيّ الاسلاميّ ثم عُيّن سكرتيرًا للجنة الرياضة في الاتّحاد الرياضيّ الفلسطينيّ بعد إعادة تأسيسه في نفس العام (1944)، انضمّ بعدها ليكون محرّرًا لزاوية “الدفاع الرياضيّة” حيث ستُصبح القفزة النوعيّة التي أحدثها في الرياضة، اذ سيكون عمله في الجريدة دفعة مذهلة في الرياضة ستنعكس على الخطاب الرياضيّ الفلسطينيّ، وسينعكس أيضًا على مستوى العمل الممارس، بدءً بملخّصات شاملة حول كل ما يجري من نشاطات رياضة في القرى والمدن الفلسطينيّة مرورًا بتغطية اللقاءات والبطولات الرياضيّة، وأخبار النشاطات الرياضيّة المختلفة، مثل الملاكمة وكرة السلّة وألعاب القوى ورفع الأثقال والمصارعة وكرة الطاولة وغيرها وصولاً إلى تحفيز وحث الفلسطينييّن على الانتباه لقضايا ملحّة أو طرح قضايا معيّنة تستحقّ المناقشة.
التطوير الذي قاده أبو الجبين في الجانب الرياضيّ من خلال رؤيته النقديّة ومحاولته الدائمة لفتح القضايا المنسيّة أو التنبيه بقضايا أخرى ساهم وبشكل واضح في خلق تفاعل رياضيّ مُدهش على الساحة الفلسطينيّة وفي خلق جمهور رياضيّ متميّز، والذي يمكن الرجوع إلى ذلك في كتابات الباحث عصام الخالدي.
في تشجيعه الأندية لم يتوانَ أبو الجبين عن طرح نقده ورأيه ودعوته الملحّة للأندية لتطوير ذاتها وخاصة من خلال كسب خبرات وتجارب مميّزة عبر ربط التزاور وتشجيع الرحلات للاطّلاع والتعرف على أندية أخرى خاصّة مع الدول العربيّة كالعراق وسوريا ومصر وغيرها:
كما نراه يشير لدور المدرسة في التنشئة الرياضية وأمية ما يمكن فعله من أجل بناء مجتمع صحيّ وسليم
كما سينبه دومًا ويسلّط الضوء على الرياضات المختلفة والتي قد لا تهتم بها الصحف الأخرى
وفي كثير من الأحيان سيأخذ الزاوية الرياضيّة نحو مستوى اداريّ وليس فقط نحو التغطية، كما يظهر في صحيفة الدفاع أدناه كنوع من التذكير للأندية بضرورة التسجيل لمهرجان الرياضة السنوي العام لأندية الاتحاد.
لا يمكن فصل الرياضة في الواقع الفلسطيني قبل عام 1948 عن الأحداث السياسية فقد كانت الرياضة دومًا مثقلة بالمواقف والتيّارات السياسيّة، ولذلك نراه لا يتوانَ عن توجيه الرياضة نحو أهدافها السياسيّة والانسانيّة في آن
كتب خير الدين أبو الجبين عن هذه الفترة في مذكّراته التي خرجت للنور عام 2002 وفيها سجلت العديد من المواقف واللحظات التي عاشها في يافا قبل رحيله للكويت ليستقر فيها هناك، يقول في مذكراته أنه بعد أن كان محررًا للزاوية الرياضة لم يكتف بذلك وأراد أن يملك مساحة أكبر، فانتقل ليعمل في دائرة مراقبة الصحف هناك سيترقى في المناصب حتى عام 1948 حيث سيغيب عن يافا.
انتقل أبو الجبين إلى الكويت وهناك سيساهم في تأسيس الاتحاد الرياضيّ وسيكون سكرتير الاتحاد بدء من العام 1952 كما سيصير لاحقاً من أوائل من يمثلون منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت عام 1964.
لا يزال خير الدين أبو الجبين حياً يرزق، شارف على التسعين ورغم السنين الطويلة، إلا أن الصحف الفلسطينية لا تزال شاهدة على نشاطاته وأعماله التي تستحق التوثيق وتستحق من الباحثين قراءة مستجدّة خاصّة أنّ رؤية أبو الجبين للرياضة قد تُشكّل بحدّ ذاتها مدخلًا لفهم الوعي الرياضيّ المُتشكل في البلاد قبل عام 1948.