الطابو: كيف تحوّل حلم امتلاك الأرض إلى كابوس كافكاوي

رواية المحاكمة ليست مجرد قصة عن الظلم البيروقراطي؛ بل هي صورة عميقة للإنسان الذي يجد نفسه بلا حول ولا قوة أمام أنظمة لا تعترف بإنسانيته. عندما نضع الرواية في سياق المواطنين العرب العثمانيين في العقود الأخيرة من الفترة العثمانية، نجد أوجه تشابه مذهلة بين تجربة جوزيف ك. وتجربة الفلاحين مع نظام الطابو، وكلاهما يمثل صراع الإنسان الدائم مع قوى أكبر منه تحاول أن تسلبه حقوقه.

832 629

يصور فرانز كافكا في رواية المحاكمة، عالمًا تسيطر فيه البيروقراطية على حياة الأفراد، حيث يصبح النظام الإداري قوة غامضة وقاهرة تحكم مصائر الناس دون تفسير أو منطق. يعاني جوزيف ك.، بطل الرواية، من اتهام غامض دون أن يُشرح له طبيعة التهمة أو كيفية الدفاع عن نفسه. طوال الرواية، يُجبر جوزيف ك. على التنقل بين مكاتب ومستويات من البيروقراطية لا يمكن الوصول إليها أو فهمها. كلما حاول جوزيف الاقتراب من حل مشكلته، وجد نفسه عالقًا في نظام يتلاعب به ويبعده أكثر عن الحقيقة. هذه المشاهد المأساوية والعبثية تعكس بشكل لافت التجربة الفلاحين مع نظام الطابو العثماني.

حين فرضت الدولة العثمانية نظام الطابو كجزء من إصلاحات التنظيمات، كان الهدف هو تقنين ملكية الأراضي لتعزيز المركزية وزيادة الإيرادات الضريبية. لكن بالنسبة للسكان المحليين، تحولت هذه الإصلاحات إلى تجربة مريرة، حيث واجهوا نظامًا لا يفسر قواعده ولا يمنحهم أي دعم لفهمه. في الرواية، عندما يُطلب من جوزيف ك. المثول أمام المحكمة، فإنه لا يعرف مكان المحكمة، ولا متى ستُعقد، ولا حتى كيف يمكنه الدفاع عن نفسه. بالمثل، كان المزارعون العثمانيون غالبًا لا يعرفون كيفية التعامل مع متطلبات الطابو. غياب التوعية وقلة الموارد تركت الكثير منهم عرضة لفقدان أراضيهم بسبب الأخطاء أو استغلال الوسطاء.

ورغم أن البعض اليوم ينظر إلى الحقبة العثمانية برومانسية، بوصفها فترة حكم إسلامي وشرقي جامع، إلا أن الحقيقة كانت أكثر تعقيدًا. حتى وإن كانت الدولة العثمانية جزءًا من إرث مشترك، فإن سياساتها لم تكن خالية من أدوات القمع، وكان الفلاحون العرب في البلاد في كثير من الأحيان يواجهونها كسلطة مركزية بعيدة أكثر من كونها حامية لهم أو لمصالحهم.

في مشهد من الرواية، يحاول جوزيف ك. التحدث مع أحد الموظفين لمعرفة طبيعة قضيته. يواجهه الموظف بغموض مبالغ فيه، مما يزيد من إحساسه بالعجز. هذا المشهد يذكرنا بما كان يعيشه المواطنيون العثمانيون عند محاولتهم تسجيل أراضيهم. المسؤولون العثمانيون غالبًا ما كانوا يفتقرون إلى الشفافية أو كانوا بعيدين عن الواقع المحلي، مما جعل العملية أكثر تعقيدًا وأبعد عن متناول الفلاحين. كثيرًا ما لجأ الفلاحون إلى وسطاء أو ملاك أثرياء لتسجيل الأراضي بأسمائهم، ليجدوا أنفسهم في النهاية فاقدين لحقهم الشرعي في الأرض.

الرواية تمتلئ أيضًا بمشاهد تدل على إحساس جوزيف ك. بالاغتراب عن مجتمعه وأسرته، حيث يبدأ في فقدان الثقة بمن حوله. هذا الشعور بالاغتراب يتماشى مع ما عاشه الفلاحون في ظل الإصلاحات العثمانية. بالنسبة لهم، لم يكن النظام البيروقراطي مجرد تحدٍ إداري؛ بل كان رمزًا لفقدان السيطرة على حياتهم وأراضيهم. الأرض بالنسبة لهم كانت أكثر من مصدر رزق؛ كانت هوية وانتماءً وجذوراً، وفقدانها يعني فقدان كل ذلك.

ورغم قسوة هذا النظام، لم يكن الفلاحون بلا رد فعل. في بعض المناطق، رفض الفلاحون التعاون مع المسؤولين العثمانيين، بينما في مناطق أخرى حاولوا التأقلم مع الواقع الجديد عبر توظيف وسطاء أو محامين. لكن، كما في رواية كافكا، كانت النتيجة النهائية دائمًا شعورًا بالعجز أمام قوة أكبر لا يمكن مواجهتها أو فهمها.

رواية المحاكمة ليست مجرد قصة عن الظلم البيروقراطي؛ بل هي صورة عميقة للإنسان الذي يجد نفسه بلا حول ولا قوة أمام أنظمة لا تعترف بإنسانيته. عندما نضع الرواية في سياق فلسطين العثمانية، نجد أوجه تشابه مذهلة بين تجربة جوزيف ك. وتجربة الفلسطينيين العثمانيين مع نظام الطابو، وكلاهما يمثل صراع الإنسان الدائم مع قوى أكبر منه تحاول أن تسلبه حقوقه.

دواليب الأمل: يانصيب اليتيم العربي

وُلدت لجنة اليتيم العربي ، وكانت مهمتها توفير الرعاية للأيتام في المجتمع العربي، الأطفال الذين تُركوا ليعولوا أنفسهم في وقت كان الوضع السياسي في البلاد غير واضح المعالم. لكن لم تكن هذه مجرد جهود إغاثة عادية، بل كانت اللجنة مصممة على القيام بشيء فريد، شيء سيصمد أمام اختبار الزمن. ومن هنا خُلِقت فكرة يانصيب اليتيم العربي.

في ربيع عام 1940، اجتمع مجموعة من القادة العرب، منهم القاضي محمد البرادعي ووصيف بسيسو حول طاولة صغيرة في في أحد أحياء تلال حيفا ، متحدين لأجل هدفٍ سامٍ وهو خلق الأمل من العدم للأطفال اليتامى العرب. وُلدت لجنة اليتيم العربي من هذا الاجتماع، وكانت مهمتها توفير الرعاية للأيتام في المجتمع العربي، الأطفال الذين تُركوا ليعولوا أنفسهم في وقت كان الوضع السياسي في البلاد غير واضح المعالم. لكن لم تكن هذه مجرد جهود إغاثة عادية، بل كانت اللجنة مصممة على القيام بشيء فريد، شيء سيصمد أمام اختبار الزمن. ومن هنا خُلِقت فكرة يانصيب اليتيم العربي.

فلسطين 15 أيلول 1946
فلسطين 15 أيلول 1946

لم يكن اليانصيب مجرد حدث لجمع التبرعات، بل كان دعوةً للشعب العربي للاتحاد من أجل قضية مشتركة. احتاج المجتمع، الذي كان يكافح تحت ثقل الحكم البريطاني وتصاعد التوترات في المنطقة آنذاك، إلى شيء يتوحدون من أجله. وبالفعل، ظهرت الملصقات في نوافذ المحلات، ونشرت الصحف أخبار اللجنة واليانصيب، وانتشر الخبر من شوارع حيفا إلى عمّان و سوريا. بدأ الناس يشترون التذاكر ليس فقط من أجل فرصة الفوز، ولكن لدعم الأيتام بالمقام الأول.

الذخيرة، 11 تشرين ثاني 1946
الذخيرة، 11 تشرين ثاني 1946

حرصت اللجنة على أن تكون شفافة وصادقة مع الجمهور، حيث كانت تعقد اجتماعات لتحديث الجميع حول التقدم المحرز. لم يتعلّق الأمر بجمع المال فقط؛ بل كان يتعلق باشراكِ كل مواطنٍ عربي في هذه العملية. كان عدد المتبرعين يزداد مع مرور كل أسبوع، بعضهم قدموا تبرعات من الأراضي، وآخرون بما يمكنهم توفيره من نقود.

أقيمت أولى مراسم سحب اليانصيب في الأردن، حيث كانت الأجواء مليئة بالحماس والترقب. بدأت الأمسية بموسيقى و أناشيد وطنية أردنية، مما أضفى جواً احتفالياً عليها. في اليوم الذي سبق الحدث، كان النساء قد تجولنَ في الأسواق وشوارع العاصمة عمّان، ووضعن ملصقات للجنة الأيتام على أي شخص مستعد للمساهمة مالياً. كانت جهودهن أساسية في جمع الأموال لدعم عمل اللجنة في حيفا.

الوحدة 28 نيسان 1947
الوحدة 28 نيسان 1947

بينما كانت مراسم اليانصيب تجري في سينما البتراء، تجمع عدد كبير من الرجال والنساء لمتابعة الحدث. اصطف جُندٌ من الجيش العربي على أبواب القاعة لاظهار الاحترام للشخصيات المهمة التي حضرت، كرئيس الوزراء وغيره من المسؤولين، بما في ذلك وزير الداخلية ووزير المالية. كما قامت وسائل الإعلام من فلسطين وسوريا ولبنان والأردن بتغطية الحدث، مما يعكس روح الوحدة آنذاك.

خلال المراسم، أعرب الملك عبد الله عن دعمه للمبادرة، وبارك اللجنة وأعضائها. اشترى أيضاً 5,000 تذكرة يانصيب، وتبرع بالعائدات لللّجنة. شهد الحدث خمسة دواليب دوارة محاطة بأعلام الدول العربية. ساعدت فتيات صغيرات في تشغيل الدواليب، مما أضفى جواً من البهجة، كما كانت ألوان الدواليب تعكس أعلام الدول العربية، مما رَمزَ إلى التضامن في هذه المهمة الجماعية. و كانت الفرحة واضحة على الحاضرين في القاعة عندما أُعلِن عن الأرقام الفائزة.

حققت الحملة نجاحاً ملحوظاً، حيث تم بيع 92% من التذاكر، وجمعت حوالي 32 ألف جنيه فلسطيني. استخدمت لجنة اليتيم العربي الأموال التي جُمعت للقيام بأعمال إنسانية كبيرة، حيث افتتحت مدارس ومؤسسات تعليمية للأيتام.

في عام 1948، اضطرت اللجنة إلى الانتقال إلى عمان بعد أحداث النكبة. لكن العمل لم يتوقف وتم افتتاح مدرسة اليتيم في القدس والقائمة حتى يومنا هذا.

أرض الفرص: كيف غيّرت دير عمرو حياة الأيتام العرب

تحولت هذه الأرض، بخضرتها الخصبة وتربتها الغنية، إلى مدرسة تربوية زراعية. ولكن بالنسبة للأطفال الذين عاشوا هناك، كانت أكثر من مجرد مدرسة؛ كانت مكانًا للأمل والتجديد والفرص. لنتعرف سويًا على أحد المشاريع العربية الرياديّة خلال الفترة الانتدابية

832 629

في عام 1942، بدأت ثورة هادئة في تلال دير عمرو، وهي قرية صغيرة تقع بالقرب من القدس. ولم تكن هذه الثورة سياسيةً، بل كانت تجربة اجتماعية جريئة تهدف إلى تغيير حياة الأيتام العرب الذين تركتهم الاضطرابات في تلك الفترة بلا توجيه أو مستقبل واضح.

كان مأوى هؤلاء الأطفال دور الأيتام في البلاد، ولكن على الرغم من المأوى الذي وفرته لهم، لم يجد الأيتام في تلك المؤسسات سوى القليل مما يغذي أرواحهم أو يرشدهم إلى مستقبلهم. في هذا الوقت من عدم اليقين، اجتمع أربعة عشر رجلاً، مدفوعين بشعور بالواجب، في أحد أحياء ضواحي القدس لوضع خطة. كانت الخطة محفوفة بالمخاطر، طموحة، ولم يسبق تجربتها من قبل، لكنها كانت تحمل وعدًا بشيء استثنائي.

بقيادة المربي القدير صاحب الرؤية أحمد سامح الخالدي، استأجر الرجال قطعة أرض من المجلس الإسلامي الأعلى، الذي اشترى قرية دير عمرو. وتحولت هذه الأرض، بخضرتها الخصبة وتربتها الغنية، إلى مدرسة تربوية زراعية. ولكن بالنسبة للأطفال الذين عاشوا هناك، كانت أكثر من مجرد مدرسة؛ كانت مكانًا للأمل والتجديد والفرص.

كان جَوهَرُ فَلسفة المدرسة قويٌّ ببساطته: لم يكن هؤلاء الأطفال أيتامًا عاجزين، بل كانوا أفرادًا قادرين على تشكيل مستقبلهم بأنفسهم. لم تكن هناك قواعدُ صارِمة أو جَداول دِراسية مُحددة، ولم يكن هناك شعور بالمُؤَسَّسيّة أو التقييد. أصبحت المدرسة آنذاك مجتمعًا يعيش فيه الأطفال كجزء من عائلةٍ كبيرة. اذ تشاركوا الأعمال اليومية مثل الطهي والتنظيف ورعاية الحيوانات. ومن خلال هذه الأنشطة تعلموا المسؤولية والاعتماد على الذات والتعاون.

كان منهج المدرسة غير تقليدي أيضًا. اذ كانت صباحات الأطفال تمضي في العمل في الحقول، حيث يزرعون الخضروات والبقوليات ويربون الماشية. وفي فترات بعد الظهر، كانوا يحضرون دروسًا في القراءة والرياضيات والصحة والزراعة. هذا التوازن بين العمل البدني والدراسة الأكاديمية لم يُثقف الأطفال فحسب، بل كان يمنحهم أيضًا إحساسًا بالهدف والاتجاه. امتلأ المكان بالضحك والنشاط، وأضحى للأطفال، الذين كانوا ضائعين ذات يوم، رؤية أوضح لمستقبلهم.

ولضمانِ سَلامة الطلاّب والعُمال، تم بِناء مُستوصف صغيرٌ على أرضِ المدرسة. وبتمويل من التبرعات، قدم المستشفى الرعاية الطبية ليس فقط للمدرسة ولكن أيضًا للقرويين المجاورين. كانت هناك ممرضة داخلية وطبيب يأتي ويذهب للعناية بالأطفال، وسرعان ما أصبحت المدرسة نموذجًا للتعاون المجتمعي والخدمة الاجتماعية.

أصبحت دير عمرو حديث القرى المجاورة، حيث أعجب بها الناس بسبب نهجها المبتكر ونجاحها. ما بدأ كتجربة محفوفة بالمخاطر أصبح الآن يُعتبر قرية عربية مثالية، رمزًا لما يمكن تحقيقه من خلال التفاني والوحدة. تخرج الطلاب من المدرسة، بعضهم بقي ليساهم في العمل في الحقول، بينما دخل آخرون سوق العمل حاملين معهم المهارات والاستقلالية التي اكتسبوها.

كانت هذه المدرسة الزراعية بمثابة شهادة على قوة الجهد الجماعي. لقد رأى الرجال الذين بنوا هذا المشروع بصمت رؤيتهم تتحقق أمام أعينهم. وبحلول عام 1946، كان هناك حوالي 60 طالبًا في المدرسة، وفي السنة التالية، بدأ التخطيط لإنشاء مدرسة مماثلة للبنات.

على الرغم من أن المدرسة تأثرت بأحداث عام 1948، فإن إرثها استمر. أعاد موسى العلمي إحياء مبادئ دير عمرو من خلال إنشاء مدرسة مشابهة للبنين في أريحا، والتي لا تزال قائمة حتى اليوم.

تعتبر قصة دير عمرو قصة أمل ومرونة مجتمع. من خلال جهودهم، حول مُؤَسِّسو مدرسة دير عمرو الزراعية تجربة مَحفوفة بالمخاطر إلى نجاح باهر، مما أدى إلى تغيير حياة الكثيرين وَوَضَعَ مثالاً لما هو ممكن عندما يعمل الناس معًا من أجل الصالح العام.

خليل طوطح: المربّي الذي طبق تعاليمه

كان خليل طوطح شخصية بارزة في مجال التعليم، وترك بصمة لا تُنسى على الأجيال من الطلاب والمعلمين. وُلد في 20 مايو 1887 في رام الله، ونشأ في بيئة فكرية محفزة حيث كان والده أول معلم له. بدأ تعليمه المبكر في المنزل، لكنه سرعان ما التحق بمدرسة الفرندز في بلدة البيرة القريبة، مما كان بداية التزامه الدائم بالتعليم.

كان خليل طوطح شخصية بارزة في مجال التعليم، وترك بصمة لا تُنسى على الأجيال من الطلاب والمعلمين. وُلد في 20 أيار 1887 في رام الله، ونشأ في بيئة فكرية محفزة حيث كان والده أول معلم له. بدأ تعليمه المبكر في المنزل، لكنه سرعان ما التحق بمدرسة الفرندز في بلدة البيرة القريبة، مما كان بداية التزامه الدائم بالتعليم.

دفعه شغفه بالعلم إلى مواصلة تعليمه في لبنان ثم الولايات المتحدة، حيث أكمل دراسته الثانوية في ولاية ماين، ثم التحق بكلية كلارك في ماساتشوستس، وحصل في النهاية على درجة الماجستير في التربية من جامعة كولومبيا عام 1912. تركت هذه السنوات في الولايات المتحدة أثراً عميقاً في فلسفته التربوية، مما عزز إيمانه بالقوة التحويلية للتعليم.

عاد طوطح إلى البلاد عام 1912 لتولي إدارة مدرسة الفرندز في رام الله. تحت ادارته، تحولت المدرسة إلى مركز للإبداع الفكري والفني، حيث أدخل الموسيقى والفنون والدراما في المناهج الدراسية، وهي خطوة غير تقليدية في ذلك الوقت. كما كان طوطح من أشد المدافعين عن تعليم الفتيات، مُدركاً دور التعليم في تمكين المجتمع. خلال فترة إدارته، أصبحت المدرسة رمزاً للتعليم التقدمي في المنطقة، مقدمة للطلاب تجربة تعليمية شاملة ومبتكرة.

خارج إطار المدرسة، كان طوطح منخرطاً بعمق في الدعوة إلى الإصلاح التربوي، حيث رأى أن التعليم يجب أن يكون مستقلاً ومتجذراً في الثقافة المحلية، بهدف تمكين الشعب. وقد دافع عن إنشاء مناهج دراسية تعكس القيم والهوية المحلية، معتبراً التعليم أداة ليس فقط للنمو الشخصي، بل للتحرر الوطني والاجتماعي.

كما أسهم طوطح في مجال الكتابة، حيث تعاون مع بولص شحادة، رئيس تحرير صحيفة “مرآة الشرق”، في تأليف كتاب عن تاريخ القدس. وقد استكشف هذا الكتاب الغني الثقافة والتاريخ للمدينة، مسلطاً الضوء على أهميتها عبر العصور. تجسد هذه الشراكة التزام طوطح بالحفاظ على التاريخ المحلي، وتعزز أهمية العمل الجماعي في فهم إرث القدس.

إرث التعليم في كتابات طوطح

إلى جانب دوره كمربٍّ، كان خليل طوطح كاتباً غزير الإنتاج، تطرق في أعماله إلى المعاني العميقة للتعليم وتاريخه. يُعد كتابه “التربية عند العرب” من أبرز مؤلفاته، حيث استعرض فيه تطور التعليم في العالم العربي عبر العصور، وكيف تأثر بالتغيرات المجتمعية والثقافية.

التربية عند العرب

يتناول طوطح في كتابه كيف بدأ التعليم عند العرب كعملية مرتبطة بالتعاليم الدينية، حيث لعب القرآن دوراً محورياً في نشر القراءة والكتابة وتأسيس المدارس. ومع توسع الحضارة العربية، توسعت أيضاً أنظمة التعليم لتشمل العديد من المجالات مثل الأدب والعلوم والرياضيات. بالنسبة لطوطح، كان التعليم عند العرب ليس مجرد نقل للمعرفة، بل عملية تهدف إلى بناء عقل الفرد، وتشكيل الإطار الأخلاقي له.

من أبرز النقاط التي يعرضها طوطح في كتابه هي المكانة العالية التي كان يحظى بها المعلمون في المجتمع العربي. فقد كانوا يحصلون على ألقاب ومناصب مرموقة بناءً على كفاءتهم ومعرفتهم. كما يُشيد طوطح بدور النساء في الحياة التعليمية والثقافية، حيث يشير إلى أن العديد من النساء العربيات كن يتمتعن بالذكاء وحب العلم، مثل الخنساء وعائشة -رضي الله عنها-، اللواتي تركن أثراً في الأدب والشعر والتعليم.