تعني كلمة “الجوشن” الدّرع الثقيل الّذي يلبسه المحارب، ووفقًا للرواية الشّيعيّة فإنّ الدعاء سُمّي بهذا الإسم لأنّه نزل على النّبي محمد عن طريق الملاك جبريل خلال قتاله في إحدى الغزوات، فتلاه عليه جبريل وأمره بترك الدّرع الحديديّ الضّيق وبترديد هذا الدّعاء ليحميه بدلًا عنه، ثمّ نقله عنه بعد ذلك عليّ بن ابي طالب إلى ولده ومن ثمّ إلى حفيده زين العابدين الملقّب بالسّجاد، فوصلنا عن طريق المجلسي الأصفهاني وحسين النوري الطبرسي وغيرهم من راوية الحديث الشّيعي.
الشيعة: مخطوطات وكتب رقمية من بغداد وطهران للتنزيل
يُحفظ دعاء الجوشن ويُردد منذ مئات السّنين عند الطائفة الشّيعيّة في مناطق عدّة لا سيّما في رمضان وفي ليلة القدر على وجه الخصوص. له عدّة شارحين وما زال الى اليوم يُطبع دعاء الجوشن الكبيرعلى هيئة كتب صغيرة تُحمل في الجيب، ويُترجم إلى الفارسيّة والتركية والإنجليزيّة وغيرها من اللغات مع الاحتفاظ بالنّص العربي كمتن إلى جانب الترجمة من أجل فهم العبارات، تمامًا كما تُطبع أجزاء من القرآن الكريم في البقاع الواسعة للعالم الإسلامي. كما تتواجد مخطوطات عديدة لدعاء الجوشن الكبير، وذلك لمكانته الخاصة عبر العصور.
يبدأ دعاء الجوشن الكبير بالبسملة والصلاة على النّبي محمد وعلى آل البيت، لا يحمل الكثير من الأدعية الّتي تأتي على شكل طلب أو رجاء من الإله، إنّما هو تسبيح وطلب واحد متكرر مثل اللازمة الشّعرية: “الغوث الغوث، خلّصنا من النّار“، أمّا المضمون الرّئيسي للجوشن الكبير وما يكوّنه بالفعل هو أكثر من ألف اسم او صفة لله تعالى، يتم الاستغاثة بها من خلال ترديدها على شكل مجموعة من الأسماء تشكّل المقطع الواحد من بين ال 55 مقطع للجوشن الكبير. يفتتح الدّعاء بالمناجاة “اللهم إنّي أسألك باسمك يا الله” ومن ثمّ يأتي المقطع أو المجموعة من الأسماء والصّفات، وتُذيّل كل مجموعة بدعاء متكرر وهو الإغاثة من النار. يبدو كل مقطع من مقاطع الجوشن على هذا النّحو:
فاتحة الدّعاء تبدأ كما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وعلى آل محمّد
اللهم إنّي أسألك باسمك يا الله:
ومن ثمّ يبدأ المقطع الأوّل من الأسماء والصفات لله تعالى موزونة بصيغة شعرية ويصل عددها في كل مقطع إلى أحد عشر اسم او صفة. فمثلًا في المقطع الأوّل:
يا رحمن يا رحيم يا كريم يا مقيم يا عظيم يا قديم يا عليم يا حليم يا حكيم.
ومن ثمّ تأتي العبارة التي تتكرر كما هي بعد جميع المقاطع ال 100 للدعاء: “سبحانك لا إلا إله إلّا أنت الغوث، الغوث خلّصنا من النار يا رب“.
هكذا يكون انتهى المقطع الأوّل. ويبدأ بعده المقطع الثّاني مباشرة بدون العودة على الفاتحة “اللهم إني أسألك..” بل بمناجاة الله بالمجموعة التالية من أسمائه وصفاته فيبدأ المقطع الثاني على هذا النحو:
يا سيّد السادات يا مجيب الدّعوات يا رافع الدّرجات يا وليّ الحسنات يا غافر الخطيئات يا معطي المسألات يا قابل التّوبات يا سامع الأصوات يا عالم الخفيّات يا دافع البليّات
ويختتم المقطع بذات العبارة المتكررة في آخر كل مقطع آخر:
سبحانك لا إله إلا أنت الغوث خلّصنا من النّار.
يبدو من قراءة نصّ الدّعاء بتمعّن انّه يحيط بكل جوانب وصف الخالق في التّراث الإسلامي، والّتي غالبًا ما تتحدّث عنه من خلال الإشارة إلى المخلوقات لأنّها من صنعه، فتدلّ على الخالق من خلالها. ويتربّع الإنسان ومصلحة الانسان في قلب هذه المعادلة اللغويّة والأدبيّة. فالإنسان – المناجي – يتوجّه إلى الله بصفته أفضل من يمكن للإنسان أن يتوجه إليه.
والمقطع السّتين هو أفضل نموذج لذلك:
“يا كافي من استكفاه، يا هادي من استهداه، يا كالئ من استكلاه، يا راعي من استرعاه، يا شافي من استشفاعه، يا قاضي من استقضاه، يا مغني من استغناه، يا موفي من استوفاه، يا مقوّي من استقواه يا وليّ من استولاه”
إلّا أنّ الدعاء في عمومه يستند إلى الجماليّة اللغوية في القرآن ويقتبس منه، وهو على سبيل المثال يبدأ بأوّل وصف للخالق ورد في القرآن الكريم وهو “الرحمن الرّحيم”.
فسّر دعاء الجوشن الكبير ثلّة من العلماء السّنة والشّيعة، من أشهرهم ملّا هادي السبزواري أحد العلماء الرّوحانيين والفلاسفة في إيران القرن التّاسع عشر، وتفسيره يعتمد على المعاني الروحانيّة والفلسفيّة للدعاء وأيضًا تفسير لغوي.
بالطّبع، تسمية الجوشن الكبير هي إشارة من أجل التفريق بين هذا الدعاء وبين دعاء الجوشن الصّغير، وهو دعاء واسع الانتشار كذلك، منقول عن موسى بن جعفر الإمام السّابع عند الشيعة الامامية.
في الموروث الشّيعي هناك فضائل كثيرة لدعاء الجوشن، غالبا ما يتم ذكرها في مقدمة الكتاب قبل البدء بالدعاء، ومنها توصيات بقراءته في أول شهر رمضان أو في ليلة القدر، وكتابته على كفن الميّت، وغيرها. ولذلك كثيرًا ما نجد دعاء الجوشن الكبير في مخطوطات ضمّت مجموعة من الأدعية المأثورة واشتملت على دعاء الجوشن الكبير. لجميع المخطوطات التي اشتملت على الجوشن الكبير في فهرس المكتبة الوطنية.