هاوي الجمع الغامض الذي أسّس مجموعة المخطوطات الإسلامية في المكتبة الوطنية

أورثَ هاوي الجمع، يوحنان بن دافيد، متحف إسرائيل مجموعته الفنية، وقدّم للمكتبة الوطنية مخطوطات شكّلت فاتحةً لمجموعة المخطوطات في المكتبة. على الرغم من مكانته في مجاليّ الفن والتجميع، إلا أنّه غير معروف لدى الجمهور العام. بنظرة إلى حياة يوحنان بن دافيد، نكتشف شخصية غامضة، يغلب فيها الجانب الخفيّ على الجانب الجليّ.

هاوي الجمع يوحنان بن دافيد

هذا المقال مترجم عن راحيل غولدبيرغ

في صباح يوم سبت من العام 1969، توقفت سيارتان تابعتان لسفارة إسرائيل خارج مبنى سكني يبدو عاديًا في شمال لندن. كان مالِك الشقة، هاوي الجمع يوحنان بن دافيد، قد توفي قبل ذلك بفترة وجيزة. قبل وفاته، أورث بن دافيد دولة إسرائيل مجموعته الفنية بالكامل، والتي اعتبرها “مجموعة رائعة، لا مثيل لها في المتحف البريطاني أو في متحف القاهرة”. وبالفعل، فقد عُرضَ جزء من المجموعة في مطلع القرن العشرين في صالات عرض مرموقة، ولكنّ أحدًا لم يعرف حجم المجموعة الحقيقي ومحتوياتها.

عندما قام طاقم السفارة بفتح الغرف، والتي كانت مُقفلة لمدة طويلة، اكتشف كنزًا مُغلقًا يحتوي على مخطوطات، سجّاد، أسلحة ومختلف القطع الفنية من الهند وبلاد فارس. فور اكتشاف هذا المشهد المفاجئ، تم تجنيد موظفين إضافيين وسيارات إضافية لنقل المجموعة إلى مقر السفارة. ومن هنا، شقّت المجموعة طريقها إلى إسرائيل تدريجيًا، عبر الحقيبة الدبلوماسية.

تشكّل مجموعة يوحنان بن دافيد القاعدة الأساسية لمجموعة الفنون الإسلامية في متحف إسرائيل، وتشكل فاتحةً لمجموعة المخطوطات الإسلامية في المكتبة الوطنية. ولكن مع أنّ المجموعة كبيرة، مُدهشة وتدل على مهنية هاوي الجمع وذوقه المميز والرفيع، إلّا أنّ بن دافيد غير معروف تقريبًا لدى الجمهور العام.

كوب نارجيلة بنمط قاجاري، إيران، القرن الـ 19. نحاس مطليّ بالقصدير، ومرصّع بالذهب. متحف إسرائيل، القدس. تِركة يوحنان بن دافيد، لندن. 2017.040.0344. تصوير © متحف إسرائيل، القدس

 

ولد يوحنان بن دافيد (بالفارسية: يوحنا داوود) في عام 1885 لعائلة يهودية ميسورة الحال من طهران، إيران. تنقّلت عائلته بين بلاد فارس والهند، وفي عام 1907، حضر بن دافيد إلى بريطانيا لدراسة تاريخ الفن والأدب في جامعة كامبريدج. بعد إنهاء الدراسة، بدأ بتقديم الاستشارة لمختلف هواة الجمع، من بينهم هاوي الجمع السويسري موسير (Moser). إلى جانب الاستشارة التي قدّمها للآخرين، أنشأ لنفسه مجموعة مخطوطات ذاتية. في عام 1920، تبرّع بمخطوطات فارسية للمكتبة البريطانية، خاصة رسائل لعبد البهاء ومخطوطات أخرى خاصة بالبهائيين. في عام 1925، تبرّع ببعض المخطوطات للمكتبة الوطنية التي أقيمت للتو. أوصى بروفسور دافيد إيدر، وهو طبيب وناشط صهيوني عمل في بريطانيا بتكليف من الجامعة العبرية، بقبول التبرع. بعث إيدر إلى هوغو برغمان، رئيس المكتبة في حينه، رسالةً تنصّ على أنّ المخطوطات التي قدّمها بن دافيد ستستكمل المجموعة قيد الإنشاء في مكتبة الدراسات الشرقية. يقول إنّ مكتبة جولد تسيهر، التي ألحقت بالمكتبة قبل ذلك بفترة وجيزة، شكّلت ركيزة لمجموعة الكتب في المدرسة، والتبرع الذي قدّمه بن دافيد هو مكمل لهذه المجموعة بما يحوي مخطوطات. في عام 1925، تبرّع يوحنان بن دافيد للمكتبة الوطنية بـ 39 مخطوطة في مجالات متنوعة، أبرزها المخطوطات المزخرفة للشاعر الفارسيّ حافظ الشيرازي، جلال الدين الرومي والجاميّ. تبرّع أيضًا بمخطوطات لمؤسّس الديانة البهائية، بهاء الله.

رسومات فارسية مصغّرة، من مجموعة يوحنان بن دافيد

 

تشير د. سيفان ليرر من الجامعة العبرية إلى أنّ بن دافيد لم يكن الوحيد الذي اعتنق الديانة البهائية إلى جانب الديانة اليهودية، فقد سَبق وفعل ذلك قبله عدد كبير من اليهود المنحدرين من أصول فارسية. في عام 1911، أتى نجل مؤسس الديانة البهائية وخليفته، عبد البهاء، في زيارة إلى لندن وباريس للالتقاء بأتباعه. خلال زيارته، زوّج بن دافيد من زوجته، رجينا خانُم. في وصف الزواج في كتاب عن رحلة عبد البهاء، كُتب أنّ عائلة العروس كانت من أتباع بهاء الله منذ فترة إقامته في العراق. يعبر بن دافيد في مذكراته عن ولائه لعبد البهاء، ولكنه يحرص على التشديد على هويته اليهودية، على سبيل المثال، كتابة التاريخ حسب التقويم العبري إلى جانب التقويم الميلادي. الألبوم العائلي الذي أعدّه يتضمّن كتاب الشروط اليهودي للزواج من رجينا.

حافظة أقلام مزخرفة بثلاثة ملائكة قاجاريين. تحمل توقيع أبو الحسن الغفاري، أصفهان، إيران، نمط قاجاري، ورق معجون ملوّن ومطليّ بالبرنيق. متحف إسرائيل، القدس وتركة يوحنان بن دافيد، لندن  B69.0747  تصوير © متحف إسرائيل، القدس بعدسة عوديد لوبل

تبرّع بن دافيد مجددًا للمكتبة الوطنية في عام 1946. في تبرّعه هذا، قدّم للمكتبة الوطنية 56 مخطوطة، خاصة في مجال القوانين الإسلامية. في عام 1956، بعث رسالة إلى مدير المكتبة الوطنية، بروفسور دافيد وورمان، وطلب التبرّع بالجزء المتبقي من مجموعته بشرط مساعدته على الهجرة إلى إسرائيل والمساعدة في إعداد كتالوج المواد. رغبته الشديدة في الهجرة إلى إسرائيل لم تتحقق، وتوفي في إنجلترا بعد سنوات معدودة.

كان بن دافيد شخصًا روحانيًا جدًا. يحتوي أرشيفه، الموجود في المكتبة الوطنية، على مئات المخطوطات التي تتضمن أفكارًا كتبها بنفسه بخصوص الله، شعب إسرائيل ودور المؤمن في هذا العالم. شكّلت هذه المخطوطات ركيزة لمؤلفات لاهوتية كاملة يستعرض فيها عقيدته اللاهوتية حول مكانة شعب إسرائيل في العالم.  ففي مجموعة ألّفها لذكرى شقيقه يكوتيئيل، يدعي أنّ عهد الختان هو العلامة التي تميّز الشعب اليهودي المختار، والذي حظي بحماية الله ليصرّح بحقيقته أمام العالم، و”إقامة ملكوته في الدنيا مثل ملكوت السموات”. هذا الاقتباس مماثل تقريبًا لـ “الصلاة الربيّة” المسيحية. هذا الدمج بين التقاليد يدلّ على المرونة التي اعتمدها في تبنّي تقاليد مختلفة بلورها بنفسه لينتج عنها توجّه روحاني خاص به.

صفحة من مجموعة مؤلفات يوحنان بن دافيد لذكرى شقيقه

نجد بين المحتويات المميزة في أرشيف بن دافيد كتابًا عن التاريخ العائلي الذي أعدّه بنفسه. الكتاب، المزخرف بآيات كتبها بن دافيد وزيّنها بذوق رفيع، مزيّن أيضًا بفقرات من مخطوطات قصّها بنفسه وألصقها كأطر حول الصور والشهادات المختلفة في الكتاب.

الشخصية المميزة التي تحلّى بها يوحنان بن دافيد، ومجموعته الرائعة شكّلا مصدر إلهام لثلاث معارض؛ اثنين لفنانة المنسوجات كاتيا أويحرمان “غرفة هاوي الجمع” و  Rendering of Writings” و “حقيقة الأشياء” للمصوّرة عيليت أزولاي.

 

ماذا تعرفون عن دعاء الجوشن الكبير؟ مخطوطات متميّزة في المكتبة الوطنيّة

لدعاء الجوشن الكبير مكانة خاصّة عند مجتمعات شيعيّة عديدة في بداية شهر رمضان وفي ليلة القدر، فما هو؟ وما قصّته؟ انظروا لمخطوطات جميلة لدعاء الجوشن الكبير في المكتبة الوطنية.

مخطوطة إيرانية للجوشن الكبير، أواخر القرن السابع عشر، مجموعة المكتبة الوطنية

مخطوطة إيرانية للجوشن الكبير، أواخر القرن السابع عشر، مجموعة المكتبة الوطنية

تعني كلمة “الجوشن” الدّرع الثقيل الّذي يلبسه المحارب، ووفقًا للرواية الشّيعيّة فإنّ الدعاء سُمّي بهذا الإسم لأنّه نزل على النّبي محمد عن طريق الملاك جبريل خلال قتاله في إحدى الغزوات، فتلاه عليه جبريل وأمره بترك الدّرع الحديديّ الضّيق وبترديد هذا الدّعاء ليحميه بدلًا عنه،  ثمّ نقله عنه بعد ذلك عليّ بن ابي طالب إلى ولده ومن ثمّ إلى حفيده زين العابدين الملقّب بالسّجاد، فوصلنا عن طريق المجلسي الأصفهاني وحسين النوري الطبرسي وغيرهم من راوية الحديث الشّيعي.

الشيعة: مخطوطات وكتب رقمية من بغداد وطهران للتنزيل

يُحفظ دعاء الجوشن ويُردد منذ مئات السّنين عند الطائفة الشّيعيّة في مناطق عدّة لا سيّما في رمضان وفي ليلة القدر على وجه الخصوص. له عدّة شارحين وما زال الى اليوم يُطبع دعاء الجوشن الكبيرعلى هيئة كتب صغيرة تُحمل في الجيب، ويُترجم إلى الفارسيّة والتركية والإنجليزيّة وغيرها من اللغات مع الاحتفاظ بالنّص العربي كمتن إلى جانب الترجمة من أجل فهم العبارات، تمامًا كما تُطبع أجزاء من القرآن الكريم في البقاع الواسعة للعالم الإسلامي. كما تتواجد مخطوطات عديدة لدعاء الجوشن الكبير، وذلك لمكانته الخاصة عبر العصور.

 

مخطوطة إيرانية لدعاء الجوشن كتبت عام 1112هـ 1701 م، مجموعة المكتبة الوطنية
مخطوطة إيرانية لدعاء الجوشن كتبت عام 1112هـ 1701 م، مجموعة المكتبة الوطنية

 

يبدأ دعاء الجوشن الكبير بالبسملة والصلاة على النّبي محمد وعلى آل البيت، لا يحمل الكثير من الأدعية الّتي تأتي على شكل طلب أو رجاء من الإله، إنّما هو تسبيح وطلب واحد متكرر مثل اللازمة الشّعرية: “الغوث الغوث، خلّصنا من النّار“، أمّا المضمون الرّئيسي للجوشن الكبير وما يكوّنه بالفعل هو أكثر من ألف اسم او صفة لله تعالى، يتم الاستغاثة بها من خلال ترديدها على شكل مجموعة من الأسماء تشكّل المقطع الواحد من بين ال 55 مقطع للجوشن الكبير. يفتتح الدّعاء بالمناجاة “اللهم إنّي أسألك باسمك يا الله” ومن ثمّ يأتي المقطع أو المجموعة من الأسماء والصّفات، وتُذيّل كل مجموعة بدعاء متكرر وهو الإغاثة من النار. يبدو كل مقطع من مقاطع الجوشن على هذا النّحو:

فاتحة الدّعاء تبدأ كما يلي:

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وعلى آل محمّد

اللهم إنّي أسألك باسمك يا الله:

ومن ثمّ يبدأ المقطع الأوّل من الأسماء والصفات لله تعالى موزونة بصيغة شعرية ويصل عددها في كل مقطع إلى أحد عشر اسم او صفة. فمثلًا في المقطع الأوّل:

يا رحمن يا رحيم يا كريم يا مقيم يا عظيم يا قديم يا عليم يا حليم يا حكيم.

ومن ثمّ تأتي العبارة التي تتكرر كما هي بعد جميع المقاطع ال 100 للدعاء: سبحانك لا إلا إله إلّا أنت الغوث، الغوث خلّصنا من النار يا رب“.

هكذا يكون انتهى المقطع الأوّل. ويبدأ بعده المقطع الثّاني مباشرة بدون العودة على الفاتحة “اللهم إني أسألك..” بل بمناجاة الله بالمجموعة التالية من أسمائه وصفاته فيبدأ المقطع الثاني على هذا النحو:

يا سيّد السادات يا مجيب الدّعوات يا رافع الدّرجات يا وليّ الحسنات يا غافر الخطيئات يا معطي المسألات يا قابل التّوبات يا سامع الأصوات يا عالم الخفيّات يا دافع البليّات

ويختتم المقطع بذات العبارة المتكررة في آخر كل مقطع آخر:

سبحانك لا إله إلا أنت الغوث خلّصنا من النّار.

يبدو من قراءة نصّ الدّعاء بتمعّن انّه يحيط بكل جوانب وصف الخالق في التّراث الإسلامي، والّتي غالبًا ما تتحدّث عنه من خلال الإشارة إلى المخلوقات لأنّها من صنعه، فتدلّ على الخالق من خلالها. ويتربّع الإنسان ومصلحة الانسان في قلب هذه المعادلة اللغويّة والأدبيّة. فالإنسان – المناجي – يتوجّه إلى الله بصفته أفضل من يمكن للإنسان أن يتوجه إليه.

والمقطع السّتين هو أفضل نموذج لذلك:

“يا كافي من استكفاه، يا هادي من استهداه، يا كالئ من استكلاه، يا راعي من استرعاه، يا شافي من استشفاعه، يا قاضي من استقضاه، يا مغني من استغناه، يا موفي من استوفاه، يا مقوّي من استقواه يا وليّ من استولاه”

إلّا أنّ الدعاء في عمومه يستند إلى الجماليّة اللغوية في القرآن ويقتبس منه، وهو على سبيل المثال يبدأ بأوّل وصف للخالق ورد في القرآن الكريم وهو “الرحمن الرّحيم”.

فسّر دعاء الجوشن الكبير ثلّة من العلماء السّنة والشّيعة، من أشهرهم ملّا هادي السبزواري أحد العلماء الرّوحانيين والفلاسفة في إيران القرن التّاسع عشر، وتفسيره يعتمد على المعاني الروحانيّة والفلسفيّة للدعاء وأيضًا تفسير لغوي.

غلاف لطبعة طهرانية لشرح الجوشن الكبير للملا هادي السبزواري
غلاف لطبعة طهرانية لشرح الجوشن الكبير للملا هادي السبزواري

بالطّبع، تسمية الجوشن الكبير هي إشارة من أجل التفريق بين هذا الدعاء وبين دعاء الجوشن الصّغير، وهو دعاء واسع الانتشار كذلك، منقول عن موسى بن جعفر الإمام السّابع عند الشيعة الامامية.

في الموروث الشّيعي هناك فضائل كثيرة لدعاء الجوشن، غالبا ما يتم ذكرها في مقدمة الكتاب قبل البدء بالدعاء، ومنها توصيات بقراءته في أول شهر رمضان أو في ليلة القدر، وكتابته على كفن الميّت، وغيرها. ولذلك كثيرًا ما نجد دعاء الجوشن الكبير في مخطوطات ضمّت مجموعة من الأدعية المأثورة واشتملت على دعاء الجوشن الكبير. لجميع المخطوطات التي اشتملت على الجوشن الكبير في فهرس المكتبة الوطنية.

الصّحيفة الكاملة السجّادية: مخطوطة إيرانية مزوّقة

الصحيفة السجّادية هي مخطوطة مزوّقة تعود لإيران في أواخر القرن السّابع عشر للميلاد ومكتوبة بكلتا اللغتين العربيّة والفارسيّة، نستعرض في هذه المقالة أجملها.

السرلوحة المذهّبة والملوّنة بالأزرق اللازوردي

السرلوحة المذهّبة والملوّنة بالأزرق اللازوردي

تعتبر الصّحيفة السجّادية العمل الأوّل الّذي تناقل المسلمون فيه مجموعة من الأدعية الموثّقة لترديدها. وللصّحيفة السّجاديّة مكانة هامة عند الشّيعة، وتعتبر الكتاب الثالث من حيث الأهميّة الروحانية بعد القرآن الكريم وكتاب “نهج البلاغة” المنسوب لعليّ بن أبي طالب، حتّى أن لها أسماء أخرى مثل: “أخت القرآن” و”إنجيل أهل البيت” وغيرها. في المكتبة الوطنية بعض المخطوطات الجميلة للصحيفة السجّادية، نستعرض في هذه المقالة أجملها، وهي مخطوطة مزوّقة تعود لإيران في أواخر القرن السّابع عشر للميلاد ومكتوبة بكلتا اللغتين العربيّة والفارسيّة.

 

المؤلّف

ولد عليّ بن الحسين الملقّب بزين العابدين في المدينة المنوّرة تقريبًا في العام 658 للميلاد. ترعرع في كنف عمّه وأبيه الحسن والحسين حفيديّ النّبي محمّد المحببان إليه. يُقال إنّ أمّه شهربانة ابنة آخر ملوك فارس الكسرى يزدجرد الثّاث، والّتي أحضرت إلى المدينة جارية إلى أن تزوّج منها الحسين بن عليّ، ولهذا كان من ألقاب زين العابدين أيضًأ “ابن الخيارتين”، أي ابن الأخيار من الناحيتين، أخيار قريش من ناحية العرب وأخيار الفرس من ناحية العجم.

كان زين العابدين صبيًا ضعيفًا حين وقعت حادثة كربلاء الشّهيرة في العام 680 للميلاد. حينها قُتل معظم رجال عائلته إلّا أن عمّته زينب حمته بنفسها، وتوسّلت للقائد الأمويّ عمر بن سعد أن يتركه ليعيش، وبعد سبيه مع النّساء إلى دمشق سُمح له بالعودة إلى المدينة حيث أمضى بقية حياته بالحزن على عائلته وبالتزهّد والعبادة ونقل الحديث، وعرف عنه الورع والانشغال بالصّلاة حتّى لُقّب بالسجّاد أي كثير السّجود، وزين العابدين أي أفضل العابدين.

رَفض زين العابدين الانخراط في أي شكل من أشكال المعارضة السّياسيّة للدولة الأموية، مما أضعف أحقّيته بالإمامة في نظر فئة صغيرة من الشيعة في ذلك الوقت، لا سيّما الفئة التي عُرفت بالـ “توّابين” الّذين ثاروا على الحكم الأموي بهدف الثأر لدم الحسين وإزاحة حكم الأمويين عن الكوفة.

أنجب زين العابدين خمسة عشر طفلًا، وعاش حياة روحانيّة في المدينة المنوّرة ترك خلالها الكثير من القصص التي تدل على الورع والحكمة. أحبّه الناس لجدّه الأكبر النّبي محمّد وأشفقوا عليه لرؤيته مذبحة عائلته، وتعتبر الصّحيفة السّجادّية، وهي مجموعة من الأدعية المنسوبة إليه، عملًا هامًا في العبادات والتّراث الشّيعي، وهي من أهمّ الكتب بعد القرآن ونهج البلاغة.


الصّحيفة الكاملة السّجاديّة

المقصود بالصّحيفة هو الكتاب، وتسمّى السّجاديّة نسبةً لصاحبها السجّاد زين العابدين، أي كتاب السجّاد، أما وصف “الكاملة” فمعناه التّامة والغير ناقصة وهو نوع من أنواع المديح، أي أنّها لا يمكن ان تبلغ من الكمال أكثر مما هي عليه.

تُعتبر الصّحيفة السجّادية نصوص شاعرية وروحانية وآية في التضرّع والتّواضع، وبكلمات ويليام تشيتيك، هي نموذج للرّوحانيّة الإسلاميّة المبكّرة والفريدة، والّتي تتمثّل بسعي المؤمن إلى الكمال من خلال علاقته مع الخالق.

تحتوي الصّحيفة الكاملة السجّادية على أدعية مقسّمة لأبواب، فهناك لكل حالة يمكن أن يعيشها الإنسان دعاء كان السجّاد يتضرّع به، وهي معدّة ومقسّمة لأبواب فيستخدمها القارئ كدليل للدّعاء، فإن كان مريضًا مثلًا، يذهب إلى باب الدّعاء عند المرض ويتلو ما جاء فيه بصوت عالٍ وورع، ومن هنا فإن للصحيفة مكانة قدسيّة في التراث الشيعي، إذ لم تتناقلها الأجيال لكي تعرف كيف كان يدعو السّجاد الله من باب المطالعة والاحتفاظ بالإرث فقط، إنّما استخدمت الصّحيفة للصلوات الشّخصيّة اللحوحة وفي الحياة اليوميّة وفي الأحداث الصّغيرة والكبيرة وعند الفرح وعند الحزن وعند المناجاة وعند الشّكر.

بحسب التّراث الشّيعي، كان زين العابدين يردّد هذه الأدعية وقام بتحفيظها لأولاده من بعده، ثمّ أصبحت معروفة وأخذ أهل الشّيعة يحفظونها ويعلّمونها أولادهم. وبحسب علماء الحديث فإن الصّحيفة متواترة بالفعل، وان نسبتها للإمام الرابع زين العابدين عليّ بن الحسين على الأغلب صحيحة. ولكن مع الوقت تمّ زيادة بعض الإضافات وهناك اختلاف على أصل بعض أجزائها، ولكن هناك اتّفاق عام على أن الجزء الأكبر والمركزي منها يعود لزين العابدين بالفعل.

 

 جلدة مخطوطة الصّحيفة الكاملة
جلدة مخطوطة الصّحيفة الكاملة

ترجمها إلى الفارسيّة محتشم إصفهاني ونسخها عبدالله اليزدي، وأغلب الظّن أنّ الترجمة الفارسيّة كُتبت بخطّ يد محتشم في عام 1100 للهجرة 1688 للميلاد.

تتميّز هذه النّسخة بعدّة أمور، أولًا بجلدة فنيّة وملمّعة بالطّلاء صنعت لتلائم فحوى الصّحيفة ككتاب للدّعاء، مزيّنة بأشكال الزّهور المتداخلة وزواياها مرسومة بالأشكال الهندسيّة الجميلة، وفي مركزها طُبعت العبارة “قال رسول الله صلّى الله عليه وآله الدّعاء سلاح المؤمن وععمود الدّين ونور السموات والارضين”، وفي الجزء العلوي “يا مجيب الدعوات” وفي الأسفل “يا كافي المهمات”.

أمّا الصّفحة الأولى فتترأسها سرلوحة بديعة مذهّبة، ومزيّنة بأشكال الزّهور والنّباتات المتداخلة، وبها يلمع اللون الأزرق الفاخر المستخرج من حجر اللازورد. ويمتدّ رسم النباتات والزهور ليملأ كافة هامش الصفحة الأولى والثّانية. السّرلوحة أو السرلوح هي الزخارف التي تفتتح بها المخطوطات وهي تتشابه في هيكل المبنى. يعتبر عادة ان السّرلوحة مقتصرة على المصاحف إلا انها في الحقيقة منتشرة بكثرة في المخطوطات العثمانيّة والفارسيّة من غير المصاحف، ومخطوطة الصّحيفة الكاملة السّجاديّة التي نعرضها هنا خير مثال على ذلك، فهي ليست مصحف ولكن تمّ تزويقها وتذهيبها بسرلوحة للدلالة على تقديرها.

بعد الصّفحة الثّانية يستقرّ شكل الصّفحات من حيث التّزويق والعناية الخطّية ويبقى كما هو إلى آخرها; خطّ النّاسخ بالحبر الأسود وخطّ المترجم بالحبر الأحمر بين السّطور المرسومة بعناية، والهوامش مذهّبة بلطف ومعزّزة بالحبر الاحمر من الداخل وبالحبر الاسود من الخارج.

التكعيبة أسفل الصفحة اليمنى
التكعيبة أسفل الصفحة اليمنى

 

خارج الهوامش نجد ملاحظات عديدة، غالبًا بخط المترجم، باللغة الفارسية. ونلاحظ أيضًا استخدام أسلوب التكعيبة بترتيب الصّفحات، فتجدون أن الأحرف الّتي تبدأ بها الصّفحة على اليسار تكون مدوّنة أيضًا في أسفل الصّفحة اليمنى، وذلك لضمان عدم اختلاط الصّفحات عند تخييطها وتجليدها.

جدول في آخر المخطوطة عن آل البيت ومعلومات حولهم
جدول في آخر المخطوطة عن آل البيت ومعلومات حولهم

 

في آخر المخطوطة نجد قائمة بأسماء آل البيت وبها تواريخ ولادتهم والمدينة التي ولدوا فيها وتوفوا فيها ومعلومات أخرى حولهم.

تعبّر العناية الجماليّة لهذه المخطوطة على قيمتها التّراثيّة لدى الشّيعة، إذ تبدو لأوّل وهلة وكأنها نسخة من القرآن الكريم. في المكتبة الوطنيّة نماذج إضافيّة من مخطوطات للصحيفة الكاملة، يمكنكم تصفّحها هنا وملاحظة الفروق فيما بينها.

الإجازة في التّراث الإسلامي – إجازة الآخسخوي في المكتبة الوطنية

تعتبر الإجازة تقليد عريق في المدارس الإسلاميّة عبر التّاريخ منحت رُخصة لنقل النصوص التّراثيّة وممارسة علوم معيّنة. تعرّفوا على إجازة جميلة كُتبت في إسطنبول في منتصف القرن التّاسع عشر.

إجازة الآخسخوي، 1862، مجموعة يهودا، المكتبة الوطنية

إجازة الآخسخوي، 1862، مجموعة يهودا، المكتبة الوطنية

نعرف اليوم بحور عديدة من العلوم التّراثيّة في الدّين الإسلامي، والّتي تأصّلت عبر قرون عديدة وصولًا إلى النّبيّ محمّد وصحابته منذ ظهور الإسلام، من قراءات القرآن إلى الحديث والفقه والتّفسير وحتّى علوم اللّغة العربيّة. تمنحنا الإجازات المتبقّية اليوم فرصة للتعرّف على آلية عمل هذا التّأصيل عبر التّاريخ، وعلى الرّجال الّذين نقلوا هذه العلوم وعلى التّقاليد والقيم التّربويّة الّتي رافقت مسير من أراد أن يسعى وراء العلم في البلاد الإسلامية.

تصفحوا بوابات في علوم الدين الإسلامي

في هذه الحالة، إجازة الآخسخوي مثال جميل لتتبّع مبنى وفحوى إجازة عامّة مرموقة من عاصمة الدّولة العثمانيّة في منتصف القرن التّاسع عشر، منحها نعمان بن محمد بن إبراهيم الآخسخوي (نسبة الى مدينة آخسخه كورجستان) في  رجب عام 1278 هجري/ 1862 ميلادي، للسيد علي الرضا الإستانبولي بن محمد أمين رئيس المشائخ، الواعظ بجامع أيا صوفيا الكبير حينها. هي إجازة نفيسة ومزوّقة، تزوّدنا بموعظة عن أهمّية العلم الشّرعي في الإسلام، وبسلسة إسناد الشّيخ الآخسخوي مانح الإجازة، وبوصاياه لملتقّي الإجازة في العلم والدّين والحياة.

إجازة الآخسخوي لعلي الرّضا الإستانبولي

الإجازة عبارة عن رخصة أو اعتراف أو تأهيل رسمي، تخوّل الحاصل عليها لنقل نصوص تراثيّة أو تعليمها، أو تشهد بتلقّيه علوم دينيّة مختصّة على يد شيخ أهل لذلك. أي أنّها توازي إلى حدّ ما الشّهادة الجامعيّة اليوم. أمّا إجازة الآخسخوي لعلي الرّضا الإستانبولي فتصنّف بالإجازة العامّة، وهي درجة علميّة أقل من تلك الّتي تمنحها الإجازة المتخصّصة في علوم معيّنة. كما تعتبر شهادة التّخصص في درجة الدّكتوراة درجة علميّة أعلى من شهادة الباكالوريوس.

نعلم من الصّفحات الأولى للإجازة من كاتبها ومانحها فيشير النّص إلى كاتبه “وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه القدير، غبار أقدام الفضلاء، وعثار مسالك الصّلحاء، نعمان بن محمّد بن إبراهيم الأخسخوي، أوصله الله تعالى إلى معرفته أجلّ النعماء، وأكمله بدوام عبوديّته شكر الآلاء، إنّ العلم أنفسُ ما صُرفت به نفايس الأعمار.”

من تعريفه المتواضع بنفسه، عرفنا اسم الشّيخ وكنيته “الأخسخوي” نسبة إلى مدينته، الّتي لا تظهر في خاتمة الإجازة ولا في خاتمه الشّخصي الّذي طُبع عليها. وقد أورد تعريفه بنفسه قبل أن يبتدئ بمقدّمته البليغة حول مكانة العلم ورفعته، وبعد أن افتتح النّص بحمد الله والصّلاة على نبيّه وآله وصحبه والتّابعين، كما هي العادة بافتتاح أي نصّ من نصوص العلوم الإسلاميّة.

ثمّ يعدّد الآخسخوي الآيات الّتي تعلي من شأن العلم في القرآن الكريم، وتبعها بالأحاديث النّبويّة الّتي تتمحور حول ذات الموضوع. ثمّ يعرّج على أهمّية الإسناد، وهو العمود الفقري للإجازة ولباع كبير من العلوم الإسلاميّة، إذ بكلمات الآخسخوي “وقد خُصّت هذه الأمّة ببقاء الإسناد وهو من الدّين ولولاه لقال من شاء ما شاء”. والإسناد هو إثبات أصالة النّصوص والعلوم المتناقلة بتزويد أسماء الرّجال الّذين تدحرجت هذه المعلومات من خلالهم حتّى وصلت الى المتحدّث، ليثبت اتّصال معرفته وصحّتها إلى النّبي محمّد وصحابته. وهو ما يقوم الآخسخوي بعرضه، بعد أن يعرّف بمتلقّي الإجازة، والّذي بسبب حصوله عليها سيصير جزءًا من هذا الاسناد. ومن خلال تعريف تعريف الآخسخوي بعلي الرّضا سنعرف سبب تزويق الإجازة الملفت:

“وإنّ ممن لاحظته العناية الربانيّة وحفّته الهداية الرّحمانية حتّى حضر مجلس هذا الأدنى (يشير إلى نفسه) واعتنى في تحصيل الفنون بالجد الأعلى، ونال منها النّصيب الأوفى، المولى العالم العامل، والفاضل الكامل، البارع المحقق الصالح، الفائق المدقّق الفالح، آثار المجد في جبينه لامعة، وشمس الهداية من أفق عرفانه طالعة، شعاع استعداده كاد أن ينبسط على نفوس المستعدين، وضياء أفادته قرب أن يحرك همم المستفيدين، خلاصة الأخوان عمدة الأوان، أعني به الحاج الحافظ السيد علي الرضا الأستانبولي المدرس بدار الخلافة العليّة ابن السيد محمد أمين المشتهر برئيس المشايخ السلاطين العظام الواعظ بجامع أيا صوفية كبير ابن السيد عمر بن حمزة الخربوتي الشهير بالمحدّث حفظه الله تعالى…”

نفهم إذًا أنّ متلقّي الإجازة، علي الرّضا الأستانبولي، لم يكن تلميذًا عاديًا لدى الشيخ الآخسخوي في أستانبول، إنّما كان موظّفًا بدار الخلافة، وكان ابنًا لواعظ جامع أيا صوفيا أحد أكبر جوامع عاصمة الخلافة، وأنّه ينتمي لأسرة من العلماء والشّيوخ وأنّ لهذه المكانة العالية، قام الآخسخوي بتعريفه في صفحتين، بين الألقاب والمدح والتّبجيل والدّعاء له. لكن يُعلمنا النّص أيضًا، أنّ الإجازة لم تُمنح إلى الحاج والمدرّس الكبير في دار الخلافة كنوع من انواع الإكرام والمجاملة، إنّما يؤكّد الآخسخوي أن المذكور حضر مجالسه بالفعل، وبدى منه الجدّية والاستفادة.

إجازة الآخسخوي لعلي الرّضا الأستانبولي
إجازة الآخسخوي لعلي الرّضا الأستانبولي

 

يكمل الآخسخوي “ثمّ طلب منّي الإجازة ظنّا منه أنّي أهل لذلك مع علمي أنّي لست من رجال تلك المسالك، فحسّنت ظنه فأجزت له بأن يروي ما يسوغ لي وعنّي روايته من جميع العلوم نظريّة وعمليّة عقليّة ونقليّة حديثًا وتفسيرًا أصولًا وفروعًا.” ومن هنا نعلم أنّ الإجازة عامّة، وأن علي الرّضا لم يتخصصّ بإحدى تلك العلوم على يد الشّيخ.

هنا ينتهي الجزء الأوّل من كل إجازة، المقدّمة البلاغيّة والتّعريف بالمجيز والمجاز، ويبدأ الجزء الثّاني والأطول والّذي يعتبر كنز من المعرفة التاريخيّة، وهو الإسناد. يعتبر الإسناد فرصة رائعة للتعرّف على الخلفيّات الاجتماعيّة والثّقافيّة لصانعي المعرفة الدّينيّة عبر العقود، إذ لا يحتاج الباحث لجهد كبير ليعرف من أين أتى العالم الفلاني بتلك الفكرة أو بتلك المعلومة، فإن كانت إجازة هذا العالم متاحة للباحث، فبإمكانه الرّجوع عليها لمعرفة منابع علومه. يعرّفنا الإسناد على القناة البشريّة الّتي أوصلت هذه المعرفة والنّصوص إلى يومنا هذا، ويدلّ على أهمّية الإسناد ومدى التّعامل معه بجدّية عبر العصور.

من إسناد الآخسخوي
من إسناد الآخسخوي

 

أما الآخسخوي فيبدأ إسناده من الشّيخ محمّد أسعد الشّهير بإمام زاده أحد كبار عصره الّذي تتلمذ الآخسخوي على يديه، ويمتدّ إسناده مرورًا بالكثير من الأسماء المعروفة في علم الفقه والتّفسير والحديث، أمثال الخادمي والرّملي والأنصاري وابن حجر والتفتازاني، يعرّف بهم جميعًا بلغة التّعظيم، ويذكر أسماء كتبهم الشّهيرة ومشايخهم الكبار، ويورد بعضًا من الأحاديث الّتي رواها عن بعضهم. فمثلًا، في روايته الحديث النّبوي الشّهير (من يقل علي ما لم أقل فليتبوء مقعده من النّار)، يبدأ الإسناد عند إستاذه مرورًا بصالح بن إبراهيم الجينيني وآخرين، مرورًا بامرأة تدعى عايشة بنت محمد بن الهادي الدّمشقيّة، وهكذا حتّى يصل إلى سلمة ابن الأكوع عن لسان النّبي. ويلخّص الآخسخوي غايته من اختيار هذا الحديث ليرويه فيقول عن لسان معلّمه “فبيني وبين البخاري أربعة عشر رجلًا. وأعلى ما للبخاري الثلاثيات فيكون بيني وبين النّبي عليه السلام ثمانية عشر رجلًا. قال وهذا في غاية العلو ولا يمكن في هذا الوقت أعلى من ذلك فيما أعلم والله سبحانه أعلم”.

من إسناد الآخسخوي
من إسناد الآخسخوي

 

ينتهي الآخسخوي من سرد إسناده فيقول “هذا تمام الإسناد”، ويختتم الشّيخ إجازته بتوصيات وعظة لمتلقّي الإجازة في ثمانية صفحات، يضع فيها كلّ ما لديه ليذكّر نفسه وتلميذه به من العبادة، وترك ما لا يعنيه، والتّمسّك بالله والتّزهّد في الدّنيا، والتّواضع وصحبة الفقراء.

من وصايا الآخسخوي لعلي الرّضا
من وصايا الآخسخوي لعلي الرّضا

 

قفلة الإجازة المزوّقة، وخاتم الآخسخوي
قفلة الإجازة المزوّقة، وخاتم الآخسخوي