هاوي الجمع يوحنان بن دافيد
هذا المقال مترجم عن راحيل غولدبيرغ
في صباح يوم سبت من العام 1969، توقفت سيارتان تابعتان لسفارة إسرائيل خارج مبنى سكني يبدو عاديًا في شمال لندن. كان مالِك الشقة، هاوي الجمع يوحنان بن دافيد، قد توفي قبل ذلك بفترة وجيزة. قبل وفاته، أورث بن دافيد دولة إسرائيل مجموعته الفنية بالكامل، والتي اعتبرها “مجموعة رائعة، لا مثيل لها في المتحف البريطاني أو في متحف القاهرة”. وبالفعل، فقد عُرضَ جزء من المجموعة في مطلع القرن العشرين في صالات عرض مرموقة، ولكنّ أحدًا لم يعرف حجم المجموعة الحقيقي ومحتوياتها.
عندما قام طاقم السفارة بفتح الغرف، والتي كانت مُقفلة لمدة طويلة، اكتشف كنزًا مُغلقًا يحتوي على مخطوطات، سجّاد، أسلحة ومختلف القطع الفنية من الهند وبلاد فارس. فور اكتشاف هذا المشهد المفاجئ، تم تجنيد موظفين إضافيين وسيارات إضافية لنقل المجموعة إلى مقر السفارة. ومن هنا، شقّت المجموعة طريقها إلى إسرائيل تدريجيًا، عبر الحقيبة الدبلوماسية.
تشكّل مجموعة يوحنان بن دافيد القاعدة الأساسية لمجموعة الفنون الإسلامية في متحف إسرائيل، وتشكل فاتحةً لمجموعة المخطوطات الإسلامية في المكتبة الوطنية. ولكن مع أنّ المجموعة كبيرة، مُدهشة وتدل على مهنية هاوي الجمع وذوقه المميز والرفيع، إلّا أنّ بن دافيد غير معروف تقريبًا لدى الجمهور العام.
كوب نارجيلة بنمط قاجاري، إيران، القرن الـ 19. نحاس مطليّ بالقصدير، ومرصّع بالذهب. متحف إسرائيل، القدس. تِركة يوحنان بن دافيد، لندن. 2017.040.0344. تصوير © متحف إسرائيل، القدس
ولد يوحنان بن دافيد (بالفارسية: يوحنا داوود) في عام 1885 لعائلة يهودية ميسورة الحال من طهران، إيران. تنقّلت عائلته بين بلاد فارس والهند، وفي عام 1907، حضر بن دافيد إلى بريطانيا لدراسة تاريخ الفن والأدب في جامعة كامبريدج. بعد إنهاء الدراسة، بدأ بتقديم الاستشارة لمختلف هواة الجمع، من بينهم هاوي الجمع السويسري موسير (Moser). إلى جانب الاستشارة التي قدّمها للآخرين، أنشأ لنفسه مجموعة مخطوطات ذاتية. في عام 1920، تبرّع بمخطوطات فارسية للمكتبة البريطانية، خاصة رسائل لعبد البهاء ومخطوطات أخرى خاصة بالبهائيين. في عام 1925، تبرّع ببعض المخطوطات للمكتبة الوطنية التي أقيمت للتو. أوصى بروفسور دافيد إيدر، وهو طبيب وناشط صهيوني عمل في بريطانيا بتكليف من الجامعة العبرية، بقبول التبرع. بعث إيدر إلى هوغو برغمان، رئيس المكتبة في حينه، رسالةً تنصّ على أنّ المخطوطات التي قدّمها بن دافيد ستستكمل المجموعة قيد الإنشاء في مكتبة الدراسات الشرقية. يقول إنّ مكتبة جولد تسيهر، التي ألحقت بالمكتبة قبل ذلك بفترة وجيزة، شكّلت ركيزة لمجموعة الكتب في المدرسة، والتبرع الذي قدّمه بن دافيد هو مكمل لهذه المجموعة بما يحوي مخطوطات. في عام 1925، تبرّع يوحنان بن دافيد للمكتبة الوطنية بـ 39 مخطوطة في مجالات متنوعة، أبرزها المخطوطات المزخرفة للشاعر الفارسيّ حافظ الشيرازي، جلال الدين الرومي والجاميّ. تبرّع أيضًا بمخطوطات لمؤسّس الديانة البهائية، بهاء الله.
رسومات فارسية مصغّرة، من مجموعة يوحنان بن دافيد
تشير د. سيفان ليرر من الجامعة العبرية إلى أنّ بن دافيد لم يكن الوحيد الذي اعتنق الديانة البهائية إلى جانب الديانة اليهودية، فقد سَبق وفعل ذلك قبله عدد كبير من اليهود المنحدرين من أصول فارسية. في عام 1911، أتى نجل مؤسس الديانة البهائية وخليفته، عبد البهاء، في زيارة إلى لندن وباريس للالتقاء بأتباعه. خلال زيارته، زوّج بن دافيد من زوجته، رجينا خانُم. في وصف الزواج في كتاب عن رحلة عبد البهاء، كُتب أنّ عائلة العروس كانت من أتباع بهاء الله منذ فترة إقامته في العراق. يعبر بن دافيد في مذكراته عن ولائه لعبد البهاء، ولكنه يحرص على التشديد على هويته اليهودية، على سبيل المثال، كتابة التاريخ حسب التقويم العبري إلى جانب التقويم الميلادي. الألبوم العائلي الذي أعدّه يتضمّن كتاب الشروط اليهودي للزواج من رجينا.
حافظة أقلام مزخرفة بثلاثة ملائكة قاجاريين. تحمل توقيع أبو الحسن الغفاري، أصفهان، إيران، نمط قاجاري، ورق معجون ملوّن ومطليّ بالبرنيق. متحف إسرائيل، القدس وتركة يوحنان بن دافيد، لندن B69.0747 تصوير © متحف إسرائيل، القدس بعدسة عوديد لوبل
تبرّع بن دافيد مجددًا للمكتبة الوطنية في عام 1946. في تبرّعه هذا، قدّم للمكتبة الوطنية 56 مخطوطة، خاصة في مجال القوانين الإسلامية. في عام 1956، بعث رسالة إلى مدير المكتبة الوطنية، بروفسور دافيد وورمان، وطلب التبرّع بالجزء المتبقي من مجموعته بشرط مساعدته على الهجرة إلى إسرائيل والمساعدة في إعداد كتالوج المواد. رغبته الشديدة في الهجرة إلى إسرائيل لم تتحقق، وتوفي في إنجلترا بعد سنوات معدودة.
كان بن دافيد شخصًا روحانيًا جدًا. يحتوي أرشيفه، الموجود في المكتبة الوطنية، على مئات المخطوطات التي تتضمن أفكارًا كتبها بنفسه بخصوص الله، شعب إسرائيل ودور المؤمن في هذا العالم. شكّلت هذه المخطوطات ركيزة لمؤلفات لاهوتية كاملة يستعرض فيها عقيدته اللاهوتية حول مكانة شعب إسرائيل في العالم. ففي مجموعة ألّفها لذكرى شقيقه يكوتيئيل، يدعي أنّ عهد الختان هو العلامة التي تميّز الشعب اليهودي المختار، والذي حظي بحماية الله ليصرّح بحقيقته أمام العالم، و”إقامة ملكوته في الدنيا مثل ملكوت السموات”. هذا الاقتباس مماثل تقريبًا لـ “الصلاة الربيّة” المسيحية. هذا الدمج بين التقاليد يدلّ على المرونة التي اعتمدها في تبنّي تقاليد مختلفة بلورها بنفسه لينتج عنها توجّه روحاني خاص به.
صفحة من مجموعة مؤلفات يوحنان بن دافيد لذكرى شقيقه
نجد بين المحتويات المميزة في أرشيف بن دافيد كتابًا عن التاريخ العائلي الذي أعدّه بنفسه. الكتاب، المزخرف بآيات كتبها بن دافيد وزيّنها بذوق رفيع، مزيّن أيضًا بفقرات من مخطوطات قصّها بنفسه وألصقها كأطر حول الصور والشهادات المختلفة في الكتاب.
الشخصية المميزة التي تحلّى بها يوحنان بن دافيد، ومجموعته الرائعة شكّلا مصدر إلهام لثلاث معارض؛ اثنين لفنانة المنسوجات كاتيا أويحرمان “غرفة هاوي الجمع” و Rendering of Writings” و “حقيقة الأشياء” للمصوّرة عيليت أزولاي.