في ذكرى وفاة دارون؛ كيف قرأ العرب والمسلمون نظريّة التّطور؟

نقدّم لكم في هذه المقالة بمناسبة ذكرى رحيل تشارلز داروين مقتطفات من بعض الكتب العربيّة الّتي اهتمّت بنظريّة التّطوّر في الفكر العربيّ.

الصورة من منصة BBC

لا شكّ أن نظريّة التطوّر الغنيّة عن التعريف أثارت جدلًا حسّاسًا ما زال حاضرًا إلى اليوم. يضع المعتقدات الدينيّة على اختلافها في كفّة واحدة في مواجهة مع العلم في كفّة أخرى. أو على الأقل، هذا ما رآه كثيرون خلال العقود الّتي تلت خروج النّظريّة إلى النّور. والنّظر إلى قراءة الثقافات والحضارات المختلفة لها، والمتغيّرة على الدوام، يشكّل نافذة هامّة لقراءة التّعدديّة الكامنة في الثقافة الواحدة، وكيفيّة تعاملها الفكري مع محدثات العصر. وكما تقول مروة الشاكري، لقد طافت أفكار داروين الأرض أكثر مما طافها هو بنفسه. نقدّم لكم في هذه المقالة بمناسبة ذكرى رحيل تشارلز داروين مقتطفات من بعض الكتب العربيّة الّتي اهتمّت بنظريّة التّطوّر في الفكر العربيّ.

تعدّدت التوجهات الفكريّة تجاه نظريّة التطوّر والأدبيّات العلميّة المحيطة بها. والّتي وجدت طريقها إلى اللّغة العربيّة عبر ترجمات متعدّدة، كانت مجلّة “المقتطف” العلميّة الصّادرة في بيروت ومن ثم بالقاهرة منذ سبعينيّات القرن التّاسع عشر أبرزها. إذ اهتمّ كتّابها بالعلوم الحديثة ورغبوا بتقديمها لجمهور القرّاء العرب. وأظهروا اطّلاعًا مبكّرا على التّفسيرات والأدبيّات العالميّة اللاحقة لنظريّة التّطوّر والمفسّرة لها.

غلاف عدد حزيران 1876 من مجلة المقتطف، أرشيف الشّارخ الرّقمي.
غلاف عدد حزيران 1876 من مجلة المقتطف، أرشيف الشّارخ الرّقمي.

في كتابها “قراءة داروين في الفكر العربي”، تقوم د.مروة الشّاكري، الباحثة المصريّة وأستاذة التّاريخ المساعدة في جامعة كولمبيا، بتتبّع القراءات العربيّة المتنوّعة حول نظريّة التّطوّر في دراسة ضخمة ما بين منتصف القرن التّاسع عشر ومنتصف القرن العشرين. ضمن إظهار سياقاتها السّياسيّة والاجتماعيّة والثّقافيّة المؤثّرة والمتباينة.

لا يقدّم الكتاب على كلّ حال تحليلًا للأفكار والجدليّات المذكورة بقدر ما يؤرّخ لها ويضعها في سياقها التّاريخيّ. وهي خطوة هامّة لمن يريد مساءلة دوافع وظروف الأفكار قبل الخوض بها. وهي رحلة تستطيعون من خلالها تتبّع وفهم مراحل هامّة ساهمت في تشكيل الثّقافة العربيّة المعاصرة، لا سيما فيما يخصّ قضايا جدليّة التّراث والحداثة، والعلم والنّصوص المقدّسة، الإصلاح والتّقدّم، الإسلام والاستشراق وغيرها من الجدليّات الّتي طبعت اهتمام الكثير من المفكّرين العرب في تلك المرحلة المفصليّة من عمر الدّولة العثمانيّة وما زالت حاضرة في المساعي الفكريّة العربيّة إلى اليوم. تقوم الشّاكري بذلك دون اقتطاع السّياق العربي والعثمانيّ من ذلك العالميّ كما يفعل بعض المؤرّخون بالنّظر إلى تاريخ الفكر العربيّ. ولا تفسّر نشوء تلك التّوجهات من منظور تلك الثّنائيّات بعينها، كأن تعتبرها تأثّرًا من الغرب أو العكس بشكلٍ تلقائي، إنّما بردّها إلى السياقات المتداخلة بطبيعة الحال.

أمّا الرّاحل د. محفوظ علي عزّام، أستاذ الفلسفة الإسلاميّة في كليّة الدّراسات الإسلامية والعربيّة في جامعة المنيا، فيشكّل كتابه “نظريّة التّطور عند مفكّري الإسلام – دراسة مقارنة” محاولة للإجابة والفصل في رأيٍ شاع لدى العديد من المفكّرين الإسلاميين في العصر الحديث، ويقول: بأن مفكّري الإسلام القدامى قالوا بنظريّة التّطور بالفعل، أو أن القرآن الكريم يوحي في عددٍ من آياته لتلك النّظريّة. مستدلّين بكتاب “الحيوان” للجاحظ على سبيل المثال وببعض التّفسيرات القرآنيّة. من هؤلاء المفكّرين كان إسماعيل مظهر في مقدّمته لترجمة “أصل الأنواع” والشّيخ طنطاوي جوهري في كتابه “الجواهر في تفسير القرآن” وغيرهم. وهو ما دفع عزّام لإصدار هذا الكتاب لحل “اللّبس” كما رآه.


يتألف الكتاب من أربعة أبواب يفصل بها بين مفهوم التّطوّر الداروينيّ والخلق الإسلاميّ وكيف نظر له المفكّرون والفلاسفة المسلمون. يستخلص عزّام في نهاية دراسته أن رفض نظريّة التّطور أو قبولها بدوافع نصوصيّة كانت أو فكريّة إسلاميّة أمرٌ غير ممكن، وأن القول بهذا ينطوي على مغالطات عديدة، إمّا في اعتماد تفسيرات محدودة لتلك الآيات أو لعدم فهم هؤلاء المفكّرين المسلمين، أو لخطأ في فهم نظريّة التّطوّر نفسها.

ولمن يبحث منكم عن كتابٍ بالعربيّة يشرح له النّظريّة وما تلاها من تفسيرات علميّة مؤيّدة أو معارضة، فستجدون كتاب “داروين والتّطور بمنظار العلماء المؤيّدين والمعارضين” لمدرّس العلوم الحمصيّ الأستاذ دعّاس ناصيف، الّذي لم يجد تعارضًا بين الإعجاب الشديد بالنّظرية والاتّفاق العقليّ معها وبين الإيمان الرّوحانيّ بالإله الخالق.

إذ يقول دعّاس: “لم يقصد داروين أبدًا إحداث شرخ بين العلم والدّين كان يحاول فقط وصف الطّبيعة كما رآها. وكثيرون هم الآن الذين يؤمنون بأن تكون متديّنًا وتقبل الحقائق العلميّة في الوقت نفسه يعتقدون أن الله خلق الحياة الأولى على الأرض وأن جميع القوانين المدهشة، بما في ذلك التّطور، نتج عن ذلك. إن تقبل بفكرة التّطوّر لا يعني أن تتخلّى عن مشاعرك الدّينيّة الخيّرة ومبادئك الرّوحيّة السّامية”. أو بكلمات “أندرو نكسون وايت” الدبلوماسيّ الأمريكيّ الّذي اتفق معه كما تحدّثنا شاكري “فارس نمر”، أحد ملّاك دار النّشر الّتي صدرت منها مجلّة المقتطف في القاهرة، فإن “لهذا الكون إلهًا يتمتّع بالحكمة التّي تجعل سائر مساعي البحث عن الحقيقة أمرًا آمنًا، ويتمتّع بالخير الّذي يجعل كافّة مساعي قول الحقيقة أمرًا مفيدًا”.

عين على العرب؛ اليمن السعيد

تتناول سلسلة رسائل العرب مقالات من الصحافة العربية والتي هدفت إلى التعريف بالمدن والأقطار العربية، تهدف هذه الجزئية إلى التعريف بتاريخ وحضارة اليمن.

قامت الصحف الفلسطينية بتغطية أخبار اليمن بشكل كبير، إما لتوجهات عامة من أجل التعريف باليمن لكونه قطر عربي وله دوره العروبي أو من أجل التركيز على المكان الذي احتله اليمن في بناء وتطوير الحضارة العربية ومن ثم الدور القومي الذي كان اليمن جزءًا أساسيًا فيه. هنالك العديد من الأخبار الموجود حول اليمن وأدواره ضمن الوطن العربي وارتأينا في هذا المقال التركيز على جزء من صورة المشهد اليمني ودوره الحضاري في عيون الصحافة الفلسطينية خلال الفترة الانتدابية.

دولة اليمن (العربية الكبرى)

صحيفة الاتحاد العربي، 1 أيار 1926، أرشيف جرايد

تسلط صحيفة الاتحاد العربي تركيز قرّاءها على منطقة اليمن، فقامت هيئة التحرير بنشر مقال مفصل حول ذلك في عددها الصادر بتاريخ 1 أيار 1926، وتذكر فيها حول اليمن التالي:

“تعد بلاد اليمن من أخصب البلاد العربية تربةً وأجودها مناخاً وأحسنها نباتاً، ويقال أن سكانها يزيد عن عشرة ملايين. ومنذ تولى صاحب الجلالة الإمام  يحيى حميد الدين زعامة القسم الأعظم منها وهو يسعى ويجد بكل قوة لإنالة جميع البلاد اليمانية استقلالها التام تحت رعايته فبعد أن حازب الدولة العثمانية سنيناً طويلة انتهت بفوزه ونواله جل مطاليبه وقف على أثر إعلان الحرب العامة على الحياد وأصبحت القوات العثمانية من جنود وضباط ومدفعية وأسلحة ومعدات حربية مما كان في اليمن إبان الحرب العامة رهن إشارة الإمام يحيى حميد الدين الذي استفاد منها فوائد كبرى إذ تمكن أن يحفظ بلاده من اعتداء أي عدو ونظم أهل اليمن جيشاً عربياً كامل العدة والعتاد ومرّن أبناء قومه على الجندية النظامية بسنه قانون الخدمة العسكرية الاجبارية وجهّز جنوداً أحسن تجهيز وبقي كل مدة الحرب العامة ينظم أموره ويزيد قواه حتى أصبح في إمكانه أن يجهز جيشاً عرمرماً يؤلف من مائتي ألف مقاتل كاملي العدة والسلاح عدا عن قوى العشائر والبدو غير النظامية وعلى إثر انتهاء الحرب العامة، برز اليمن بجيش يمكنه القضاء على الامارات والسلطنات التي كان يلعب النفوذ الأجنبي دوره فيها فجهز حملات عسكرية لم تتمكن تلك الإمارات والسلطنات السخيفة من الوقوف أمامها بضعة أيام بحسن إدارة جلالة يحيى حميد الدين ومقدرته وقواه العسكرية تمكن من الاستيلاء على جميع البلاد اليمانية التي كانت تلاقفها الدسائس الأجنبية إلا عدن الصغيرة الواقعة على شاطئ البحر والتي الإنكليز من عهد بعيد وبعد أن استتب للإمام يحيى حميد الدين بسط حكمه ونفوذه على سائر البلاد اليمنية بما فيها سواحلها (عدا عدن) بدأ بتنظيم إدارة اليمن وتعميم المعارف والتعليم وأباح الحرية التامة للسكان في قضية المذاهب ولم يقتصر على ما عنده من مدافع ورشاشات وضباط وجنود منظمة بل هي باحضار الطيارات والسيارات المصفحة وسائر المعدات الحربية الحديثة ووسع معامل الخرطوش والسلاح الموجودة عنده من زمن طويل، ولا يزال جلالة الإمام يسعى لتقوية بلاده والسير بها نحو الحضارة لتتمكن من حفظ استقلالها التام والبعد عن النفوذ الأجنبي لأن الإمام ورجاله من أكثر ملوك العرب وأمرائهم حذراً من الأجانب فقد حاول الإنكليز مراراً أن يقيّدوه بمعاهدات سياسية كثيرة فكان بعد أن يدرسها الدرس العميق يرفضها رفضاً باتاً. وأخيراً عقد معاهدة تجارية مع دولة إيطاليا لاعتقاده بنفعها من الوجهة الاقتصادية وعدم مساسها باستقلال بلاده ومملكته.
ويعد الإمام يحيى من أكبر أغنياء ملوك العرب الحاليين إذ تقدر كمية النقود التي عنده والتي ادخّرها لأيام الشدائد بعشرين مليون جنيه ذهباً والإمام يحيى من كبار الرجال العظام في العصر الحاضر وهو يطمح بعد أن استتب له الحال في بلاد اليمن أن يقوم بخدمات كبرى لسائر البلاد العربية ويسعى الآن عطوفة المؤرخ الكبير أحمد زكي باشا مع الوفد الذي ذهب تحت رئاسته لعقد محالفة بين الإمام يحيى حميد الدين وجلالة عبد العزيز بن السعود ملك الحجاز وسلطان نجد ويكاد الوفد المشار إليه أن ينجح في مهمته فإذا نجح تصبح جزيرة العرب كتلة واحدة يديرها الملكان العربيان العظيمان يحيى حميد الدين وعبد العزيز بن السعود فتحفظ جزيرة العرب حريتها واستقلالها من طمع الطامعين وجشع المستعمرين وإنا لنعتقد ان جلالة الإمام لم يقدم على إمضاء المعاهدة التجارية مع دولة إيطاليا إلا بعد أن قتلها بحثاً وتدقيقاً بعد أن أمت عدم مساسها باستقلاله وحريته لا كما يظن البعض إن في هذه المعاهدة التجارية بسط نفوذ إيطاليا على اليمن، كلا وألف مرة كلا؛ فأهل اليمن وفي مقدمتهم صاحب الجلالة الإمام يحيى أحرص الناس على استقلال وطنهم وحريتهم من سائر أهل الأرض وغاية ما ترجوه من جلالة الإمام أن يبادر حالاً لإرسال سفرائه ووكلائه إلى سائر عواصم أوروبا بعد أن يقوم بتشكيل وزاراته الخارجية والداخلية وغيرهما على نسق الدول الحديثة ليتم له بذلك اعتراف الدول باستقلال مملكته وأن يسير بأمته وبلاده إلى المدنية الصحيحة والرقي الحقيقي فيعيد للعرب مجدهم وعزهم الغابر وما ذلك على همته بعزيز”.

النهضة العربية واليمن

صحيفة الجزيرة، 26 شباط 1925، أرشيف جرايد

اختارت صحيفة العرب أن تركز على موضوع النهضة العربية في اليمن من أجل التذكير بالدور اليمني في نهضة العرب وقد تم نشر المقال في عددها الصادر بتاريخ 24 أيلول 1932:

“لعل قليلاً من رجال العرب يعرفون الشيء الكافي عن سير القضية العربية بالنسبة إلى اليمن، بل ربما ظن الكثيرون أن النهضة العربية تكاد تكون منحصرة في الجزء الشمالي من بلاد العرب، على حين أنها في الجزء الجنوبي أقدم عهداً في رفع الصوت، وأسبق في حمل لواء الجهاد وامتشاق الحسام في سبيل الاستقلال.
فبينما كانت الأقطار العربية الأخرى في أواخر القرن الماضي حتى أوائل الحاضر تغط في نومها تحت حكم العثمانيين الترك، راضية بما قسم لها من عيش هنيء وحياة هادئة، فإذا هي تنهض على صوت الأبواق والطبول وجمع الجنود وتسييرها إلى أين إلى اليمن، ولماذا؟ لأن اليمن أعلنت العصيان على حكومة الترك، والإمام يحارب الترك، أنه يطلب جلائهم عن البلاد. هذا الذي كان يتردد على الألسنة بين آونة وأخرى وكل بضع سنوات. ولقد كان موضع الدهشة والاستغراب في تلك الأحايين أن يرفع قطر من الأقطار العربية صوته عالياً وأن يناضل ويقارع في طلب الاستقلال والتحرر من حكم العثمانيين. أليس هذا هو الواقع؟ أظن أكثر القراء شاهد هذا بأم عينيه ولا يزال يذكر ما أريق من دماء وأزهق من أرواح. أليس هذا هو بدء النهضة العربية الحديثة؟ أليست من اليمن ورجال اليمن هم من أول من حمل لواءها وخاض غمارها. إنه لا يسع الكاتب المنصف والقارئ المدقق إلا أن يعترف لليمن ورجال اليمن بفضل السبق والتقدم في هذا المضمار. وعلى رأسهم، جلالة الإمام يحيى. ليست قضية استقلال اليمن بالأمر السهل أو الحركة البسيطة فلقد ظلت اليمن عشرات السنين في عهد الإمام المنصور، وعهد نجله وخلفه الإمام يحيى بن محمد حميد الدين إمام اليمن الحالي أيّده الله، في عراك دائم وحرب طاحنة مع الترك كلّفت كثيراً من مال ودماء، بينما السكون كان شاملاً الأقطار العربية الأخرى. حتى وصلت اليمن في أواخر الحرب العالمية إلى استقلالها وتحررها من حكم الترك.
ومما هو جدير بالإعجاب أنه عندما اشتعلت نيران الحرب العالمية انقطعت الموالات بين مراكز الحكومة التركية وجيوشها الرابطة في اليمن بسبب دخولها الحرب، لقيت هذه الجيوش من جلالة الإمام كل عناية ورعاية، وأمدها بكل ما كانت تحتاج إليه من معاونة زمن الحرب، فضُرب بذلك المثل الأعلى للغيرة الإسلامية والشهامة العربية. وقد كان بإمكان جلالته والفرصة سائحة أن ينجز الحساب مع خصمه القديم وبرغم الجهود الجبارة التي يبذلها خصوم الترك لحمل كل من كان تحت سلطانهم على مناوءتهم، فإن الدسائس الأجنبية لم تجد جواً صالحاً لها في بلاد اليمن بفضل بعد نظر جلالته وحنكته، وهكذا انال بلاده استقلالها من أشرف الطرف وأصبحت صنعاء اليمن في نهاية الحرب العالمية عاصمة العربية السعيدة السعيدة المستقلة، ومليكها جلالة الإمام يحيى حميد الدين أيده الله إمام اليمن الحالي، وسيكون حديثنا إلى القراء في الرسالة الآتية عن اليمن منذ انتهاء الحرب العامة حتى يومنا هذا بإيجاز إن شاء الله ثم ننتقل إلى تناول شؤون أخرى عديدة.”

هنالك العديد من المقالات، الأخبار والمراسالات التي تختص بالشأن اليمني خلال النصف الأول من القرن العشرين، لتصفح المزيد من أخبار اليمن يمكن الولوج إلى موقع جرايد والإبحار فيه حول كيف قامت الصحف الفلسطينية بتغطية أخبار اليمن. ومن يريد أن يقرأ بعض المعلومات الطريفة عن اليمين السعيد يمكنه الضغط هنا.

عين على العرب في صحيفة العرب- البحرين

تتناول سلسلة رسائل العرب مقالات من الصحافة العربية والتي هدفت إلى التعريف بالمدن والأقطار العربية، وفي هذه الجزئية نتناول مقال صحيفة العرب، التي كان على رأس تحريرها الأستاذ عجاج نويهض، والتي عملت على التعريف بالبحرين؛ من ناحية السكان والثقافة والاقتصاد

صورة مقتبسة من التقرير الإداري لحكومة البحرين عن السنوات 1942-1943، المكتبة البريطانية

الشيخ محمد بن عيسى الخليفة برفقة وفد يرأسه مستشار الحكومة البريطانية دوق ديلريمبل بيلغراف، صورة مقتبسة من التقرير الإداري لحكومة البحرين عن السنوات 1942-1943، المكتبة البريطانية

في افتتاحية عددها الثالث الصادر بتاريخ 10 أيلول 1932، تقف صحيفة العرب ورئيس تحريرها الأستاذ عجاج نويهض عند الأحداث التي تعصف في العالمين؛ العربي والإسلامي، فتُسلّط الضوء على ما يجري لعلها تعمل على إيقاظ الشعوب المستعمَرة لما يجري من حولها من أحداث ترسم حاضر المنطقة ومستقبلها. فنرى تحية الصحيفة للزعيم السوري إبراهيم هنانو وأمانيها له بالشفاء العاجل، بعدما تعرّض لمحاولة اغتيال آثمة كادت أن تلقيه حتفه، قد غطّت ترويسة الصحيفة وأخبارها. أما الأمر الآخر الذي تتميز فيه الصحيفة، فهو تعريف القارئ والمطالع العربي بأقطار العالم العربي من خلال التعرّف على البقاع الجغرافية العربية وأهم صفاتها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لمحاولة فهم طبيعة الشعوب فيها، فهذه الزاوية الحيوية التي تميّزت فيها الصحيفة تعكس رغبتها الحقيقية في تغطية الشؤون الإقليمية المحيطة بالقُطر الفلسطيني. ولأهمية هذه الفقرة التي نشرتها الصحيفة قبل ما يقارب التسعين عامًا. وضعنا هدفنا في نشر سلسلة أطلقنا عليها اسم سلسلة رسائل بلاد العرب، وذلك باقتباس اسم الزاوية الصحفية التي نشرتها صحيفة العرب والتي قام فيها مراسل صحيفة العرب بزيارة المكان والكتابة حوله.  في هذه المرة اخترنا النشر حول البحرين، فما الذي قيل حولها يا ترى؟

العدد الثالث من صحيفة العرب، 10 أيلول 1932

 

البحرين جزيرة أم جزيرتان؟

“البحرين جزيرتان، الأولى وهي الكبرى عدد سكانها مع قراها لا يتجاوز مئة وثلاثين ألف نسمة، والأخرى سكانها من 90-100 ألف وموقعها من الخريطة معروف. أما سكان الاثنتين، فيكادون ينقسمون إلى قسمين اثنين في المدينتين (مدينة المنامة ومدينة المحرق)، إحداهما ترجع إلى أصل عربي في العادات واللغة مع وجود كلمات أعجمية وهندية وإنكليزية غير قليلة والثانية ترجع إلى أصل فارسي. وأما القرى في كلتا الجزيرتين، فسكانها من الشيعة، وهم البحرينيون الأصليون، حتى إنهم يعدّون كل من عداهم حتى شيوخ آل خليفة –حكام البحرين- دخلاء، لا يرضون عن أحد منهم مطلقًا، ولغتهم هي العربية، وعيشتهم قريبة من عيشة أهل البادية”.

رسالة البحرين، صحيفة العرب، العدد الثالث بتاريخ 10 أيلول 1932

الزراعة عند البحرينيين؛ زراعة تقليدية وزراعة دخيلة
“البحرينيون الأصليون هم المزارعون في كلتا الجزيرتين، والزراعة عندهم مقتصرة على النخيل، والقت الذي هو (القصفصة) غذاء الدواب ولا غذاء غيره، إلا ما يؤتى به من الخارج من حبوب على اختلافها. وفي السنوات الأخيرة، تشوق بعض الغرباء الأعيان أصحاب الأراضي لزراعة الخضار ولا تزال أنواع عديدة من الخضار مجهولة عند البحرينيين”.

مدن البحرين- المنامة والمحرق

أما سكان المدينتين، “المنامة والمحرق، فلا يعملون إلا في الغوص، ويترفعون عما سواه من زراعة وتجارة، والغوص في العامين الأخيرين أصبح تجارة بائرة (لا نفع منها) وقد أفلس كثيرون ممن كانوا من أصحاب الثروات الطائلة. والذين يملكون معاشهم بسبب نقد أقل من السبع أو الثُمن من مجموع السكان، وإذا كانت الزراعة بأيدي البحرينيين الشيعة فإن التجارة في أيدي الأعاجم من فرس وهنود، والصناعة كذلك ما دام أخونا العربي يعدّ نفسه فوق أن يصنع وأعلى من أن يتاجر”.

مشاكل البحرين؛ الأمية والترفع عن الصناعة والتجارة

بناءً على كلام المراسل آنذاك “الأمية عامة شاملة والقراءة والكتابة منحصرتان في اثنين أو ثلاثة بالمئة من مجموع السكان، وربما كانتا في الألف، على أنهما في حكم المعدوم ولا أراني مبالغًا إذا قلت أنه لا يوجد في سكان البحرين إلا قليل من الرجال الذين يعتادون المطالعة، وأحد شيوخ آل خليفة هو الأديب الأوحد في البحرين وعمره قريب من الثمانين واسمه الشيخ إبراهيم بن محمد وولداه، وهؤلاء الثلاثة هم الذين يقرأون الصحف وقد سمعتُ أن صحفًا كثيرة ترد لآخرين من الشيوخ لكنهم لا يقرأونها إلا قليلًا، اللهم إلا أخا الحاكم الشيخ محمد ابن عيسى ولم أسمع بواحد من غير هؤلاء يدمن المطالعة”.

قارب لصيد اللؤلؤ، صورة مقتبسة من التقرير الإداري لحكومة البحرين عن السنوات 1926-1937، المكتبة البريطانية.

للبحرين تاريخ طويل وباع طويل في الصيد وخاصة صيد اللؤلو، وهذا جعلها مطمع للكثير من المناطق المجاورة والبعيدة؛ من الفرس وحتى الإنكليز، وهذا ما جعلها مسرح للعديد من اتفاقيات الحماية والاستعمار. في جرايد– أرشيف الصحف العربية من فلسطين العثمانية والانتدابية، هنالك العديد من الأخبار والعناوين التي تشرح الكثير حول البحرين وكيف كانت النظرة حولها؛ سواء نظرة الصحافة العربية أو تحليل الصحافة العربية لنظرة الاستعمار حول هذه البقعة من العالم العربي. لتصفح أخبار البحرين التاريخية بالصحافة الفلسطينية، اضغطوا هنا

يرجى التدخين: عبد الغني النابلسي وجدل التبغ العثماني

الدفاع المستميت لمفكّري القرن السابع عشر المسلمين عن التدخين يسلّط الضوء على ارتباط العادة بالحداثة وبمفهوم الترفيه.

رجل يدخّن نارجيلة من القدس، 1875، التقطت بعدسة المصوّر الإنجليزي فرانك ميسون غود (1839-1928)، من مجموعة المكتبة الوطنية الإسرائيلية

رجل يدخّن نارجيلة من القدس، 1875، التقطت بعدسة المصوّر الإنجليزي فرانك ميسون غود (1839-1928)، من مجموعة المكتبة الوطنية الإسرائيلية

الشرق الأوسط عاشق للسجائر. حتى مع انخفاض استهلاك التبغ عالميًا، لا يزال التدخين رائجًا في بيروت والقاهرة، والرياض- وفي تل أبيب أيضًا، بل وتشهد بعض البلدان ارتفاعًا في معدّلات التدخين. يشير تقرير صدر مؤخّرًا  إلى أنّ الأردن هي من البلدان الأكثر استهلاكًا للتبغ في العالم: أكثر من %80 من الرجال الأردنيين هم مدخنون منتظمون، بمعدّل 23 سيجارة في اليوم.

في مديح التدخين وذم والمُدخنين

مع أنّ التبغ يبدو جزءًا من النسيج الحياتي اليومي للمنطقة في عصرنا الحالي، إلّا أنّه لم يكن دومًا كذلك. عندما أدخل التبغ، القادم من الشعوب الأصلانية في العالم الجديد، لأول مرة إلى الإمبراطورية العثمانية في منتصف القرن السادس عشر، أثار الأمر جدلًا حادًا. هل التبغ مفيد أم مضر؟ هل التدخين مباح في الإسلام، أم يجب تحريمه؟

العديد من الواعظين، القادة الدينيين والمسؤوليين الحكوميين خاضوا هذا الجدل. ولكن أحد أبرز الأصوات في حينه كان عبد الغني النابلسي، شخصية فريدة، ومفكّر وفقيه صوفي ذو نفوذ قوي. كتب النابلسي أطروحة في مديح التدخين، الصلح بين الإخوان في حكم إباحة الدخان، والمخطوطة المأخوذة عن النسخة المدوّنة بخط يد المؤلّف نفسه، والتي تعود إلى العام 1774، هي واحدة من أعمال النابلسي العديدة الموجودة في المكتبة الوطنية الإسرائيلية. كيف أمكن لهذا الصوفي المتنسّك أن يكون أحد أبرز المدافعين عن التبغ؟

الصفحة الافتتاحية لأطروحة عبد الغني النابلسي، 1682، في مديح التدخين، الصلح بين الإخوان في حكم إباحة الدخان، من مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

اقرأ/ي أيضًا: مؤلفات وكتب الشيخ عبد الغني النابلسي، فتاوى وقصائد، وعلم الأنساب

عندما أُحضر التبغ إلى الشرق الأوسط لأول مرة عن طريق أوروبا، اعتبر في حينه علاجًا طبيًا مبتكرًا لجميع العلل، ابتداءً من الحروق وحتى التسمّم. ولكن بحلول العقد الأول من القرن السابع عشر، مع ازدياد استهلاك النساء والرجال للتدخين الترفيهي، ازداد الاعتراض على هذه العادة.  إحدى المعضلات بخصوص التبغ، من منظور ديني، كانت عدم وروده في القرآن، في الأحاديث النبوية الشريفة وفي قوانين الشريعة الإسلامية، لكونه منتجًا جديدًا.

أمام هذا الصمت، تعالت أصوات عديدة معارضة لاستهلاك التبغ. بإسناد حججهم إلى القياس، وهي طريقة شائعة في أصول الفقه الإسلامي، ادعى هؤلاء أنّه يمكن مقارنة التبغ بمادة محرّمة أخرى، وهي الخمور. ادّعى النقاد أنّ للتبغ آثار “مُسكرة” مماثلة، كالدَوار الذي يصيب المدخنين الجدد مثلًا.

الاستراحة والتدخين عند كشك على قارعة الطريق بجوار القدس، التقطت الصورة بعدسة المصوّر الإنجليزي فرانك ميسون غود (1839-1928)، من مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية

بالإضافة إلى الحجج الدينية، ادّعى النقاد أنّ التبغ مضرّ بالصحة: إذ أنّه يُضعف الجسم، يسبب رائحة كريهة ويؤدي إلى تبلّد الحواس. كان المدخّنون أيضًا قذرين، وتغطت ملابسهم بالرماد والبقع.  بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا التلوّث الجسدي، كما سماه البعض، كان مصحوبًا بنجاسة أخلاقية أشدّ وطأة. بالنسبة لهؤلاء، كان التدخين يسبّب الخمول، واعتُبر بمثابة بدعة محفوفة بالمخاطر بطبيعتها.

 

كتب جيمس غريهان في مقالة له عن الموضوع: في التصوّرات الأكثر ترهيبًا، فإنّ الدخان والنار المرافقين لإشعال الغليون، يستحضران في أذهاننا نار الجحيم واللعنة الأبدية. حذّر النقاد من أنّ المدخنين سيظهرون في يوم القيامة بوجوه مسوّدة، ونراجيل تحيط بأعناقهم، حتى ذلك الحين، سيحترقون في قبورهم، تمامًا مثل التبغ الذي يدّخنونه.”

الاعتراض على استهلاك التبغ لم يقتصر على أوساط المفكرين والمثقّفين. فقد حاولت السلطات العثمانية مرارًا وتكرارًا حظر ومصادرة التبغ. ومع أنّ محاولاتها تلك باءت بالفشل، إلّا أنّ هذه الإجراءات الصارمة كانت مصحوبة بمحاولات وحشية ودامية لإنفاذ القوانين.

 

النابلسي، انتاج غزير وعشقٌ للسيجارة

لم يكن النابلسي في بداية الأمر شغوفًا بالتدخين. ولدَ النابلسي في دمشق في عام 1641 لعائلة من أصول مقدسية، وكان فقيهًا صوفيًا متنسكًا وكاتبًا غزير الإنتاج، فقد ألّف أكثر من 250 عملًا. لكثرة اهتماماته ومجالاته المعرفية، كتب النابلسي شروحًا لكتب علماء صوفيين سابقين، خاصة ابن عربي الذي عاش في القرن الثالث عشر، بالإضافة إلى شروح الشعر، قصص الرحلات، كتب الفن المعماري والزراعة وكتب القانون. خلال حياته، ولمدّة تزيد عن قرن بعد وفاته، بقي النابلسي شخصية مؤثّرة ومهمّة، من خلال كتاباته والحلقات الواسعة التي جمعت العديد من تلامذته. لا عجب إذًا أن تضم المكتبة الوطنية مخطوطات لستة وعشرين عملًا من أعماله، بالإضافة إلى العديد من الأعمال الأخرى التي نسخها بنفسه أو امتلكها.

مخطوطة لكتاب عبد الغني النابلسي من أواخر القرن التاسع عشر ” الملاحة في علم الفلاحة “، مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية

دافع النابلسي عن التدخين ضد مهاجميه على عدة جبهات، ومع أنّه لم يبدأ بالتدخين إلّا خلال سفراته إلى مكة بعد نحو عقد من الزمن، إلّا أنّ حججه كانت قوية ومتينة عندما ألّف الكتاب في عام 1682.

فيما يخص الصحة، أنكر النابلسي وجود علاقة بين التدخين والمرض، وادّعى أنّ الأطباء الذين وصفوا التبغ كعلاج يعرفون عملهم أكثر من النقاد عديمي الخبرة في الطب.

في الواقع، يفتتح النابلسي كتابه هذا بمثل هذه الحجج الطبية. في السطور الأولى، يحمد النابلسي الله على أنّ التبغ مفيد للجسم: “الحمد لله الذي جعل استعمال الدخان التتن نافعا لتجفيفه للرطوبات الزائدة في الأجسام، ومحللا لما تكاثف في الصدر من لزوجة البلغم ومهضما من المعدة ثقل الطعام…”. “بالإضافة إلى ذلك، فإنّ فاعليته ضد السموم أثبتت في الأدبيات الطبية”، يضيف في كتابه، “خصوصا سم العقرب”.

ما وراء الدخان يظهر سؤال الحداثة

ولكن حججه المثيرة للاهتمام تتناول مكانة التبغ في الشريعة الإسلامية. فاحتج على مزاعم القائلين إنّ التبغ هو “بدعة”، معلّلًا أنّهم مضلّلين بالأحكام المسبقة، الجهل والتعصب الأعمى.  كتب النابلسي أنّ قراره بكتابة الأطروحة لم يكن نابعًا من حبّه للتدخين أو من رغبته المجرّدة في المشاركة في الجدل الدائر حول التبغ، بل لاكتشاف الحقيقة حول هذا الموضوع. يرفض استخدام القياس من قبل معارضي استهلاك التبغ، وقال إنّه بغياب نص دينيّ يحظر استهلاك هذه المادة، فإنّها يجب أن تكون مباحة. مع أنّ السياق هنا يُعنى فقط بإباحة التدخين، إلّا أنّ التمييز بين الحقيقة والقانون، وبين العلماء الصوفيين الأجلّاء الذي يولون اهتمامًا للحقيقة وعلماء القانون الذين يولون اهتمامهم للقانون، هو موضوع مركزي ومتكرر في فكر النابلسي.

إذا نظرنا إلى جوهر الأمور، يمكننا القول إنّ حجج النابلسي توازي الدفاع عن قيمة مألوفة لنا جميعًا، ولكنها كانت في حينه فكرة جديدة وراديكالية: المتعة. بإتاحة المجال للتدخين، اقترح النابلسي وجوب منح حيز أكبر للحياة الشخصية وللمتعة الشخصية، طالما لم تتجاوز بوضوح قيود الشريعة الإسلامية.

إلى حد كبير، كان النابلسي يتتبّع أعقاب التغييرات الاجتماعية الحاصلة في حينه. لاقى التبغ، كالقهوة من قبله، رواجًا واسعًا لأنّه كان مرتبطًا بالأنس والمخالطة، وشجّع على تبادل الأحاديث وطمس الحدود الاجتماعية، خاصةً في المقاهي التي شكلّت ملتقى لأبناء الطبقات الاجتماعية المختلفة، حيث أمكنهم الاسترخاء وتبادل الأحاديث، وكان التبغ والمشروبات بمثابة وقود تبعث الحياة في هذه اللقاءات. في تأليفه لكتابه هذا عند منعطف الحداثة، فإنّ النابلسي لم يدافع عن التدخين فحسب، بل عن مفهوم ممارسة الحداثة نفسها.