بالحقيقة، لا يمكننا الإجابة على هذا التساؤل خاصة في ظل الجو السياسي المحتدم والمزدحم في آن واحد. ولكن، الذي يمكننا أن نقوم به هو أن نستعرض ما الذي كان قبل ذلك، قبل ذلك من أجواء سياسية شبيهة ولو بشكلها النسبي لوضعنا اليوم.
نعم، نحن لم نمر فقط اليوم بهكذا ظروف وأوضاع، إنما مررنا من قبل بظروف مواتية. فمنذ الفترة الانتدابية على فلسطين والأمور السياسية محتدمة على كافة الأصعدة والمستويات، خاصة بموضوع الانتخابات؛ من انتخابات المجلس التشريعي (فشلت حكومة الانتداب بعقدها) إلى انتخابات المجلس الإسلامي الأعلى فانتخابات الملي الأرثوذكسي وأخيرًا وليس آخرًا الانتخابات البلدية في عموم فلسطين وانتخابات بلدية القدس بشكل خاص. كل تلك الانتخابات كان فيها الكثير من انقسام المواقف بين الأطراف المختلفة، تختلف حدتها تبعًا للفترة الزمنية، الجهة المنظمة للانتخابات والمنطقة الجغرافية التي تُعقد فيها. وهنا، سنقوم بعرض موقفين من الانتخابات التي حصلت بالماضي؛ انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأول، وانتخابات بلدية القدس.
انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الأول: انتخابات فاشلة قبل انعقادها!
يُقال إذا رغبت بنجاح الشيء فافعله جماعة لا مفردًا، وهكذا تحديدًا يمكن وصف ما حصل بخصوص الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني الأول عام 1923.
على صفحتها الأولى، روّست صحيفة فلسطين (إحدى أهم المراجع في الصحافة الفلسطينية) خبر عنوانه مقاطعة الانتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني الأول، إذ ذكرت الصحيفة أن البرقيات القادمة من جميع أنحاء فلسطين تذكر وتنبه على مقاطعة المشاركة بالانتخابات ؛ سواء بالاقتراع أو الترشح لها. واقتبست الصحيفة تصريحًا للسيد جمال بيك الحسيني يقول “فشلت الحكومة فشلًا تامًا بالانتخابات؛ في المناطق التي تحاول فيها الترشيح وفي المناطق الأخرى المقاطعة مضمونة. لم يظهر في الأمة مرتد. ليحيى الاتحاد التام”.
وكانت النتيجة هي المقاطعة الشاملة للإنتخابات، حيث عنونت ذات الصحيفة خبرًا بعنوان “عيد الأمة باتحادها وفشل الانتخابات وقدوم الوفد” وقد كتبت “نعم، فشلت الحكومة”
مع أم ضد راغب النشاشيبي؛ صراع على عرش رئاسة البلدية
لقد كان راغب النشاشيبي شخصية قد تضاربت المواقف حولها، فمن جهة هو قد أصبح رئيس بلدية القدس بعد نجاحه بالبقاء مدة 14عامًا في سدة رئاسة البلدية، ومن جهة أخرى دخل في ملاحم سياسية ضد العديد من الجهات؛ سواء كانت الحركة الصهيونية أم الأحزاب السياسية الفلسطينية الأخرى. وهذا ما أدى بشكل أساسي إلى خسارته لمقعد رئاسة البلدية بانتخابات عام 1934 على الرغم من قوة حملته الانتخابية آن ذاك.
لقد كان المنشور الانتخابي أحد الوسائل المهمة واللازمة لإيصال صوت المرشحين، ولكن هذا لا يعني أن جميع المنشورات هم من قاموا بعملها، بل في بعض الأوقات عند رغبة إحدى الجهات دعم مرشح دون الآخر أو مهاجمة المتنافسين كان يتم أيضًا استخدام المنشورات كسلاح سياسي. وهنا، نأخذ حالة انتخابات بلدية القدس كمثال على ذلك.
في هذا المنشور، والتي تحتفظ فيه المكتبة الوطنية ضمن مجموعاتها، يقوم شخص اسمه زهدي الأيوبي بتشجيع الناس على انتخاب راغب النشاشيبي وكان عنوان المنشور “أيها الشعب الكريم، لا نريد غير هذا أن يكون رئيسًا”.
أما المنشور الآخر، فكان عبارة عن بيان قام بإصداره السيد محمد شاكر الحسيني مدافعًا عن راغب النشاشيبي في وجه منتقديه ومشجعهم على انتخابه بالقول “واذكروا أن سعادة راغب بك النشاشيبي هو أول من دافع ويدافع عن حقوق البلاد ويعمل لوجه الله والوطن غير طالب مركزًا ولا جاهًا فانتخبوا”
مثلما يوجد مناشير مؤيدة هنالك مناشير معارضة بل ومتهجمة، وراغب النشاشيبي لم يسلم من ذلك أيضًا. كما في المنشور اللاحق، والذي تهجم بشكل شخصي على شخص راغب النشاشيبي، والذي قام بنشر المنشور هو منيف الحسيني والذي كان صاحب امتياز والمحرر المسؤول جريدة الجامعة العربية. كان منيف الحسيني محسوبًا على منافسي راغب في كرسي رئاسة البلدية. فعنون منشوره بالقول “الحق مؤيد بإذن الله، فشل راغب النشاشيبي المريع”. وقد تم نشره في ملحق جريدة الجامعة العربية.
في النهاية، يشهد تاريخ البلاد على العديد من العواصف والأزمات السياسية، وبالتحديد في قضية الانتخابات، فهي قضية قديمة جديدة لكن، يبقى الموقف منها مرتبطًا بالمشاعر الوطنية والحزبية والاجتماعية والعائلية.
مهما كانت درجة التباين والاختلاف، يجب احترام حق كل شخص؛ سواء كان مقترعًا أو مرشحًا أو مقاطعًا.