نظرة خاطفة إلى دفتر تمارين اللغة العربيّة لإحاد هعام

نظرة إلى الطرق التي اختارها صاحب لقب لقب "نبيّ عصرنا" لدراسة اللغة العربية

منذ أول زيارة له إلى البلاد عام 1891، صرّح إحاد هعام بأن الاعتقاد بأنّ فلسطين (أرض إسرائيل) خالية من البشر هو اعتقاد عارٍ عن الصحّة. اعتقد الزعيم الصهيوني أنّه لكي يستطيع اليهود العائدون إلى أرضهم القديمة أن يطوّروا فيها المركز الثقافيّ والروحيّ الذي يتخيّله، عليهم أن يسعوا إلى تعلّم لغة سكّانها. لذلك كانت دراسة اللغة العربية أحد المواضيع التي دفع إلى دمجه في جهاز التربية والتعليم الناشئ في الاستيطان اليهوديّ.

إحاد هعام خلال إحدى زياراته إلى فلسطين عام 1911، مجموعة أبراهام شبدرون، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

في الثلاثين سنة التي مرت منذ زيارته الأولى للبلاد، لم يتفرّغ إحاد هعام لتحقيق ذلك المطلب بنفسه. في شتاء عام 1922، عندما تفرّغ للوفاء بوعد آخر، هاجر إلى البلاد واستقرّ بالقرب من أصدقائه ومعارفه في تل أبيب، وقرر أنّ الوقت قد حان لتعلّم اللغة.

الطريقة التي اختارها إحاد هعام لتعلّم اللغة تفيدنا بالكثير عن الرجل الذي توّج في حياته بلقب “نبي جيلنا”. للتدرّب على الكتابة باللغة العربية، لم يستعن إحاد هعام بقائمة الأحرف والكلمات الهامّة باللغة العربيّة فحسب، بل أيضًا بنصّ مشحون بمعنى رمزيّ وشخصيّ: مقدمة موجزة للفصل 29 في الجزء الثاني من “دلالة الحائرين” لموسى بن ميمون. فعل ذلك في دفتر مخصّص محفوظ في المكتبة الوطنية الإسرائيليّة.

 

“دلالة الحائرين” لموسى بن ميمون

يبدو أنّ هناك سببين رئيسيّين وجّها إحاد هعام في اختيار النصّ: أوّلًا، عزا مفكّر “الصهيونية الروحية” دورًا مركزيًّا في تطوره الفكري إلى دلالة الحائرين. ثانيًا، في النصّ المحدّد الذي استعان به، يؤكّد موسى بن ميمون أنّ اللغة المحكية يجب أن تتوافق مع سعة استيعاب مستمعيها حتّى يتمكّنوا من فهم الرسائل الموجودة في النص بدقّة.

يجابه المترجم بين اللغتين، العربيّة والعبريّة خطرًا من نوع خاصّ بسبب القرب بينهما وأصلهما المشترك. ربط موسى بن ميمون ذلك بأنّ المتحدّث بإحداهنّ معرّض للوقوع في الخطأ في فهم اللغة الأخرى بسبب وجود كلمات تُسمع ككلمات متطابقة لكنّها تختلف من حيث المعنى، بل قد تكون بمعنًى معاكس أحيانًا. من الممكن أنه في ترجمة ذلك النصّ المعيّن، أراد إحاد هعام أن يحذّر نفسه من أنّ القرب بين اللغتين قد يجعله ينسى المسافة بينهما.

إحاد هعام يتدرّب على نهايات الأفعال

حروف بالعربيّة والعبريّة

إذا اعتمدنا على هذا الدفتر الموجود بين أيدينا كشهادة وحيدة، فسوف يتعيّن علينا أن نقرّر أنّ أحاد هعام استطاع اكتساب المعرفة الأساسية فقط باللغة العربيّة. لا يمكننا أن نعزو هذا إلى عدم وجود دافعيّة من جانبه. كما أوضح مرارًا وتكرارًا لكل من وافق على الاستماع إليه، فإن السبب الذي من أجله استقرّ في البلاد هو ليتسنّى له أن يستريح ويستكمل، بقدر ما يستطيع، مشروعه الأدبيّ.

لم يستجب الجمهور لدعوته، وبدلًا من الراحة والوقت للكتابة والتعلّم، أمضى إحاد هعام سنواته الأخيرة في النشاطات الجماهيريّة الواسعة والمرهقة. توفّي عام 1927.