التّصوير السّياحي في مصر القرن التّاسع عشر والأخوان زانجاكي في بورسعيد

في منشور الأخوان زانجاكي الذي نتناوله في هذا المقال نرى ميّزات عديدة تعرّفنا على الذّوق الفنّي والاهتمام السّياحي بقناة السّويس في القرن التاسع عشر.

مدخل قناة السّويس ومقرّ الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، تصوير الأخوان زانجاكي، مجموعة عائلة لينكن.

مدخل قناة السّويس ومقرّ الشركة العالمية لقناة السويس البحرية، تصوير الأخوان زانجاكي، مجموعة عائلة لينكن.

 من منا لم يسمع عن الاحتفال المهيب الذي أقامه الخديوي اسماعيل لافتتاح قناة السويس في السادس عشر من نوفمبر عام 1869؟ فبعد أكثر من عشر سنوات على مباشرة العمل على حفر القناة افتتحت الشركة العالمية لقناة السويس البحرية مشروعًا ضخمًا لم يشهد مثله البشر من قبل، وكان من اللائق أن يكون الاحتفال على درجة من الفخامة لا تقلّ عن فخامة المشروع. فكيف بثّت دعاية هذا الحفل وكيف روّج له؟

اقرأ/ي أيضًا: قناة السويس: استعادة الشرق هدية الغرب

تواجدت العائلات المصرية على ضفاف القناة على امتدادها ترحيبًا بالسفن الّتي عبرتها للمرة الأولى واحتفالًا بافتتاح القناة بإشارة من الحكومة المصريّة، وحضر إلى مدينة بور سعيد ألوف مؤلّفة من المصريين لمشاهدة الحفل، بالإضافة إلى آلاف الضيوف المدعويين من رؤساء دول وسياسيين وفنانين وشخصيات كبرى من حول العالم تمّت رعايتهم من قبل مئات الطهاة وآلاف الخدام واستقبلوا على سجاجيد فاخرة ومنصات خشبية مكسوة بالحرير والديباج والأعلام والمظلّات البهيّة. واشترك في هذا الحفل كلّ من علماء الدين المصريين وجيشها ورجال دولتها وأهلها.

رافق هذا الحفل المهيب مطبوعات ومنشورات مصممة خصيصًا ما زال الكشف عنها يعبّر عن الحالة الاجتماعية الفريدة والمتنوّعة في مصر في تلك الحقبة. من بين هذه المنشورات خارطة قام بتصميمها ونشرها الأخوان زانجاكي اليونانيان والمقيمان في بور سعيد في تلك الفترة.

خارطة قناة السويس البحرية"، القرن التاسع عشر، مجموعة عائلة لينكن.
خارطة قناة السويس البحرية”، القرن التاسع عشر، مجموعة عائلة لينكن.

 

ليس لدينا الكثير من المعلومات حول هذه الخارطة وتصميمها ولا نعرف في أي عام نُشرت بالضبط. لكن من تفاصيل هذا المنشور وبالمقارنة مع تصميمات شبيهة خرجت في تلك الفترة يمكننا التعرف على السياق العام الّذي أنتجت به. فمن هما الأخوان زانجاكي؟ وما المشاهد المحيطة للخريجة ومن الشخصيات التي تظهر عليها صورتهم؟

الاخوان زانجاكي مصوّران يونانيان يكتنفهما الغموض إذ ليس هناك معلومات مؤكّدة حول جذورهما أو حول أسماءهما حتّى. ولكن من المؤكّد أنهما عاشا في مصر العثمانية ما بين ستّينيّات وتسعينيّات القرن التّاسع عشر وخلّفا صورًا مذهلة عن مصر في تلك الفترة.

ارتبط اسمهما بالمصوّر الرّسمي لتوثيق العمل على قناة السويس الفرنسي إيبوليت أرنو صاحب “ألبوم قناة السويس” الّذي وثّق عشر سنين حفر القناة. ويبدو أن الإخوة زانجاكي كانا مساعدين أو مرافقين له في العل على هذا الألبوم إلى جانب عملهما الخاص، حيث كانا ينتجان الصّور التذكارية لبيعها لسيّاح مصر حيث امتلكا ستديو خاص في بور سعيد وآخر في القاهرة.

مدخل قناة السويس في بورسعيد، تصوير الأخوان زانجاكي، مجموعة عائلة لينكلن
مدخل قناة السويس في بورسعيد، تصوير الأخوان زانجاكي، مجموعة عائلة لينكن

 

مجرى مائي والعاملين حوله من ورشات العمل في قناة السويس، الاخوان زانجاكي، مجموعة عائلة لينكن
مجرى مائي والعاملين حوله من ورشات العمل في قناة السويس، الاخوان زانجاكي، مجموعة عائلة لينكن

 

خلال سنوات مكوثهما في مصر، قام الاخوان زانجاكي بتوثيق معالم مصر الشهيرة على امتداد النيل برفقة عربة حصان مزوّدة بغرفة مظلمة للتصوير، وقاما بتوثيق بعض المشاهد من قناة السويس وبتوثيق حياة المصريين اليوميّة وتقاليدهم وأعمالهم.

في الصّورة التي نتناولها عن قناة السويس نرى ميّزات عديدة: تتربّع خارطة القناة بشكل أفقي على مركز التصميم، يعلوها صور شخصيّة لمحمد علي باشا وولديه الّذين تمّ افتتاح العمل على قناة السّويس واختتامه في عهديهما الخديوي سعيد والخديوي اسماعيل. ثمّ على الهامشين العلوي والسّفلي نرى نوعين من الصّور، صور لمشاهد من قناة السّويس على امتدادها، على ما يبدو قام الأخوان بالتقاطها وإلّا لما كان من القانونيّ نشرها على تصميمهم الخاص، وصور لشخصيّات بعضها معروف وذات أهميّة في تاريخ إقامة القناة. ففي أعلى الصورة نرى على طرفيها من اليمين صورة السلطان العثماني عبد العزيز الأوّل (1830-1876) وعلى يسارها السياسي الفرنسي فرديناند ديلسبس  (1805-1894) صاحب فكرة القناة والمبادر الأوّل لها.

ليست هذه الخارطة بتصميمها الأولى من نوعها في تلك الفترة، فعلى سبيل المثال، في إحدى دعوات حفل الافتتاح المهيب والمحفوظة نسخة عنها لدى جمعية إحياء ذكري ديلسيبس وقناة السويس، تظهر خارطة لامتداد القناة وحولها صور شخصيّة لملوك ورؤساء دول العالمين الّذين سيحضرون الحفل.

وفي منشور آخر للمصوّر الفرنسي أرنو الّذي عملا معه الأخوان زانجاكي، تظهر خارطة لامتداد القناة بالعرض وحولها كذلك صور لمشاهد من مناطق مختلفة على ضفاف القناة وصور لشخصيات في تصميم يكاد يكون مطابق لخارطة الأخوان زانجاكي في مجموعة عائلة لينكن.

فعلى ما يبدو كان هذا التّصميم متداول في المنشورات والدّعوات المتعلّقة بالحفل أو حتّى المعروضة للبيع في التجارة السّياحيّة كنوع من التّعريف بالقناة وتبجيل القائمين عليها. ولكن ما يميّز تصميم الأخوان زانجاكي هو وجود شخصيات نسائيّة أكثر عدًدا من الشخصيات الرجالية من الرؤساء والسّياسيين، إلّا أن هويّة هؤلاء النّسوة وارتباطهنّ بقناة السويس يحتاج للمزيد من البحث والتّقصي.

ولكنّ الأرجح، أنّ النّساء السّبع المرفقة صورهنّ في التّصميم، بالإضافة إلى الرّجلين على الجانب السّفلي من التّصميم، هم أشخاص مغمورين ومحلّيين، قام الأخوة زانجاكي بتصويرهم خلال رحلتهم الشّهيرة على امتداد النّيل أو في الاستديو الخاص بهم، وقاموا بارفاق صورهم بألبستهم التّقليديّة والمتنوّعة إلى التّصميم كنوع من لفت الانتباه إلى ثقافة المنطقة الغريبة والأخّاذة بالنّسبة للسائحين الفرنسيين والبريطانييّن في ذلك الوقت. ومما يؤكّد على هذا الاحتمال هو عدم ورود أسماء لهم تحت صورهم مقارنة بصور الشّخصيات الهامّة والشّهيرة، بالإضافة إلى غلبة صور النّساء، وهو اهتمام شائع لدي المصّورين الأوروبيين في مصر وبلاد الشام في تلك الفترة. كما أنّ هذا التفسير يتماشى مع عرض التّصميم لصور مشاهد طبيعيّة من مصر، وكأنما التّصميم جاء ليحتفل بمشروع القناة وبمصر كلّها.

اقرأ/ي أيضًا: الحياة والأزياء التقليدية في مسيرة خليل رعد

 

من الجدير بالذّكر أن الأخوان زانجاكي قاما بزيارة البلاد أيضًا وخلّفا صورًا عديدة من هذه الزّيارة يمكنكم مشاهدتها هنا.

سوق يافا القرن ال 19، تصوير الأخوان زانجاكي، مجموعة عائلة لينكن.
سوق يافا القرن ال 19، تصوير الأخوان زانجاكي، مجموعة عائلة لينكن.

 

 

معالم مصر الشّهيرة بعدسة فرانك مايسون جود

رأى كثيرون من سكّان لندن منتصف القرن التّاسع عشر صور عالية الجودة ومذهلة لمعالم مصر الأثريّة وأشهرها. تعرّفوا بالصّور على رحلة فرانك مايسون جوود إلى مصر.

معبد أبو سمبل، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

معبد أبو سمبل، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

اتّخذت أهرامات مصر ومعابدها وآثارها المذهلة مكانة عالية في رسومات الرّحالة المستشرقين في العصور الغابرة، وفي عصر التّصوير الفوتوغرافي، لم تزل هذه المكانة واضحة في أعمال الرّحالة المصوّرين في العصر الحديث. فما من مصوّر جال في الشّرق الأوسط إلّا وكانت لمصر محطّة طويلة أو رحلة مخصّصة ليتمكّن من زيارة جميع معالمها الشّهيرة وتصويرها.

فرانك مايسون جوود من أولئك المصوّرين البريطانييّن في أواسط القرن التّاسع عشر الّذين تمكّنوا من تخليد صور عالية الجودة لمعالم مصر الشّهيرة حينها. تجدون هنا تشكيلة من الصّور الجميلة والنّادرة لمعالم أثريّة هامّة على امتداد مصر من الجيزة إلى الأقصر وأسوان.


من هو المصوّر فرانك مايسون؟

وُلد فرانك مايسون جوود في قلب لندن عام 1839، قبل أن يبلغ العشرين عامًا رافق المصوّر ومالك شركة التّصوير فرانسيس فريث كمساعد في رحلته إلى مصر عام 1857 حيث بدأ اهتمامه بالتّصوير الفوتوغرافي. انضمّ عام 1861 كعضو إلى نادي المصوّرين في لندن، واستمرّ بخوض رحلاته الخاصّة إلى بلاد الشّرق الأوسط، وهي الرّحلات الّتي اشتهر بتصويرها ونشر صورها. مصر، اسطنبول، مالطا وفلسطين. وتلقّى الدّعم في رحلاته وفي نشر صورها لاحقًا من مصوّرين وناشرين كثر في لندن.

يعود الألبوم التّالي إلى رحلته إلى مصر في أوائل السّبعينيّات.


أسلوب التّصوير في مصر

كانت رحلات مايسون حول العالم، ومنها رحلة مصر، مموّلة من جهة ناشرة ما دومًا بهدف إنتاج كُتب مصوّرة جذّابة، ولذلك نرى تقيّد جوود في تصوير المعالم المذهلة، الأخّاذة للعين الغربيّة البعيدة، والواسعة الشّهرة. لذلك نادرًا ما نجد صورًا لأسواق أو لحارات سكنيّة أو حتّى مشاهد بلديّة عامّة في أعماله. إنّما التّركيز على أخذ صورة لمواقع أثرية شهيرة بجودة عالية تُظهر تفاصيلها، إلّا أنّه بذات الوقت اهتمّ بإظهار أشخاص محلّيين بجانب هذه المواقع، برفقة جمل أو حمار أو فقط كما هم بلباسهم التّقليدي وعماماتهم وعصيّهم وتواجدهم الطّبيعي في المكان.

ولأننّا نتحدّث عن تصوير مهني في منتصف القرن التّاسع عشر، فمن المؤكّد أن تواجد هؤلاء الأشخاص في موقع التّصوير لم يكن صدفة، بل رغبة مؤكّدة من المصوّر لوجودهم فيها لأسباب محتملة كثيرة.

أوّلًا اعتبر الإنسان المحلّي، بلباسه وملامحه جزءًا من معالم المكان الّذي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله من أجل تصوير الآثار التّاريخيّة فقط، ومع أنّ هذا التّوجه قد يبدو استشراقيًا إلى حدّ كبير، إلّا أنّه وضع بصمة هامّة على أعمال جود في مصر، فصورة أبو الهول بجانبه الفتى وحماره ليست بالصّورة الّتي ممكن أن تصنّف جانبًا على أنّها إحدى صور أبو الهول المتكرّرة والّتي تشبه بعضها عبر التّاريخ لا محاله لأنّ أبو الهول لا يتغيّر، إنّما هذه الصّورة تُظهر ذلك المعلم الأثري في زمان محدّد، ومع أشخاص محدّدين، ولو أنّهم مجهولون، ولكنّهم يحملون بهيئتهم ولباسهم تعبيرًا عن ذلك الزّمان الّذي التقطت به هذه الصّورة المحدّدة لأبو الهول.

قيمة مضافة لتصوير المعالم الأثريّة شديدة الضّخامة، كما تلك الّتي قام بها فرانك مايسون في مصر، هو إظهار ضخامة حجمها وهيبتها الفيزيائيّة في الصّور ثنائيّة الأبعاد من خلال استخدام العنصر البشري كي يفهم من ينظر إلى الصّورة أنّ حجم الهرم أو بوابة المعبد يفوق حجم الإنسان بعشرات المرّات فيفهم أبعاد المكان ورهبته بشكل أفضل ولو لم يتمكّن من رؤيته بنفسه.

لا بدّ أن ميسون ذُهل في الأماكن الّتي زارها في مصر، ونرى أنّ بعض الشّخصيات تظهر في صور متعدّدة في مدن مختلفة وعلى ما يبدو أنّ هؤلاء قد رافقوه في رحلاته كلّها وأثّروا على تجربته بالتّعرّف على مصر بجانبها الإنساني أيضًا.

 

البحيرة المقدّسة في معبد الكرنك وحولها محلّيون، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
البحيرة المقدّسة في معبد الكرنك وحولها محلّيون، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

 

معبد جرف حسين ويظهر رجل أجنبي، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
معبد جرف حسين ويظهر رجل أجنبي، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

 

تيجان أعمدة معبد إسنا ونقوشها، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
تيجان أعمدة معبد إسنا ونقوشها، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

 

تمثال أبو الهول وهرم خفرع ويظهر رجلان وحمار، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
تمثال أبو الهول وهرم خفرع ويظهر رجلان وحمار، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

 

نقوش معبد دندرة، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.
نقوش معبد دندرة، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

 

معبد الكرنك وأشخاص محلّيين، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
معبد الكرنك وأشخاص محلّيين، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

 

معبد الكرنك وأشخاص محلّيين، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
معبد الكرنك وأشخاص محلّيين، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

 

تمثال أبو الهول ويظهر شخص مع حماره، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
تمثال أبو الهول ويظهر شخص مع حماره، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

 

معبد أبو سمبل، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة
معبد أبو سمبل، 1870-1871، أرشيف عائلة لينكن، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

جوني كاشي من كفر كنّا إلى طبريّا: قرى ومدن الجليل في الكانتري الأمريكي

من بين عشرات الأغاني والتّرنيمات عن عرس قانا ومعجزات الجليل في الإنجيل، إليكم قصّة أغنية راقصة من دقيقة ونصف، ألّفها المغنّي الأمريكي جوني كاش أثناء حجيجه في ستّينيّات القرن الماضي.

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

كفر كنّا أو قانا الجليل، إحدى محطّات الحجّ المسيحي في البلاد منذ بداياته وإلى اليوم، حيث يُعتقد أنّ السيّد المسيح أدّى أولى معجزاته أمام تلاميذه في حفل زفاف فرغ فيه الخمر ولم يجد أصحابه ما يقدّمون للضّيوف. أمر عندها يسوع، كما يخبرنا الإصحاح الثّاني من إنجيل يوحنا، بملء البراميل الفارغة بالمياه وحوّلها إلى خمر جيّد.

"نافورة قانا الجليل" رسم من منتصف القرن التّاسع عشر، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.
“نافورة قانا الجليل” رسم من منتصف القرن التّاسع عشر، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة.

 

في ستّينيّات وسبعينيّات القرن الماضي، زار المغنّي الأمريكيّ الشهير جوني كاش البلاد خمس مرّات وذلك خلال رحلة كافح فيها إدمانه الكحول والمخدّرات وخطر تدهور مسيرته المهنيّة وحياته بأكملها. عُرف بموسيقاه المبتكرة، سهلة الإيقاع والحماسيّة، والأغاني ذات الكلمات البسيطة والمباشرة. وخلال زيارته الأولى لكفر كنّا أو قانا، اختبر ما وصفه بإحدى أكثر اللحظات إلهامًا في حياته. وفي طريقه من كفر كنّا إلى طبريّا، كتب كاش ولحّن أغنية He Turned the Water into Wine برفقة زوجته جون ضمن ألبومه الدّيني “الأرض المقدّسة” The Holy Land ، وأدّاها في محافل عدّة، ومن ضمنها حفله الشّهير في سجن سان كوانتين في ولاية كاليفورنيا عام 1969.

تحدّثنا أغنيّة “لقد حوّل الماء إلى نبيذ” عن عرس قانا وعن معجزات أخرى يشير الإنجيل إلى حدوثها في الجليل. ومن الملفت أنّ كاش اصطحب في رحلته هذه جهاز للتّسجيل وقام بتسجيل أغانيه كاملة في المواقع الّتي زارها، وممّا زاد أغنيته عن عرس قانا تميّزًا هو أنّه لم يغيّر بها أسلوبه الّذي اشتهر به، الرّيفي (كانتري) والمعتمد على نغمة واحدة متكرّرة وسريعة، إلى ترنيمات مسيحيّة بطيئة وروحانيّة، بل احتفظ بنفس الأسلوب في أدائه للأغنية في حفل سجن كاليفورنيا الّذي حقّق أفضل المبيعات في مسيرته.

الأغنية وكلماتها:

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

لقد سار فوق بحر الجليل

بصرخة بعيدة واسعة

هدّأ المدّ الهائج

وسار فوق بحر الجليل

 

لقد حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

لقد أطعم الجياع الكثر

بقليل من السّمك والخبز

قال شبعَ الجميع

 

وحوّل الماء إلى نبيذ

حوّل الماء إلى نبيذ

في بلدة قانا الصّغيرة

سارت كلمته في أرجاء المكان

وحوّل الماء إلى نبيذ

 

 

للإستماع للألبوم كاملًا (1969):

 

 

من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة
من زيارة جوني كاش إلى القدس عام 1971، ارشيف دان هداني المكتبة الوطنية الاسرائيليّة

لصور جوني كاش في المكتبة الوطنية

هاتوا هالحنا هاتوا…صور طقوس العرس الفلسطيني

مقالنا هذا يستعرض أهم الصور الموجودة لدينا حول طقوس العرس الفلسطيني؛ منذ الفترة العثمانية حتى يومنا هذا لعدد من الطوائف والبلدات في البلاد.

التوجه إلى بيت العروس في حفل الحناء، عرابة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

التوجه إلى بيت العروس في حفل الحناء، عرابة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

يعتبر حفل الزفاف أكثر طقوس المناسبات الاجتماعية العربية التي يبذل أصحابها فيها جهدًا ومالًا؛ حيث تعتبر إعلانًا لبدء مرحلة جديدة وهامة في حياة العريس والعروس. في العادة، يظهر الناس في حفلات زفافهم جانبًا من هويتهم وانتماءاتهم التي عادة ما تكون متوارثة من البيئة المحيطة، بغض النظر عن الاختلاف الحالي في أشكال حفلات الزفاف التي قد تأخذ طابعًا غربيًّا مثل الرقصة الأولى، أو اختلاف لباس العروسين وأهلهم، إلا أنّه ما زالت بعض القرى والبلدات والمدن تحافظ على الفولكلور في الأعراس. وقد تميّز العرس الفلسطيني بأنّه كما المهرجانات الشعبية؛ إذ تُسمَع فيه كل أشكال الأغاني وتُقدّم كل الرقصات الشعبية المشهورة من دبكة وغيرها. بالإضافة إلى ذلك، احتوت الأغنية الفلسطينية في الأعراس على جزء من الهوية الفلسطينية التي تشكّلت سياسيًّا واجتماعيًّا في الثورات ضد الانتداب البريطاني باختلاف الطائفة الدينية.

تشكّل الأغنية الفلسطينية في الأعراس حلقة وصل بين ماضي الأجداد وحاضر الأحفاد؛ إذ تنتقل الأغنية بمكوّناتها الموسيقية الشعبوية وفي سياقاتها التاريخية، الاجتماعية والسياسية من جيل إلى الآخر دون أن تتشوّه المعاني أو تُنتَج تفسيرات جديدة، فتبقى الميجانا والعتابا محافظة على رونقها في رقصات الدبكة، وينتقل بيننا ظريف الطول والدلعونا كإرث لا يندثر. ولقد تحدّث العديد من المؤرخين وعلماء الاجتماع عن تقاليد العرس الفلسطيني في بعض القرى، فعلى سبيل المثال: كتب المؤرّخ الألمانيّ جوستاف روشتاين مقالًا بعنوان “عادات العرس الإسلامي في قرية لفتا قرب القدس” ووضّح أن الحفلات كانت تستمر لياليها لأكثر من أسبوع يكون حافلًا بالرقص، الغناء والطعام المميّز وقد بيّن كذلك العادات الخاصّة بالأعراس كرسم الحنّاء للعريس والعروس والأزياء التقليدية. ومن أكثر الطقوس انتظارًا هي حفل الحناء للعريس والعروس والذي يكون في آخر ليالي التعاليل وقبل حفل الزفاف بيوم، وطقس الفاردة الذي يتمثل بانطلاق العريس وأهله إلى بيت العروس.

في هذا المقال، سنعرض لكم صورًا من أراشيف المكتبة الوطنية لطقوس الأعراس الفلسطينية في مناطق متفرقة من البلاد في فترة تاريخية مختلفة، تاركين للصورة مهمة الكلام والتوضيح.

زفة عريس (فلسطين العثمانية)، الصورة من أرشيف الأميركان كولوني، مجموعة بيتمونا، ضمن مجموعات صور المكتبة
زفة عريس (فلسطين العثمانية)، الصورة من أرشيف الأميركان كولوني، مجموعة بيتمونا، ضمن مجموعات صور المكتبة

 

حفل زفاف في قرية المجيدل المدمرة، 1945، مجموعة بيتمونا، المكتبة الوطنية.
حفل زفاف في قرية المجيدل المدمرة، 1945، مجموعة بيتمونا، المكتبة الوطنية.

ويظهر في الصورة شاب يعزف على اليرغول في حفل التعاليل للرجال برفقة مناحم تسنتنر، مؤسس كيبوتس “سريد” بالقرب من مدينة الناصرة.

حفل زفاف في قرية سولم، 1962، أرشيف بوريس كرمي، المكتبة الوطنية.
حفل زفاف في قرية سولم، 1962، أرشيف بوريس كرمي، المكتبة الوطنية.

وعلى ما يبدو أنّ عروسه في الصورة التالية…

حفل زفاف في قرية سولم، 1962، أرشيف بوريس كرمي، المكتبة الوطنية
حفل زفاف في قرية سولم، 1962، أرشيف بوريس كرمي، المكتبة الوطنية.

ويظهر لنا في الملصق التالي، دعوة حفل الزفاف لأحد أبناء الطائفة الدرزية في عسفيا، ويظهر مصطلح “تأهيل” الذي يشير إلى الزواج.

دعوة حفل زفاف لشاب من عسفيا، 1979، مجموعة الأفميرا، المكتبة الوطنية.
دعوة حفل زفاف لشاب من عسفيا، 1979، مجموعة الأفميرا، المكتبة الوطنية.

تحتوي الصور التالية على تسلسل طقوس الأعراس من التعاليل حتى حفل الزفاف…

 

 

حفل العويدة للرجال "السحجة والدحية"، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حفل العويدة للرجال “السحجة والدحية”، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

حفل الرجال ورقص الدبكة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حفل الرجال ورقص الدبكة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.

 

حفل حناء العريس (آخر ليالي التعاليل)، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.
حفل حناء العريس (آخر ليالي التعاليل)، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.

 

حناء العريس في قلنسوة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حناء العريس في قلنسوة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

تحضيرات وليمة الغداء، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
تحضيرات وليمة الغداء، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

تحضير الكبة النيّة كأحد أطباق وليمة الأعراس، عرابة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
تحضير الكبة النيّة كأحد أطباق وليمة الأعراس، عرابة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

 تحضير "لبن إمه" كأحد أطباق وليمة الأعراس الرئيسية، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
تحضير “لبن إمه” كأحد أطباق وليمة الأعراس الرئيسية، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

حلاقة العريس في قلنسوة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حلاقة العريس في قلنسوة، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

حفل الزفاف والدبكة، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.
حفل الزفاف والدبكة، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.

 

الاستعداد للانطلاق إلى بيت العروس، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
الاستعداد للانطلاق إلى بيت العروس، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

الفاردة وزفة العريس على الخيل، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
الفاردة وزفة العريس على الخيل، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

الفاردة وزفة العريس، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
الفاردة وزفة العريس، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

ويعد طقس “لصق العجين” من أكثر الطقوس التي ينتظرها المدعوييّن وذلك للتأكيد على “التصاق” العروس ببيتها والإشارة إلى أبدية الحياة الزوجية السعيدة، كما الصور أدناه.

لصق العجين، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.
لصق العجين، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.

 

لصق العجين، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.
لصق العجين، قرية زرزير، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون.


في الصور التالية، تجدون صورًا لحفلات زفاف لدى الطائفة السامرية في جبل جرزيم في
مدينة نابلس، الشركس في قرية كفر كما، الأقلية الأرمنية في القدس…

 

حفل زفاف للطائفة السامرية في جبل جرزيم (الرقص بملابس العريس)، 2018، أرشيف دانتشو أرنون
حفل زفاف للطائفة السامرية في جبل جرزيم (الرقص بملابس العريس)، 2018، أرشيف دانتشو أرنون

 

حفل زفاف للطائفة السامرية في جبل جرزيم، 2018، أرشيف دانتشو أرنون
حفل زفاف للطائفة السامرية في جبل جرزيم، 2018، أرشيف دانتشو أرنون

 

حفل زفاف شركسي في قرية كفر كما، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون
حفل زفاف شركسي في قرية كفر كما، سنوات الثمانينيّات، أرشيف دانتشو أرنون

 

طقس الإكليل لحفل زفاف أرمني في الكنيسة، 2010، أرشيف دانتشو أرنون
طقس الإكليل لحفل زفاف أرمني في الكنيسة، 2010، أرشيف دانتشو أرنون

 للاطلاع على كامل الصور في أرشيف دانتشو أرنون

ربما قد تختلف حضارات وثقافات البلاد بطقوس حفلات الزفاف من تحضيرات، زفة، حفل حناء وليلة العرس، إلا أنّ الصورة تخبرنا وتؤكد لنا أن الفرحة واحدة. للمزيد من صور حفلات الزفاف في أراشيف المكتبة الوطنية