اتّخذت أهرامات مصر ومعابدها وآثارها المذهلة مكانة عالية في رسومات الرّحالة المستشرقين في العصور الغابرة، وفي عصر التّصوير الفوتوغرافي، لم تزل هذه المكانة واضحة في أعمال الرّحالة المصوّرين في العصر الحديث. فما من مصوّر جال في الشّرق الأوسط إلّا وكانت لمصر محطّة طويلة أو رحلة مخصّصة ليتمكّن من زيارة جميع معالمها الشّهيرة وتصويرها.
فرانك مايسون جوود من أولئك المصوّرين البريطانييّن في أواسط القرن التّاسع عشر الّذين تمكّنوا من تخليد صور عالية الجودة لمعالم مصر الشّهيرة حينها. تجدون هنا تشكيلة من الصّور الجميلة والنّادرة لمعالم أثريّة هامّة على امتداد مصر من الجيزة إلى الأقصر وأسوان.
من هو المصوّر فرانك مايسون؟
وُلد فرانك مايسون جوود في قلب لندن عام 1839، قبل أن يبلغ العشرين عامًا رافق المصوّر ومالك شركة التّصوير فرانسيس فريث كمساعد في رحلته إلى مصر عام 1857 حيث بدأ اهتمامه بالتّصوير الفوتوغرافي. انضمّ عام 1861 كعضو إلى نادي المصوّرين في لندن، واستمرّ بخوض رحلاته الخاصّة إلى بلاد الشّرق الأوسط، وهي الرّحلات الّتي اشتهر بتصويرها ونشر صورها. مصر، اسطنبول، مالطا وفلسطين. وتلقّى الدّعم في رحلاته وفي نشر صورها لاحقًا من مصوّرين وناشرين كثر في لندن.
يعود الألبوم التّالي إلى رحلته إلى مصر في أوائل السّبعينيّات.
أسلوب التّصوير في مصر
كانت رحلات مايسون حول العالم، ومنها رحلة مصر، مموّلة من جهة ناشرة ما دومًا بهدف إنتاج كُتب مصوّرة جذّابة، ولذلك نرى تقيّد جوود في تصوير المعالم المذهلة، الأخّاذة للعين الغربيّة البعيدة، والواسعة الشّهرة. لذلك نادرًا ما نجد صورًا لأسواق أو لحارات سكنيّة أو حتّى مشاهد بلديّة عامّة في أعماله. إنّما التّركيز على أخذ صورة لمواقع أثرية شهيرة بجودة عالية تُظهر تفاصيلها، إلّا أنّه بذات الوقت اهتمّ بإظهار أشخاص محلّيين بجانب هذه المواقع، برفقة جمل أو حمار أو فقط كما هم بلباسهم التّقليدي وعماماتهم وعصيّهم وتواجدهم الطّبيعي في المكان.
ولأننّا نتحدّث عن تصوير مهني في منتصف القرن التّاسع عشر، فمن المؤكّد أن تواجد هؤلاء الأشخاص في موقع التّصوير لم يكن صدفة، بل رغبة مؤكّدة من المصوّر لوجودهم فيها لأسباب محتملة كثيرة.
أوّلًا اعتبر الإنسان المحلّي، بلباسه وملامحه جزءًا من معالم المكان الّذي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله من أجل تصوير الآثار التّاريخيّة فقط، ومع أنّ هذا التّوجه قد يبدو استشراقيًا إلى حدّ كبير، إلّا أنّه وضع بصمة هامّة على أعمال جود في مصر، فصورة أبو الهول بجانبه الفتى وحماره ليست بالصّورة الّتي ممكن أن تصنّف جانبًا على أنّها إحدى صور أبو الهول المتكرّرة والّتي تشبه بعضها عبر التّاريخ لا محاله لأنّ أبو الهول لا يتغيّر، إنّما هذه الصّورة تُظهر ذلك المعلم الأثري في زمان محدّد، ومع أشخاص محدّدين، ولو أنّهم مجهولون، ولكنّهم يحملون بهيئتهم ولباسهم تعبيرًا عن ذلك الزّمان الّذي التقطت به هذه الصّورة المحدّدة لأبو الهول.
قيمة مضافة لتصوير المعالم الأثريّة شديدة الضّخامة، كما تلك الّتي قام بها فرانك مايسون في مصر، هو إظهار ضخامة حجمها وهيبتها الفيزيائيّة في الصّور ثنائيّة الأبعاد من خلال استخدام العنصر البشري كي يفهم من ينظر إلى الصّورة أنّ حجم الهرم أو بوابة المعبد يفوق حجم الإنسان بعشرات المرّات فيفهم أبعاد المكان ورهبته بشكل أفضل ولو لم يتمكّن من رؤيته بنفسه.
لا بدّ أن ميسون ذُهل في الأماكن الّتي زارها في مصر، ونرى أنّ بعض الشّخصيات تظهر في صور متعدّدة في مدن مختلفة وعلى ما يبدو أنّ هؤلاء قد رافقوه في رحلاته كلّها وأثّروا على تجربته بالتّعرّف على مصر بجانبها الإنساني أيضًا.