شُرب البيرة من بحر غزّة

يبيّن التاريخ القصير لمدينة غزّة كمدينة تجارة بحريّة كيفيّة مشاركة البدو من النقب الذين زرعوا الشعير في تغيير مذاق البيرة البريطانيّة

فيما يلي ترجمة بتصرف خاصة بموقع مدونة “أمناء المكتبة” لمقال الكاتب دوتان هاليفي- ورشة التاريخ الاجتماعي . للاطلاع على المقالة باللغة العبرية الرجاء الضغط هنا.

جريدة “فلسطين” عن مدينة غزة،7 أيلول 1912، أرشيف جرايد للصحف

 

في مطلع شهر أيلول 1912، نشر رئيس تحرير الصحيفة اليافاويّة “فلسطين” عيسى داود العيسى مقالة تصف زيارته الأخيرة لمدينة غزة. هكذا كتب: “ورد في كتاب صفنيا، الأصحاح الثاني، الآية 4، أنّ “غزة ستكون مهجورة “. هذه المقولة التي قيلت في عهد يوشيا بن آمون حوالي 630 قبل الميلاد لا تزال سارية المفعول بقوّة بالنسبة إلى غزّة. لقد إذ تخلّت عنها الحكومة، معزولة عن العالم، أهمله الله “. وتابع، واصفًا الحالة الحزينة للمدينة، موضّحًا: تخلّت عنها الحكومة – لعدم وجود بنية تحتية فيها، معزولة عن العالم – لعدم وجود طرق للعربات أو سكك حديدية تصل إليها، مهملة من قبل الله – لتوقّف هطول الأمطار في السنوات الأخيرة الذي يحول دون أن تكسب المدينة رزقها من منتج التصدير الرئيسيّ فيها – الشعير.

كان هذا وصفًا موثوقًا به. منذ خمسينيّات القرن التاسع عشر، كان شاطئ غزة هو محور التصدير السنويّ لعشرات الآلاف من أطنان الشعير لصناعة البيرة البريطانيّة. لكنّ الغريب أنّ غزة لم تتطوّر لتصبح مدينة ميناء مثل جاراتها على ساحل البحر المتوسّط. إنّ تحقيق نبوءة صفنيا، كما اقترح العيسى، هو تفسير ممكن لذلك، لكن في ما يلي أودّ أن أقدّم شرحًا آخر لماذا وكيف جاء الشعير من النقب الشماليّ إلى مصانع البيرة في إنجلترا واسكتلندا (أيضًا)، وإظهار أنّ مدينة غزّة لا تزال صغيرة وفقيرة بسبب التجارة هذه بالذات. كما هو الحال في العديد من الحالات الأخرى في تاريخ الشرق الأوسط، أدّت عمليات التحديث التي تربط الأسواق والمنتجات المحلّيّة بالمنظومات الاقتصاديّة العالميّة إلى ربح أحاديّ الجانب وليس لصالح الطرف من الشرق الأوسط.

لفهم القصة بأكملها، دعونا نركّز على حدثين تعطّل فيهما شيء ما في هذه الآليّة التجاريّة.  بالنسبة إلى المؤرخ، مثل هذه الأحداث بالذات، تعرض التفاصيل التاريخيّة الهامّة التي كانت ستبقى مخفيّة عن الأنظار. إليكم الأوّل من بينها: في 17 كانون الأوّل 1863، تحرّرت السفينة البخاريّة “طاوبيلو” ” من سلسلة المرساة بالقرب من ميناء غريمسبي في إنكلترا، وانجرفت إلى منطقة اليابسة في بلدة قريبة. تم وُصف السفينة في الصحافة البريطانيّة بأنّها “محطّمة”، لكنّ مالكيها لم يتركوا الشحنة الغالية التي كانت على متنها لتغرق في أعماق البحر. كانت هذه أكياس من الشعير حُمّلت من شاطئ غزّة. إذ فُرّغت هذه الحمولة بسرعة ونُقلت مسافة 300 ميل لكي لا يتأخّر وصولها إلى وجهتها الأصليّة، مدينة ألوا في اسكتلندا. كانت ألوا أحد أهمّ مراكز إنتاج البيرة في المملكة المتّحدة، ومثال جيد لنا على الأماكن التي استهلكت الشعير من غزة. أنتجت ألوا النسخة الأكثر حداثة للبيرة البريطانيّة التي خُصّصت للدول المستقلّة البيضاء في الإمبراطوريّة. في تلك السنوات، لعب المستعمرون البيض، وكذلك المسؤولون وجنود الإمبراطوريّة، دورًا هامًا في تطوير مذاق ولون وملمس جديد للمشروبات التقليديّة البريطانيّة. تحت تأثير صادرات البيرة البريطانيّة إلى المستعمرات، أصبحت البيرة الفاتحة اللون، التي تتمتّع بطعم زغبيّ الفوّارة والباردة، الأكثر شعبية من البورتر (الحمّال) التقليديّة، وهي البيرة ما قبل التصنيع الداكنة واللزجة، وكاسمها (بورتر بالإنجليزيّة أي حمّال أو عامل كادح) كانت مرتبطة بعمّال الموانئ.

المثال المعروف لعشاّق البيرة هو بالطبع “إنديا فايل آيل (IPA – المزر) المشروب الفاتح اللون المنتج في مصانع الجعة في بيرتون، والتي انبثقت نكهته الفريدة من الكحول وعشبة الدينار التي أضيفت إليه موازنة بالماء الكبريتيّ من نهر ترينت، حتى لا تفسد خلال الرحلة الطويلة إلى الهند. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أدّت القدرات التكنولوجيّة والعلميّة الجديدة التي تمّ تطبيقها تدريجيًّا على مصانع البيرة، مثل: التبريد والبسترة، إلى تسريع هذه التغييرات الأسلوبيّة وجعلت البيرة منتجًا مستهلكًا طوال العام وليس فقط في الأشهر الباردة، كما كان الحال منذ قرون. جنبًا إلى جنب مع الإزالة التدريجية العوائق القانونيّة التي تحول دون بيع البيرة التي بدأت في عام 1830 وفتح الأسواق البريطانية لاستيراد الحبوب ابتداء من عام 1846، ظهرت النكهات والأساليب الجديدة في المشروب وتزايد الطلب على أنواع مختلفة من الشعير من مختلف أنحاء العالم.

سوق بئر السبع في سنواته الأولى – رمز للنجاح الجزئي للإدارة العثمانية في حكم القبائل البدوية في النقب. من مجموعة مكتبة الكونغرس

كانت أحد مصادر الشعير أرض النقب، كما ترون من الحدث الثاني الذي سننظر فيه. في 11 تشرين 1897، رفض الحمالون في ميناء هول في لندن تفريغ مائة وثلاثة وستين طنًّا من الحبوب من سفينة قادمة من غزة، مدعين أنها مليئة بـ “الغبار”. رفضت إدارة الميناء ادّعاءاتهم، حيث زودت مديري الأرصفة في الميناء بقائمة سوداء بأسماء العمال المتحدّين. ومع ذلك، لم يختلق العمال هذه الادّعاءات. إن حقيقة أنّه على الأقلّ بعض الحبوب التي جاءت من ميناء غزة مليئة بالتراب وأحيانًا حتّى الرمال والأحجار ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالطريقة التي اتّبعتها القبائل البدوية في شمال النقب في زراعة الشعير.

خطاب من مجلس ولاية القدس إلى وزارة الداخليّة في اسطنبول بشأن استخدام أموال تجارة الشعير لتحسين البنية التحتية المدينيّة في غزة، 10 أيّار 1893. مجموعة الباب الأعلى، 25169، أرشيف رئاسة الوزراء في اسطنبول

في الواقع، على العكس الصورة التقليدية للبدو، فإنّ القبائل البدوية الرحّل في النقب في القرن التاسع عشر، قامت بزراعة الأرض وعملت في الزراعة بشكل مكثف. كان هذا نتيجة لتغلغل إداري متزايد من قبل الإدارة العثمانيّة في حياتهم. تدخّل الولاة العثمانيون بشكل مكثّف في الحروب بين القبائل على الأراضي الخصبة بهدف واضح وهو التوطين الثابت للقبائل. فترات السلام النسبي التي نشأت في النقب نتيجة للتهدئة المحلّيّة للنزاعات في النصف الثاني من القرن سمحت للقبائل بزيادة عملها في الأرض تدريجيًّا على حساب الرعي. على مر السنوات، مع استقرار المناطق القبلية نتيجة للضغوط العثمانية، أنتجت الزراعة أيضًا فوائض، تم بيعها في أسواق غزة والخليل وفي السوق الذي سيصبح لاحقًا بئر السبع.

غزة، ربّما من منحدرات تلّة عليّ المنطر، من الدليل السياحيّ الثلاثيّ الأبعاد لشركة ستيريو تراڤل الذي نشر في أيّار 1908. من مجموعة مكتبة الكونغرس

ليس من  العبث وقع اختيار البدو في النقب من أجل التركيز على زراعة الشعير – إذ كان (وما زال) الأكثر تكيّفًا مع الظروف المناخيّة لشمال النقب، وهو الذي يمكن أن ينتج المحاصيل حتى في ظروف قلّة الأمطار. جعلت هذه الظروف أيضًا شعير النقب مناسبًا بشكل خاصّ لصناعة البيرة البريطانيّة. لصنع بيرة عالية الجودة، هناك حاجة لحبوب الشعير الغنيّة بالسكر والفقيرة بالبروتين، ولهذا الغرض يجب أن ينمو الشعير في تربة خفيفة، جافّة وفقيرة بالنيتروجين. بعبارة أخرى، إنّ ظروف التربة والمناخ غير المثالي للنقب هي التي جعلت الشعير الذي نما فيها مرغوبًا فيه لإنتاج البيرة.

في غياب الماء، كان الشعير قصير السيقان، مما أجبر البدو على اقتلاعه يدويًّا، وبالتالي اختلطت البذور بالتربة والأحجار المستخرجة من التربة مع الجذور. لاءمت الدورة الزراعيّة في النقب الطلب على المواد الخام في المملكة المتحدة لأنّها كانت تمامًا على عكس الدورة الزراعيّة في بريطانيا. ففي حين كان الشعير في المملكة المتحدة محصولًا صيفيًّا تم حصاده في أوائل الشتاء، كان الشعير في غزّة محصولًا شتويًّا تم حصاده في الربيع. وهكذا، كان الشعير في غزة قادرًا على الوصول كمحصول أول في العام إلى أسواق المملكة المتحدة وناسب القدرات الجديدة على إنتاج البيرة في أشهر الصيف بفضل الثلاجات التي، كما ذكرنا، دخلت مصانع البيرة. بين حصاد الشعير وبيعه لتجار غزة للتصدير، كان البدو يدفنون البذور في حفر أو أكوام من التراب. وبالتالي فإن الرمال الممزوجة بالحبوب نتيجة لاقتلاع نباتات الشعير والتخزين ملأت السنابل بذلك “الغبار” الذي أسفر عن إضراب واحد على الأقل للعمّال في موانئ لندن.

كان الوسطاء بين صانعي البيرة البريطانيين الذين طالبوا بموادّ خام عالية الجودة والبدو في النقب الذين كانوا قادرين على توفير هذا الطلب من التجار، بمن فيهم يهود الذين عاشوا في غزّة. خرج هؤلاء إلى مضارب القبائل البدوية بضعة أشهر في كلّ عام واشتروا الشعير الذي كانوا يحملونه على الجمال إلى شاطئ غزة، من هناك نقلوا الشعير بواسطة قوارب التجديف إلى السفن البخارية التي كانت ترسو على مسافة من الشاطئ. حصل هؤلاء التجار على ثروة صغيرة من تجارة الشعير، ولكن لماذا لم يتغلغل هذا النجاح إلى المدينة نفسها؟ تكمن الإجابة على ذلك في التغييرات الطويلة الأمد التي مرّت بها المدينة مع تحوّلها إلى مصدّرة للشعير. بسبب موقعها الجغرافيّ على طرف الصحراء، شكّلت غزة لعدّة قرون نقطة التقاء للقوافل التي نقلت التجارة بين مصر وسوريا، وكمورد للغذاء والإمدادات لقوافل الحجاج السنوية التي مرّت في شرق الأردن وسيناء. مع افتتاح قناة السويس، أصبحت طرق التجارة والحج بحريّة، وخلال عقدين فقدت غزة حركة النقل البري. كان ربط غزة بنظام التجارة البحرية للشعير بديلًا اقتصاديًّا جديرًا بالاهتمام منذ عدة عقود، لكنه على المدى الطويل قلّل من الإمكانيّات الاقتصاديّة للمدينة وربط مصيرها أكثر فأكثر بالمناخ غير المستقرّ في شمال النقب.

لاحظ الوكيل القنصليّ البريطاني في غزة ألكسندر كينزويتز هذا فور تعيينه في عام 1906: “يكسب معظم السكان في المدينة والمنطقة رزقهم من تجارة الشعير فقط”. بهذه الجملة القصيرة لخّص في التقرير الأول الذي كتبه حول سيرورة استمرت نصف قرن، “وبالتالي فإن حالة المحاصيل تؤثر بشكل مباشر على حالة الناس والمدينة “. نتيجة للاعتماد على تجارة الشعير، كانت غزة في أوائل القرن العشرين عرضة لتقلبات حادة بين أشهر التجارة المكثّفة في الصيف والسبات الاقتصادي الكلي تقريبًا في فصل الشتاء. جعل هذا الانتقال عبر التقويم والتقلبات بين السنوات الماطرة وسنوات القحط من الصعب على المؤسّسات التجارية مثل البنوك أو الوكالات التجارية أن يكون مقرّها في المدينة. في غياب الجدوى الاقتصادية، اكتفت الإدارة العثمانية بفرض ضرائب على صادرات الشعير وتخلّت مرارًا عن مبادرات التطوير المخطط لها. لقد ركز اهتمام الحكومة الآن على تطوير مدينة بئر السبع الجديدة التي تأسست عام 1900 (في السياق الجيو-سياسي، انظروا هنا أيضًا). وشعر مصنّعو البيرة في المملكة المتحدة أيضًا بعدم الاستقرار هذا، حيث إنّهم شككوا بالفعل، عشيّة الحرب العالمية الأولى، في قدرة المدينة على توفير المنتج بانتظام، وبعد ذلك انتقلوا للاعتماد على الإمداد الثابت والجودة العالية لشعير كاليفورنيا.

المشاهد القاتمة الذي رآها محرر مجلّة “فلسطين” في زيارته لغزة في عام 1912 بعد عدة سنوات من الجفاف، لم يكن قدرًا أو نتاجًا لـ “الحتميّة المناخيّة” إذ تطوّر اعتماد غزة على المناخ المتقلّب في شمال النقب على خلفية دورها الاقتصادي في الحيّز. تُظهر حالة غزة أنه من أجل فهم ازدهار المدينة أو تدهورها، من المهم فهم علاقتها بحيّزها الطبيعيّ، ولكن يجب أن يتم ذلك من منطلق الافتراض بأن هذه العلاقات ليست ببساطة “طبيعية”. هذه العلاقات، بدورها، هي نتاج السيرورات السياسيّة، الاجتماعيّة والاقتصاديّة التي لها تاريخ يستحقّ سرده.

سكة حديد الحجاز: القطار الذي ربط قلب الإمبراطورية بأطرافها

بذلت الأمبروطورية العثمانية جهودًا جبارة لأجل إقامة خط سكة الحديد الحجازية، فربطت قلب الدولة مع أطرافها ووصلت إلى المدن المقدسة في الحجاز

بناء سكة حديد الحجاز ، تصوير كارل لورينز أولير ، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

بناء سكة حديد الحجاز ، تصوير كارل لورينز أولير، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

ما بين الرمال والسماء، يقف صف من العمال بجوار السكك الحديدية التي تم وضعها كخطين متوازيين يخترقان السهول والجبال والصحاري؛ على جسور معلقة وأنفاق شكلت حتى يومنا هذا تحفة معمارية شاهدة على الجهد الذي تم بذله في سبيل تحقيق هذا المشروع الضخم، مشروع امتد لسنوات طوال حتى اكتمل وربط شعوبًا ومناطق ببعضها البعض. لكن، من هنا يُطرح التساؤل:

  لماذا بذلت الأمبروطورية العثمانية كل هذا الجهد، هل كان ذلك من أجل اللحمة الوطنية بين الشعوب العثمانية المختلفة أم كنوع من بسط السيادة على أطراف الأمبروطورية الشاسعة؟

تُظهر إحدى الصور بالأبيض والأسود القاطرات وهي تعبر جسرًا منخفضًا مقوسًا في وسط الصحراء. هذه الصور الغامضة هي جزء من ألبوم فريد من نوعه موجود في أرشيفات المكتبة الوطنية الإسرائيلية. يحتوي الألبوم على ثمانية وستين صورة فوتوغرافية التقطت في عام 1904 من قبل كارل لورينز أولير لسكة حديد الحجاز الشهيرة. والتي تمتد بين دمشق ومنطقة الحجاز في شبه الجزيرة العربية، خاصة لمكة المكرمة والمدينة المنورة، ومع خط فرعي يصل مدينة حيفا.

لقد تم بناء السكة الحديدية من قبل الإمبراطورية العثمانية بين عامي 1900 و 1908 لربط هذه المناطق النائية من عالمها. وتشكل صور”أولير” دليلًا مهمًا على مجريات البناء في المشروع.

 

بناء سكة حديد الحجاز ، تصوير كارل لورينز أولير، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

ولكن ما الذي كان يقوم به أولير، الجنرال العسكري البروسي المخضرم، في فحص خط سكة حديد الحجاز للسلطان العثماني؟ وكيف وصل الألبوم إلى المكتبة الوطنية الإسرائيلية؟

يعتبر الحج رحلة روحية وسامية يلتزم بها كل مسلم، قادر من ناحية الجسد والإمكانية المادية، لأداءها مرة واحدة على الأقل خلال حياته. عندما قام النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) بفريضة الحج للمرة الأولى والوحيدة، قبيل وفاته، سافر بالقافلة وسار عبر الصحراء من العاصمة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة، على بعد أكثر من 400 كيلومتر. ولكن مع توسع الإمبراطورية الإسلامية بسرعة خلال القرن الهجري الأول، أصبحت مثل هذه الرحلات أطول وأكثر خطورة. آنذاك، كان المرض والإرهاق شائعين وكان قطّاع الطرق يهاجمون بانتظام الحجاج لكونهم يشقون طريقهم عبر الصحراء وصولًا للأراضي الحجازية.

اقرأ/ي أيضًا: كعبة القلب: الحج في التصوّف الإسلامي 

 

صورة للتحصينات “المعاصم” ، بالقرب من خط سكة حديد الحجاز، كارل لورينز أولير، 1904، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

من أجل تقليل هذه المخاطر ، انضم معظم الحجاج خلال الفترات الإسلامية الوسيطة والمتأخرة إلى قوافل الجمال المنظمة والتي سافرت على طرق تم تحديدها مسبقًا. كانت القوافل تنطلق من مدينة الكوفة جنوب العراق، من القاهرة ومن دمشق (كانت تعتبر من أهم القوافل). أدى إدخال الباخرة في منتصف القرن التاسع عشر إلى تخفيف قسوة رحلة الحج، خاصة بالنسبة للحجاج القادمين من الهند، التي كانت ترزح تحت الحكم الاستعماري البريطاني. لكن هذا التطور في وسائل النقل ساهم بشكل مباشر في ظهور جائحة عالمية وهي الكوليرا، إذ  تم نقل الكوليرا، الموجودة في الهند، إلى مكة المكرمة من قبل الحجاج عام 1863، ومن هناك انتشر إلى جميع أنحاء العالم. وهذا أدى إلى نشوء في حالة من القلق، مما حدا بالقوى الاستعمارية الأوروبية إلى فرض أنظمة الحجر الصحي الصارمة على أولئك الذين يصلون من مكة ومحيطها.

 

صورة للمقطورات التي تسير على خط سكة حديد الحجاز، كارل لورينز أولير، 1904، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

الدولة العثمانية وتصديها للأطماع الأجنبية

كان تجاوز إجراءات الحجر الصحي ومواجهة الاستعمار الأوروبي قد شكل  دافعًا رئيسيًا وراء بناء سكة حديد الحجازـ إذ أنه في العقود التي سبقت إعلان السلطان عبد الحميد الثاني عن بناء سكة حديد الحجاز، في الأول من أيار 1900، فقد العثمانيون أراضيهم الواسعة تقريبًا في جنوب أوروبا. فكانت المصالح الفرنسية والبريطانية والروسية تتنافس لتفتيت  الإمبراطورية أكثر فأكثر، ولم تكن الدولة العثمانية تستطيع المجابهة سياسيًا أو حتى اقتصاديًا، فهي كانت مدينة بشكل كبير للممولين الأوروبيين، واضطرت إلى الاعتماد على الدائنين الأوروبيين لتمويل البنية التحتية وجهود التحديث والتطوير، بما في ذلك بناء خطوط سكك حديدية أخرى لربط الإمبراطورية الشاسعة.

السكة الحجازية؛ صورة لانعكاس استقلالية السلطان عبد الحميد الثاني أم وسيلة لتثبيت حكمه؟

لقد كانت سكة حديد الحجاز مختلفة عن الخطوط الأخرى، حيث أن الخط لم يكن له فائدة اقتصادية تذكر – بل كان يعمل بشكل منتظم فقط خلال موسم الحج – إلا أن له العديد من الأهداف السياسية والدينية. فقد تم تمويل المشروع بالكامل من قبل المسلمين، وتم جمع التبرعات من أجل “الخط المقدس” في جميع أنحاء العالم. هذه الحقيقة التي تم نشرها على نطاق واسع، بالإضافة إلى مشروع الإنشاء نفسه، قد صقلت قوة عبد الحميد الثاني وصورته الإسلامية كحاكم مسلم مستقل وحيد يواجه المصالح الأوروبية. ولا ننسى قدرة السكة الحجازية على تخفيف قسوة ظروف الحج نفسه، كذلك  سيضمن الخط أيضًا أن الجيش العثماني يمكنه نشر القوات والإمدادات بسرعة لحماية الشحن في البحر الأحمر والدفاع ضد التوسع الاستعماري والتحركات نحو التمرد من قبل الزعماء المحليين، خاصة في مكة.

 

صورة لبدوي عربي وعامل سكك حديدية في وادي العلا، بالقرب من خط سكة حديد الحجاز، كارل لورينز أولير، 1904، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

لقد كان للمهندسين والمستشارين الألمان دورًا حاسمًا في تخطيط وبناء السكك الحديدية. وكان يعكس هذا الدور العلاقة المتينة بين العثمانيين والألمان والتي استمرت لعقود من التعاون العسكري والاقتصادي؛ ولعدة أسباب، رأى عبد الحميد ألمانيا كشريك أوروبي مفضل للإمبراطورية.

في هذا السياق، أصبح كارل أولير مرتبطًا بالمشروع. ولد أولير عام 1854، وكان قد خدم جنرالًا للمشاة ببروسيا  ومن ثم أصبح  (مثل العديد من الضباط الآخرين) مستشارًا عسكريًا للعثمانيين بين عامي 1901 و 1908. تم تعيينه في رتبة لواء من قبل عبد الحميد، وأصبح معروفًا بلقب “أولير باشا”. عام 1904 تم إرساله لتفقد التقدم الذي تم تحقيقه في مشروع السكك الحديدية، ودراسة الجغرافيا المحلية والإثنوغرافيا.

ركز أولير على خطين من السكك الحديدية: الخط بين دمشق ومعان في جنوب الأردن، بما في ذلك خط الفرع إلى حيفا، ومن معان إلى العلا في شبه الجزيرة العربية (تقع محافظة العلا على بعد 300 كيلومتر شمال المدينة المنورة). تعد التقارير التي كتبها أولير من بين أهم المصادر الأولية حول سكة حديد الحجاز، والتي تمتاز بدقتها وشمولها لأدق التفاصيل كتضاريس الطريق، النباتات والحيوانات، بما في ذلك النمل الأبيض الذين ينخر في العوارض الخشبية لسكة الحديد؛ كذلك شمول التفاصيل حول التحديات في توفير ما يكفي من الماء والوقود؛ وردود الفعل (ربما النمطية) للسكان المحليين على بناء السكك الحديدية (ترجمة بيتر كريستيانسن):

“ستظل الحيوية التي عبروا عن فرحتهم بها لا تُنسى. كما كرر الرجال باستمرار التحية في جوقة بالإجماع، “فلينتصر السلطان ثلاث مرات!”

تقارير أولير، التي نُشرت في أعوام 1906 و 1908 في المجلة المؤثرة “Petermanns Geographische Mitteilungen”  تم توضيحها بصور التقطها هو بنفسه على طول الطريق. يبدو أن الألبوم في مجموعة المكتبة الوطنية يحتوي على المطبوعات الإضافية من تلك الرحلة التي اعتبرها، لسبب من الأسباب، غير مناسبة للنشر. بينما تتداخل مواضيع مجموعتي الصور إلى حد كبير ، يتضمن الألبوم المزيد من الصور الشخصية – للبدو والسكان المحليين والعمال والمسؤولين وغيرهم – مما يوفر لمحات رائعة للأفراد والحياة اليومية.

صورة لسكة حديد الحجاز مروراً بوادي أبو طه، كارل لورينز أولير، 1904، أرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية

 

كيف وصلت الصور إلى المكتبة الوطنية الإسرائيلية ؟

في حين أننا لا نعلم ماذا فعل أولير بالصور بعد عودته إلى ألمانيا عام 1908، لكن من المعلوم بأنه خدم في الحرب العالمية الأولى ثم تقاعد في مدينة أولم، بينما- بطريقة ما- شقت مجموعة الصور طريقها نحو طريقهم إلى إلياكيم غوتهولد ويل (1882-1960)، الذي كان ألمانيًا يهوديًا باحثًا في الإسلام، خاصة في الثقافة التركية والعربية، ومدير سابق للمكتبة الوطنية في إسرائيل. درس ويل في برلين وفرانكفورت قبل الهجرة إلى فلسطين عام 1934، وعلى الرغم من عدم ذكر أوريل في أرشيف ويل الشخصي، الموجود الآن في المكتبة، لكنه من الممكن أن يكون هذا الألبوم الفريد من نوعه قد تم تقديمه من أولير لويل كهدية شخصية والذي بعد ذلك تبرع بها لمجموعة المكتبة عام 1936.

يمكنكم استعراض بقية الصور من ألبوم الصور التاريخي هنا.

يعد هذا المقال جزءًا من مشروع مكتوب للمخطوطات الإسلامية الرقمية في المكتبة الوطنية الإسرائيلية، بدعم من صندوق أركاديا، سيوفر مكتوب وصولًا مجانيًا وعالميًا لأكثر من 2500 مخطوطة وكتب عربية وفارسية وتركية نادرة محفوظة في المكتبة، كذلك القصص الكامنة وراء إنشائها.

شخصية موسيقية من وراء الظلال: محطات في حياة رياض البندك

على الرغم من حجم الإنجازات الكبيرة التي قام بها رياض البندك إلا أنه بقي وراء الظلال حبيس معرفة الأوساط الفنية دون التعرض لضوء الشهرة والشعبية بين أوساط عامة الناس

في واحدة من المقابلات النادرة التي قامت بإجرائها مجلة الذخيرة الفلسطينية عام 1946 مع الموسيقار رياض البندك، كانت إحدى الأسئلة هل يوجد في فلسطين نهضة فنية قومية، فكانت الإجابة بأنه توجد في فلسطين نهضة فنية قومية لكن لا توجد في فلسطين معاهد موسيقية ومع الأسف لا تهتم إدارة المعارف في إدخال الموسيقى في منهاج التعليم. بهذه المقابلة تتكشف لنا ملامح شخصية رياض البندك، الشخصية التي تلقى بالًا على مجتمعها وتطوره في جانب مهم وغير مسلط الضوء على أهميته؛ التربية الموسيقية وسبل صقلها وتطورها في المجتمع الفلسطيني. فمن هو رياض البندك يا ترى؟

مقابلة مجلة الذخيرة مع الموسيقار رياض البندك، 4 تشرين الثاني 1946

للاطلاع على كامل المقابلة اضغطوا هنا 

من المعروف لدى الغالبية من الناس أن أغلب القوالب الغنائية العربية كان يتم إعدادها في عواصم عربية عدة، خاصة في بيروت والقاهرة. لكن الذي لا يعرفه الكثيرون حول مساهمة شخصيات فلسطينية فنية وموسيقية في إنشاء تلك القوالب الغنائية والموسيقية العربية. ومن تلك الشخصيات كانت شخصية رياض عيسى البندك التي ساهمت بشكل كبير في مجال التلحين الموسيقي لأشهر المغنين العرب أمثال وديع الصافي وفايزة أحمد. وعلى الرغم من حجم الإنجازات الكبيرة التي قام بها رياض البندك إلا أنه بقي وراء الظلال حبيس معرفة الأوساط الفنية دون التعرض لضوء الشهرة والشعبية بين أوساط عامة الناس. لذلك ومن أجل التعرف على تلك الشخصية الاستثنائية يستعرض هذا  المقال بعض من محطات حياة رياض البندك خاصة الفنية منها.

في حياة رياض البندك بدأت المحطة الأولى في بيت لحم، إذ أنها المدينة التي تسكنها عائلته كما كانت محل أشغالها وأعمالها، فوالده هو السيد عيسى البندك صاحب جريدة الشعب والذي كان أيضُا رئيس بلدية بيت لحم. كما أنها ذات المدينة التي وُلد فيها رياض عام 1926 وترعرع فيها حتى مرحلة الشباب. أما اللمسات الفنية الأولى في شخصية رياض بدأت أيضًا من بيت لحم من خلال معلمه الملحن المشهور “يوسف بتروني” في كلية تراسانطة. فأخذت شخصيته بالنمو حتى بدأت أبواب العواصم العربية تفتح أمامه والتي كانت أولها أبواب العاصمة المصرية القاهرة عام 1946 عندما قام بتلحين أول أغنية له وهي بعنوان “تحية عرب فلسطين إلى أرض الكنانة”. هنا كانت البداية التي تعثرت مع الاضطرابات السياسية التي عصفت بالبلاد، والتي أجبرته على التوجه نحو المحطة الثانية وهي العاصمة السورية دمشق وكانت بعد ذلك مرقده الأخير أيضًا، إذ توجه إليها وقد أشرف هناك على القسم الموسيقي في إذاعة دمشق وقد كان فيها ثلة من خيرة العازفين أمثال عازف القانون إبراهيم عبد العال وميشيل عوض على الكمنجة هو وفريد السلفيتين كما أنه التقى في دمشق الفنانة فايزة أحمد (سيكون لهما باع طويل من المسيرة الفنية من خلال تلحين رياض لأغانيها). أما موهبته الفنية فقد اتجهت أكثر نحو التلحين أكثر من  الغناء وهذا ما دعاه بالتوجه نحو بيروت ليقوم بتلحين لحن “عروس الأندلس” لفرقة الأوركسترا التي أسسها بذاته والتي تتبع الإذاعة اللبنانية في بيروت وهو الذي نظم القسم الموسيقي فيها.

خلال سنوات الخمسينيات أصبح نجم رياض البندك يأخذ بالسطوع خاصة مع مشاركته في تأسيس إذاعة صوت العرب في القاهرة عام 1953 ومن ثم في تلحينه للعديد من الأغاني الوطنية مثل “هلموا شباب العرب” وأنشودة  الوحدة العربية. فكما دمشق كانت القاهرة من المحطات المفصلية في حياته، إذ شكلت له منبرًا يتوجه من خلاله إلى العديد من البلاد العربية مثل توجهه للشعب الجزائري في بداية ثورته بأنشودة عنوانها “لتحيا الجزائر وشعب الجزائر”. عايش رياض تلك الفترة بمزيد من الأناشيد القومية والحماسية حتى أنه استرجع من خلالها الخط القومي الذي أخذه والده في السياسة قبل عام 1948، خاصة أن الأحداث السياسية في تلك الفترة وما بعدها، سواء بتجسدها بالوحدة السورية المصرية 1958 ومن ثم فشلها، أو تلحينه لأغنية “يا عيني عالصبر يا عيني عليه” التي غناها وديع الصافي والتي لا تزال تُطرب لها الآذان حتى يومنا هذا.

لم يلتزم رياض في خط فني يتصف بالجمود، بل على العكس من ذلك كان يتصف بالمرونة في ذلك، فبرع في التأليف الأغاني والأناشيد كما في موهبة التلحين. وقد كان من أهم أعماله الفنية التي وضع فيها أكبر قدر من خبرته الفنية  سيمفونية “من تشرين إلى فلسطين” التي بدأ بكتابة افتتاحيتها عام 1976 وانتهى منها في العام 1989.

بيت لحم، القاهرة، بيروت، دمشق، هذه كانت أبرز محطات حياة الفنان والملحن رياض البندك الذي توفي في العام 1996 عن عمر يناهز السبعين عامًا قضى أغلبها في تطوير مواهبه الفنية من خلال أعماله التي بدأها منذ سن مبكرة. ومن الصحة القول أن رياض كان من الموسيقيين الفلسطينيين الذي امتد إرثهم الفني للعديد من البلاد العربية بعيدًا عن طلب الشهرة الفظة، فاختار شهرة الموسيقى من وراء الظلال.

للمزيد حول شخصية رياض البندك تصفحوا عددًا من الكتب حوله والتي هي موجودة في المكتبة الوطنية مثل كتاب “أعلام فلسطين” وغيره من المصادر الأخرى.

مشروع إتاحة الوصول الرقمي لأكثر من 2500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة

يعد هذا المشروع ثمرة التعاون ما بين المكتبة الوطنية الإسرائيلية وصندوق أركاديا من أجل إتاحة الوصول إلى 2500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة

ضمن رؤيا المكتبة الوطنية الإسرائيلية للتوسع والتطوير، أعلنت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس أنّها بفضل تبرّع سخيّ من أركاديا، وهو صندوق خيريّ من تأسيس لسبيت راوسنغ وبيتر بالدوين، ستتيح الوصول الرقميّ إلى أكثر من 2،500 من المخطوطات والكتب الإسلاميّة النادرة من مجموعتها العالميّة. والتي هي مجموعة تضمّ كنوزًا لا تقدر بثمن من جميع أنحاء العالم الإسلاميّ من الألفيّة الماضية، وتهدف المكتبة إلى توفيرها من خلال منصّة تتيح الوصول العالميّ المجانيّ لصور عالية الدقّة وأدوات سهلة الاستخدام.

يتضمن المشروع رقمنة صور عالية الدقّة ورفعها؛ تحسين أوصاف الموادّ باللغتين العربيّة والإنجليزيّة؛ تصميم وتطوير منصّة رقميّة ثلاثيّة اللغات (بالإنكليزيّة، العبريّة والعربيّة). كخطوة أوّليّة هامّة، سيراجع خبراء حفظ وصيانة المخطوطات في المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة بدقّة جميع الموادّ التي سيتمّ مسحها ضوئيًّا، ويتّخذون إجراءات الحفظ والصيانة المشدّدة لأيّ موادّ يتبيّن أنّ وضعها إشكاليّ.

ستتيح المنصّة الرقميّة للمستخدمين من جميع أنحاء العالم اكتشاف المجموعة الكاملة والاستمتاع بها، تلك المجموعة التي تتميز بصور عالية الدقّة مصحوبة بإمكانيّات بحث وأدوات ودّيّة وسهلة الاستخدام. من المتوقّع أن يكتمل المشروع في غضون ثلاث سنوات.

تضمّ مجموعة الإسلام والشرق الأوسط التابعة للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة 2500 من المخطوطات والكتب النادرة باللغات العربيّة، الفارسيّة والتركيّة، والتي يعود تاريخها إلى الفترة بين القرن التاسع والقرن الـ 20.

تبرّع بغالبيّة المخطوطات إبراهيم شالوم يهودا (1877-1951)، وهو مثقّف عربيّ-يهوديّ من مواليد القدس، وأحد أهمّ جامعي المخطوطات الإسلاميّة في أوائل القرن الـ 20. تضمّ المجموعة مقتنيات من جميع مجالات المعرفة الإسلاميّة الرئيسيّة والموروث الأدبيّ. من أبرز معالم هذه المجموعة موادّ جذّابة من المكتبات المملوكيّة، والمغوليّة والعثمانيّة السلطانية؛ أعمال علميّة نُسخت في حياة مؤلّفيها أو بعد وفاتهم بفترة وجيزة؛ ونسخ موقّعة من فترة متأخّرة. كما أنّها بمثابة مجموعة بحثيّة رائدة تخدم الباحثين من خلال أعمال معاصرة ذات صلة بالثقافة الإسلاميّة والشرق أوسطيّة.

أما المواد التي ستضمّها  المواد الرقميّة الجديدة، فتشمل مواد ونسخ متنوعة ونادرة الوجود؛ منها مجموعة مخطوطات حول مقتطفات قرآنية قديمة من جميع أنحاء العالم، ومن هذه المخطوطات نسخة جزء من مصحف بالخط الكوفي يعود إلى القرن التاسع ميلادي من شمال أفريقيا. والذي يمكننا أن نرى جمالية استخدام الألوان (الأحمر والأزرق والأصفر) فيها إشارة إلى قراءات مختلفة، بالإضافة إلى التميز في استخدام أسلوب التنقيط بالألوان. في الصورة، يمكننا الرؤية بأن النص المعروض يعود إلى بداية سورة هود.

نص بداية سورة هود يعود إلى مصحف من القرن التاسع للميلاد.

 

لا تضم المجموعة المصاحف فقط وإنما هنالك العديد من الكتب النادرة الإسلامية مثل كتاب الكواكب الدرية في مدح خير البرية المسماة بالبردة،  إذ أن هذا الكتاب يعد بكونه أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي كتبها محمد بن سعيد البوصيري في القرن السابع الهجري الموافق القرن الحادي عشر الميلادي. وقد أجمع معظم الباحثين على أن هذه القصيدة من أفضل وأعجب قصائد المديح النبوي إن لم تكن أفضلها وتتميز هذه النسخة بكونها مرسومة لخزانة السلطان المملوكي الأشرف أبو نصر قانصوه الغوري (توفي 1516م)، وبعد ذلك كانت بحوزة خزانة السلطان العثماني سليمان القانوني (توفي 1566م) والتي تحمل طبعة خاتمه السلطاني.

الصفحة الأولى من كتاب الكواكب الدرية في مدح خير البرية، نسخة تحمل ختم السلطان سليمان القانوني.

بالإضافة إلى المصاحف والمخطوطات الأدبية الدينية، يحمل المشروع بعضًا من المخطوطات العلمية لأسماء بارزة بالعالم الإسلامي مثل الإمام الغزالي، ومن أبرز مخطوطاته نسخة من كتاب مشكاة الأنوار (الذي يسلط الضوء على سورة النور) والذي كان أحد إنجازات الغزالي الأخيرة. وقد تم نسخ النسخة التي تظهر هنا عام 1115 ميلادي، أي بعد أربع سنوات فقط من وفاة الغزالي عام 1111 ميلادي. .

نسخة من كتابة مشكاة الأنوار تعود إلى العام 1115 ميلادي

لا يمكننا الحديث عن المخطوطات بدون أن نعرض أمامكم مخطوطة نظامي الكنجوي (توفي 1209 ميلادي) – للشاعر المسلم الفارسي الذي كان صوفيًا كبيرًا. وهي عبارة عن مخطوطة مصورة بشكل جميل، فيها نرى أول لقاء بين قيس وليلى قبل أن يصبح مجنونًا ويفقد عقله، ومن خلال المخطوطة يمكن الملاحظة بأن حالة قيس قبل جنونه كان مرتديًا ملابسه، وبعد ذلك تم تصوير حالة الجنون من خلال  رسم قيس بأنه قد أصبح عاريًا.

كتاب ليلى ومجنون، من إيران سنة 1602م

 

أيضًاـ تضم مجموعتنا العلمية نسخة من كتاب تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر : والذي فيها شرح (تفسير أو تصحيح) لكتاب ابن الهيثم والمتوفى سنة 1039 ميلادي، يسمى كتاب المناظر). الذي قام بتأليف الشرح هو كمال الدين الفارسي – الذي كان أيضًا عالمًا عظيمًا في القرن الرابع عشر). كمال الدين البصري كان أول من فهم كيفية عمل القوس قزح.

تعود نسختنا إلى العام 1511 ميلادي، والمعروف لدينا بأن اسم صاحب النسخة – (تم نسخها على يد) عبد الرحمن بن مؤيد في مدينة أدرنه. تمثل الصورة هنا شكل العين.

كتاب تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر

 

قالوا عن المجموعة

د. راحيل أوكلس، أمينة مجموعة الإسلام والشرق الأوسط، المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة: “نتشرّف بإتاحة الوصول الرقميّ إلى هذه الكنوز، ونأمل أن يُسهم هذا المشروع في فهم أكبر واستقصاء مشارك ذي صلة بالحضارة الإسلاميّة. واحدة من عدد من المبادرات التي تربط المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس بالمجتمع العالميّ”.

البروفيسور بيتر بالدوين، مؤسّس مشارك ورئيس صندوق أركاديا: “يسرّنا دعم المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في إتاحة الوصول المجانيّ لمجموعتها الفريدة من نوعها للجميع حول العالم”.

حول صندوق أركاديا

من تأسيس لسبيت راوسنغ وبيتر بالدوين. يدعم صندوق أركاديا المؤسّسات الخيريّة والمؤسّسات العلميّة لحفظ الموروث الثقافيّ وحماية البيئة وتعزيز الإتاحة. منذ عام 2002، قدّم صندوق أركاديا أكثر من 678 مليون دولار في شكل منح لمشاريع حول العالم. للمزيد من المعلومات، ادخلوا الرابط:   arcadiafund.org.uk

حول المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة

تأسّست المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة في القدس عام 1892، وتشكّل ذاكرة جماعيّة ديناميكيّة للشعب اليهوديّ في جميع أنحاء العالم، والإسرائيليّين من جميع الخلفيّات والأديان. مع الاستمرار في العمل كمكتبة بحثيّة بارزة في إسرائيل، شرعت المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة مؤخّرًا في مسيرة تجدّد طموحة لتشجيع جماهير منوّعة في إسرائيل وحول العالم على الاطّلاع على كنوزها بطرق جديدة وذات معنًى. يتم ذلك من خلال مجموعة من المبادرات التعليميّة، الثقافيّة والرقميّة المبتكرة، وكذلك من خلال حرم جديد بارز صمّمه هرتسوغ ودي ميرون، بمشاركة المكتب الهندسيّ التنفيذيّ مان-شنعار. المقرّ الجديد قيد الإنشاء حاليًّا بالقرب من الكنيست (البرلمان الإسرائيليّ) في القدس، ومن المقرّر الانتهاء منه عام 2021.

تمتلك المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة أربع مجموعات أساسيّة: إسرائيل، اليهوديّة، الإسلام والشرق الأوسط، والعلوم الإنسانيّة. من بين أبرز الأعمال أعمالًا هامّة مكتوبة بخطّ يد شخصيات بارزة، مثل: الرمبام- موسى بن ميمون، والسير إسحاق نيوتن، ومخطوطات إسلاميّة رائعة تعود إلى القرن التاسع وأرشيفات شخصيّة لشخصيّات ثقافيّة وفكريّة بارزة، مثل: مارتن بوبر، نتان شيرانسكي ونعومي شيمر.  تمتلك المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة أكبر مجموعات من النصوص اليهوديّة، الموسيقى اليهوديّة والإسرائيليّة، خرائط القدس والأرض المقدّسة، بالإضافة إلى مجموعات عالميّة من المخطوطات، الخرائط القديمة، الكتب النادرة، الصور الفوتوغرافيّة، الموادّ الأرشيفيّة العامّة والشخصيّة وغيرها.

رسم توضيحي لمبنى المكتبة الوطنية الجديد

من المقرّر افتتاح المقرّ الجديد للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة الموجود قيد الإنشاء حاليًّا بالقرب من الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في القدس، في عام 2022. سيعكس المبنى، الحدائق والباحات المحيطة به القيم المركزيّة للمعرفة الديمقراطيّة وفتح المجموعات العالميّة للمكتبة الوطنيّة ومصادرها لجمهور واسع ومنوّع بأكبر قدر ممكن. تضمّ مساحته البالغة 45000 متر مربّع (480.000 قدم مربّع)، حيّزات للمعارض، بالإضافة إلى تنفيذ البرامج الثقافيّة والتعليميّة في بيئة آمنة، متطوّرة وذات صبغة فنّيّة، مستدامة وحديثة. تقود حكومة إسرائيل وعائلة روتشيلد (الشركاء في المشروع) بناء المقرّ الجديد للمكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة، برعاية صندوق ياد هنديڤ وعائلة ديڤيد س. وروث ل. غوتسمان من نيويورك.