الظاهر بيبرس والرواية الشامية

المخطوطة النادرة "سيرة الظاهر بيبرس": مادة قيمة وملفتة توثق سيرة الظاهر بيبرس من سيرته كما رواها الحكواتيين وكما أراد الناس سماعها؛ قصة أسطورية مليئة بالتشويق والمبالغات اللطيفة

تشكل المخطوطة النادرة “سيرة الظاهر بيبرس” والمحفوظة في أرشيف المكتبة الوطنية الاسرائيلية في القدس مادة قيمة وملفتة، فهي لا توثق سيرة الظاهر بيبرس كما جاءت على لسان المؤرخين والكتاب، بل توثق جانباً من سيرته كما رواها الحكواتيين وكما أراد الناس سماعها: قصة أسطورية مليئة بالتشويق والمبالغات اللطيفة. ولكي تكون كذلك كان على الحكواتيين كتابتها بلغة الناس، ولذلك فالمخطوطة أدناه هي من المخطوطات القليلة التي كتبت باللغة العامية والتي توفر مادة غنية ومميزة حول الظاهر بيبرس وحول اللغة العامية التي استخدمت لسرد قصته.

                                                                                                                                           لقراءة المخطوطة

لا شك أن الظاهر بيبرس (1223 – 1277) قد شكل أسطورة في بلاد الشام تداولها الناس لعشرات السنين، حول شخصيته حيكت الأساطير وكتبت القصص والروايات، ووصل الكثير منها حد المعجزات. كان الظاهر بيبرس قد ذاع سيطه بعد سيرة عسكرية مليئة بالنجاحات. وربما يكون أحد أشهر الحكام المسلمين بعد صلاح الدين الأيوبي، حيث قارن الناس بينهما دوماً فهو أيضاً قاتل الصليبين، وهو من أدار معركة عين جالوت القريبة من بيسان عام 1260 تحت قيادة سيف الدين قطر، حيث استطاع تحقيق انتصار ساحق على المغول وكان القائد الذي استطاع اخضاع الصليبيين وإخراجهم تماماً من البلاد لتصير عين جالوت ومعارك بيبرس الأخرى رمزًا للفرج والخلاص في الخيال الإسلامي.

 

أفعال الظاهر بيبرس وشخصيته شكلت مادة مهمة للباحثين والمؤرخين والكتاب على مر التاريخ، لكن قصته كانت مهمة أيضاً للناس أنفسهم والذين رأوا به شخصية بطولية حررتهم وأنقذتهم لذلك فالناس أيضاً تداولوا قصته وحولوه إلى بطل شعبي، لكن القصة في أفواه الناس ولغتهم مختلفة دوماً، فالأحداث الكبرى مُلك المؤرخين أما التفاصيل فهي ملكها تضيف إليها وتغيرها وتبدلها، بهذا الأسلوب التقط الحكواتيون هذه الحكايات وحولوها إلى قصص جميلة أضافوا إليها اللغة الشعرية، والموسيقى الصوتية مع أسلوب تمثيلي وتشويقي مميز مع استخدام العصا (عصا الحكواتي) والملابس المزركشة التي يلبسونها لإضفاء نوع من الواقعية.


                                       أبيات شعر من مخطوط “سيرة الظاهر بيبرس” لقراءة المخطوطة

الجزء هذا من سيرة الظاهر بيبرس يوثق  قصة مهاجمة المماليك في فترة الظاهر بيبرس، وفتح مدينة سيس عاصمة مملكة أرمينيا الصغرى على يدهم وتشمل بطولات الظاهر بيبرس وصديقه جمال الدين شيحة  المقاتل المملوكي الشهير. وهي جزء من الروايات الشعبية، ولكل منطقة روايتها الخاصة فهناك “سيرة الظاهر بيبرس – الرواية الشامية” وهناك “الرواية المصرية” وربما تكون هذه المخطوطة هي جزء من “الرواية الفلسطينية”.

بغض النظر عن منشأ القصة هذه، لكنها تظل جزءاً من الثقافة الشعبية لسكان المنطقة، تداخل فيها الواقعي مع الخيالي والتاريخية مع الأسطوري.  بحيث بات من الصعب التمييز بين الحقيقي والخيالي وهو ما دفع الكثير من المؤرخين إلى إعادة كتابة سيرة الظاهر بيبرس لتبيان الحقيقة لهم، كمحاولة المربي ضياء الدين الخطيب والذي حاول في مقالته “الملك الظاهر بيبرس” والتي نشرتها في مجلة الكلية العربية عام 1934 توضح السيرة الحقيقية لبيبرس كي لا تختلط على الناس.

 

 

الخطيب، ضياء الدين. الملك الظاهر بيبرس. مجلة الكلية العربية، العدد الثاني، 28 شباط 1934. ص 132
الخطيب، ضياء الدين. الملك الظاهر بيبرس. مجلة الكلية العربية، العدد الثاني، 28 شباط 1934. ص 132

 

لقراء المجلة كاملة

سيرة الظاهر بيبرس وتفاصيلها لا تزال حتى اليوم تشكل جزءاً من ثقافة بلاد الشام، بعض هذه القصص حقيقية وبعضها قد لا نعرف يوماً مدى مصداقيتها، لكن آثار المباني والعمارة التي أنشأها تظل حقيقة تاريخية لا يمكن التشكيك بها مثل قلعة ومسجد صفد، إضافة لقلعة النمرود الذي أعاد بناءها وأضاف إليها جسراً ومنارة وجامع، ومقام النبي موسى على طريق القدس، إضافة لـ “خان الظاهر” في القدس والذي لم يعد موجوداً اليوم ولكن الفهود التي زينته، نقلت أثناء ترميم السور لتعتلي القسم العلوي من باب الأسباط حيث لا تزال تعتلي باب المدينة حتى يومنا هذا وهذه الأسود هي شعار حكم بيبرس نظراً لاسمه (بي – برس) وبرس تعني الفهد.

باب الأسباط، بداية القرن العشرين، أرشيف تروتر ريد. المكتبة الوطنية الاسرائيلية
باب الأسباط، بداية القرن العشرين، أرشيف تروتر ريد. المكتبة الوطنية الاسرائيلية

 

الصور الكثير المحفوظة في أرشيف المكتبة الوطنية الاسرائيلية توثق جانباً مهماً من عمائر الظاهر بيبرس في البلاد ومرجعاً تاريخياً إضافياً لدراسة حقبته، كإحدى الشخصيات التاريخية التي تركت أثراً ملحوظاً في البلاد، كما تزخر المكتبة بعشرات الكتب والمخطوطات التي تضيء جوانباً مختلفة من حقبته ومن شخصيته، إن قراءة جديدة لتاريخ الظاهر بيبرس “التاريخي”، وقراءته كما جاء على لسان الناس من خلال المخطوطة أعلاه معاً يشكل مدخلاً مهماً لفهم التحولات والبناء الشعبي للقصة التاريخية وهي مهمة تستحق البحث والتفكير، ولكن تظل المخطوطة المذكورة مرجعاً ملفتاً ومهماً يستحق البحث.

مدفع رمضان – في بعديه الروحاني والسياسي

شكّل مدفع رمضان جزءً من الثقافة العربية في البلاد؛ حيث كان له طقوسه الخاصة التي تجاوزت في الكثير من الأحيان غاياتها الدينيّة والاجتماعيّة لأهداف سياسيّة. المقال يستعرض تقاليد وطقوس مدفع رمضان في البلاد.

بغضّ النظر عن أصل منشأ مدفع رمضان الحقيقيّ وتعدّد الروايات حول ذلك، إلا أنّ المعلومات التي نملكها تشير وبشكل واضح أنّه قد استخدم بشكل منتظم منذ فترة محمد علي باشا أي قبل أكثر من مائة وخمسين عامًا، حيث كان التحول المُهم في تلك الفترة في إعلان بدء الصوم وانتهاءه، خاصة في فترة لم يكن فيها بعد كهرباء، ولا تلفاز، ولا مذياع ولا تواصل تكنولوجيّ.

مجلة المنتدى. 26 حزيران 1946

شكّل مدفع رمضان جزءً من الثقافة العربية في البلاد أيضًا، حيث كان له تقاليد وطقوسه الخاصة التي تجاوزت في الكثير من الأحيان غاياتها الدينيّة والاجتماعيّة نحو تحقيق غايات سياسيّة، قسم منها كانت مهمّة للمسلمين فيما كانت بعضها مهمة للسلطات البريطانيّة لتحقيق أهدافها وماربها عبر مدفع رمضان.

كان الأمر يجري سنويًّا وذلك من خلال تقاليد المدفع، حيث كانت السلطات البريطانية تقوم بتسليم المدفع لرئيس البلدية أو للمجلس الاسلاميّ الأعلى وسط احتفالات مهيبة تُلقى فيها الخطابات، ويُرتل القرآن، وتوزع الحلويات.

جريدة فلسطين. 6 تشرين أول 1945

قراءة سريعة التقرير أعلاه كافية لأن تعطينا صورة واضحة عن تفاصيل الحدث واجراءات التسليم، حيث يلتقي المسؤولون البريطانيّون مع القيادة الدينيّة والسياسيّة للفلسطينيّين، ثم يقوم القائد العام بتسليم المدفع لرئيس البلدية في المدن أو لرئيس المجلس الأعلى في القدس لما لها من رمزيّة دينيّة، ثم يلقى القائد البريطاني العام كلمة يرد عليه بعدها رئيس البلدية، ثم تعقبه الكلمات والخطابات ينصّب خلالها المدفع، بعدها تُتلى من القرآن الكريم ومن بعدها يودع المسؤولون البريطانيّون فيما يمضي الفلسطينيون إلى دار المجلس الاسلامي الأعلى بجوار الحرم لقضاء الوقت والأحاديث.

لكن هذا البعد الروحاني لا ينفصل بطبيعة الحال عن البعد السياسي، وكما نقرأ في الجريدة فالقائد العام في خطابه يقول: “أهدي هذا المدفع إلى المجلس الاسلاميّ الأعلى، لقد استخدم هذا المدفع ضد العدو المشترك، وانه لمن المبهج حقًّا أن يعرف أنّه سيخصّص الآن لغاية سلميّة، وكم يكون اغتباطًا عظيمًا، لو أمكن الاستفادة من كل المعدّات العسكريّة لمثل هذه الغاية”.

إن بريطانيا ورغم كل صراعاتها مع الفلسطينيّين آنذاك ورغم التاريخ الحافل إلا أنّها استخدمت عنصر “العدو المشترك” مستحضرة ذكرى العثمانيّين محاولة منها خلال الاحتفال بناء المشترك وتوطيد العلاقات وايصال رسائل سياسية واضحة للفلسطينيّين قد تحمل معها نوعًا من تعزيز العلاقات.

لم تكن احتفاليّة تسليم المدفع تجري فقط في القدس، إنّما في المدن الرئيسيّة كلّها كحيفا وعكا ويافا وغيرها،  وعادة ما كانت الاجراءات ذاتها.

جريدة الدفاع. 2 حزيران 1947

توفّر لنا جريدة الدفاع مدخلاً لمقارنة الاحتفالات في المدن المختلفة، فنرى في عكا الاجراءات ذاتها مع التأكيد على الرسالة البريطانية التي ستتكرر دومًا بضرورة أن يكون السلاح لأغراض سلميّة، ونقرأه هنا في صيغة مشابهة للصيغة التي قيلت في القدس: “… وإني أقدم لكم الآن مدفعًا بالنيابة عن الجيش البريطاني في الشرق الأوسط، وسوف لا يستعمل هذا المدفع بعد الآن للحرب، وعندما تسمعون طلقاته أن يفكر المؤمنون بالأشياء الروحانية بدلاً من ميدان المعركة”.

جريدة فلسطين. 7 حزيران 1947

في نابلس أيضًا تتكرر ذات الاجراءات، وكما في كل محفل، يبدأ خطاب القائد العام عادة بتعداد مآثر المدينة وأهميّتها، ثم يشدد على القضية المؤرقة لبريطانيا: “ان أعظم حرب عرفتها الانسانية قد انتهت، ولكنه لا يوجد جندي أو مدني أو شخص واحد يرغب في أن تعود هذه الحروب، ولذلك يسرني في هذا اليوم أن لا يرمي هذا المدفع الذي لي الشرف في اهدائه الى مدينة نابلس بمقذوفاته في الحرب بعد الآن، بل يبقى ملازماً أميناً لطقوسنا الروحية نحو اخواننا وليكن رمز العواطف، السلام والصداقة التي تقوم بين أمتينا”.
إن تركيز القائد البريطاني العام على السلاح مفهوم ضمن الرسائل السياسية، ليس فقط بسبب الإرث الطويل بين الفلسطينيين والبريطانيين بل بسبب استخدام المدفع ذاته أحيانًا لأغراض أخرى كما حدث في ثورة ال-36

جريدة الدفاع. 22 تموز 1936

رغم كل الخطابات والاحتياطات والتشديد على ضرورة استخدام المدافع لأغراض سلميّة وروحانيّة وليس لأغراض عسكريّة أو حربيّة إلا أنّ كل ذلك لن يجدي، حيث ستحمل الأطراف كلها السلاح، وستخوض حروبًا ومعارك، بعضها لا يزال مستمرًا حتى اليوم، لتخلق واقعًا جديدًا في المنطقة، واقع سيعيد تشكيل المجالات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة كلها في المنطقة.

 

كعبة القلب: الحج في التصوف الإسلامي

الرومي وابن عربي والمفهوم الصوفي الراديكالي للدين

رسم توضيحي للمسجد النبوي في المدينة المنورة (يسار) والمسجد الحرام في مكة المكرمة(يمين). من مخطوطة تركية عثمانية تعود للقرن الثامن عشر لكتاب الصلاة الصوفي- دلالة الخيرات، مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

بقلم: سام ثروب

في وقت ما في منتصف القرن التاسع الميلادي، انطلق متصوف يدعى بايزيد سيرًا على الأقدام من منزله في شمال وسط إيران باتجاه مكة المكرمة، ذلك بهدف أداء مناسك الحج إلى المدينة المقدسة – وهي رحلة تقارب 2500 كيلومتر. على طول الطريق، في كل بلدة وقرية مر بها، بحث بايزيد عن المتصوفين والأولياء المحليين، على أمل العثور على معلمه الحقيقي. أخيرًا، في بلدة غير معروفة، التقى بايزيد صوفيًا فقيرًا ضريرًا منحني الظهر مع تقدم العمر. سأله الحكيم عن مراده، فأخبره بايزيد أنه يهدف إلى أداء مناسك الحج.

“فقط طوف حولي سبع مرات بدلاً من ذلك ؛ أجاب الشيخ: هذا أفضل من الحج. وهكذا تكون قد أديّت كامل حجتك! ووصلت إلى نهاية رحلتك! لقد أديت الصفا، دخلت النقاء ؛ قد أديت العمرة. عش إلى الأبد!. لنقارن: إن الكعبة هي موطن التقوى، لكني تحتوي على أعمق غموضه. داخل الكعبة لم يخط أحد قط وقلبي النقي لا يقبله أحد إلا الله ؛ لما رأيتني رأيت الله أيضًا. ستضع دائرة حول الكعبة التي هي الصدق المطلق.

قصة الشيخ الذي قال لبايزيد ، "أنا الكعبة ، طوف حولي!" من القصيدة الصوفية لجلال الدين الرومي ، مثنوي مانائي. من مخطوطة عثمانية تعود للقرن السابع عشر. من مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
قصة الشيخ الذي قال لبايزيد ، “أنا الكعبة ، طوف حولي!” من القصيدة الصوفية لجلال الدين الرومي ، مثنوي مانائي. من مخطوطة عثمانية تعود للقرن السابع عشر. من مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

تبدو هذه القصة، المأخوذة من ملحمة جلال الدين الرومي الصوفية “مثنوي-يي مانعي” (التي تعني “المقاطع الروحية”، في ترجمة جويد مجددي الإنجليزية الحائزة على جوائز) محيرة للوهلة الأولى. بدلاً من أداء الحج في مكة، من المتوقع أن يؤدي كل مسلم قادر جسديًا وماديًا الحج مرة واحدة على الأقل، وهو واجب شعائري، يطلب الشيخ الغامض من بايزيد التخلي عن رحلته. فبدلاً من الطواف ، فإن الطواف حول الكعبة الذي هو سمة مركزية في الحج ، يقول الولي أن يطوف حوله؛ بدلاً من االسعي بين الصفا والمروة، يقول له الولي إنه قد أدى بالفعل واجبه الديني.

بالنسبة للمسلمين عبر التاريخ وحتى اليوم، كانت الرحلة إلى مكة هدفًا مدى الحياة، وكانت ذروة الإشباع الروحي، وكانت جغرافية المدينة المقدسة الصعبة مصدرًا ثابتًا للتأمل. هل الشيخ – ومن بعده الرومي – يدافعون عن الكفر؟

يكمن جزء من الإجابة في حقيقة أن بايزيد الذي ينسج الرومي حوله هذه الرواية – مجرد واحدة من آلاف القصص التي يتألف منها المثنوي- لا شيء يُعرف عنه سوى أنه بايزيد بسطامي (توفي 874 ميلادي) أحد أهم الرموز الصوفية المبكرة. في حين لا يُعرف سوى القليل عن حياة بايزيد ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه كان منعزلاً ولم يترك وراءه أي عمل مكتوب، إلا أنه تم الحفاظ على أقواله الجريئة والممتعةـ إذ تعتمد شهرته على تلك الأقوال، التي يمكن أن تصدم القرّاء اليوم، مثل مفاهيم مسبقة عن الإسلام على أنها محافظة وصارمة، ومفاجئة مثل تعليمات الشيخ القديم في قصة الرومي. من بين أمور أخرى ، ورد أن بيازيد قال “المجد لي! ما أعظم جلالتي! ” وأن يقارن نفسه بالله ، ليعلن أن الكعبة تطوف به، ويستجيب لدعوة المؤذن للصلاة “الله أكبر!” بالإجابة “أنا أعظم!”.

رسم توضيحي لتجمع صوفي، من مخطوطة هندية من القرن السابع عشر للأعمال المجمعة للشاعر الفارسي خاقاني، مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

لم تكن تصريحات بايزيد علامة على الجنون أو الإلحاد العدمي. بدلاً من ذلك، سعى بايزيد للتعبير عن تجربة أن الوعي الفردي أصبح حقيقة لمحو قدسية الإله. بل حتى أن إنقلاب بايزيد على مركزية الكعبة، بيت الله الذي نزل من السماء والتي يتجه إليها المسلمون أثناء الصلاة، تجعل بيانه أكثر قوة. بدلاً من انتهاك الإسلام، فإن بايزيد والرومي من بعده يتخيلون تفسيرًا روحيًا بديلًا للدين، بناءً على المعرفة المتعالية والتحويلية للغيب: أي “جذور أصول الدين”. كما وصف الرومي المثنوي في مقدمة العمل. ومع ذلك ، لم يكن الأمر كذلك دائمًا أن مثل هذه التصريحات لم تكن لها تداعيات ؛ وقد تم إعدام منصور الحلاج (المتوفى عام 922) ، كما يعتقد بعض العلماء ، بسبب الإدلاء بهذه التصريحات.

يلعب الحج دورًا بارزًا مماثلًا في عمل مركزي آخر للتصوف الإسلامي. في عمل “الفتوح المكية” لإبن العربي. ولد ابن عربي (1165-1240) ، المعروف بالشيخ الأكبر ، في الأندلس (إسبانيا الحالية). هو كاتب صوفي غزير الإنتاج، شرع أداء نسك الحج عام 1201 ومكث في مكة لمدة ثلاث سنوات. وأثناء وجوده هناك، بدأ أشهر أعماله، وهي “الفتوح المكية”. تحتوي المجلدات السبعة والثلاثون من الكتاب المركب وعميق الطبقات على العديد من الرؤى العميقة؛ في الفصل الأول من الفصل الثاني والسبعين الكعبة “ترفع أذرعها” وتنهض من أساسها وتهدد ابن العربي وتحاول قطع طوافه. فكما أن الكعبة، المتخيلة كفتاة صغيرة ومخاطبتها “هي”، مستعدة للقفز. ينطق ابن عربي قصائد حبه حول الكعبة في ثماني رسائل حب للكعبة، جُمّعت في كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل.

اقرأ/ي أيضًا: عيد الأضحى: مخطوطات ومقتطفات من تاريخ العيد والحج وسكة الحجاز

الصفحة الافتتاحية لنسخة تعود إلى أواخر القرن السابع عشر من أوراد الأصبعة، وهي مجموعة من 14 صلاة تعبدية يومية كتبها الفيلسوف الصوفي والصوفي ابن عربي، مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

بالنسبة لابن عربي كما بالنسبة للمتصوفين الآخرين، فإن الكعبة والحج جزء من أيقونة. تُمثل مكة المكرمة البنية المادية فيها حيث تسكن الذات والله معًا؛ الرحلة إلى القلب الحقيقي تحل محل الرحلة إلى القلب المادي أي الكعبة. كما يكتب ابن عربي (في ترجمة ستيفن هيرتنشتاين):

اقرأ/ي أيضًا: من تاريخ التصوف: مخطوطات رقمية من تاريخ الصوفية في العالم الإسلامي

فلما خلق الله جسدك وضع فيه الكعبة التي هي قلبك. لقد جعل هيكل القلب هذا أشرف البيوت في شخص الإيمان. أخبرنا أن السماوات… والأرض التي فيها الكعبة لا تشمله بل محصورة عليه، ولكنه يحيط به هذا القلب في تكوين الإنسان المؤمن. والمقصود هنا بكلمة “شمول” هو معرفة الله (فتوحات الفصل 355).

ومع ذلك، فإن الكعبة الجسدية تتطلب الاحترام – كما تعلم ابن عربي بشكل مرعب – على وجه التحديد لأن مواجهة الكعبة وجهاً لوجه مع الذات: الذات الأكثر وضوحًا التي هي موضع مظهر من مظاهر الألوهيه. وطقوس الحج هي أداة لتحقيق هذا الوحي وجغرافية المدينة المقدسة خارطة تشير إليها.

رسم توضيحي للمسجد النبوي في المدينة المنورة (يسار) والمسجد الحرام في مكة المكرمة(يمين). من مخطوطة تركية عثمانية تعود للقرن الثامن عشر لكتاب الصلاة الصوفي- دلالة الخيرات، مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
رسم توضيحي للمسجد النبوي في المدينة المنورة (يسار) والمسجد الحرام في مكة المكرمة(يمين). من مخطوطة تركية عثمانية تعود للقرن الثامن عشر لكتاب الصلاة الصوفي- دلالة الخيرات، مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية.

لا شك أن المسلمين، على مر العصور، تصوروا مكة المكرمة كوسيلة للإلهام الروحي وانعكس ذلك على العديد من المخطوطات. ومن هنا، تحتوي مجموعة المكتبة الوطنية الإسرائيلية على العديد من نسخ المخطوطات؛ من ضمنها مجموعة تعود إلى القرن الخامس عشر للنبي محمد والمعروفة باسم “دليل الخيرات والشوارق الأنوار في الذكر على النبي المختار”، التي تعود إلى الصوفي محمد بن سليمان الجزولي (ت 1465 ميلادي).

تحتوي العديد من المخطوطات على رسمين توضيحيين: أحدهما لمكة ، بما في ذلك الكعبة والمواقع المقدسة الأخرى، والآخر من المدينة المنورة، موقع المسجد النبوي. أما الصور، فهي تعود إلى أوقات وأماكن مختلفة، وتعكس التنوع الزمني والثقافي للعالم الإسلامي. لكنهم في نفس الوقت يتحدثون عن رغبة مشتركة وموحدة: الاقتراب من الكعبة من أجل تجاوز الكعبة وبالتالي العثور على الذات الحقيقية.

هذا المقال جزءًا من مشروع مكتوب للمخطوطات الإسلامية الرقمية في المكتبة الوطنية الإسرائيلية، بدعم من صندوق أركاديا، سيوفر مكتوب وصولًا مجانيًا وعالميًا لأكثر من 2500 مخطوطة وكتب عربية وفارسية وتركية نادرة محفوظة في المكتبة، كذلك القصص الكامنة وراء إنشائها.

رمضان هذا العام؛مجموعة رقمية تصل الماضي بالحاضر

مبادرات رقمية من المكتبة الوطنية خاصة بشهر رمضان المبارك

لا يحتاج المرء إلى بذل الكثير من الجهد ليشعر بأن الأحداث والمناسبات جاءت علينا بشكل مختلف هذا العام، وهذا ما يدعونا إلى أن نستقبلها بشكل مغاير عما اعتدنا عليه كما في السنوات العابرة. لقد ألقت جائحة الكورونا ظلالها على استقبالنا للشهر الكريم فمنعتنا من إقامة أحد أركان هذا الشهر الفضيل، ألا وهو المجالس الجماعية؛ من مجالس الإفطار الجماعية، حلقات الذكر ومجالس الدين.

لكن، هذا لن يمنعنا من الاحتفال بالشهر الكريم؛ بوسائل رقمية تمكّن فرد، عائلة في ذات منزل أن يشاركوا بهذه المناسبة!

إمساكية رمضان الرقمية……دمج ما بين التاريخ والحداثة

إمساكية رمضان 2020 من المكتبة الوطنية الإسرائيلية

مؤخرًا، ساهمت المكتبة الوطنية في إطلاق أكثر من مبادرة رقمية خاصة بهذا الشهر الفضيل وأولى هذه المبادرات كان تصميم وإصدار النسخة الرقمية الثانية من إمساكية الشهر الفضيل، والتي تم تصميمها اعتمادًا على شعارات الصحف والمجلات العربية الفلسطينية التاريخية التي صدرت خلال العهد العثماني والانتدابي (يمكنكم تصفح موقع جرايد للاطلاع على كامل المجموعة الموجودة لدينا).

يمكنكم تنزيل الإمساكية بجودة عالية بالضغط هنا.

ملاحظة: تم اعتماد توقيت الإمساكية بحسب التوقيت المحلي لمدينة القدس وعلى المقيمين خارجه مراعاة فارق التوقيت.

أحجية رمضانية مصورة

صورة الصفحة الرئيسية للأحجية، بتصرف من مكان ديجيتال (كان عرب)

لطالما كان رمضان شهر الرفاهية والتسلية، سواء كان ذلك بمشاهدة المسلسلات والبرامج التلفزيونية أو مشاهدة العروض في البيئة الاجتماعية المحيطة. هذا العام ارتأينا بأن نقدم لكم أمرًا مختلفًا يعتمد على الدمج ما بين التسلية من جهة ومحاولة التعرف على عدد من الأماكن التاريخية من جهة أخرى. وهذا ما استطعنا تحقيقه من خلال استحداث الأحجية الرمضانية، التي هي نتاج ثمرة التعاون ما بين القسم الرقمي من المكتبة الوطنية الإسرائيلية ومكان ديجيتال (كان عرب).

صورة إحدى الأسئلة من الأحجية

تتكون الأحجية من أربع أجزاء؛ يتم نشر كل جزء بشكل أسبوعي. وتعتمد الأحجية بشكل خاص على المواد في موقع جرايد الصور التاريخية والمادة الأفيميرا المحفوظة في مجموعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية بالقدس.

لحل الأحجية الرمضانية، اضغطوا هنا  

 

تراويح مقدسية: منصة للنشاطات الرمضانية الرقمية

موقع تراويح مقدسية

هي منصة افتراضية تسعى إلى توفير فرص متنوّعة لاستبطان معاني شهر رمضان الكريم وتسليط الضوء على الأنشطة الرمضانية المتنوّعة، وهي ثمرة جهود شاركت فيها المؤسّسات الثقافية والدينية والمبادرات والمنظمات المجتمعية المقدسية. تهدف المبادرة للتعرّف على كنوز الثقافة الإسلامية؛ والاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم وملامسة الصلوات الإسلامية؛ الاستماع إلى محاضرين مرموقين وناشطين في حقل الثقافة؛ المشاركة في حوارات داخل بيوت الصائمين؛ الاستمتاع بالنشاطات الموسيقية؛ والمشاركة في ورش عمل مهارات الطبخ وبرامج خاصة للأطفال وغيرها.

تشارك جميع الأطراف المشاركة برؤيا تحتفي بالثقافة الإسلامية وتجعل من شهر رمضان المبارك فرصة لإثراء أنفسنا كأفراد وجماعات.

تهدف منصة “تراويح مقدسية” إلى إثراء عنصر المشاركة وتبادل المعارف حول الثقافة الإسلامية بين فئات المجتمع المختلفة من ناحية الدين، القومية والثقافة، وذلك من أجل تعميق وعينا حول الثقافة الإسلامية بشكل عام وشهر رمضان بشكل خاص، والنظرة إليها من جانب المسلمين وغير المسلمين.

في ظل انتشار جائحة كورونا المستجدة وما خلفته من تبعات على كافة مناحي الحياة البشرية جمعاء، نأمل في أن يوفر الموقع هذا العام برامج ومبادرات هادفة ومفيدة لمن لا يستطيعون المشاركة في الصلوات وحلقات الذكر الرمضانية واللقاءات العائلية والمناسبات العامة. والتي يمكن أن تشكل جزءًا من تخفيف تبعات هذه الجائحة.

نهدف خلال السنوات المقبلة إلى نشر هذه المبادرة وتوسيع رقعة الأطراف المشاركة المجتمعية فيها، والتي من الممكن أن تؤدي إلى إقامة مهرجان ثقافي على مستوى المدينة ومشاركة أكبر خلال الأيام والليالي المباركة في شهر رمضان. كما نأمل أن تحذو مدن أخرى -في أنحاء البلاد- حذو هذه المبادرة من أجل تكريس شهر رمضان المبارك كجزء من وعينا الجماعي المشترك.

لموقع تراويح مقدسية اضغطوا هنا

موقع جرايد: أرشيف مفعم بالمقالات التاريخية حول شهر رمضان الفضيل

في جرايد، أصبح هنالك ما يزيد عن 102 صحيفة ومجلة، ما بين عامي 1908-1948 (ما عدا صحيفة الاتحاد والتي توجد أعدادها بعد عام 1948)، وهذا ما يجعل موقع جرايد بمكانة أرشيف للصحف العربية خلال فترة فلسطين العثمانية والانتدابية.

في طياته، يحمل جرايد عددًا من المقالات التاريخية حول شهر رمضان الكريم، كذلك الأعداد المصورة حول الشهر الكريم.

لتصفح المواد الخاصة بشهر رمضان الفضيل اضغطوا هنا