تذخر المواقع الالكترونيّة للمكتبات الكُبرى اليوم بكتب دراسيّة معمّقة في تاريخ الإسلام، ونسخ الكترونيّة لمخطوطات تجدونها متاحة عن بُعد، تحصلون عليها عبر شاشاتكم بمجرّد الضّغط على زر، فترون المخطوطات وتقرأون الدّراسات وتشاهدون المحاضرات المسجّلة. وعلى الرغم من صعوبة الأمر، إلّا أن باحثي التّاريخ الإسلامي في الماضي كان عليهم تحمّل مشقّة لا نكاد نعرف عنها شيء في الوفرة الرّقميّة الّتي نعيشها اليوم. فلكي يتمكّن الباحث من التّعمق في المواضيع الّتي تثير اهتمامه، كان عليه أن يبحث عن المخطوطات القديمة المتعلّقة بالأمر ليعرف في أي مكتبة تقع، ثمّ إن لم يجد نسخة محقّقة ومطبوعة منها، كان عليه أن يراسل المكتبة أو الجهة المالكة للمخطوطة طالبًا الحصول على صورة عن تلك المخطوطة المحدّدة، وإن لم يسمح الأمر فكان عليه شدّ الرّحال إلى تلك المكتبة ليتمكّن من رؤية المادّة اللازمة، وقد تنفعه هذه المادّة وقد يتّضح أنها لا تمتّ لموضوع بحثه بصلة. فلكم أن تتخيّلوا المجهود الّذي كان على الباحث أن يبذله فقط في المرحلة الأولى من جمع المواد والمصادر الأوّليّة.
هذه هي قصّة الباحث في التّاريخ الإسلامي بروفسور دافيد أيالون (1914-1998)، الّذي بدأ مسيرته بدراسة الأدب العربيّ في الجامعة العبريّة في سنوات الثّلاثينات، وخلّف بعد وفاته مجموعة غنيّة من صور المخطوطات الّتي حصل عليها من مكتبات شتّى حول العالم خلال مسيرته العلميّة؛ بين مكتباتٍ عريقة في مصر وسورية ومكتبات في الهند وإيران وحتّى مكتبات العواصم الأوروبيّة، جمع أيالون صورًا لقرابة 240 مادّة لأمّهات الكتب في التّاريخ الإسلامي وبعض الأعمال في الأدب.
دافيد أيالون:
وُلد دافيد أيالون في مدينة حيفا عام 1914، التحق بالجامعة العبريّة عام 1933 لدراسة الأدب العربيّ وتاريخ الشّرق الأوسط وشعب إسرائيل، ثمّ في مرحلة الماجستير والدكتوراه قدّم أطروحاته حول التّاريخ المملوكي. بعد قيام دولة إسرائيل، عمل في مكتب الوزارة الخارجيّة كباحثٍ في شؤون الشّرق الأوسط لمدّة وجيزة ثمّ عاد إلى صفوف الدّراسة في الجامعة العبريّة كمحاضر في قسم دراسات آسيا وإفريقيا.
ساهم أيالون بإعداد قاموس العربيّة-العبريّة الأوّل في البلاد عام 1947 بالشّراكة مع الباحث بيساح شنعار (1914-2013)، وقدّم عشرات الأبحاث الأصيلة في التّاريخ الإسلاميّ، لا سيّما فيما يخصّ التّاريخ السّياسي والعسكري للمماليك في مصر.
المجموعة في المكتبة:
قامت زوجة الرّاحل أيالون السّيدة مريام روزن/أيالون بالتّبرّع بمجموعة المخطوطات المصوّرة إلى المكتبة الوطنيّة مشكورة، ولفهرسة هذه المجموعة الهامّة، قام فريق المكتبة بالتّعرف على الأعمال الّتي اشتملت عليها المجموعة وبرصد مصادرها حول العالم من أجل إدراج المعلومات الصّحيحة حول المكتبة الأمّ لكل مخطوطة.
من الجدير الملاحظة بأنّ عملية الفهرسة هذه لم تكن اللقاء الأوّل بين هذه المخطوطات وفريق عمل المكتبة الوطنيّة، ففي كلّ مرّة كان أيالون يحصل على صورة لمخطوطة وصلته من مكتبة ما على شريط “ميكروفيلم”، كان يقوم بطباعتها وتجليدها مستعينًا بخدمات المكتبة الوطنيّة الإسرائيليّة. ومن الجميل أنّ هذه المجموعة عادت إلى المكتبة من جديد حاملة آثار رحلة المؤرّخ ليستعين بها باحثون جدد.
بالرّغم من اشتمال المجموعة على مخطوطات مصوّرة فقط إلّا أنها ذات أهميّة لعدّة أسباب، بعض المخطوطات المصوّرة غير متاحة رقميًا من قبل المكتبة المالكة، ممّا سيتيح للباحثين المهتمّين بتلك المخطوطات الوصول إليها من خلال المكتبة الوطنيّة، ومن جهة أخرى، فالمجموعة تحتوي على ملاحظات العمل الخاصّة بأيالون، ممّا سيمكّن المهتمّين من التّعرف على آليّة عمل المؤرّخ والطّرق المتّبعة حينها. وبالّرغم من صدور نُسخ محقّقة لمعظم الأعمال الّتي اشتملت عليها المجموعة، ما زال تصفّح صور المخطوطات يشكّل تجربة فريدة ومثرية.
في الوقت الحالي، ما زالت المجموعة غير متاحة للتّصفح عن بُعد، إلّا أنّه بامكانكم الاطّلاع على المواد المدرجة في فهرس المكتبة والاطّلاع على المخطوطات الّتي تهمّكم من مبنى المكتبة بعد طلبها مسبقًا
لتصفّح المخطوطات المدرجة في الفهرس