بقلم/ راحيل غولدبيرغ
لا توجد معلومات كثيرة حول أحمد حيقاني. ولد في القرن التاسع للميلاد، على ما يبدو في منطقة خراسان شرقيّ أيران، وكان مرجعًا للعديد من المفكّرين في فجر الإسلام. المؤكد هو أنّه كان يتمتع بمعرفة غنية باللغة العربية تمكّنه من تشكيل نصّ بتلك اللغة- وليس أي نصّ، إنّما القرآن الكريم ذاته.
على الرغم من قلة المعلومات بشأنه، يعتبر أحمد حيقاني شخصية مركزية في تاريخ إيران: ويقترن اسمه بالتغيير الجذري الذي طرأ على اللغة الفارسية في العصور الوسطى.
تبدأ قصتنا بـ مخطوطة للقرآن الكريم اقتناها هاوي الجمع الشهير أبراهام شالوم يهودا. كانت تلك المخطوطة التي شملت جزءًا من القرآن، سورة النحل ( حتى سورة الكهف (18)، منسوخة على جلد رقيق، مع زخرفة ذهبية اللون تشير إلى بداية الآية، ونقاط تشير إلى علامات تشكيل كل كلمة. كانت تلك العلامات، بالإضافة إلى الخط العربي المربع، المعروف بـ “الخط الكوفي”، تدلّ على أنّ كتاب القرآن هذا قديم جدًا.
إلى أي فترة يعود؟ في نهاية كتاب القرآن، كُتبت ملاحظة بخط يد شخص قام بتنقيح التشكيل بخطٍ يدل على أنّ كتاب القرآن هذا نُسخ في عام 905. ما يميز هذه الملاحظة، وتُدعى حرد المتن، هو أنّها نصّ فارسي بأحرف عربية. كان ذلك أول ظهور معروف للفارسية الجديدة بخط عربي على الساحة التاريخية.
كُتب في تلك هذه الملاحظة:
این جزء سی پاره جمله درست بکرد بعجم ونقط وتشدید احمد خیقانی نصره الله فی الدین بمنه سنه اثنی وتسعین واثنی مایه
“أحمد حيقاني، حفظه الله في سعة رحمته وفضله، قام بتنقيح هذا الجزء من أصل 30 جزءًا (من القرآن الكريم) بواسطة إضافة شكلات وشدّات، في عام 292 للهجرة (905حسب التقويم الميلادي)”.
ما يميّز الفارسية الجديدة هو حفاظها من ناحية على خصائص اللغة الفارسية الـوسطى، اللغة “البهلوية”، التي سبقت الفتوحات الإسلامية، ومن ناحية أخرى تحويل الخط الفارسي القديم لأحرف عربية ودخول مفردات جديدة للغة الفارسية. تشير هذه السيرورة إلى الهوية الفارسية المستقلة، المختلفة عن هوية العرب الذين أتوا إلى إيران في إطار الفتوحات الإسلامية في فجر الإسلام.
عندما تمدّد الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية في القرون الأولى لظهوره، التقى بحضارتين رئيسيتين في العصر القديم: فارس واليونان. كانت الحضارة اليونانية، البيزنطية لاحقًا، سائدة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وكانت لغتها اليونانية والديانة السائدة فيها المسيحية. بالمقابل، كانت هناك الحضارة الفارسية السائدة في آسيا الوسطى الناطقة بالفارسية والديانة السائدة فيها الزرادشتية.
وفي حين أنّ اللغة اليونانية، التي كانت سائدة في حوض البحر الأبيض المتوسط، اندثرت تدريجيًا مع ترسيخ جذور الحكم العربي-الإسلامي في هذه المنطقة من العالم، اتخذ سكان الإمبراطورية الفارسية، القابعين تحت حكم عربي-إسلامي، مسارًا آخر. بدلًا من تبنّي العربية كلغة سائدة، قاموا بدمج الخط العربي وطوروا لغة جديدة: الفارسية الجديدة.
لم يكن التغيير فوريًا: بين القرنين السابع والعاشر، اندثرت الفارسية الوسطى وظهرت بشكلها الجديد، الفارسية الجديدة، في القرن العاشر. التغييرات التي طرأت على اللغة: ما أهمِل منها، ما استعير من العربية وما استمر من الفارسية الوسطى، موجودة في مخطوطات بالفارسية اليهودية تعود لتلك الفترة. الفارسية اليهودية، أي الفارسية الجديدة المكتوبة بأحرف عبرية، مهمّة لتدارس تطور اللغة الفارسية الجديدة، لأنّ بعض النصوص بالفارسية-اليهودية حافظت على خصائص لغوية من الفارسية الوسطى.
الفصل بين الهوية الفارسية والعربية لا يعني رفض الإسلام أو اللغة العربية، باعتبارها لغة مهمة. في العصور الوسطى، اعتاد المفكرون الفُرس السفر للدراسة والتدريس في مراكز المعرفة في بلدان ناطقة بالعربية. اعتادوا أيضًا الكتابة بالعربية عن مواضيع عديدة ومتنوعة، ابتداءً من علوم الشريعة الإسلامية وحتى التاريخ والجغرافيا.
كتاب القرآن الذي عرضناه أمامكم في بداية المقالة هو نموذج للدمج بين الهوية الفارسية وقبول العربية كلغة مهمة. تم نسخ كتاب القرآن بالعربية، لأنّه لغة القرآن الأصلية. حرد المتن، والذي يعبّر عن شخص ناسخ النص، أحمد حيقاني، يعكس هويته الفارسية.
الهوية الفارسية التي تبلورت إلى جانب العربية، وأحيانًا في ظلّها وحتى خلافًا لها، تعززت وأمست أكثر وضوحًا وحضورًا على مر السنين. ينعكس هذا التميز في العصر الحالي في هوية وطنية ودينية مختلفة عن هوية العالم العربي.
نتقدم بجزيل الشكر لد. أوفير حاييم على ترجمة حرد المتن