نظرة على “سفر الخفايا”: “وهكذا تُرضون الملائكة في العلا”!

سفر الخفايا الّذي اكتُشف عام 1963، والّذي يعلّمكم كيف تسخّرون الملائكة لتحقيق أمنياتكم! نظرة خاطفة على أحد الكتب العبريّة الفريدة.

قبل أن نطلق موادًا رقميّة تخصّ المخطوطات العربيّة اليهوديّة في المكتبة، وددنا أن نقدّم لكم نظرة خاطفة على أحد الكتب العبريّة الفريدة من نوعها في التّاريخ، والّتي قُدّمت كذلك بالعربيّة اليهوديّة: سفر الخفايا الّذي اكتُشف عام 1963، والّذي يعلّمكم كيف تسخّرون الملائكة لتحقيق أمنياتكم!

جميعنا نريد أن نشفى من أمراضنا، أن نعرف المستقبل أو حتى أن “ندخل حبّ رجلٍ في قلب امرأة”. يعدُكم كتاب “سفر الخفايا” القديم ان يكون خير دليل لكم لتحقيق كلّ هذا وأكثر. يقدّم “سفر الخفايا” رغم تسميته الغامضة تعليمات واضحة ودقيقة للغاية لتحقيق الأمنيات. وفي صفحاته يتّضح أن كلّ الامنيات ممكنة، فقط إذا تعلّمنا كيف نطلبها من الملائكة بالطّريقة الصّحيحة.

في حزيران عام 1963 تعثّر الباحث مردخاي مرجليوت ببعض الصّفحات المتآكلة في مجموعة “جنيزة القاهرة”[1] على اسم “تايلر شختر” في جامعة كامبريدج. وبين القوائم الّتي حملت أسماء الملائكة وجد مسألةً غريبة، معادلة من خلالها يعدُ الكاتب القرّاء بالفوز بسباقٍ للخيل وأن الخيول ستكون “سريعة الرّوح ولا تسبقها أرجل كائنات أخرى” إذا قام صاحب الرّهان  بأخذ صينيّة من الفضّة مكتوب عليها أسماء الأحصنة وأسماء الملائكة ووزرائهم ثمّ ثقال: “احلّفك أيّتها الملائكة الرّاكضة بين النّجوم والكواكب أن تضعي القوّة في هذه الخيول” ثمّ عليه أن يدفن الصّينيّة بمكان السّباق الّذي يريد الفوز فيه!

سباق الخيل وتعليمات الفوز بالرّهان – من مجموعة تايلر شختر جامعة كامبريدج
سباق الخيل وتعليمات الفوز بالرّهان – من مجموعة تايلر شختر جامعة كامبريدج

تفاجأ باحث الجنيزة بالأمنية الغريبة: لماذا قد يرغب أحدهم بإزعاج الملائكة في العلا لتحقيق امنية تافهة كالفوز برهان؟ بعد الاطّلاع على المزيد من الأمنيات التي رافقت هذه، فهم الباحث أنّه اكتشف أحد أقدم كتب السّحر “سفر الخفايا” بالعبريّة “هرازيم”. المرشد لأعمال السّحر الّتي تستعين بقوى الملائكة.

"هذه أسماء ملائكة المعسكر الثّاني الّتي تخدم "تيجرا": اخستر، مرسوم، برخيف، خمشو....". من مجمومة تايلر-شختر في جامعة كامبريدج.
“هذه أسماء ملائكة المعسكر الثّاني الّتي تخدم “تيجرا”: اخستر، مرسوم، برخيف، خمشو….”. من مجمومة تايلر-شختر في جامعة كامبريدج.

يصف سفر الخفايا الّذي تم تحقيقه علميًا ونشره عام 1966-1967 سبع سمواتٍ فوق الأرض. في كلّ سماء تستقرّ معسكراتٌ للملائكة. يعرض الكتاب أسماء رؤساء المعسكرات ووزرائها وأسماء الملائكة كلّها، مئات الأسماء، كما يعرض وظائفها وأعمالها ومسؤوليّاتها وما يلزم من أعمال وهدايا وأدعية حتّى تقوم بتلبية الرّغبات والأمنيات. هذا العمل الذي يدّعي أنه يشرح للقارئ تركيبة العالم الخفيّة يعرض معرفة كونيّة ما إلا أنّ ما يؤكّد عليه المؤلّف في كلّ صفحة هو أن سفر الخفايا يهدف لتوفير معرفةً عمليّة بالأساس، يستطيع من خلالها طالب الأمنية أن يحقق رغباته. على سبيل المثال: ماذا يطلب من الملائكة في كلّ سماء؟ تتراوح الأمنيات بين جعل امرأة تحبّ رجلًا، الشفاء من الأمراض، طرد الأرواح، تفسير الأحلام والرؤى، تنبؤ المستقبل، وحتى منح البصر أو سلبه من شخصٍ ما.

ملائكة السّماء الأولى مثلًا تنقسم بين معسكرين. المعسكر الأول يخدم وزير الملائكة رفانيئيل. وتلك الملائكة مسؤولة عن الطّب: فإذا كانت امنيتك تخصّ مسألةً في الطّب: “قف في السّاعة الأولى أو الثّانية من اللّيل وخذ بيدك البخور واللّبان على الجمر واذكر اسم الملاك الحاكم على المعسكر الأوّل واسمه رفانيئيل واذكر أسماء الملائكة الاثنين وسبعين أمامه سبع مرّات وقل : أطلبُ أنا فلان بن فلان أن يشفي دواؤك فلانَ بن فلان. وطهّر نفسك ولحمك من كلّ نجسٍ وفساد وكلّ ما ستطلبه بالكتابة أو بالقول سيُلبّى”.

أمام ذات المعسكر وفي نفس السّماء الأولى، توجد ملائكة المعسكر الثّاني الّتي تأتمر بوزير الملائكة “تيجرا”. واسمه يدلّ على اختصاصه: “هذه الملائكة الممتلئة بالغضب والحرقة، مسؤولة عن كل ما يتعلق بالحرب والقتال وهي قادرة على العقاب والتعذيب حتى الموت، ولا رحمة بهم، بل يقذفون بمن يأتي إليهم.  وإن طلبت إرسالهم على أعدائك أو على من يدين لك، او لقلب سفينة أو هدم جدار أو لأذيّة عدوّك، إن أردت نفيه أو إسقاطه عن سريره أو دبّ العمى في عينيه أو أن تُربط أقدامه أو تأذيه أي اذيّة: خذ بيديك مياه من سبع نافورات في اليوم السابع من الشّهر في الساعة السّابعة، خذ جرّة لم تخرج إلى النور قط، لا تخلط المياه سويًا، ضعها تحت النجوم لسبع ليالي وفي الليلة السابعة خذ كأسًا لأعدائك واسكب الماء فيها وخذ الجرّة وارمها في جهات السماء الأربع وقل للجهات :  “ههجريت” التي تجلس في الجهة الشرقية، “سروخيت” التي تجلس في الجهة الشّماليّة، “اولبا” التي تجلس في الجهة الغربيّة، و”كردي” التي تجلس في الجهة الجنوبيّة، “خذي الآن ما رميت إليك هذا لفلان بن فلان لتكسري عظامه وتمزّقي أعضائه وتكسريه كما تكسرين جرّة”.

برغم افتقارنا لنسخة متكاملة من سفر الخفايا، إلا أن النظرة الكونية الخاصة به حول السموات السّبع وصلتنا بوضوحٍ كافٍ. فكلّما تقدّم المؤلّف بالشّرح حول كلّ سماء وسماء يفهم القارئ أن قدرته على إخضاع الملائكة بهذه الأعمال تقلّ كلّما ارتفع بالسماوات إلى الأعلى. في السّموات الأقرب الأرض، أي الأكثر انخفاضًأ، توجد الملائكة الأقلّ شأنًا الّتي يمكن للإنسان أن يطلب منها تحقيق أمنياته الخاصّة. فقط تلك الملائكة تقوم بتنفيذ طلبات البشر. أما الملائكة في السماوات العالية فليس للإنسان عليها تأثير أو قوّة لأن القرب من اللّه، الّذي يجلس في السّماء السّابعة، تطغى على قدرة السّحر.

وهذه فاتحة الوصف للسماء السّابعة، الأعلى من كلّ شيء: “والسّماء السّابعة كلّها نور تشعّ منه القاعات، وبها العرش الأعلى تحيطه أربعة كائنات قدسيّة، وبها كنوز الحياة وكنوز النّفوس، وليس للنور الكبير فهمٌ ولا استبيان.  وهو ينير الارض كلها. والملائكة تمسك بعواميدٍ من نور. والنور يشعّ ولا ينطفئ لأن عيناها كلمع البرق وتقف على أطرافٍ من النور. يمجّدون بتقوى الواحد الذي يجلس على العرش الأعلى، لانه وحده يجلس في مقدسه. يحكم بالعدل واليقين ويتكلم بالاحسان. وأمامه كتب ناريّة مفتوحة. وأمامه أنهار من نار متدفّقة. ومن صرخته تتضعضع العواميد. ومن صوته تهتزّ الأبواب. وكلماته تقف أمامه. لا أحد يرى صورته لانه عصيّ على كل عين ولا يراه أحدٌ ويحيى. رؤيته عصّية على كلّ شيء ويرى كلّ شيء”.

سفر الخفايا مليء بالمفاجآت. ليس تلك المتعلّقة بالعلوم الخفيّة الّتي يعرضها فحسب، بل أيضًا نصوصٍ وأدعية غريبة على كتابٍ من المفترض أنه كتاب يهوديّ في نهاية المطاف. فمثلًا في وصف السّماء الرّابعة تظهر صلاة فريدة من نوعها في الأدبيّات اليهوديّة: صلاة لهلينوس، إله الشمس اليونانيّ. تهليلة لإله الشّمس تحاكي تلك الّتي تظهر في المخطوطات اليونانيّة.

وصف السّماء الرّابعة من مجموعة تايلر شختر في جامعة كامبريدج.
وصف السّماء الرّابعة من مجموعة تايلر شختر في جامعة كامبريدج.

 

الحديث مع الملائكة ووصف السماوات السّبع وصلوة مقتبسة من البرديّات اليونانيّة التي تعود للقرون الأولى بعد الميلاد – كلّ هذه المؤشّرات تطرح السؤال التّالي، من هو مؤلّف “سفر الخفايا”؟ نجهل إلى اليوم اسم المؤلّف ويرجّح أن اسم المؤلّف لم يكن معلومًا أيضًا في الفترة الّتي كُتب فيها الكتاب.  يرجّح مرجليوت، الباحث الّذي اكتشف أوراق الكتاب، أن الكتاب تألف في أرض كنعان بعد القرن الثّالث الميلادي في مدينة عاش بها يهودٌ ويونانيون على ما يبدو، إلا انّ هذا يبقى مجرّد تخمين. المؤكّد هو أن سفر الخفايا يعطينا لمحة هامّة وساحرة، إن جاز التّعبير، على العالم اليهوديّ-اليونانيّ قبل ظهور الإسلام.

على موقع المكتبة الوطنية نسخة رقميّة لمخطوطة يمنيّة تعود للقرن الثّالث عشر ميلادي لسفر الخفايا- هرازيم مكتوبة بالعربيّة اليهوديّة. إن كنتم تقرأون الحروف العبريّة – حاولوا قراءتها!

المخطوطة على موقع المكتبة الوطنيّة

 

 

[1] الجنيزة هي المكان الّذي تحفظ فيه الأوراق الّتي لا يجوز رميها في اليهوديّة لأنها تحتوي على اسم الله أو لأنها كتبت في موضوعات دينيّة. تم اكتشاف جنيزة تاريخيّة في كنيس في القاهرة تضم مجموعة ضخمة من المخطوطات العبريّة القديمة ومنها بعض أوراق سفر الخفايا المكتوبة بالعبريّة.

امتهان الزراعة؛ ثقافة مزروعة في المدارس العربية بالفترة الانتدابية

ممارسات في الميدان من أجل فهم أفضل للطلبة، فهم محور العملية التعليمية كاملة، هكذا كانت التربية الزراعية في المدارس العربية خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.

كان يتم تطبيق الدروس المقررة حول الزراعة من أجل محاولة النهوض في هذا القطاع. فكان القطاع الزراعي يشكل جزءًا مهمًا من الاقتصاد الفلسطيني آن ذاك (ولا يزال)، وهذا دفع العديد من الجهات إلى التركيز على الزراعة من أجل تطويرها والارتقاء بها إلى الأفضل. ومن ضمن الجهات التي حاولت النهوض بالزراعة كان قطاع التعليم المدرسي بكافة أشكاله، لكن التساؤل كيفية حدوث عملية الارتقاء في الممارسات الزراعية حتى أصبحت ثقافة مدرسية تتناولها معظم المدارس في فلسطين الانتدابية؟

(تعليم أطفال أساليب الزراعة في قرية العباسية. مجلة هنا القدس، 13 تشرين الأول 1940)​​

من المنطقي القول أن القطاع التعليمي يهدف دومًا إلى تمرير أفكار ورسائل يحاول إيصالها إلى الطلبة، ليس في مجال معين بل في مجالات مختلفة ومتعددة، فقطاع التعليم هو قطاع واسع يحمل جوانب متعددة، لكن الذي يربط كافة جوانبه هي الرسالة التي يهدف إلى تمريرها، بالتالي إحدى الأدوات التي تم تسويغها للنهوض في الزراعة هي رفع مستوى الوعي والمعرفة حول الزراعة إلى الطلبة، فتغطي هذه الجزئية الجانب النظري للطلاب. أما الأمر الآخر الذي تم تسويغه بشكل كبير في تلك الحقبة الزمنية فكان الانتقال إلى الممارسات التعليمية وعدم اقتصار التعليم على مستوى النظرية، بل تعداه إلى التطبيق الذي كان في أغلبه خارج الغرف الصفية المغلقة والتي بدأت بالظهور ضمن فئة معينة وبعد ذلك انتشرت لتصبح ثقافة تربوية في أغلب المدارس ولتتعدد أساليب تعليم الممارسات الزراعية لتشمل ممارسات زراعية مختلفة تبدأ من زراعة أمور عام مثل أشتال الفواكه وتصل إلى ممارسات زراعية متخصصة يتم تدريسها في المدارس والكليات المتخصصة.

(معلم يقوم بتعليم الطلاب بعض من الأساليب الزراعية خارج الغرفة الصفية. جريدة القافلة، 20 حزيران 1947)

بدأ الأمر  بافتتاح مدارس متخصصة بمواضيع الزراعة مثل مدرسة خضوري الزراعية التي افتتحتها سلطات الانتداب البريطاني عام 1931  بالقرب من مدينة طولكرم، والتي كان يرأسها الأستاذ أكرم الركابي. فكانت هذه المدرسة تحمل (ولا تزال) رسالة أساسية حول التعليم الزراعي المتخصص. وبعد ذلك لم يعد يقتصر الأمر على وجود المدارس المتخصصة لتعليم الممارسات الزراعية في الميدان، بل بدأت ثقافة التربية الزراعية بالانتشار بين المدارس العامة من خلال التوجه إلى إيجاد أراضٍ تكون قريبة من مبنى المدرسة لتشكل مختبرًا ميدانيًا لتعليم الطلبة، على سبيل المثال تناولت صحيفة فلسطين الصادرة ب24 أيلول عام 1932 خبرًا حول نية مدرسة البيرة إيجاد قطعة أرض “يتمرن فيها الطلاب على الممارسات الزراعية” وذلك من أجل تنمية المهارات الزراعية بين طلبة المدرسة. بعد ذلك شهدت تلك الفترة تطورًا آخر وهو انتساب الطالبات الإناث إلى المدارس الزراعية وعدم اقتصارها على الطلاب الذكور كما كان متبعًا، وقد بدأ ذلك عام 1946 عندما تم قبول 30 طالبة في كلية الزراعة بعد رفض طلباتهن مراتٍ عديدة قبل ذلك.

وهكذا انتشرت ثقافة التربية الزراعية بين المدارس العربية خلال الفترة الانتدابية التي امتدت زهاء الثلاثون عامًا. فبدأت بفئة معينة من المدارس والطلاب ومن ثم انتشرت إلى كثير من المدارس وامتدت لتشمل الطالبات الإناث.

 

تعالوا لنتعرف على متبرع إقامة مدرسة خضوري (أصبحت الآن جامعة)

(مجلة هنا القدس، الأحد الموافق 12 تموز 1942)

هل تعلمون أن المتبرع لإقامة مدرسة خضوري للزراعة الموجودة في مدينة طولكرم والتي تحولت فيما بعد إلى جامعة هو السير ألس خضوري من هونج كونج! 
تقديرًا لجهوده وتبرعاته تم إطلاق اسمه على مبنى المدرسة الجديد، هذه المدرسة التي بعثت التفاؤل في نفوس المهتمين بتطوير الزراعة الفلسطينية قد تم افتتاحها رسميًا عام 1931 على مساحة قدرها 400 دونمًا غرب طولكرم. وبالتزامن مع افتتاح المدرسة الزراعية العربية الأولى في فلسطين تم افتتاح مدرسة يهودية أخرى من ذات المتبرع في جبل طابور بالقرب من العفولة. 

صعود وأفول جريدة “الشرق – همزراح” الصهيونية في دمشق

تعرفوا على الجريدة التي أسسها يوسف ريفلين والد رئيس دولة اسرائيل والذي راهن على أن يكون جسراً بين العرب واليهود في الجمهورية السورية.

الصفحة الأولى من جريدة الشرق الصادرة باللغتين

يرون هرائيل، محاضر في جامعة بار إيلان

حين وصل لاجئو البلاد اليهود دمشق (خلال فترة الحرب العالمية الأولى)، قاموا بزرع بذور الفكرة الصهيونية في أوساط يهود المدينة. حين غادرها اللاجئون أنفسهم، وعلى رأسهم دافيد يلين، ُطلب منهم الحفاظ على إنجازات التربية العبرية الصهيونية في أوساط المجموعة اليهودية الأكثر قرباً من فلسطين، وهذا ما جعلهم يقومون بالتأثير على اللجنة التربوية المحلية من أجل التعامل مع الجالية اليهودية في دمشق تماماً كأنها محلية على جميع المستويات. في هذا الاطار أُرسل للمدينة “يهودا بورلي” لكي يدير مدرسة للصبيان، ويوسف يوئيل ريفلين (والد رئيس الدولة رئوفين ريفلين) من أجل ادارة مدرسة البنات. رافقهم مجموعة مربيات، معلمين ومعلمات من البلاد والذين استعانوا بشباب وفتيات يهود من مواليد دمشق.

من اليمين: دوف قمحي، دافيد أبيشر، يهودا بورلي، يوسف يوئيل ريفلين، أفيعازر يلين، موشي كرمون
من اليمين: دوف قمحي، دافيد أبيشر، يهودا بورلي، يوسف يوئيل ريفلين، أفيعازر يلين، موشي كرمون

في هذه الفترة، والتي كان للصحافة دور مهم في في تشكيل التاريخ السياسي والاجتماعي السوري وبلورته من خلال التعبير عن الرأي العام، وبموافقة من الملك الجديد فيصل (وبتشجيع منه أيضاً)، تبين لسفراء المؤسسات الصهيونية بدمشق، كما للشباب والشابات من أبناء الجالية، أن على المؤسسات الصهيونية العمل أيضاً على مستوى الدعاية. ولذلك، أشاروا لضرورة إصدار جريدة صاحبة رؤية معتدلة وهادئة، تساهم في التقريب بين العرب واليهود من أجل فهم الفكرة الصهيونية. خلاصة نشاطهم في هذا الجانب أدت لتأسيس جريدة الشرق الصادرة باللغتين، إذ طُبعت أول ثلاث أعداد منها في دمشق ثم توقفت عن الصدور بعدها. إتاحة النسخ المعدودة التي تبقت في العالم من الأعداد الثلاث في موقع الصحافة اليهودية التاريخية تتيح لنا تأملاً عميقاً في النشاط الصهيوني في دمشق في فترة الملك فيصل.

الملك فيصل الأول، ملك سوريا حتى ازاحته عام 1920 (مصدر الصورة: ويكبيديا)

في الصحيفة، كانت دائرة الاستهداف الأولى عملياً  هي دائرة الجمهور العربي في سوريا. جاء التوجه لهذه الشريحه لأجل خلق توازن في توجهات الجمهور بخصوص النشاط الصهيوني في فلسطين، ومن أجل عدم صب جام غضبه من الصهيونية على يهود دمشق. وفي اطار هذا المسعى صيغت تعبيرات تدل على أن هدف الجريدة  أن “يكون جسراً بين العرب واليهود”. دائرة الاستهداف الثانية كانت المجتمع اليهودي في سوريا ولبنان عامة وفي دمشق خاصة. في نظر مندوبي اللجنة المرسلة لدمشق تبين رويداً رويداً أهمية النخبة اليهودية الاقتصادية والثقافية في المدينة كأداة للوصول لقيادة الحركة القومية العربية وكبار حكومة فيصل. هدف دائرة الاستهداف الثالثة كانت رؤساء المؤسسات الصهيونية في البلاد والعالم من أجل شرح صعوبات العمل الصهيوني في دمشق.

 

صدر العدد الأول من الجريدة يوم الاثنين، في الخامس من تموز 1920 قبل المساء. وفق الخطة الأصلية كانت الصحيفة بلغتين. احتوت “الشرق”  على صفحتين باللغة العربية و”هـمزراح” احتوى على صفحتين باللغة العبرية. في المرحلة الأولى كان المسعى أن تصدر ثلاث مرات في الأسبوع.

الصفحة الأولى من جريدة الشرق الصادرة باللغتين

كان نظام الجريدة يحاكي نظام الصحف العبرية الصادرة في فلسطين مثل “دوئر هيوم” (بريد اليوم)، بجوار التهاني والاعلانات (فندق القدس – الفندق العبري الأول في دمشق) نشر مقال نقدي عن الجالية ونظامها. يوسف يوئيل ريفلين نشر من على صفحات الجريدة هذه، النسخة الأولى من مقاله عن “النشرة العبرية الأولى في دمشق”. نشر جريدة الشرق أثار عاصفة في البرلمان السوري. معارضة ظهور الجريدة قادها رجال من الدوائر القومية ومن الفلسطينيين. الصحافة العربية بمعظمها لم تصمت على إصدار صحيفة الشرق وكانت بمعظمها موحدة في معارضتها لوجودها. كان غضب الصحف بالأساس على قرار السماح باصدار جريدة تحمل أهدافاً صهيونية، في حين تلقت صحف مناصرة للقضية الفلسطينية منعاً من الرقابة.

في التاسع من تموز 1920 صدر العدد الثاني من الجريدة في ظل الضغوطات والتهديد. الجزء العبري من الجريدة تم اختزاله لصفحة واحدة وفيه إعلانات اعتيادية حول ما يجري في مشافي ومدارس الجالية اليهودية. ومن أجل اثبات ولاء الجريدة للمصالح السورية – ربما  – ألحق بها صفحة كاملة تدعو يهود سوريا من أجل التبرع للقرض الوطني السوري “القرض الوطني السوري هو حياة الأمة السورية، فاشترك به أيضاً أيها الوطني الاسرائيلي، لأنه لا حياة إلا بالإستقلال، ولا استقلال إلا بالمال”.

العدد الثاني من جريدة الشرق

العدد الثالث والأخير صدر بتاريخ 12 تموز 1920 وكان كله باللغة العربية. وتزامن صدور العدد الثالث مع إنشغال دمشق بخطر الغزو الفرنسي وفي الإنذار الذي وجهته فرنسا لفيصل، وهذا ما أدى إلى تحول ظهور “الشرق” لحدث سياسي أدى إلى تلقي هيئة التحرير أمراً مباشراً من وزير الحرب “يوسف العظمة” بأن توقف إصدار الجريدة لزمن غير محدد.

دخول الفرنسيين لدمشق في تموز 1920 وإزاحة الملك فيصل، قد أثارت الأمل في الأوساط الصهيونية بدمشق،خاصة مع الشعور  بأن السلطات الغربية المتنورة الجديدة قد تسمح بتجديد إصدار جريدة الشرق. ولكن هذا الأمل قد أُحبط، إذ في أواخر أيلول 1920 منعت السلطات الفرنسية تجديد إصدار الجريدة. التوضيح الذي أعطي حينها على يد الموظف الفرنسي المسؤول عن شؤون النشر كان بأن المستويات العليا اتخذت قرار عام يمنع ظهور أي جريدة جديدة مهما كانت. ولكن على ما يبدو أن هذا القرار طُبق بشكل جزئي، فوفق شهادات تعود لتلك الفترة، ظهرت العديد من الصحف العربية الجديد. سبب آخر أعطي لتفسير الحجب بأن اليهود يتلقون صحفاً كبريد اليوم وهآرتس من القدس ولذلك فلا حاجة لجريدة جديدة. كانت النتيجة بأن اليهود في دمشق ظلوا بلا نشرة خاصة، في حين كانت العديد من الصحف للمسيحيين والمسلمين. هذ الأمر ولّد شعوراً اشتد مع السنين بأن السلطات الفرنسية هي سلطات معادية لليهود.

كان يا ما كان: حين قرر كامل الكيلاني أن يكتب أدب الأطفال

تعالوا وتعرفوا على كامل الكيلاني ومشروعه النوعيّ للأطفال

​منذ القدم والحكاية الشعبية للأطفال كانت مركز الثقافية العربية، إذ تناقلها الناس بين بعضهم البعض، لكن كامل الكيلاني المصري الجنسية والمولود عام 1897 قرر أن يأخذ قصص الأطفال نحو اتجاه آخر، اتجاه أكثر أدبي وأكثر علمي ليبدأ مشروعه النوعيّ وهو كتابة قصص الأطفال.

في مقدمة طريقه في أحدى كتبه، يقول الكيلاني موجهاً كلامه للطفل العربي، اخترت أن “أسهل عليك الأمر فتقرأ بنفسك أحسن القصص التي تحبها، لتقصها أنت على أبويك وجدتك وعلى أصحابك الأعزاء”

كامل الكيلاني، قصص جديدة للأطفال: بابا عبد الله والدرويش، مطبعة المعارف ومكتبتها في مصر.

كانت رواية السندباد البحري أول قصة كتبها للأطفال عام 1927، الرواية مستمدة من رواية “ألف ليلة وليلة” التراثية، ولكن الكيلاني يوضح أسباب استحضارها، إذ يقول أن الرواية الأصلية لم تحظ بالانتشار لركاكة الأسلوب وغياب الصور وضعف الخيال وبالتالي فمشروع الكيلاني هو الكتابة للأطفال بأسلوب سهل يحبب القراءة على الأطفال، ثم تزيين القصص بالصور لكي تجذب الأطفال كل ذلك لأجل تحبيب القراءة والمطالعة.

كامل الكيلاني، السندباد البحري، مطبعة المعارف ومكتبتها في مصر.

نجح مشروع الكيلاني نجاحاً جميلاً وانتشرت قصصه في الكثير من الدول العربية، ولكي ينوع الكيلاني مصادره فقد استوحى أحيانًا قصصه من التراث العربي الإسلامي كقصة السندباد التي ذكرناها أعلاه أو من التراث المشرقي كالهند والتي كتب من وحي قصصها مجموعة حكايات مثل قصاص الأثر، القصر الهندي، في غابة الشياطين وغيرهم.


كامل الكيلاني، قصاص الأثر، مطبعة المعارف ومكتبتها في مصر.

كما استوحى الكيلاني قصصاً خيالية لم يُعرف لها منشأ كقصة “في بلاد العجائب.


​لأكثر من ثلاثين عام استمر مشروع الكيلاني والذي فيه كتب خلالها ما يقارب ال250 قصة، لتتحول قصصه إلى معالم أساسية من معالم الطفولة العربية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ولما توفى الكيلاني عام 1959 كان قد خلف وراءه إرثًا ثميناً، وربما فقط بعد وفاته تنبه النقاد لأهمية ما خلفه الكيلاني الذي شق طريقاً جديداً في الأدب ليحصل وبجدارة على لقب “رائد أدب الأطفال”.