في ربيع عام 1940، اجتمع مجموعة من القادة العرب، منهم القاضي محمد البرادعي ووصيف بسيسو حول طاولة صغيرة في في أحد أحياء تلال حيفا ، متحدين لأجل هدفٍ سامٍ وهو خلق الأمل من العدم للأطفال اليتامى العرب. وُلدت لجنة اليتيم العربي من هذا الاجتماع، وكانت مهمتها توفير الرعاية للأيتام في المجتمع العربي، الأطفال الذين تُركوا ليعولوا أنفسهم في وقت كان الوضع السياسي في البلاد غير واضح المعالم. لكن لم تكن هذه مجرد جهود إغاثة عادية، بل كانت اللجنة مصممة على القيام بشيء فريد، شيء سيصمد أمام اختبار الزمن. ومن هنا خُلِقت فكرة يانصيب اليتيم العربي.
لم يكن اليانصيب مجرد حدث لجمع التبرعات، بل كان دعوةً للشعب العربي للاتحاد من أجل قضية مشتركة. احتاج المجتمع، الذي كان يكافح تحت ثقل الحكم البريطاني وتصاعد التوترات في المنطقة آنذاك، إلى شيء يتوحدون من أجله. وبالفعل، ظهرت الملصقات في نوافذ المحلات، ونشرت الصحف أخبار اللجنة واليانصيب، وانتشر الخبر من شوارع حيفا إلى عمّان و سوريا. بدأ الناس يشترون التذاكر ليس فقط من أجل فرصة الفوز، ولكن لدعم الأيتام بالمقام الأول.
حرصت اللجنة على أن تكون شفافة وصادقة مع الجمهور، حيث كانت تعقد اجتماعات لتحديث الجميع حول التقدم المحرز. لم يتعلّق الأمر بجمع المال فقط؛ بل كان يتعلق باشراكِ كل مواطنٍ عربي في هذه العملية. كان عدد المتبرعين يزداد مع مرور كل أسبوع، بعضهم قدموا تبرعات من الأراضي، وآخرون بما يمكنهم توفيره من نقود.
أقيمت أولى مراسم سحب اليانصيب في الأردن، حيث كانت الأجواء مليئة بالحماس والترقب. بدأت الأمسية بموسيقى و أناشيد وطنية أردنية، مما أضفى جواً احتفالياً عليها. في اليوم الذي سبق الحدث، كان النساء قد تجولنَ في الأسواق وشوارع العاصمة عمّان، ووضعن ملصقات للجنة الأيتام على أي شخص مستعد للمساهمة مالياً. كانت جهودهن أساسية في جمع الأموال لدعم عمل اللجنة في حيفا.
بينما كانت مراسم اليانصيب تجري في سينما البتراء، تجمع عدد كبير من الرجال والنساء لمتابعة الحدث. اصطف جُندٌ من الجيش العربي على أبواب القاعة لاظهار الاحترام للشخصيات المهمة التي حضرت، كرئيس الوزراء وغيره من المسؤولين، بما في ذلك وزير الداخلية ووزير المالية. كما قامت وسائل الإعلام من فلسطين وسوريا ولبنان والأردن بتغطية الحدث، مما يعكس روح الوحدة آنذاك.
خلال المراسم، أعرب الملك عبد الله عن دعمه للمبادرة، وبارك اللجنة وأعضائها. اشترى أيضاً 5,000 تذكرة يانصيب، وتبرع بالعائدات لللّجنة. شهد الحدث خمسة دواليب دوارة محاطة بأعلام الدول العربية. ساعدت فتيات صغيرات في تشغيل الدواليب، مما أضفى جواً من البهجة، كما كانت ألوان الدواليب تعكس أعلام الدول العربية، مما رَمزَ إلى التضامن في هذه المهمة الجماعية. و كانت الفرحة واضحة على الحاضرين في القاعة عندما أُعلِن عن الأرقام الفائزة.
حققت الحملة نجاحاً ملحوظاً، حيث تم بيع 92% من التذاكر، وجمعت حوالي 32 ألف جنيه فلسطيني. استخدمت لجنة اليتيم العربي الأموال التي جُمعت للقيام بأعمال إنسانية كبيرة، حيث افتتحت مدارس ومؤسسات تعليمية للأيتام.
في عام 1948، اضطرت اللجنة إلى الانتقال إلى عمان بعد أحداث النكبة. لكن العمل لم يتوقف وتم افتتاح مدرسة اليتيم في القدس والقائمة حتى يومنا هذا.