لدينا معلومات قليلة جدًا عن زيارة د. ماكس ليوبولد برودني إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1959، زيارة عاد منها إلى مدينة شيكاغو، حيث يسكن، حاملًا حقيبة إضافية، غير تلك التي حملها إلى موسكو. كانت حقيبة سوداء، صغيرة وبالية. فهم د. برودني، وهو جرّاح يهودي شهير متخصص في طب المسالك البولية، أنّه تلقى شيئًا مهمًا، واحتفظ بالحقيبة في إحدى خزائن منزله، حيث بقيت حتى وفاته في عام 1979. عند تقسيم الميراث، انتقلت الحقيبة إلى ابنته إلينور، التي حرصت، مثل أبيها، على الاحتفاظ بها في منزلها.
توجّهت إلينور مرتين إلى باحثين في اليودايكا في شيكاغو، ولكنهم لم يبدوا اهتمامًا شديدًا بمحتوى الحقيبة. وفقط عندما توجّهت إلى ستيسي ديربي، باحثة في مجال السير الذاتية وأديبة تساعد العائلات على تدوين سيرهن الذاتية، اكتسبت الحقيبة اهتمامًا. أرت إلينور الحقيبة لستيسي، وأخبرتها بالظروف التي أوصلت الحقيبة إليها.
قصة الحقيبة
لنعود الآن إلى رحلة د. ماكس إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1959.
في تلك الرحلة، زار ماركس كنيسًا في موسكو. قاده الحاخام المسؤول عن إدارة الكنيس إلى غرفة جانبية، ووضع بين يديه حقيبة جلدية سوداء. “لا يوجد لها أي مستقبل، خذها من هنا، واحتفظ بها”، توسّل الحاخام من موسكو إلى الطبيب اليهودي من شيكاغو. “ولكن احذر، فهناك من يتعقبنا”.
استجاب ماكس لطلب الحاخام، وأخرج الحقيبة من الاتحاد السوفيتي. أثار محتوى الحقيبة وقصّتها اهتمام ستيسي. توجّهت إلى أستاذة سابقة، بروفسور راحيل إليؤور من الجامعة العبرية في القدس، التي وجّهتها بدورها إلى جهات مختصة في المكتبة الوطنية في إسرائيل، على أمل استكشاف محتوى الحقيبة.
أثار محتوى الحقيبة وقصتها اهتمام د. تسفي لشيم، مدير مجموعة غرشوم شوليم المتخصص في الكابالا والحسيدية اليهودية، الذي تلقى التوجّه، وقام بدوره بإخبار د. يوئيل فينكلمان، أمين مجموعة اليهودية في المكتبة الوطنية، بذلك.
وجد طاقم المكتبة 85 قطعة مختلفة في الحقيبة، معظمها تمائم صغيرة وبسيطة (وعددها 76) كتبت بخط يد. كتبت معظم التمائم في شمال أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر أو في مطلع القرن العشرين، بينما كتبت البقية في البلاد، وكُتب عدد قليل في أماكن أخرى. تحدد ذلك بناءً على نمط الكتابة، الأسماء الظاهرة في التمائم، مثل سلام ابن جدال أو سلطانة بنت أيستريليا ، وفي حالة واحدة أو اثنتين، أشير بوضوح إلى مكان الكتابة (“هنا، في إسرائيل”).
كتبت جميع التمائم لاستجداء الملائكة والقوى السماوية لحماية أصحابها من المخاطر الطبيعية والخارقة للطبيعة. كتبت بعض التمائم للحفاظ على الصحة، كتبت أخرى لحماية المنجبة والمولود، وكتب جزءٌ آخر لحماية المنزل.
كتبت التمائم الـ 76 الصغيرة على بطاقة أو ورقة على شكل لفيفة، وبأحجام مختلفة- يبلغ حجم أطولها قرابة المتر، وقد وضعت داخل أسطوانة (أو تم طيها) لتمكين أصحابها من حملها بسهولة في الجيب أو في الحقيبة. صبغت 11 تميمة باللون الوردي، بينما صبغت تمائم أخرى بألوان أغمق.
كتبت سبع تمائم أخرى بشكل مفصل وبارع، خاصة تلك التي تصف خرائط هيئة الألوهية قبل الكابالا .
قطعة فريدة أخرى تعود إلى القرن التاسع عشر، وقد نسبت إلى شمال أفريقيا، هي ورقة مكتوبة بخط يد وتحتوي على وصفات سحرية وإرشادات لكتابة التمائم. إنّها أكثر القطع تلفًا، يبدو بسبب الاستخدام المتكرر. سنوافيكم بمزيد من التفاصيل في مقالة مستقبلية.
إن لم تظهر معلومات جديدة حول هذه القضية الغامضة، وهذا وارد، لا يمكننا أن نعرف كيف وصلت هذه المجموعة القيّمة ليد الحاخام في موسكو. بسبب قلة التمائم الآتية من أوروبا، يُرجّح أنّ المجموعة غير تابعة لمتصوف روسي/أوروبي شرقي كان ناشطًا في تلك الفترة. ربما كانت هذه المجموعة تابعة لباحث أو هاوٍ جمع في موسكو، وعند وفاته، ورث الكنيس في موسكو مجموعة التمائم هذه، ولكن العِلم عند الله.
حتى إن لم تُكتشف هوية الشخص الذي جمع هذه التمائم، فإنّ المسافات التي قطعتها التمائم (من أفريقيا والبلاد، مرورًا بروسيا والولايات المتحدة إلى أن وصلت أخيرًا إلى القدس) تثبت ما يعرفه باحثون عديدون اليوم- السحر اليهودي ليس أمرًا هامشيًا وخفيًّا. مع أنّ القصة التي عرضناها أمامكم مليئة بالثغرات المعلوماتية، إلّا أنّ اهتمام اليهود بالسحر هو اهتمام يومي، تاريخي بل ومعاصر أيضًا. “على مر التاريخ، تعاطت الجاليات اليهودية السحر والجِن”، يقول فينكلمان.
بعد تخبّط، وبالتشاور مع باحث اليهودية النادرة دافيد فوختل من نيويورك، قررت إلينور التبرع بالمجموعة للمكتبة الوطنية في القدس، بما في ذلك الحقيبة الصغيرة التي حُفظت داخلها التمائم. بعد أسبوعين على إرسال الحقيبة إلى البلاد، انفجر في منزل إلينور أنبوب التدفئة في مكان كان سيُتلف حقيبة التمائم. يقول د. فينكلمان مازحًا ربما حدث ذلك صدفة، و”ربما لا”.
لا نحظى كل يوم بمجموعة قيّمة كهذه تثري مجموعة التمائم والمخطوطات في المكتبة الوطنية. في الوقت الحاضر، تمر المجموعة، التي تم التبرع بها لذكرى د. ماكس ليوبولد برودني، بسيرورة تصنيف وفهرسة، من ثم سيتم مسحها ضوئيًا ورفعها على شبكة الإنترنت لإتاحة هذه المجموعة القيّمة لجمهور الباحثات والباحثين في السحر اليهودي- وهو مجال بحثي يكتسب زخمًا متزايدًا منذ أكثر من عقد من الزمن.
“بفضل التبرع بالمجموعة للمكتبة الوطنية في إسرائيل”، تقول إلينور، “حققنا أمنية الحاخام من موسكو”.