الإجازة في التّراث الإسلامي – إجازة الآخسخوي في المكتبة الوطنية

تعتبر الإجازة تقليد عريق في المدارس الإسلاميّة عبر التّاريخ منحت رُخصة لنقل النصوص التّراثيّة وممارسة علوم معيّنة. تعرّفوا على إجازة جميلة كُتبت في إسطنبول في منتصف القرن التّاسع عشر.

إجازة الآخسخوي، 1862، مجموعة يهودا، المكتبة الوطنية

إجازة الآخسخوي، 1862، مجموعة يهودا، المكتبة الوطنية

نعرف اليوم بحور عديدة من العلوم التّراثيّة في الدّين الإسلامي، والّتي تأصّلت عبر قرون عديدة وصولًا إلى النّبيّ محمّد وصحابته منذ ظهور الإسلام، من قراءات القرآن إلى الحديث والفقه والتّفسير وحتّى علوم اللّغة العربيّة. تمنحنا الإجازات المتبقّية اليوم فرصة للتعرّف على آلية عمل هذا التّأصيل عبر التّاريخ، وعلى الرّجال الّذين نقلوا هذه العلوم وعلى التّقاليد والقيم التّربويّة الّتي رافقت مسير من أراد أن يسعى وراء العلم في البلاد الإسلامية.

تصفحوا بوابات في علوم الدين الإسلامي

في هذه الحالة، إجازة الآخسخوي مثال جميل لتتبّع مبنى وفحوى إجازة عامّة مرموقة من عاصمة الدّولة العثمانيّة في منتصف القرن التّاسع عشر، منحها نعمان بن محمد بن إبراهيم الآخسخوي (نسبة الى مدينة آخسخه كورجستان) في  رجب عام 1278 هجري/ 1862 ميلادي، للسيد علي الرضا الإستانبولي بن محمد أمين رئيس المشائخ، الواعظ بجامع أيا صوفيا الكبير حينها. هي إجازة نفيسة ومزوّقة، تزوّدنا بموعظة عن أهمّية العلم الشّرعي في الإسلام، وبسلسة إسناد الشّيخ الآخسخوي مانح الإجازة، وبوصاياه لملتقّي الإجازة في العلم والدّين والحياة.

إجازة الآخسخوي لعلي الرّضا الإستانبولي

الإجازة عبارة عن رخصة أو اعتراف أو تأهيل رسمي، تخوّل الحاصل عليها لنقل نصوص تراثيّة أو تعليمها، أو تشهد بتلقّيه علوم دينيّة مختصّة على يد شيخ أهل لذلك. أي أنّها توازي إلى حدّ ما الشّهادة الجامعيّة اليوم. أمّا إجازة الآخسخوي لعلي الرّضا الإستانبولي فتصنّف بالإجازة العامّة، وهي درجة علميّة أقل من تلك الّتي تمنحها الإجازة المتخصّصة في علوم معيّنة. كما تعتبر شهادة التّخصص في درجة الدّكتوراة درجة علميّة أعلى من شهادة الباكالوريوس.

نعلم من الصّفحات الأولى للإجازة من كاتبها ومانحها فيشير النّص إلى كاتبه “وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه القدير، غبار أقدام الفضلاء، وعثار مسالك الصّلحاء، نعمان بن محمّد بن إبراهيم الأخسخوي، أوصله الله تعالى إلى معرفته أجلّ النعماء، وأكمله بدوام عبوديّته شكر الآلاء، إنّ العلم أنفسُ ما صُرفت به نفايس الأعمار.”

من تعريفه المتواضع بنفسه، عرفنا اسم الشّيخ وكنيته “الأخسخوي” نسبة إلى مدينته، الّتي لا تظهر في خاتمة الإجازة ولا في خاتمه الشّخصي الّذي طُبع عليها. وقد أورد تعريفه بنفسه قبل أن يبتدئ بمقدّمته البليغة حول مكانة العلم ورفعته، وبعد أن افتتح النّص بحمد الله والصّلاة على نبيّه وآله وصحبه والتّابعين، كما هي العادة بافتتاح أي نصّ من نصوص العلوم الإسلاميّة.

ثمّ يعدّد الآخسخوي الآيات الّتي تعلي من شأن العلم في القرآن الكريم، وتبعها بالأحاديث النّبويّة الّتي تتمحور حول ذات الموضوع. ثمّ يعرّج على أهمّية الإسناد، وهو العمود الفقري للإجازة ولباع كبير من العلوم الإسلاميّة، إذ بكلمات الآخسخوي “وقد خُصّت هذه الأمّة ببقاء الإسناد وهو من الدّين ولولاه لقال من شاء ما شاء”. والإسناد هو إثبات أصالة النّصوص والعلوم المتناقلة بتزويد أسماء الرّجال الّذين تدحرجت هذه المعلومات من خلالهم حتّى وصلت الى المتحدّث، ليثبت اتّصال معرفته وصحّتها إلى النّبي محمّد وصحابته. وهو ما يقوم الآخسخوي بعرضه، بعد أن يعرّف بمتلقّي الإجازة، والّذي بسبب حصوله عليها سيصير جزءًا من هذا الاسناد. ومن خلال تعريف تعريف الآخسخوي بعلي الرّضا سنعرف سبب تزويق الإجازة الملفت:

“وإنّ ممن لاحظته العناية الربانيّة وحفّته الهداية الرّحمانية حتّى حضر مجلس هذا الأدنى (يشير إلى نفسه) واعتنى في تحصيل الفنون بالجد الأعلى، ونال منها النّصيب الأوفى، المولى العالم العامل، والفاضل الكامل، البارع المحقق الصالح، الفائق المدقّق الفالح، آثار المجد في جبينه لامعة، وشمس الهداية من أفق عرفانه طالعة، شعاع استعداده كاد أن ينبسط على نفوس المستعدين، وضياء أفادته قرب أن يحرك همم المستفيدين، خلاصة الأخوان عمدة الأوان، أعني به الحاج الحافظ السيد علي الرضا الأستانبولي المدرس بدار الخلافة العليّة ابن السيد محمد أمين المشتهر برئيس المشايخ السلاطين العظام الواعظ بجامع أيا صوفية كبير ابن السيد عمر بن حمزة الخربوتي الشهير بالمحدّث حفظه الله تعالى…”

نفهم إذًا أنّ متلقّي الإجازة، علي الرّضا الأستانبولي، لم يكن تلميذًا عاديًا لدى الشيخ الآخسخوي في أستانبول، إنّما كان موظّفًا بدار الخلافة، وكان ابنًا لواعظ جامع أيا صوفيا أحد أكبر جوامع عاصمة الخلافة، وأنّه ينتمي لأسرة من العلماء والشّيوخ وأنّ لهذه المكانة العالية، قام الآخسخوي بتعريفه في صفحتين، بين الألقاب والمدح والتّبجيل والدّعاء له. لكن يُعلمنا النّص أيضًا، أنّ الإجازة لم تُمنح إلى الحاج والمدرّس الكبير في دار الخلافة كنوع من انواع الإكرام والمجاملة، إنّما يؤكّد الآخسخوي أن المذكور حضر مجالسه بالفعل، وبدى منه الجدّية والاستفادة.

إجازة الآخسخوي لعلي الرّضا الأستانبولي
إجازة الآخسخوي لعلي الرّضا الأستانبولي

 

يكمل الآخسخوي “ثمّ طلب منّي الإجازة ظنّا منه أنّي أهل لذلك مع علمي أنّي لست من رجال تلك المسالك، فحسّنت ظنه فأجزت له بأن يروي ما يسوغ لي وعنّي روايته من جميع العلوم نظريّة وعمليّة عقليّة ونقليّة حديثًا وتفسيرًا أصولًا وفروعًا.” ومن هنا نعلم أنّ الإجازة عامّة، وأن علي الرّضا لم يتخصصّ بإحدى تلك العلوم على يد الشّيخ.

هنا ينتهي الجزء الأوّل من كل إجازة، المقدّمة البلاغيّة والتّعريف بالمجيز والمجاز، ويبدأ الجزء الثّاني والأطول والّذي يعتبر كنز من المعرفة التاريخيّة، وهو الإسناد. يعتبر الإسناد فرصة رائعة للتعرّف على الخلفيّات الاجتماعيّة والثّقافيّة لصانعي المعرفة الدّينيّة عبر العقود، إذ لا يحتاج الباحث لجهد كبير ليعرف من أين أتى العالم الفلاني بتلك الفكرة أو بتلك المعلومة، فإن كانت إجازة هذا العالم متاحة للباحث، فبإمكانه الرّجوع عليها لمعرفة منابع علومه. يعرّفنا الإسناد على القناة البشريّة الّتي أوصلت هذه المعرفة والنّصوص إلى يومنا هذا، ويدلّ على أهمّية الإسناد ومدى التّعامل معه بجدّية عبر العصور.

من إسناد الآخسخوي
من إسناد الآخسخوي

 

أما الآخسخوي فيبدأ إسناده من الشّيخ محمّد أسعد الشّهير بإمام زاده أحد كبار عصره الّذي تتلمذ الآخسخوي على يديه، ويمتدّ إسناده مرورًا بالكثير من الأسماء المعروفة في علم الفقه والتّفسير والحديث، أمثال الخادمي والرّملي والأنصاري وابن حجر والتفتازاني، يعرّف بهم جميعًا بلغة التّعظيم، ويذكر أسماء كتبهم الشّهيرة ومشايخهم الكبار، ويورد بعضًا من الأحاديث الّتي رواها عن بعضهم. فمثلًا، في روايته الحديث النّبوي الشّهير (من يقل علي ما لم أقل فليتبوء مقعده من النّار)، يبدأ الإسناد عند إستاذه مرورًا بصالح بن إبراهيم الجينيني وآخرين، مرورًا بامرأة تدعى عايشة بنت محمد بن الهادي الدّمشقيّة، وهكذا حتّى يصل إلى سلمة ابن الأكوع عن لسان النّبي. ويلخّص الآخسخوي غايته من اختيار هذا الحديث ليرويه فيقول عن لسان معلّمه “فبيني وبين البخاري أربعة عشر رجلًا. وأعلى ما للبخاري الثلاثيات فيكون بيني وبين النّبي عليه السلام ثمانية عشر رجلًا. قال وهذا في غاية العلو ولا يمكن في هذا الوقت أعلى من ذلك فيما أعلم والله سبحانه أعلم”.

من إسناد الآخسخوي
من إسناد الآخسخوي

 

ينتهي الآخسخوي من سرد إسناده فيقول “هذا تمام الإسناد”، ويختتم الشّيخ إجازته بتوصيات وعظة لمتلقّي الإجازة في ثمانية صفحات، يضع فيها كلّ ما لديه ليذكّر نفسه وتلميذه به من العبادة، وترك ما لا يعنيه، والتّمسّك بالله والتّزهّد في الدّنيا، والتّواضع وصحبة الفقراء.

من وصايا الآخسخوي لعلي الرّضا
من وصايا الآخسخوي لعلي الرّضا

 

قفلة الإجازة المزوّقة، وخاتم الآخسخوي
قفلة الإجازة المزوّقة، وخاتم الآخسخوي

 

الطّريقة المولويّة: مبادؤها ومراكزها

بعض مظاهر الطّريقة المولويّة وقصّة الرقصة ومصدرها في التّصوّف الإسلامي. إليكم لمحة صغيرة حول الموضوع.

درويشان من دمشق بداية القرن العشرين، أرشيف بن تسفي.

درويشان من دمشق بداية القرن العشرين، أرشيف بن تسفي.

“إنّ قلبي مثل الفرجار، ساقٌ ثابتة في أرض الشّريعة، وساقٌ تدور على اثنين وسبعين ملّة”

في مقولة جلال الدّين الرّومي هذه تفسير للمبدأ المولويّ الذي ينصّ على التقبّل والتّسامح كقيمة أساس للطّريقة المولويّة. فلكيّ يكون طالب الطّريقة جاهز للترقي في الحبّ الإلهي عليه أن يبدأ بما حوله من ظواهر وموجودات وأحوال، وأن يتقبّلها جميعًا انطلاقًا من دورانه الدّاخلي وهو المركز والرّكينة الأساسيّة لهذا التّقبّل. وهكذا تكون بذرة التّوحيد الحقيقي جاهزة لأن تثمر وتنبت بحسب الرّومي. تنعكس هذه المقولة كذلك في رقصة الدّراويش الشّهيرة والتي يقال أنّ الرومي تعلّمها من شمس الدين التّبريزي، والّتي تمثّل كذلك دوران الأرض حول نفسها وحول الشّمس، وأيضًا طواف المسلمين حول الكعبة. فمن جلال الدّين الرّومي؟ وما رقصة الدّراويش وما الطّريقة المولويّة؟

اقرأ/ي أيضًا: جلال الدّين الرّومي

ولد جلال الدين الرّومي في بلخ (أفغانستان اليوم) عام 1207 ونشأ في مدينة قونية (تركيا اليوم) وأصبح من أشهر شيوخها بعد أن ورث مكانة أبيه كمعلّم وإمام. حدث تحوّل كبير في حياة الرومي بعد لقائه بالمتصوّف شمس الدين التّبريزي الّذي أصبح رفيق روحه وعلّمه الكثير عن التّصوف وعن حالة الحبّ الإلهي. عشق الرومي هذا الطّريق وانغمس فيه، وبعد اختفاء رفيق روحه من حياته دخل في عزلة عن النّاس لمدّة طويلة، وعاد بعدها إلى التّدريس والتّربية والوعظ بإصرار من ابنه وتلاميذه الّذين افتقدوه. لكنّ وعظه هذه المرّة كان قد اختلف تمامًا عمّا ذي قبل.

اقرأ/ي أيضًا: مخطوطات رقمية من تاريخ الصوفية في العالم الإسلامي

في ديوانه “ديوان شمس الدّين التّبريزي” وصف حبّه وفقده العميق لرفيقه شمس الدّين، وأسسّ الرومي في ديوانه الكبير “مثنوي معنوي” رؤية كونيّة، ووضع تجربته الرّوحية في كلمات وأبيات ألهمت متّبعيه وتأسست بها عادات وتقاليد وتراث صوفي حمله من أطلقوا على أنفسهم اسم “المولويين” نسبةً إلى اللقب الذي اكتسبه الرومي “مولانا”، أو كما باتوا يُعرفون في بلاد الشّام “المَلَويين”.

من مخطوطة "مثنوي معنوي"، 1618، مجموعة يهودا، مجموعة المكتبة الوطنيّة.
من مخطوطة “مثنوي معنوي”، 1618، مجموعة يهودا، مجموعة المكتبة الوطنيّة.

 

المولويّة هي طريقة من طُرق الصّوفيّة أسسّها تابعو جلال الدّين الرّومي لاسيّما ابنه سلطان ولد بعد وفاته مباشرة. إذ بادروا دون توصية منه إلى تثبيت بعض الأسس والممارسات لتتناقل عبر الأجيال وتحفظ إرث ما تعلّموه من جلال الدّين الرّومي وأطلقوا على طريقتهم هذه اسم “المولويّة”، أي طريقة مولانا وهو اللّقب الّذي منحوه لمعلّمهم جلال الدّين الرّومي.

تعتمد الطّريقة المولويّة على بعض الشّعائر الرّوحانيّة الّتي يمارسونها بالإضافة إلى شعائر الصّلاة والصّيام الإسلاميّة. من هذه الممارسات الذّكر والإنشاد، والّذي اتّخذ طريقه إلى خارج التّكايا والزّوايا ليصبح تراث فنّي إسلامي غير محصور على المتصوّفة في بلاد الشّام ومصر. بالإضافة إلى الرّقصة الشّهيرة “رقصة الدّوران”، يرتدي الدّراويش في رقصات الذّكر والإنشاد رداء خاصّ يحمل دلالات عديدة، ويشير الى التّواضع في الدّنيا.

من التّفسيرات الّتي أطلقت على طقوس الذّكر ورقصة الدّراويش هي أنّها تحاكي حركة الوجود، دوران الأرض حول نفسها وحول الشّمس، دوران المسلمين حول الكعبة، ودوران كل شيء في الوجود كحركة تلقائيّة محتّمة ترتكز عليها الحياة بأكملها. يرتدي هؤلاء “السكة” أو غطاء الرأس الطويل المصنوع من مادّة خشنة إشارة إلى صعوبة الحياة، بالإضافة إلى الرّداء الأبيض الّذي يرمز للكفن، وعباءة سوداء ترمز للموت والتّزهّد.

درويشان من دمشق بداية القرن العشرين، أرشيف بن تسفي.
درويشان من دمشق بداية القرن العشرين، أرشيف بن تسفي.

تُمارس طقوس الذّكر والرّقص المحدّدة بدقّة في قاعات خاصّة بها في الزّوايا والتّكايا المولوليّة حول العالم، وقد انتشرت الطّريقة بشكلٍ واسع في العهد العثمانيّ. ووصلت إلى بلاد الشّام ومصر والمغرب ومدنها الكبيرة حيث انتشرت التّكايا المولويّة لتعلّم القرآن الكريم وتقيم الذّكر وتمنح حياة التّقشّف لتابعيها ولطالبي الطّريقة، وفي مدينة القدس يوجد المسجد المولوي أو التّكيّة المولويّة دخل أسوار البلدة القديمة. وفي العقود الأخيرة، وجدت الطّريقة سبيلها إلى أوروبا كذلك وشهدت اهتمام غربي ملحوظ بالتّصوف الإسلامي وخاصّة بإرث جلال الدّيني الرّومي الّذي اتّسم بالإنسانيّة والكونيّة.

للمزيد حول الشخصيات الإسلامية في مجموعات المكتبة الوطنية

قصة الذبيح إسماعيل أم إسحق: أين الخلاف؟

عن قصّة إبراهيم الجدليّة في ذبح ابنه واختلافها في نصوص الدّيانات الإبراهيمية والفنّ، للمزيد تصفحوا هذا المقال.

فسيفساء من القرن السّادس في معبد بيت ألفا شمال البلاد، يظهر فيها إسحق مقيّد اليدين وخلفه موقد النّار المشتعل وأمامه إبراهيم يحمل السّكين ومن خلفه الملائكة مع الأضحية. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة.

تقاليد وتفاصيل قصة الذبيح إسماعيل أو إسحق في الديانات الإبراهيمية وأوجه الاختلاف والشبه في التفسيرات والفن، للمزيد في المقال.

تُعتبر قصة تضحية إبراهيم من أهمّ القصص الإبراهيميّة الّتي تثير جدلًا واسعًا حول معنى الإيمان، كما أنّها بنفس الوقت موضع تباين بين الأديان الإبراهيميّة الثّلاثة، والّتي بحسب تقاليد كلّ منها تختلف في تفاصيلها أو في تأويلها. فيبقى مغزاها واحد أو شبيه في اليهوديّة والإسلام: الانصياع لرغبة الإله فيما سمّته اليهوديّة “بالامتحان” وسمّاه الإسلام “بالابتلاء”. أمّا في المسيحيّة، فذهب تأويل معنى القصّة إلى الرّبط بصلب السيد المسيح، واعتبارها عرضًا ممهّدًا لمشهد صلب السيد المسيح وتضحية الرّب. وبرغم احتفاء الأديان بهذه القصّة ودلالاتها الرّوحانيّة المختلفة إلّا أنّها تثير انتقاد من يعتبرونها الأساس النّصصي الأوّل لإسالة الدّماء في سبيل الإيمان. بمناسبة عيد الأضحى الّذي يتمحور مغزاه حول هذه القصّة، دعونا نتعرّف على تفاصيلها وعلى الخلاف حول هويّة الذّبيح بين اليهوديّة والإسلام.


اقرأ
/ي أيضًا: عيد الأضحى: مخطوطات ومقتطفات من تاريخ العيد والحج وسكة الحجاز


بين العهد القديم والجديد والقرآن وآراء المفسّرين

إنّ الشّخصيّة الرئيسيّة في هذه القصّة هي شخصيّة “إبراهيم” الّذي كان قد بدأ مسيرة إيمانه قبل حدوثها بسنوات طوال، إلّا أنّه وبالرّغم من وصوله إلى الحقيقة الّتي كان يبحث عنها وهي الله، يجد أنّه أمام اختبار لإثبات ولائه التّام لهذه الحقيقة والتزامه لها. يحدّث الله إبراهيم، وفقًا للقصّة التّوراتيّة، ويأمره باتّخاذ ابنه الّذي يحبّه إلى الجبل وهناك يؤمر بذبحه، وطوال الرّحلة يحرص إبراهيم على عدم إخبار ابنه بما يجري، حتّى أنّ الولد يسأل أبيه: “أين الخَروف؟” دلالة على عدم معرفته بالأمر الإلهي الّذي يتضمّن ذبحه، إلّا أنّ الإبن في القرآن الكريم شريك في التّضحية منذ اللحظة الأولى، فالنّداء أتى لإبراهيم في المنام، وهو إذ يقول لابنه عن منامه ويسأله عن رأيه، يجيب الولد بالرّضا والموافقة. “فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِين”.(الصّافات، 102). أمّا في العهد الجديد، يُضاف أنّ إبراهيم رأى أنّ الله قادر على كلّ شيء، وإنّه قد يحيي ابنه ثانية بعد ذبحه.

من الشّائع أنّ الاختلاف الأساسي بين القصّة اليهوديّة ومثيلتها المسيحيّة وتلك الإسلاميّة هو هويّة الإبن الّذي اختار إبراهيم أن يضحّي به، والّذي بحسب الدّيانات الثّلاثة كان المحببّ إليه، ففي اليهوديّة، يرد اسم إسحق بوضوح في سرد القصّة في الإصحاح الثّاني والعشرين من سفر التّكوين “فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق و اذهب إلى ارض المريا..”. كما يشير إليه العهد الجديد بوضوح في نفس القصّة ويعطيه مكانة عالية عن مكانة إسماعيل عمومًا.  بينما في سورة الصّافات، فيوصف الإبن كالتّالي، دون ذكر اسمه، “فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ” (الصّافات، 101) وتكتمل بقيّة القصّة بالإشارة الى الإبن بضمير الغائب دون ذكر الإسم. ومع ذلك، فقد تطوّر توجّه تأريخيّ في تفسير القرآن يدّعي أنّ الإبن المقصود ذبحه في القصّة هو إسماعيل وليس إسحق.

كان المفسّرون الأوائل، يلجأون إلى المصادر اليهوديّة أو المسيحيّة لاستكمال التفاصيل الّتي لا يأتي القرآن على ذكرها في قصصه، وهي القصص الّتي ترد بغالبها في العهد القديم أيضًا. ولذلك نجد أن الطّبري( ت 923 م) اعتبر في تفسيره ذلك الغلام إسحق، كما ورد بوضوح في التوراة.

أمّا فيما بعد، تشكّلت وجهة نظر أخرى تشير إلى إسماعيل بدلًا عن إسحق. وذلك بالاعتماد على إشارة النّص إليه بالغلام الحليم، والصّبور، وصادق الوعد في مواضعٍ أخرى من القرآن، مثلًا (الأنبياء، 85). بالإضافة إلى ذلك، فإنّ قصّة تبشير إبراهيم بولادة إسماعيل (وهو الإبن الأكبر) سبقت قصّة الأضحية في القرآن، وهاتين القصّتين سبقتا قصّة تبشير إبراهيم بولده إسحق.

تكوّن هذا الادّعاء بقوّة على يد ابن تيميّة(ت 1328 م) وابن كثير (ت 1373 م)، والّذان اعتمدا في رأيهما على بعض الأحاديث، بالإضافة إلى نصوص توراتيّة ومحاججات لغويّة. ومع الوقت أصبح من المسلّم به لدى عموم المسلمين اعتبار قصّة أضحية إبراهيم خاصّة بولده إسماعيل، بالرغم من أنّ المسألة غير محسومة في القرآن، وهناك مؤرّخون مسلمون اعتقدوا أيضًا أنّ الإبن المذكور بالقصّة هو إسحق كما ورد في القصّة التّوراتيّة، ومن هؤلاء المؤرّخ الطّبري( ت 923 م)، والثّعلبي (ت 1035م)، وابن الجوزي(1201 م). بالإضافة إلى العلماء الّذين قاموا بنقل الرّوايتين دون ترجيح إحداهما على الأخرى.

من الخلافات الأخرى في التفسيرات الإسلاميّة حول القصّة هو مكان حدوثها. فيعتبر بعض المفسّرين أنّ مكان حدوثها في مكّة وتحديدًا فوق حجر الكعبة، وبعضٌ آخر يعتبرون مكان حدوثها في القدس وفوق قبّة الصّخرة تحديدًا، وهنا يتمّ ربط القصّة بقصّة الإسراء والمعراج.


الواقعة في الفنّ المسيحي والإسلامي واليهودي

إنّ أحد الاختلافات الهامّة بين القصّتين اليهوديّة والإسلاميّة هو إبلاغ إبراهيم لابنه عمّا يحدث كما ذكرنا سابقًا، والجميل أنّ هذا الاختلاف يظهر كذلك في الأعمال الفنّية الّتي تناولت القصّة في مختلف الثّقافات. ففي الفنّ الأوروبي المسيحي الّذي اعتمد بطبيعة الحال على القصّة التّوراتيّة، نجد أنّ إسحق يبدو مرغمًا، مما يضفي طابع القسوة أكثر على اللّوحات وعلى القصّة، ومن هذه اللّوحات لوحة الفنّان الإيطالي كارافيجيو الشّهيرة. وفيها يبدو إسحق صارخًا وخائفًا بينما يعزم أباه على ذبحه بالسّكين من الخلف، فيأتيه الملاك عن يمينه بهيئة إنسان ليشير إلى حمل يقف خلفه.

 

رسم لأضحية إسحق من مجموعة بيتمونا، يظهر فيها إسحق مقيّدًا ويتطلّع برأسه إلى أبيه الّذي لا يبادله النّظر بل ينظر بتأهب نحو السّماء حيث تظهر شخصيّة سماويّة.
رسم لأضحية إسحق من مجموعة بيتمونا، يظهر فيها إسحق مقيّدًا ويتطلّع برأسه إلى أبيه الّذي لا يبادله النّظر بل ينظر بتأهب نحو السّماء حيث تظهر شخصيّة سماويّة.

 

 

فسيفساء من القرن السّادس في معبد بيت ألفا شمال البلاد، يظهر فيها إسحق مقيّد اليدين وخلفه موقد النّار المشتعل وأمامه إبراهيم يحمل السّكين ومن خلفه الملائكة مع الأضحية. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة.
فسيفساء من القرن السّادس في معبد بيت ألفا شمال البلاد، يظهر فيها إسحق مقيّد اليدين وخلفه موقد النّار المشتعل وأمامه إبراهيم يحمل السّكين ومن خلفه الملائكة مع الأضحية. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة.

 

 

مقطع أيمن لطبق منحوت، يظهر إسحق مقيّد اليدين والقدمين وملقى على صخرة مرتفعة على ظهره، يمسك فيه إبراهيم من شعره ويرفع سكّينه، بينما يظهر في السّماء ملاك على هيئة إنسان ويظهر كبش في أيمن المنحوتة. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة
مقطع أيمن لطبق منحوت، يظهر إسحق مقيّد اليدين والقدمين وملقى على صخرة مرتفعة على ظهره، يمسك فيه إبراهيم من شعره ويرفع سكّينه، بينما يظهر في السّماء ملاك على هيئة إنسان ويظهر كبش في أيمن المنحوتة. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة

 

 

مقطع أيسر للطبق، يظهر إسحق مقيّد اليدين والقدمين وملقى على صخرة مرتفعة على ظهره، يمسك فيه إبراهيم من شعره ويرفع سكّينه، بينما يظهر في السّماء ملاك على هيئة إنسان ويظهر كبش في أيمن المنحوتة. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة
مقطع أيسر للطبق، يظهر إسحق مقيّد اليدين والقدمين وملقى على صخرة مرتفعة على ظهره، يمسك فيه إبراهيم من شعره ويرفع سكّينه، بينما يظهر في السّماء ملاك على هيئة إنسان ويظهر كبش في أيمن المنحوتة. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة

 

 

طبق منحوت من فضّة، يظهر إسماعيل مقيّد بطريقة مختلفة، قدميه ربطت إلى يديه وملقى على ظهره، يهمّ إبراهيم برفع السّكين ويظهر الملاك فوق الشّجرة والكبش على شمال الطّبق. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة.
طبق منحوت من فضّة، يظهر إسماعيل مقيّد بطريقة مختلفة، قدميه ربطت إلى يديه وملقى على ظهره، يهمّ إبراهيم برفع السّكين ويظهر الملاك فوق الشّجرة والكبش على شمال الطّبق. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة.

 

طبق منحوت من فضّة، يظهر إسماعيل مقيّد بطريقة مختلفة، قدميه ربطت إلى يديه وملقى على ظهره، يهمّ إبراهيم برفع السّكين ويظهر الملاك فوق الشّجرة والكبش على شمال الطّبق. مركز الفنّ اليهودي في الجامعة العبريّة.

في الفنّ اليهودي، نجد أن القصّة متمثّلة بالرّسم على جدران بعض الكُنس القديمة، ومنحوتة على أدوات معدنيّة فاخرة، بينما في الفنّ الإسلاميّ، فإنّ تمثيل مشهد الأضحية محصور في المنمنمات، وتختلف المنمنمات عن بعضها البعضـ إلّا أنها جميعها تحتوي على الشّخصيّات الرّئيسيّة: إبراهيم، ابنه، الملاك والكبش، واللحظة التّي يمسك فيها إبراهيم بالسّكين وعلى وشك أن يقوم بتنفيذ المهمّة.

في مخطوطة محفوظة في مكتبة برلين لقصص الأنبياء لابن خزيمة، نرى نموذجًا جيّدًا لاختيارات الفنّ الإسلامي عمومًا في إظهار القصّة. إذ يظهر  في المنمنمة النّبيان إبراهيم وابنه (في هذه الحالة إسماعيل) ورأسيهما محاطان بشعلة من النّار، وهي تقنيّة موازية لهالة النّور في الفنّ المسيحي للتعبير عن قداسة الشّخص. أمّا السّماء، فلونها ذهبيّ إشارة إلى القداسة أو اللحظة الّتي وقعت فيها معجزة، ويظهر الملاك على شكل إنسان مجنّح ويحمل كبشًا لينقذ الموقف.

نرى التأثير الآسيوي في المنمنمة باختيار ملامح آسيويّة للنبيّان وللملاك، كما أنّ الرّسم يُظهر إسماعيل معصوب العينين كما تشير بعض التّفسيرات الإسلاميّة.

إذا أتينا لتلخيص أوجه الشّبه والاختلاف بين نظرات الدّيانات الثّلاثة الّتي تظهر في فنونها أيضًا، اختلف الإسلام مع اليهوديّة والمسيحيّة في تفسيراته حول هويّة الإبن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه لشدة حبه له ليكون علامة على درجة إيمانه. إلّا أنه يتّفق مع اليهوديّة في التّفسير الأوسع لمغزى القصّة، وهو الاختبار أو الابتلاء. أمّا في المسيحيّة، فقد اتّخذت القصّة منحىى مختلفًا من التّفسير، ويرتبط جوهريًا بمسألة التّضحيّة والصّلب.

وصف لنعل النّبي في المكتبة الوطنيّة

في المكتبة الوطنيّة، واحدة من المخطوطات النصغيرة والنادرة الّتي نقلت رسمًا عن أثر للنبي محمد تبركّت به الناس لقرون. للمزيد، اقرأوا المقال.

منذ العصور الأولى للإسلام، ظهر الاهتمام بأثر النّبي ومقتنياته وأمتعته، من لباسه وأدواته وبردته وحذائه إلخ. وكثرت الأدبيّات الّتي تحدّثت عن تلك الممتلكات الّتي انتقلت بحسب الرّواية الإسلاميّة بين أصقاع العالم الإسلاميّ، وأشهرها اليوم تلك المعروضة في متحف توبكابي في إسطنبول. كما نجد في البلاد مثلًا شعرة يظّن أنّها من شعر الرّسول محفوظة في مسجد الجزّار في عكّا.

بغضّ النّظر إن كانت هذه الأغراض تعود للنّبي الكريم بالفعل أم لا، فإنّ هذه الظّاهرة مثيرة للاهتمام، فالعديد من دور الإفتاء أصدرت فتاوى شروع التّبرّك بمآثر النّبي محمّد سواء بالتّقبيل أو الّلمس وعلى ما يبدو فإنّ هذه العادة تبدو قديمة بالفعل ومقبولة، بل وتحمل شيء من القداسة إلى حدّ بعيد. إذ نجد أنّ العديد من الأدبيّات عُنيت بجمع الرّوايات الّتي تصفّ مآثر النّبيّ المادّية، كشكله ولباسه، سيفه وخاتمه ومكحلته وأدواته من كتب السّيرة الّتي أتت على ذكرها ك “الشّمائل النّبويّة” للتّرمذي و”صفة النّبيّ” للأسدي وتلك الأحاديث النبوية الّتي وردت في الصّحاح. بل إنّ بعض المؤلّفات وُضعت بالكامل لوصف شيء واحد اعتقد أنّه يعود للنّبي.

نجد في المكتبة الوطنيّة واحد من هذه المؤلّفات: مخطوطة صغيرة ومزوّقة كُتبت في المدينة المنوّرة عام  1628 تحت عنوان “صفة تمثال نعل النّبي صلّى الّله عليه وسلّم لمحمّد بن أبي بكر الفارقي القادري” تصف إحدى نعال النّبي بجمع الأحاديث المتعلّقة بها بالإضافة إلى الحديث عن فضلها وتقدّم رسمًا ملوّنًا منقولًا عن رسومات سابقة وتنقل لنا بعض أبيات الشّعر المأثورة في نعل النّبي.

بإمكاننا من خلال تتبّع هذه المخطوطة أن نفهم كيف تناقلت هذه الصّورة عن نعل النبيّ وكيف تتناقل الرّوايات عمومًا؟ وما كانت طبيعة الاهتمام بهذه المقتنيات حينها؟ فلنبدأ!

لعرض المخطوطة

تبدأ الصّفحة الأولى بالتّعريف بالرّاوي القادري ونسبه، ثمّ شيخه الّذي قام بجمع هذه الأحاديث والأدبيّات وهو الحافظ ابن عساكر واضع مؤلّف في فضل النّعال النّبويّة والّذي يبدأ الإسناد منه وصولًا إلى أنس بن مالك خادم النّبي. في متن الحديث يوصف نعل الرّسول بأنّه “ذو قبالان” ومعنى القبال هو الجزء الّذي يكون بين الأصابع ليزيد من ثبات القدم داخل الحذاء عند السّير.

ثمّ يعدّد لنا الرّاوي كلّ من انتقل الحذاء إليهم بدءًا من بيت عائشة بنت أبو بكر زوجة الرّسول وكيف انتقل تمثاله أو وصفه (أي رسمه) من رواية إلى رواية. ثمّ يذهب للحديث عن فضل التّبرّك بنعل النّبي وشفاء البعض من أوجاعهم به وبعض ما ورد فيه من الشّعر. ثمّ ينتقل للحديث عن فضل الرّسم نفسه ويبشّر من يمتلك رسمًا للنّعل برؤية النّبي في المنام وفي خيرات كثيرة، بل يجيز التّوجه للّنبي بطلب ما من خلال التّبرّك بصورة النّعل، أي أنّ فعل التّبرّك هنا ليس بالنّعل نفسه بل بصورته أيضًا!

 

رسم نعل النّبي في المخطوط

فيقول “ما كان في دارٍ فحُرقت، ولا في سفينة فغرقت، ولا في قافلة فنُهبت، ولا في متاعٍ فسُرق ولا توسّل بصاحبها عليه الصّلاة والسّلام في حاجة إلّا قضيت ولا في ضيقٍ إلّا فرج ومن لازم على حملها كان له القبول التّام من الخلق ولا بدّ أن يرى يزور النّبي صلّى الله عليه وسلّم أو يراه في منامه ومن رآه في منامه رآه حقًا”

ثمّ يورد في الصّفحة الأخيرة قبل عرض الرّسم الأبيات التّالية:

يا طالبًا تمثال نعل نبيّه  ها قد وجدت إلى اللّقاء سبيلا

فاجعله فوق الرّاس واخضع واعتقد  وتغال فيه وأوله التّقبيلا

من يدّعي الحبّ الصّحيح فإنّه  يبدي على ما يدّعيه دليلا

ينتهي هذا الجزء من المخطوط ليبدأ جزءًا ثانيًا يبدو كأنه نسخة ثانية عن الأوّل إلّا أنه ببساطة يضع رواية أخرى عن “أبي الخير محمّد بن محمّد الجزري”، هذه الرّواية لا تختلف عن الرّواية السّابقة لها إلّا أنّ الرّسم يبدو مختلفًا بعض الشّيء.

الرّسم الثّاني بحسب رواية الجزري

 

يعطينا هذا المخطوط مثالًا بسيطًا على اتّساع وظائف الكتب والمخطوطات في العصور الغابرة، ففي هذه الحالة نجد أنّ المخطوطة نفسها كانت تحمل طابع القداسة مع أنّها لا تحتوي على آيات قرآنيّة، بل فقط على رسم النّعل الّذي ربّما سافر وارتحل الكثيرون فقط لرؤيته والتّبرّك به، ولربّما هي صغيرة ولا تحتوي على أيّ وصف آخر لأحد مآثر النّبي لكي تُحمل في كلّ وقت لتوفّر الحفظ والحماية وتكون بركة دائمة لا تفارق حاملها.