من قلب القدس: دار المعلمات العربية

باعتبارها أعلى مؤسسة تعليمية للبنات في فلسطين الانتدابية، لعبت كلية دار المعلمات دورًا حيويًا في تشكيل مستقبل التعليم في المنطقة. كانت مكانًا يمكن للشابات فيه أن يحلمن بتجاوز القيود التي فرضها المجتمع، حيث يمكنهن الطموح إلى مهن وحياة من اختيارهن. في عام 1919، وفي مَدينة القُدس، تَأَسست كُلية دار المعلمات كأول مؤسسة تعليمية رائدة للنساء

832 629

باعتبارها أعلى مؤسسة تعليمية للبنات في فلسطين الانتدابية، لعبت كلية دار المعلمات دورًا حيويًا في تشكيل مستقبل التعليم في المنطقة. كانت مكانًا يمكن للشابات فيه أن يحلمن بتجاوز القيود التي فرضها المجتمع، حيث يمكنهن الطموح إلى مهن وحياة من اختيارهن.

في عام 1919، وفي مَدينة القُدس، تَأَسست كُلية دار المعلمات كأول مؤسسة تعليمية رائدة للنساء في فلسطين. جاءت هذه الكلية لتلبية الحاجة المُلحة إلى تَعليم الفتيات وإعدادِهنّ لِمهنة التّدريس في زَمنٍ كانت فيهِ الفُرص التعليمية للنساء محدودة. كانت الرؤية التي قامت عليها هذه المؤسسة ليست مجرد توفير التعليم، بل إعداد جيلٍ جديدٍ من المعلماتِ القادرات على النهوض بمستوى التعليم في البلاد، وفَتح آفاق جديدة للمرأة الفلسطينية في مجالات التعليم والمجتمع.

بدأت الكلية بمبادرة متواضعة، حيث كانت مُقامة في مبانٍ مستأجرة لم تكن مناسبة تمامًا لغرض التعليم. ورغم التحديات التي فَرَضَتها هذه المرافق غير الملائمة، استطاعت دار المعلمات سريعًا أن تُثبت نفسها كمركز للتعلم. كان القسط السنوي 24 جنيهًا فلسطينيًا، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، لكن العديد من العائلات كانت مستعدة لدفعه مقابل أن تحصل بناتها على تعليم عالي الجودة.

في سنواتها الأولى، كان عدد الطالبات قليلًا. ففي عام 1920، لم يكن هناك سوى 23 طالبة مسجلة. وبحلول العام الدراسي 1924-1925، تضاعف العدد ليصل إلى 54 طالبة، ووصل في العام الدراسي 1945-1946 إلى 104 طالبات. جاءت هؤلاء الفتيات من مختلف أنحاء البلاد، حيث أقامت 70 منهن في القسم الداخلي بالكلية، بينما كانت البقية يأتينَ من بيوتهن كل يوم.

كانت مناهج دار المعلمات شاملة، تَعكس كلّ من الصرامة الأكاديمية والمهارات العملية اللازمة للتدريس. كان البرنامج التعليمي يمتد لخمس سنوات: أربع سنوات من التعليم الثانوي يليها سنة خامسة تركز على التدريب المهني والتربوي. قُسّم التعليم الثانوي إلى دورتين—الدورة الثانوية الدنيا التي تشمل السنة الأولى والثانية، والدورة الثانوية العليا التي تشمل السنة الثالثة والرابعة. بعد الانتهاء من التعليم الثانوي، كان على الطالبات اجتياز امتحان “المتريكوليشن”، وهو خطوة حاسمة تؤهلهن للانتقال من مرحلة الطالبات إلى مرحلة المعلمات المحترفات.

لم يكن التدريب المقدم في السنة الأخيرة مجرد تدريب أكاديمي، بل كان عمليًا أيضًا، مما يضمن أن الخريجات مستعدات بشكل جيد للتعامل مع متطلبات التدريس في المدارس الابتدائية. شملت المناهج أيضًا دروسًا في التدبير المنزلي والحياكة والخياطة، مما يعكس التوقعات المجتمعية للنساء في ذلك الوقت.

أشرَفت على المدرسة مديرة إنجليزية كرست نفسها لقيادة هذه المؤسسة، حيث عملت كمديرة ومفتشة على مدارس البنات في البلاد. تحت قيادتها، حافظت الكلية على معايير عالية، وازدادت سمعتها في الأوساط التعليمية. وبحلول عام 1946، تقدمت 20 طالبة من الكلية لامتحان “المتريكوليشن”، ونجحت 9 منهن، فيما حصلت 10 طالبات على شهادة المدرسة الثانوية. وفي نفس العام، تخرجت 19 طالبة من الصف الخامس الثانوي، مضيفات إلى العدد المتزايد من الخريجات اللواتي سيتولين مراكز تعليمية في جميع أنحاء البلاد.

لم تقتصر تأثيرات كلية دار المعلمات على حدودها الجغرافية. فبحلول عام1946، كانت الكلية قد خرّجت أكثر من 300 امرأة، معظمهن أصبحن العمود الفقري لنظام التعليم للفتيات في المدن كافة. لم تكن هؤلاء الخريجات مجرد معلمات، بل كن رائدات، والكثير منهن أصبحن شخصيات مؤثرة في مجالات متعددة. من بينهن شخصيات بارزة مثل الأديبة سميرة أبو غزالة والمذيعة فاطمة البديري، اللتين تركتا بصمات واضحة في الأدب والإعلام على حدٍ سواء.

لكن الحياة في دار المعلمات لم تكن مقتصرة على الدراسة فقط. بل كانت الكلية تقدم تعليمًا شاملًا، يتضمن التربية البدنية والأنشطة اللامنهجية. شاركت الطالبات في مختلف أنواع الرياضة، مثل الريشة الطائرة وكرة السلة وكرة الطائرة وحتى الرقص الأوروبي. كانت هذه الأنشطة أكثر من مجرد هوايات؛ فقد كانت جزءًا أساسيًا من التجربة التعليمية، تعزز روح الفريق والانضباط والرفاهية البدنية بين الطالبات.

باعتبارها أعلى مؤسسة تعليمية للبنات في فلسطين الانتدابية، لعبت كلية دار المعلمات دورًا حيويًا في تشكيل مستقبل التعليم في المنطقة. كانت مكانًا يمكن للشابات فيه أن يحلمن بتجاوز القيود التي فرضها المجتمع، حيث يمكنهن الطموح إلى مهن وحياة من اختيارهن. لم تكن الكلية مجرد مدرسة؛ بل كانت قوة مكّنت أجيالًا من النساء من أن يصبحن معلمات وقائدات ورائدات في مجتمعاتهن.

ذاكِرة السّوق: رِحلة في عالم الإعلانات الفلسطينية القديمة

إنَّ تَصَفُّحَ الصُّحف والمُلصَقات الدّعائية من فترة الانتداب البريطاني أشبه بِخَطوِ خُطوةٍ في سوق يعجّ بالحياة من أيام مضت. الكَمّ الهائِل مِن الإعلاناتِ التّجارية يَرسُم صورةً حيةً لفترةٍ كانت فلسطين الانتدابية فيها تزدهر ككيان موحد، مدنها تنبض بالنشاط التجاري، متصلة بشكل وثيق مع المجتمعات العربية المجاورة. تَحكي هذهِ الإِعلانات قَصة ازدهارِ الأعمالِ التّجارية القادرة على

ملصق اعلان محل، 1931،أرشيف المكتبة الوطنية

إنَّ تَصَفُّحَ الصُّحف والمُلصَقات الدّعائية من فترة الانتداب البريطاني أشبه بِخَطوِ خُطوةٍ في سوق يعجّ بالحياة من أيام مضت. الكَمّ الهائِل مِن الإعلاناتِ التّجارية يَرسُم صورةً حيةً لفترةٍ كانت فلسطين الانتدابية فيها تزدهر ككيان موحد، مدنها تنبض بالنشاط التجاري، متصلة بشكل وثيق مع المجتمعات العربية المجاورة.

تَحكي هذهِ الإِعلانات قَصة ازدهارِ الأعمالِ التّجارية القادرة على الترويج لنفسها وتَحملها تكاليفَ الاعلانات في الجرائد. وتركزت الإعلانات في الغالب في ثلاث مدن رئيسية – القدس وحيفا ويافا -، وروجت لمجموعة واسعة من السلع والخدمات. كما أنها عكست الطبقات الاجتماعية للمصالح التجارية والعائلات التي تقف وراءها، مما يؤكد انفتاح فلسطين على المنطقة وازدهار الصناعات الثقافية والترفيهية والتجارية الجديدة.

وكانت القدس وحيفا ويافا هي المراكز التجارية. لكنَّ القدس احتفظت بمكانتها البارزة منذ العصر العثماني، واستمرت في الازدهار دينياً وسياسياً واقتصادياً أثناء وبعد الانتداب البريطاني. وقد انتعشت الأنشطة التجارية في حيفا ويافا بفضل التحديث فيها وموانئهما المزدحمة، مما سَهل العمليات التجارية وربطهما بالعالم الأوسع.

غالبًا ما عَرَضَت الإعلانات فروع الشركات في هذه المدن. على سبيل المثال، تعلن محلات بوتاجي للألبسة عن فروعها في القدس ويافا وحيفا وتل أبيب، مما يشير إلى وجود شبكة واسعة النطاق.

وفي بَعض الأحيان، ظهرت مدن أخرى مثل نابلس ورام الله في الإعلانات، مما يشير إلى وجود تجاري أقل بروزا ولكنه لا يزال نشطاً. ظهرت شوارع المدن المركزية أيضًا بشكل بارز في الإعلانات، مما يشير إلى بنية تحتية حضرية متطورة بشوارع مسماة ومرقمة، مما يسهل العمليات التجارية والخدمات البريدية. في القدس، شملت الشوارع البارزة طريق يافا، وطريق مأمن الله، وشارع جوليان، وشارع الأميرة ماري. وفي يافا، كانت الشوارع البارزة هي شارع الإسعاف، وشارع ظريفة، وشارع بسترز، في حين كان لشارع اللنبي أهمية كبيرة في حيفا. وكانت هذه الشوارع مراكز للأنشطة التجارية والثقافية والحياة اليومية.

وَسَلَّطت العَديد من الإِعلانات الضوّء على العلاقات الاقتصادية بين المُدن الفلسطينية والمدن العربية المجاورة في الأردن ولبنان وسوريا ومصر، مما عَكَسَ شراكات حيوية عبر الحدود. وكشفت هذه الإعلانات أن الشركات لم تكن مُدارة عائليًا فحسب، بل شكلت أيضًا تحالفات خارج حدود فلسطين، مما أدى إلى إنشاء شبكة قوية من التبادل التجاري والثقافي.

غالبًا ما تضمنت المصالح التجارية شراكات بين عائلات مختلفة، على الرغم من أن العديد منها كان يديرها اخوة من عائلة واحدة. وكثيراً ما ظهرت العائلات الفلسطينية الأرستقراطية في الإعلانات كعائلة شاهين، عائلة الديجاني والنشاشيبي. وعرضت الإعلانات مجموعة من الصناعات، من الخدمات التقليدية إلى القطاعات الجديدة مثل العمل البحري والبناء والصناعات الثقيلة. كما برزت الصناعات الفلسطينية الوطنية كصناعة السجائر.

كانت الشّركات المختلفة تُعلن عَن مَجموعة مُتنوعة منَ المُنتجات والخَدمات، بدءًا من المواد الكيميائية الزراعية وحتى الملابس والآلات الصناعية. وقد سلطت شركات مثل مصنع الحافلات الشرقية في يافا، وهو الأكبر من نوعه في فلسطين، الضوء على ظهور الصناعات الثقيلة والتوجه نحو التحديث والتصنيع.

تَكشِف هذه الإعلانات عن مشهد تجاري ديناميكي كان قائماً يوماُ في فلسطين، يتسم بالتركز الحضري والاتصال الإقليمي ومزيج من الصناعات التقليدية والحديثة. وهي تقدم لمحة عن النسيج الاجتماعي والاقتصادي في ذلك الوقت، وتعرض سوقًا محلياً مزدهرة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحركة التجارة العالمية آنذاك.

كنز المفردات: سِجِل البِلاد الغني في قاعة

يُقَدم مَعرَض "كنز المفردات" رحلة فريدة عبر الزمان والمكان، ويكشف عن مجموعة مختارة من القطع الأثرية الثقافية القيّمة المحفوظة داخل المكتبة الوطنية. ويتيح هذا المعرض المتميز فرصة عميقة للتعمق في التاريخ والتراث من خلال النصوص المكتوبة والمطبوعة والمسجلة والمعروضة رقمياً. وسواء كانت هذه النصوص أدبية أو دينية أو علمية، فإنها تفتح نافذة على تجارب إنسانية متنوعة وثرية.

معرض كنز المفردات،المكتبة الوطنية الاسرائيلية

معرض كنز المفردات،المكتبة الوطنية الاسرائيلية

إنّه لمِنَ البَديهي عِندَ زِيارة أي مكتبةٍ في أَي مكان أن تجد قاعات مصفوفة بالكُتب ومَقاعد للزوار للدراسة أو القراءة. لا تختلف المكتبة الوطنيّة الاسرائيليّة عن غيرها من المكتبات في هذا الجانب، لكنّها تُخَبأُ في احدى زواياها كنزاً يميّزها عن قَريناتها. تحتوي المكتبة الوطنيّة الى جانب العدد الهائِلِ مِنَ الكُتب مجموعة مميزة من التحف القديمة والمخطوطات الغنية بلغات مُختَلِفة وذات الصّلة بثقافة البلاد واُتخذ القرار لِعَرضِ أَهَمِّها في قاعة من قاعات المكتبة كَمعرض تحتَ عنوان “كنز المفردات”.

يُقَدم مَعرَض “كنز المفردات” رحلة فريدة عبر الزمان والمكان، ويكشف عن مجموعة مختارة من القطع الأثرية الثقافية القيّمة المحفوظة داخل المكتبة الوطنية. ويتيح هذا المعرض المتميز فرصة عميقة للتعمق في التاريخ والتراث من خلال النصوص المكتوبة والمطبوعة والمسجلة والمعروضة رقمياً. وسواء كانت هذه النصوص أدبية أو دينية أو علمية، فإنها تفتح نافذة على تجارب إنسانية متنوعة وثرية.

يَهدفُ المعرض إلى إبراز القوة التحويلية للنصوص في تغيير العالم، وَصَقل الأَفكار، وَتَشكيل هَويّات الأَماكن والمجتمعات والأُمم. ويُسَلّط الضوء على كيف يمكن للنصوص أن تخلق حقائق جديدة وتعبر عن أرواح ومواهب المفكرين والكتاب والشعراء.

على الرُّغم من التصميم السّلس والمترابط للمعرض، فإنه يقدم مجموعة متنوعة من المواضيع. وتشمل هذه النصوص التأسيسية من اليهودية والإسلام والمسيحية، مخطوطات قديمة وحديثة لعيد الفصح؛ أصول الأبجديات العبرية والعربية وتطورها؛ نُسَخ متنوعة من القرآن الكريم وصحيح المسلم وأرشيفات لأدباء عرب كالأديب نزيه خير.

مصحف قرآني، بلاد فارس، القرن 10 هـ/ 16 م
مصحف قرآني، بلاد فارس، القرن 10 هـ/ 16 م

يُمكن للزّوار أن يفحصوا عن كثب القطع الفريدة والأصلية التي شكلت تاريخ وثقافة البلاد. ومن بين هذه المخطوطات مخطوطة قديمة توضح رحلة النبي محمد – عليه السلام- إلى السماء، والمعروفة بالإسراء والمعراج، والتي تصف من خلال الرسومات والأشعار كيف ارتحل من المسجد الأقصى على ظهر البراق وعرج إلى السماء. كما تُعرض أيضًا قصة الحب الفارسية الخالدة “مجنون ليلى” لنظامي، والتي تجاوزت الحدود الشرقية وألهمت العديد من الأعمال الفنية اللاحقة.

بالإضافة إلى ذلك، يعرض المعرض ثلاث رسائل مهمة للعالِم الإسلامي أحمد بن تيمية في القرن الرابع عشر. تتضمن هذه الرسائل، التي نسخها أحد تلاميذه المقربين بعد عقود من وفاته، نصوصًا مهمة عن تعاليمه والتي كان من الممكن أن تُفقد لولا هذه المخطوطة المحفوظة.

ولعل أكثر ما قد يجذب زوار المعرض في حال دخولهم هي الطاسات السحرية المعروضة في واجهة المعرض هذه الأوعية القديمة التي كانت تستخدم لاصطياد الشياطين من بابل، استخدمها اليهود لعدة قرون في طقوس طرد الأرواح الشريرة. تحتوي على تعويذات وصلوات وشتائم منقوشة، يعود تاريخ هذه الطاسات إلى الألفية الأولى بعد الميلاد، ويُعتقد أنها تحبس الأرواح الشريرة المسببة للمرض. غالبًا ما كان يتم دفن هذه الأوعية تحت المنازل من أجل الحماية. تظهر الأدلة الأثرية أن اليهود كانوا يعتبرون خبراء في صنع هذه الأوعية، حيث أن أكثر من 60% من الأمثلة المكتشفة تحتوي على نقوش يهودية.

هذه القطع الثمينة وذات الأهمية التاريخية، المكتوبة بالحبر على ورق وورق وألواح طينية، معرضة للتلف بسبب الضوء والرطوبة والظروف المناخية. لحمايتها، يتم عرضها في خزائن مصممة خصيصًا تحت ضوء خافت، مع تدوير بعض العناصر كل بضعة أشهر وفقًا لخطة محددة مسبقًا لتقليل التدهور.

وإلى جانب هذه المعروضات الحسّاسة، توجد عناصر أكثر متانة، مثل الشاشات الرقمية التي تعرض محتوى من المجموعات الصحفية التاريخية منها عناوين صُحُف من فترة فلسطين الانتدابية. كما يضم المعرض ركنًا صوتيًا حيث يمكن للزوار الاسترخاء على مقاعد مريحة والاستماع إلى التسجيلات الصوتية من الأرشيف للمكتبة.

علاوة على ذلك، فإن هذه الكنوز الثقافية مصحوبة بشاشات تعمل باللمس تتيح للمشاهدين رؤية صور مفصلة ومكبرة للمعروضات. على موقع المعرض، يمكن العثور على مجموعة مختارة من العناصر الأكثر روعة، ومعرفة القصص التي تقف وراءها، وفهم أهميتها الثقافية.

لمعلومات إضافية عن كيفية زيارة المعرض، اضغط هنا

زخرون يعقوب: كيفَ تُحيا الأراضي وهي رَميم

نقدم لكم في هذا المقال نبذة عن تاريخ واحدة من أول الكيبوتسات في اسرائيل، زيخرون يعكوب

زيخرون يعكوب، 1927،مجموعة روزا جوردون.

زيخرون يعكوب، 1927،مجموعة روزا جوردون.

في كانون الأول 1882، قَدِمَت مجموعة من اليهود الرومانيين، في رحلة نظمتها اللجنة المركزية للاستيطان في فلسطين وسوريا التابعة لأحباء صهيون الى مدينة حيفا وأخذوا أرضًا في التضاريس الصخرية والقاسية لقرية زَمارين، على أمل السكن والزراعة في المنطقة. لكن الرياح لم تأت بما تَشتهي سُفنهم، اذ أنَّ الأرضَ كانت صَعبة الزراعة، وأدى تفشي الملاريا إلى وفاة العديد من المستوطنين الأوائل، بما في ذلك الأطفال. وفي غضون عام، اضطر الكثيرون منهم للمغادرة، بسبب هذه الظروف القاسية.

وفي عام 1883، وصل الخلاص للمستوطنين على يَد البارون إدموند جيمس دي روتشيلد. قدّم البارون دعمه، وبدأ خططًا لتحويل الأرض للاستخدام الزراعي وإنشاء مجتمع سكني. وتحت رعايته تم تغيير اسم زمّارين إلى زخرون يعقوب، تكريما لوالده البارون جيمس (يعقوب) ماير دي روتشيلد.

وبتوجيه احترافي، شُقَّ شارعٌ رئيسي وأُحيطَ به منازل مستوحاة من الطراز الفرنسي ذات أسطح قرميدية حديثة. يتميز كل مسكن بفناء طويل ومساحة خلفية للزراعة. اليوم، يُعرف هذا الشارع باسم ميدراهوف، وهو طريق مشاة صاخب تصطف على جانبيه المقاهي والمتاجر المتخصصة، ويجذب السياح والسكان المحليين على حد سواء.

تولى إيليا شيد، كاتب البارون المخلص، إدارة المستعمرة الزراعية. تأكد من حصول المزارعين على أجور عادلة ووجّه ادارة الاقتصاد الزراعي وفق رؤية البارون. المبنى الذي يضم المكاتب الإدارية، حيث أقام البارون وزوجته أثناء زياراتهما، أصبح الآن بمثابة متحف “الهجرة الأولى”.

وامتدت مساهمات البارون إلى الحياة الروحية أيضًا. اذ بنى كنيس أوهيل يعقوب تكريما لوالده، وأصبح الكنيس بمثابة حجر الزاوية في المجتمع، حيث تتم الصلوات والفعاليات الدينية اليومية.

أدت بصيرة البارون أيضًا إلى إنشاء أول مصنع نبيذ في إسرائيل، مصنع نبيذ الكرمل-مزراحي. وعلى الرغم من النجاح الأولي، إلا أن تفشي نبات الفيلوكسيرا في عام 1892 دمر كروم العنب. ومع ذلك، فإن إدخال شتلات أمريكية مقاومة لنبات الفيلوكسيرا أدى إلى تجديد مصنع النبيذ الذي يستمر في الازدهار ويرحب بالزوار حتى اليوم.

كان نمو زخرون يعقوب ثابتًا، وعززه في عام 1912 وصول مهاجرين جدد من اليمن، ولا يزال العديد من أحفادهم يقيمون في المدينة. في فترة الانتداب البريطاني، تضاعف الانتاج الزراعي والتبغ والزيتون والزهور لصنع العطور. بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948، ارتفع عدد سكان البلدة، ليصل إلى 4200 بحلول عام 1951 واستمر في النمو إلى ما يقرب من 23000 اليوم.

تُعد بلدة زخرون يعقوب الحديثة مزيج نابض بالحياة من التاريخ والسحر المعاصر. اذ تضم حدائق روتشيلد التذكارية في “رماَتْ هَنَديف”، وهي محمية طبيعية جميلة، قبور البارون وزوجته. كما تمد زيارة مصنع النبيذ الكرمل، الزوار بتراث البلدة الغني.