من المعلومِ أنَّ الأنبياء اختارهم الله لتنوير الناس وهدايتهم إلى الطريق الصحيح، ولكن لماذا اختار بعض البشر أن يكونوا أنبياء دون غيرهم؟ ما الذي جعل حياة بعض الأشخاص مميزة جدًا بحيث كانت قصصهم تستحق أن تروى ولا تزال تُحكى حتى يومنا هذا؟
ونحن نقرأ قصص الأنبياء، لا يَسعنا إلا أن نلاحظ شيئاً مشتركاً بينهم، وهو أن حياتهم لم تكن سهلة أبداً، بل على العكس، كانت مليئةً بالتحدياتِ والمتاعب التي اختبرهم بها الله، ليرى إِن كانوا سيستمرون بالتصرف بالأخلاق الرفيعة أم سينحرفون إلى طريق الكذب والتلاعب والمكر، وهو الطريق الذي يعرفه معظم البشر العاديين جيد جداً.
ومن هذه القصص الرائعة قصة النبي يوسف التي كتبت كجزء من القرآن الكريم بعد أن أوحى بها الله على النبي محمد -عليه السلام-.
كتب الفقيه الحنبلي ابن الجوزي عام 1591 مخطوطة مكونة من 46 صفحة تحوي قصة النبي يوسف عليه السلام مستوحاة من سورة يوسف ومضيفاً بعض من تفسيراته وتعقيباته عليها تحت عنوان “قصة الصديق يوسف عليه السلام”. في المخطوطة مجموعة قصص تلخص أهم محطات حياة يوسف -عليه السلام- منها قصته مع اخوته وزليخا وتوليه المُلكَ في مصر، نلقي الضوء على بعضٍ من محتوى المخطوطة المتوفرة في المكتبة الوطنية.
تُبين المخطوطة بأنَّ نزول سورة يوسف كان بسبب تشكيك قريشٍ في نبوة النبي محمد، وفي سَعيهم لاختباره، طرحوا عليه أسئلة تٌتحدى بصيرته الروحية. ورواية قصة يوسف وإخوته غير المألوفة لأهل مكة تثبت صحة النبوة. من خلال الوحي الإلهي، نقل محمد تفاصيل معقدة للرواية غير المروية، مما يؤكد صحة نبوته. عملت السورة على رفع معنويات المؤمنين وسط الاضطهاد آنذاك، وقدمت لهم العزاء بأن أنبياء عانوا من قبلهم ونالوا من الدنيا والآخرة الخَير.
كتبَ ابن الجوزي أن يوسف -عليه السلام- وُلِدَ في عائلةٍ من الأنبياء، وهو ابن النبي يعقوب عليه السلام، وكان الابن الأصغر الذي يحتل مكانة خاصة في قلب أبيه، لكن هذه الرابطة العائلية أثارت الغيرة بين إخوة يوسف الأكبر سناً، الذين تآمروا عليه بدافع الحسد.
تبدأ قصة يوسف بحلم، اذ رأى في منامه أحد عشر كوكباً و الشمس و القمر يسجدون له. طلبَ يوسف الصبي المشورة من والده فيما يتعلق بتفسير الحلم، والذي نصحه بإخفاء الحلم عن إخوته خوفًا من حسدهم لأنه استنتج أن الأحد عشر كوباً يرمزون لأخوته الاحدى عشر. على الرغم من تحذير أبيه، و باصرار من أخوته و لكي لا يتسم بالكذب، باحَ يوسف برؤياه لاخوته.
تآمر إخوة يوسف ضده وعزموا على قتله، ومن المفارقة أنه و في خِضَّم ضَربهم له لم يسع النبي يوسف الا الضحك، مما استفز أخاه يهودا لسؤاله عما يضحكه وهو في هذه الحال فقال يوسف “بيني و بين الله سر” ، أدرك عندها يهودا فداحة فعله هو و اخوته و أقنعهم بعدم قتل يوسف وألقوا به في النهاية في بئر وخدعوا والدهم ليعتقد أن حيوانًا بريًا قد التهمه.
يعجب الملك ببصيرة يوسف، ويعينه رئيسًا للوزراء، ويكلفه بمسؤولية إدارة موارد مصر خلال الأزمة الوشيكة. وفيًا لسمعته، أثبت يوسف أنه قائد حكيم وصادق، مما يضمن استعداد شعب مصر للمجاعة المقبلة.
أثناء المجاعة، يسافر إخوة يوسف إلى مصر بحثًا عن الطعام، ويواجهون دون قصد شقيقهم المفقود منذ زمن طويل. بعد التعرف عليهم، يختبر يوسف صدقهم، ويكشف في النهاية عن هويته ويغفر لهم تجاوزاتهم الماضية. إن لم شمل يوسف مع عائلته، بما في ذلك والده الحبيب، هو لحظة مصالحة عميقة ومغفرة، مما يدل على القوة التحويلية للإيمان والرحمة.
وفي الختام، تُبين المخطوطة بأنَّ قصة النبي يوسف عليه السلام هي قصة خالدة عن الإيمان والصمود والتسامح، وتقدم دروسًا قيمة حول أهمية الثقة بالله، والصبر عند الشدائد، والرحمة تجاه الآخرين.وربما من أهم العبر في قصة يوسف الصديق هي أن على الانسان أن يتصرف بما تمليه عليه قيمه النبيلة دون الاكتراث بما يحيطه من العالم الخارجي، متسلحاً بالايمان بفكرة أن كل ما يمر به من مواقف صعبة، ان لم يسمح لها بتغييره ، ستودي به بالضرورة الى السعادة .