مِن المَعروف أنَّ الأَنبياء الّذين أَرسلهم الله كان لكل منهم معجزةً معينةٌ أو قُدرة خارقة يمكنه القيام بها. بالنسبة للنبي سليمان، كان لديه القدرة على التحدث مع الحيوانات. وقد وردت قصة سليمان -عليه السلام- في عدد من سور القرآن الكريم منها سورة الأنبياء والنمل وص.
توفر المكتبة الوطنية مخطوطة بعنوان “قصة سيدنا سليمان مع النملة” وهي نسخة مشرقية تعود للعام 1274 هجري/ 1857، تحتوي المخطوطة مجهولة المؤلف مجموعة من القصص ذات العلاقة بشخصيات إسلامية منها قصة النبي عيسى عليه السلام وابن شحمة ابن الصحابي عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وقصة سليمان عليه السلام. تتألف المخطوطة من خمسين صفحة نلقي الضوء على القسم الخاص بقصة سليمان عليه السلام منها.
سُليمان والنملة
وكان سليمان من الأنبياء القلائل الذين حظوا بثروة كبيرة. ودعا الله أن يمنحه ملكًا فريدًا لا يفوقه أحد، فأجاب الله طلبه، وأعطاه مملكة عظيمة ليحكمها. ولم يكن يحكم البشر فحسب، بل كان تحت إمرته الحيوانات والطيور والسحب والرياح وحتى الجن. كان سليمان قائداً حكيماً وعادلاً للإنسان والحيوان، وكان يتمتع بقدرة رائعة على فهم لغتهم.

في عصره، عاشت نملة معروفة بصفاتها القيادية بين أقرانها، وكانت دائمًا تعطي الأولوية لاحتياجات مجتمعها على احتياجاتها الخاصة. وفي أحد الأيام، بينما كان سليمان -عليه السلام- يقود قواته من الجن والإنس والطيور نحو وادي النمل، أدركت النملة التهديد الوشيك لمستعمرتها. اذ أن نوعها الصغير الذي لا يلاحظه أحد في كثير من الأحيان ليس لديه فرصة كبيرة في مواجهة الجيش الضخم.
أدركت النملة الخطر، فألحت على النملات بالرجوع إلى منطقة آمنة قائلة: “يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون”. ورغم المسافة الشاسعة وضجيج الجيش الزاحف، إلا أن سليمان -عليه السلام- فهم لغتها فابتسم.

استفزت النملة سليمان -عليه السلام- بجرأة عندما التقطها ووضعها على رأسه وسألته: “ماذا أعطاك الله؟” فأجاب سليمان-عليه السلام- بثقة: “مملكة عظيمة”. ثم سأل النملة: “وماذا لديكَ أنت؟” فأجابت: “لدي أنت تضعني على رأسك، ماذا أحتاج أكثر من ذلك؟” فغضب سليمان -عليه السلام- وأعادها إلى الأرض قائلاً: “ألا تعرفين من أنا؟” فردت النملة: “أنت إنسان موجود هنا مؤقتاً وسوف تموت يوماً ما”. بكى النبي عندما سمع كلماتها، لأنه أدرك الحقيقة في قولها، وأنه لا ينبغي له أن يفتخر بما أعطاه الله بشكل مؤقت ولا أن يشعر بالاستعلاء على أي من المخلوقات.

وعلى الرّغم من أَنَّه كانَ يَملك ثَروة دُنيوية هائلة، إلا أنَّ سُليمان -عليه السلام- تذكر على الفور نعمة الله عند سماعه نداء النملة. واعترف بهذه الهدية من الله بامتنان وأمر جيشه بتغيير مساره، مما أدى إلى إنقاذ مستعمرة النمل من الدمار. كان هذا التحول الملحوظ في الأحداث بسبب نداء نملة واحدة.
في الختام، تجسد قصة النبي سليمان -عليه السلام- مع النملة درسًا عظيمًا في التواضع والاعتراف بنعم الله، بغض النظر عن عظمة الملك والقوة التي يتمتع بها الإنسان. فقد أظهر سليمان -عليه السلام- أنه رغم القوة التي منحها الله له، كان قادرًا على الاستماع لنملة صغيرة والاستجابة لها بحكمة ورحمة.