زيخرون يعكوب، 1927،مجموعة روزا جوردون.
في كانون الأول 1882، قَدِمَت مجموعة من اليهود الرومانيين، في رحلة نظمتها اللجنة المركزية للاستيطان في فلسطين وسوريا التابعة لأحباء صهيون الى مدينة حيفا وأخذوا أرضًا في التضاريس الصخرية والقاسية لقرية زَمارين، على أمل السكن والزراعة في المنطقة. لكن الرياح لم تأت بما تَشتهي سُفنهم، اذ أنَّ الأرضَ كانت صَعبة الزراعة، وأدى تفشي الملاريا إلى وفاة العديد من المستوطنين الأوائل، بما في ذلك الأطفال. وفي غضون عام، اضطر الكثيرون منهم للمغادرة، بسبب هذه الظروف القاسية.
وفي عام 1883، وصل الخلاص للمستوطنين على يَد البارون إدموند جيمس دي روتشيلد. قدّم البارون دعمه، وبدأ خططًا لتحويل الأرض للاستخدام الزراعي وإنشاء مجتمع سكني. وتحت رعايته تم تغيير اسم زمّارين إلى زخرون يعقوب، تكريما لوالده البارون جيمس (يعقوب) ماير دي روتشيلد.
وبتوجيه احترافي، شُقَّ شارعٌ رئيسي وأُحيطَ به منازل مستوحاة من الطراز الفرنسي ذات أسطح قرميدية حديثة. يتميز كل مسكن بفناء طويل ومساحة خلفية للزراعة. اليوم، يُعرف هذا الشارع باسم ميدراهوف، وهو طريق مشاة صاخب تصطف على جانبيه المقاهي والمتاجر المتخصصة، ويجذب السياح والسكان المحليين على حد سواء.
تولى إيليا شيد، كاتب البارون المخلص، إدارة المستعمرة الزراعية. تأكد من حصول المزارعين على أجور عادلة ووجّه ادارة الاقتصاد الزراعي وفق رؤية البارون. المبنى الذي يضم المكاتب الإدارية، حيث أقام البارون وزوجته أثناء زياراتهما، أصبح الآن بمثابة متحف “الهجرة الأولى”.
وامتدت مساهمات البارون إلى الحياة الروحية أيضًا. اذ بنى كنيس أوهيل يعقوب تكريما لوالده، وأصبح الكنيس بمثابة حجر الزاوية في المجتمع، حيث تتم الصلوات والفعاليات الدينية اليومية.
أدت بصيرة البارون أيضًا إلى إنشاء أول مصنع نبيذ في إسرائيل، مصنع نبيذ الكرمل-مزراحي. وعلى الرغم من النجاح الأولي، إلا أن تفشي نبات الفيلوكسيرا في عام 1892 دمر كروم العنب. ومع ذلك، فإن إدخال شتلات أمريكية مقاومة لنبات الفيلوكسيرا أدى إلى تجديد مصنع النبيذ الذي يستمر في الازدهار ويرحب بالزوار حتى اليوم.
كان نمو زخرون يعقوب ثابتًا، وعززه في عام 1912 وصول مهاجرين جدد من اليمن، ولا يزال العديد من أحفادهم يقيمون في المدينة. في فترة الانتداب البريطاني، تضاعف الانتاج الزراعي والتبغ والزيتون والزهور لصنع العطور. بعد قيام دولة إسرائيل في عام 1948، ارتفع عدد سكان البلدة، ليصل إلى 4200 بحلول عام 1951 واستمر في النمو إلى ما يقرب من 23000 اليوم.
تُعد بلدة زخرون يعقوب الحديثة مزيج نابض بالحياة من التاريخ والسحر المعاصر. اذ تضم حدائق روتشيلد التذكارية في “رماَتْ هَنَديف”، وهي محمية طبيعية جميلة، قبور البارون وزوجته. كما تمد زيارة مصنع النبيذ الكرمل، الزوار بتراث البلدة الغني.