وُلد الشاعر نَزيه خير في قَرية داليةِ الكرمل الهادئة، الواقعة بالقرب من مدينة حيفا الصاخبة. نشأ نزيه في عائلة دُرزية مُتماسكة، مُحاطة بالأهل والثقافة والتقاليد الغنية لشعبه. منذ صغره، كان نزيه مفتونًا بقوة الكلمات، وهو الشغف الذي حمله معه طوال حياته.
كانت مَساعي نزيه الفكرية مجرد بداية لمساهماته في عالم الأدب. اذ قادَتهُ رحلته الأكاديمية إلى جامعة حيفا حيث انغمس في الأدب العربي والعلوم السياسية. وبحلول عام 1972، كان قد حصل على درجة البكالوريوس، وبعد أربع سنوات حصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية.
بقلب مليء بالحماس وعقل مفعم بالأفكار، تولى نزيه منصب رئيس تحرير مجلتي “48” و”اتحاد الكتاب العرب الفلسطينيين”. كما شارك حبه للغة العربية وآدابها مع الطلاب المتحمسين في كلية المعلمين. وبدأت مجموعاته الشعرية تنمو، وكان كل بيت انعكاسًا لارتباطه العميق بوطنه وشعبه.
وقد اعتبرت الموسوعة الفلسطينية نزيه أحد الشعراء الخمسة الرواد من المجتمع العربي داخل إسرائيل، وتجسد أعماله روح وإبداع الشعر الفلسطيني المعاصر. وكان لكلماته صدى واسع النطاق، مجسدة جوهر تجاربه وتطلعاته.
لكن قصة نزيه لا تنتهي عند شعره. طوال حياته، جمع ثروة من المواد التي أرّخت رحلته كشاعر. إن هذا الأرشيف الثمين، الذي احتفظت به عائلته بمحبة بعد وفاته عام 2008، هو شهادة على العمل الذي قام به طوال حياته.
لسنوات، ظل هذا الأرشيف سرًا عائليًا، ولمحة خاصة عن عالم شاعر مميز. ومع ذلك، في عام 2023، تولت المَكتبة الوطنية في القدس المهمة الضخمة المتمثلة في فهرسة وأرشفة مواد نزيه. وتم اتاحة الأرشيف رقمياً، لضمان استمرار ارثه للأجيال القادمة.
يحتوي الأرشيف قصائد مكتوبة بخط اليد، بعضها لم ير النور أبدًا، ومسودات، وقصاصات صحف، ومجلات. وصور تلتقط نزيه في مناسبات ثقافية مختلفة، في الداخل والخارج، وهو يختلط مع شخصيات بارزة مثل فدوى طوقان، وميشيل حداد، ونجيب محفوظ، وسميح القاسم، وروني سوميك، والشاعر الأمريكي ألين جينسبيرج. ترسم هذه الصور، إلى جانب الصور الشخصية والعائلية، صورة حية لحياة مخصصة للفن والتعبير.

واليوم، يمكن لزوار المكتبة الوطنية في القدس استكشاف مخزون تفصيلي من أعمال نزيه خير الشعرية، مع عرض بعض القطع بفخر في معرض دائم. ومن خلال هذا الحفظ الدقيق، يستمر صوت نزيه في الإلهام، مرددًا صدى الجمال الخالد لشعره والروح الدائمة لوطنه.
شِعر خير
بعد الاطلاع على أعماله، يتَعذَّرُ حصر شعر نزيه في تخصص واحد، وربما هذا ما يميزه. اذ يتوضح لنا سَكبَهُ كل جانب من جوانب حياته على الورق، من تجاربه الشخصية إلى آرائه السياسية.
يتميز شعر خير بمزجه بين الوطنية الفلسطينية والقومية العربية والموضوعات العالمية والانسانية. وقد خلق هذا المزيج الفريد، الذي أَثَرته معتقداته الدرزية التقدمية، تناغمًا نادرًا ما نجده بين الشعراء الآخرين. تعكس أعماله الفخر الوطني والعمق الثقافي، المتجذّرة بعمق في التراث العربي.

في فترات كتابته الأولى كتب عن صراعاته الشخصية، معبّرًا عن مشاعر الفقدان العميقة والإحساس العميق بالاغتراب بسبب هويته العربية الدرزية التي احتلت مساحة كبيرة من أعماله كما يظهر في قصيدته بين لحظتين، لكنه في الآن ذاته يرى أن كل ظلم أو حزن أو ألم ينتهي بالأمل، وهذا التفاؤل ينعكس كثيرًا في قصائده كما في قصيدته ما وراء الغيب.
يُقدم عمل نزيه رؤية فريدة لحياته المتعددة الأوجه، مما يوضح أنه لكي نفهمه حقًا، يجب على المرء أن يتعمق في أرشيفه الواسع. من خلال كلماته، يمكن للقراء استكشاف عمق عواطفه ومعتقداته والتراث الثقافي الغني الذي حدد رحلته الشعرية غير العادية.
